13:13 13:13 13:13 حكم الجهاد في سبيل الله
في حكم الجهاد عند العلماء ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية هو الذي لا يتعلق بكل مكلف من المسلمين عينا ، وإنما الفرض القيام به قياما كافيا من طائفة منهم ، فإذا قامت به طائفة كافية سقط فرضه عن غيرها ، وإن لم تقم به طائفة قياما كافيا ، كان فرضا على جميع المسلمين أن يخرجوا منهم من يكفي قيامهم به ، ولو لم يكف إلا المسلمون جميعا وجب عليهم القيام به جميعا ، ويأثمون كلهم بتركه ، فيصبح في هذه الحالة فرض عين لا فرض كفاية . وعلى هذا القول عامة المذاهب وجمهور علماء المسلمين .
وقد استدل أهل هذا القول بالقرآن والسنة من وجهين :
الوجه الأول : ورود نصوص دالة بعمومها على وجوب الجهاد .
الوجه الثاني : ورود نصوص تدل على أن ذلك الوجوب كفائي وليس عينيا .
1- النصوص الدالة على الوجوب بعمومها
أ – من القرآن :
من ذلك قوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) [ التوبة 5 ]
وقوله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم …) الآية [ البقرة : 266 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم …. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله … ) الآية [ 190-193 ]
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض …. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) [ التوبة : 38- 39 ]
وقوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ) [ التوبة 41 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة … ) [ التوبة 36 ]
ب ـ من السنة :
ـ من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجهاد واجب مع كل أمير ، برا كان أو فاجرا ) أخرجه أبو داود (3/40) وفي صحة الحديث كلام أوردته في كتاب ( الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته )
- وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ) رواه أبو داود ، وهو حديث صحيح .
- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم (3/1517) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ماتت على شعبة من نفاق ) .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .
قالوا : هذه النصوص واضحة في أن الجهاد فرض يأثم المسلمون بتركه ، لأنها وردت بصيغ لا تحتمل إلا ذلك ، كصيغ الأمر في قوله ) فاقتلوا المشركين . وقاتلوا في سبيل الله . واقتلوهم حيث ثقفتموهم . فإن قاتلوكم فاقتلوهم .( ( والكفار لا يكفون عن قتال المسلمين إلا لضعف طارئ أو خضوع المسلمين لهم ) ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا … )
وصيغة التوبيخ والإنكار كما في قوله ( مالك إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم من الحياة الدنيا بالآخرة . إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) .
هذا هو الوجه الأول من الاستدلال بالنصوص على أن الجهاد فرض لازم ، وهي واضحة في الدلالة على المراد .
أما الوجه الثاني الدال على أن فريضة الجهاد فرض كفاية ، وليست فرض عين فسيأتي في الحلقة القادمة .
أقوال العلماء مبسوطة في مصادرها ، وقد تركتها من أجل الاختصار ، وهي مستوفاة في الأصل ، وأذكر منها على سبيل المثال الكتب الآتية ، وهي شاملة للمذاهب الأربعة :
المبسوط (10/3) للسرخسي … الكافي لابن عبد البر (1463) حواشي تحفة المحتاج على المنهاج للنووي (9/212) المغني لابن قدامة (9/196) بداية المجتهد (1/ونهاية المقتصد (1/396)
الوجه الثاني الدال على أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين .
النصوص التي ذكرت في الوجه الأول دلت دلالة عامة على أن الجهاد فرض ، وقد وردت نصوص أخرى تدل على أن هذه الفريضة كفائية وليست عينية ، والقياس يقتضي ذلك أيضا .
أولا : الأدلة من القرآن الكريم :
من ذلك قول الله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة 122 ]
ودلالة الآية على المقصود من وجهين : الوجه الأول : في قوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) أي ما صح ذلك ولا استقام أن يهب جميع أفراد المؤمنين القادرين على الجهاد للغزو ، لما في ذلك من ضياع من وراءهم من العيال ، ومن ترك السعي للرزق وحرث الأرض وعمارتها التي لا يتم الجهاد إلا بها .
سواء فسر الفريق المتفقه في الدين بالنافرين للجهاد ، أم بالمقيم في البلد .
الوجه الثاني من دلالة الآية ، يؤخذ من قوله تعالى : ) فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ( فإنه ظاهر بأن الله تعالى كما نفى في أول الآية أن ينفر المسلمون للجهاد كافة ، حض في آخرها على أن ينفر من كل جماعة من المسلمين طائفة لتقوم الطائفة النافرة بفرض الجهاد الذي يسقط عن الباقية ، وتقوم الباقية بالمصالح التي لا بد منها …
ـ وقوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) [ النساء : 95 ]
ودلالة الآية على أن الجهاد فرض كفاية واضحة ، لأن الله فضل المجاهدين على القاعدين بدون عذر ، ووعدهم جميعا بالحسنى ، فالقاعد عن الجهاد بدون عذر لا يأثم إذا قام به غيره قياما كافيا ، ولم يستنفره ولي الأمر .
ـ وقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران 104 ]
والجهاد قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما فرض كفاية.
وفي الحلقة القادمة سيكون الكلام في دلالة السنة - وكذا المعنى - على أن الجهاد فرض كفاية .
( 5 )
ثانيا : الأدلة من السنة على أن الجهاد فرض كفاية:
1- من السنة القولية :
من ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل ، فقال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ، والأجر بينهما ) وفي رواية : ( وليخرج من كل رجلين رجل ) ثم قال للقاعد : ( أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ) رواه الإمام مسلم [ 3/1507 ].
فالحديث صريح في أن الجهاد ليس فرضا على الأعيان ، بل هو فرض كفاية ، وإلا لما قال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ] ولما أثبت للقاعد الذي يخلف الخارج أجرا
[ والأحر بينهما ]
ومن ذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلفه في أهله وماله بخير فقد غزا ) مسلم أيضا نفس الجزء والصفحة .
2- السنة الفعلية : فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزوات تارة ، ويبقى في المدينة تارة ، ويؤمر غيره على الغزوة أو السرية ، كما في حديث بريدة عن ، أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا علفى جيش أو سرية ، وصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : ( اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله … ) الحديث . رواه مسلم [ 3/1357 ]
ولم يكن يأمر جميع أصحابه بالخروج ، بل يأمر بعضهم دون بعض ، إلا أ ن يكون نفيرا عاما ،كما في غزوة تبوك . وهذا من أقوى الأدلة على أن الجهاد ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية .
2- المعنى يقتضي كون الجهاد فرض كفاية .
ومما يدل على أن الجهاد فرض كفاية المعنى الذي شرع له ، وهو إعلاء كلمة الله ، فإذا قامت به طائفة من المسلمين حتى تحقق هذا المعنى فعلت كلمة الله في الأرض ، وقُهِ أعداء الإسلام المحاربون له بتلك الطائفة ، فقد حصل المقصود الذي شرع له الجهاد ، فلا محل لجعله فرض عين على كل المسلمين كالصلاة مثلا .
تنبيه مهم
وهنا لا بد من التنبيه على معنى فرض الكفاية الذي لا يفهم فقهه كثير من الناس ، ولو فقهه المسلمون حق الفقه ، لكان للجهاد في هذا العصر شأن آخر ، غير ما أصيب به المسلمون من ذلة وصغار في كل أنحاء الأرض .
ففرض الكفاية الذي يسقط عن الأمة بقيام طائفة به ، هو أن تكون تلك الطائفة كافية في القيام به ، وليس المراد مجرد قيام طائفة مجاهدة ولو لم يكن جهادها كافيا ، فلا يصح إسقاط الجهاد عن الأمة الإسلامية كلهم بقيام طائفة منهم في جزء من الأرض ، ولو كانت كافية في ذلك الجزء ، مع بقاء أجزاء أخرى ترتفع فيها راية الكفر، فإن كل جزء من تلك الأجزاء يجب على المسلمين القريبين منه أن يجاهدوا – ما داموا قادرين - من حارب الله ورسوله وعباده المؤمنين ووقفوا عقبة لصد الناس عن الدعوة إلى الله حتى يقهروهم ، فإذا لم يقدروا على قهرهم ، وجب على من يليهم من المسلمين أن ينفروا معهم ، وهكذا حتى تحصل الكفاية . ولهذا فال في حاشية ابن عابدين : " وغياك أن تتوهم أن فرضيته ( الجهاد ) تسقط عن أهل الهند بقيام أهل الروم مثلا ، بل يفرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تقع الكفاية ، فلو لم تقع إلا بكل الناس فرض عينا ، كصلاة وصوم "
قلت : والذي يتأمل أحوال المسلمين مع أعداء الله المحاربين للإسلام ، يجد أن الجهاد اليوم فرض عين على كل قادر عليه من أفراد المسلمين ، وليس فرض كفاية ، لأن بعض طوائف المسلمين التي تقوم بالجهاد ضد عدوان الكفار على أرضها وعرضها ومقدساتها في عقر دارها لا تكفي لقهر عدوها ، بل العدو هو الذي يقهرها ، بل ينصر العدو عليها من يدعي الإسلام ، وما قضية المسلمين في فلسطين بخافية على المسلمين !!!
لا تنسونا من صالح الدعاء أخوكم أبـــــــ عبد الله ــــــــــــو
في حكم الجهاد عند العلماء ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية هو الذي لا يتعلق بكل مكلف من المسلمين عينا ، وإنما الفرض القيام به قياما كافيا من طائفة منهم ، فإذا قامت به طائفة كافية سقط فرضه عن غيرها ، وإن لم تقم به طائفة قياما كافيا ، كان فرضا على جميع المسلمين أن يخرجوا منهم من يكفي قيامهم به ، ولو لم يكف إلا المسلمون جميعا وجب عليهم القيام به جميعا ، ويأثمون كلهم بتركه ، فيصبح في هذه الحالة فرض عين لا فرض كفاية . وعلى هذا القول عامة المذاهب وجمهور علماء المسلمين .
وقد استدل أهل هذا القول بالقرآن والسنة من وجهين :
الوجه الأول : ورود نصوص دالة بعمومها على وجوب الجهاد .
الوجه الثاني : ورود نصوص تدل على أن ذلك الوجوب كفائي وليس عينيا .
1- النصوص الدالة على الوجوب بعمومها
أ – من القرآن :
من ذلك قوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) [ التوبة 5 ]
وقوله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم …) الآية [ البقرة : 266 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم …. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله … ) الآية [ 190-193 ]
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض …. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) [ التوبة : 38- 39 ]
وقوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ) [ التوبة 41 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة … ) [ التوبة 36 ]
ب ـ من السنة :
ـ من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجهاد واجب مع كل أمير ، برا كان أو فاجرا ) أخرجه أبو داود (3/40) وفي صحة الحديث كلام أوردته في كتاب ( الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته )
- وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ) رواه أبو داود ، وهو حديث صحيح .
- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم (3/1517) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ماتت على شعبة من نفاق ) .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .
قالوا : هذه النصوص واضحة في أن الجهاد فرض يأثم المسلمون بتركه ، لأنها وردت بصيغ لا تحتمل إلا ذلك ، كصيغ الأمر في قوله ) فاقتلوا المشركين . وقاتلوا في سبيل الله . واقتلوهم حيث ثقفتموهم . فإن قاتلوكم فاقتلوهم .( ( والكفار لا يكفون عن قتال المسلمين إلا لضعف طارئ أو خضوع المسلمين لهم ) ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا … )
وصيغة التوبيخ والإنكار كما في قوله ( مالك إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم من الحياة الدنيا بالآخرة . إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) .
هذا هو الوجه الأول من الاستدلال بالنصوص على أن الجهاد فرض لازم ، وهي واضحة في الدلالة على المراد .
أما الوجه الثاني الدال على أن فريضة الجهاد فرض كفاية ، وليست فرض عين فسيأتي في الحلقة القادمة .
أقوال العلماء مبسوطة في مصادرها ، وقد تركتها من أجل الاختصار ، وهي مستوفاة في الأصل ، وأذكر منها على سبيل المثال الكتب الآتية ، وهي شاملة للمذاهب الأربعة :
المبسوط (10/3) للسرخسي … الكافي لابن عبد البر (1463) حواشي تحفة المحتاج على المنهاج للنووي (9/212) المغني لابن قدامة (9/196) بداية المجتهد (1/ونهاية المقتصد (1/396)
الوجه الثاني الدال على أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين .
النصوص التي ذكرت في الوجه الأول دلت دلالة عامة على أن الجهاد فرض ، وقد وردت نصوص أخرى تدل على أن هذه الفريضة كفائية وليست عينية ، والقياس يقتضي ذلك أيضا .
أولا : الأدلة من القرآن الكريم :
من ذلك قول الله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة 122 ]
ودلالة الآية على المقصود من وجهين : الوجه الأول : في قوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) أي ما صح ذلك ولا استقام أن يهب جميع أفراد المؤمنين القادرين على الجهاد للغزو ، لما في ذلك من ضياع من وراءهم من العيال ، ومن ترك السعي للرزق وحرث الأرض وعمارتها التي لا يتم الجهاد إلا بها .
سواء فسر الفريق المتفقه في الدين بالنافرين للجهاد ، أم بالمقيم في البلد .
الوجه الثاني من دلالة الآية ، يؤخذ من قوله تعالى : ) فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ( فإنه ظاهر بأن الله تعالى كما نفى في أول الآية أن ينفر المسلمون للجهاد كافة ، حض في آخرها على أن ينفر من كل جماعة من المسلمين طائفة لتقوم الطائفة النافرة بفرض الجهاد الذي يسقط عن الباقية ، وتقوم الباقية بالمصالح التي لا بد منها …
ـ وقوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) [ النساء : 95 ]
ودلالة الآية على أن الجهاد فرض كفاية واضحة ، لأن الله فضل المجاهدين على القاعدين بدون عذر ، ووعدهم جميعا بالحسنى ، فالقاعد عن الجهاد بدون عذر لا يأثم إذا قام به غيره قياما كافيا ، ولم يستنفره ولي الأمر .
ـ وقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران 104 ]
والجهاد قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما فرض كفاية.
وفي الحلقة القادمة سيكون الكلام في دلالة السنة - وكذا المعنى - على أن الجهاد فرض كفاية .
( 5 )
ثانيا : الأدلة من السنة على أن الجهاد فرض كفاية:
1- من السنة القولية :
من ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل ، فقال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ، والأجر بينهما ) وفي رواية : ( وليخرج من كل رجلين رجل ) ثم قال للقاعد : ( أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ) رواه الإمام مسلم [ 3/1507 ].
فالحديث صريح في أن الجهاد ليس فرضا على الأعيان ، بل هو فرض كفاية ، وإلا لما قال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ] ولما أثبت للقاعد الذي يخلف الخارج أجرا
[ والأحر بينهما ]
ومن ذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلفه في أهله وماله بخير فقد غزا ) مسلم أيضا نفس الجزء والصفحة .
2- السنة الفعلية : فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزوات تارة ، ويبقى في المدينة تارة ، ويؤمر غيره على الغزوة أو السرية ، كما في حديث بريدة عن ، أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا علفى جيش أو سرية ، وصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : ( اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله … ) الحديث . رواه مسلم [ 3/1357 ]
ولم يكن يأمر جميع أصحابه بالخروج ، بل يأمر بعضهم دون بعض ، إلا أ ن يكون نفيرا عاما ،كما في غزوة تبوك . وهذا من أقوى الأدلة على أن الجهاد ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية .
2- المعنى يقتضي كون الجهاد فرض كفاية .
ومما يدل على أن الجهاد فرض كفاية المعنى الذي شرع له ، وهو إعلاء كلمة الله ، فإذا قامت به طائفة من المسلمين حتى تحقق هذا المعنى فعلت كلمة الله في الأرض ، وقُهِ أعداء الإسلام المحاربون له بتلك الطائفة ، فقد حصل المقصود الذي شرع له الجهاد ، فلا محل لجعله فرض عين على كل المسلمين كالصلاة مثلا .
تنبيه مهم
وهنا لا بد من التنبيه على معنى فرض الكفاية الذي لا يفهم فقهه كثير من الناس ، ولو فقهه المسلمون حق الفقه ، لكان للجهاد في هذا العصر شأن آخر ، غير ما أصيب به المسلمون من ذلة وصغار في كل أنحاء الأرض .
ففرض الكفاية الذي يسقط عن الأمة بقيام طائفة به ، هو أن تكون تلك الطائفة كافية في القيام به ، وليس المراد مجرد قيام طائفة مجاهدة ولو لم يكن جهادها كافيا ، فلا يصح إسقاط الجهاد عن الأمة الإسلامية كلهم بقيام طائفة منهم في جزء من الأرض ، ولو كانت كافية في ذلك الجزء ، مع بقاء أجزاء أخرى ترتفع فيها راية الكفر، فإن كل جزء من تلك الأجزاء يجب على المسلمين القريبين منه أن يجاهدوا – ما داموا قادرين - من حارب الله ورسوله وعباده المؤمنين ووقفوا عقبة لصد الناس عن الدعوة إلى الله حتى يقهروهم ، فإذا لم يقدروا على قهرهم ، وجب على من يليهم من المسلمين أن ينفروا معهم ، وهكذا حتى تحصل الكفاية . ولهذا فال في حاشية ابن عابدين : " وغياك أن تتوهم أن فرضيته ( الجهاد ) تسقط عن أهل الهند بقيام أهل الروم مثلا ، بل يفرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تقع الكفاية ، فلو لم تقع إلا بكل الناس فرض عينا ، كصلاة وصوم "
قلت : والذي يتأمل أحوال المسلمين مع أعداء الله المحاربين للإسلام ، يجد أن الجهاد اليوم فرض عين على كل قادر عليه من أفراد المسلمين ، وليس فرض كفاية ، لأن بعض طوائف المسلمين التي تقوم بالجهاد ضد عدوان الكفار على أرضها وعرضها ومقدساتها في عقر دارها لا تكفي لقهر عدوها ، بل العدو هو الذي يقهرها ، بل ينصر العدو عليها من يدعي الإسلام ، وما قضية المسلمين في فلسطين بخافية على المسلمين !!!
لا تنسونا من صالح الدعاء أخوكم أبـــــــ عبد الله ــــــــــــو
تعليق