أحداث غزة و الضفة الغربية ... و ضرورة تغليب الحكمة والمصلحة العامة
طغت المصادمات في الساحة الفلسطينية و ما تبعها من خطوات و إجراءات على كل المواضيع الأخرى سواء ما يتعلق بالحصار ومحاولة فكه أو الحوار من اجل ترتيب الوضع الداخلي أو تعزيز المقاومة في مواجهة عدوان إسرائيلي لا يتوقف ، و المؤسف أن الجولة الجديدة من الاقتتال جاءت في ذكرى النكبة الثانية و سقوط القدس و في ظل العمل المحموم لتكريس آثار النكبة و فرضها كأمر واقع ... لقد كانت هناك أسباب للخلاف و الاختلاف في الساحة الفلسطينية سواء بين حركات الجهاد والمقاومة و السلطة أو بين الفصائل الفلسطينية ذاتها ، لقد اكتسى الخلاف بين حركتي فتح وحماس طابعاً خاصاً ، تصاعدت حدته تارة وتراجعت تارة أخرى ، لكن في كل الأحوال تعايش الفلسطينيون مع تلك الاختلافات و اعتبروها أمراً طبيعياً في ظل التدافع الكبير حول القضية الفلسطينية و تعدد الاجتهادات والرؤى و اختلاف البرامج التي طرحت في مواجهة المشروع الصهيوني و القوى الداعمة له و المتحالفة معه ، وقد بلغت الخلافات في الساحة الفلسطينية ذروتها عشية التوقيع على اتفاق " أوسلو " و مجيء السلطة بناء على ذلك الاتفاق ، ورغم ذلك حاول الفلسطينيون جميعاً و بالذات حركات الجهاد والمقاومة تجنب الوصول إلى لحظة التصادم ، و بذلوا جهوداً كبيرة لامتصاص ردود الأفعال على السياسات التي انتهجتها السلطة انطلاقاً من التزامها ببنود " أوسلو " و أصبحت هناك ما تشبه الحدود المرسومة في العلاقة بين الفلسطينيين بحيث لا تصل الأمور أبداً إلى التصادم و الاقتتال ، و نجح الفلسطينيون مع واقعهم الداخلي حتى في وجود الخلاف والاختلاف و أبدعوا انتفاضتهم التي جمدت تلك الاختلافات إدراكاً منهم أن الأهداف العامة و الكبيرة تتطلب إظهار مسئوليات عالية لتجميع الطاقات و الجهود و ترسيخ أشكال التعاون و الالتقاء رغم الاختلاف في مواقف عديدة .
لكن الخلافات ازدادت حدة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني ( يناير ) عام 2005و نتائجها التي فاجأت الكثيرين محلياً و إقليمياً و دولياً وأعطت حماس الأغلبية التي لم يتوقعها أحد ، لقد غيرت نتائج الانتخابات الخارطة السياسية الفلسطينية و أحدثت هزة كبيرة في المنطقة كلها وكانت حركة فتح الخاسر الأكبر ، و بعد أن قادت النضال على مدى أربعة عقود أظهرت نتائج الانتخابات أن الأمور داخل فتح بحاجة إلى إعادة وتقييم بل إلى إصلاح جدري لعلاج أسباب الهزيمة القاسية التي منيت بها فتح و التي لم تكن خافية على احد .
وعلى مدى العام و النصف المنقضيان عاشت الساحة الفلسطينية أحداثاً عديدة بعد فرض الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني و حكومة حماس التي تشكلت بعد الانتخابات و كان التوتر بين فتح وحماس سمة بارزة لتلك الفترة و التي شهدت أيضاً محاولات متكررة لإيجاد حلول لمسألة الحكومة و الحصار و العلاقة بين فتح وحماس ، ورغم النجاح النسبي المتمثل في اتفاق " مكة المكرمة " انفجرت الأمور بالشكل الدامي في الأيام الماضية مما أدخل القضية الفلسطينية برمتها وليس فقط العلاقة بين فتح وحماس في مأزق جديد و مختلف هذه المرة ، و لا يستطيع أحد أن يخمن مدى و حجم تأثيرات ما حصل على مستقبل المقاومة و مستقبل القضية كلها ... و بعيداً عن التوصيف و تحديد المسؤوليات ... فإن ما حصل خطر و خطر جداً ومن الضروري أن نركز الحديث حول جملة من القضايا التي تتطلب جهداً خارقاً لتلافي التداعيات و الآثار السلبية لها :-
أولاً : لقد أوجدت الأحداث الخطيرة في قطاع غزة و الضفة الغربية حالة من الانفصال بين هاتين المنطقتين و قد عمل الفلسطينيون طوال الوقت من أجل تلافي حدوث ذلك ... الانفصال بين غزة والضفة كان هدفاً إسرائيلياً قاومه الفلسطينيون فصائل وسلطة و حكومة وشعباً ووجود حكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة مؤشر خطر لذلك الانفصال مما يستدعي وقفة جادة ومسئولة من الجميع .
ثانياً : يترتب على ذلك الانفصال محاولة إسرائيل الاستفراد بكل من الضفة الغربية وقطا غزة ، والتعامل بالتالي مع كلا منطقة على حدة و عزل عن المنطقة الأخرى و ستستغل إسرائيل هذا الوضع الغريب لابتزاز الفلسطينيين في كلا المنطقتين و المقايضة على التسهيلات و الخدمات و هذا بلا شك يزيد من صعوبة موقف الفلسطينيين سواء تواجدوا في الضفة الغربية أم في قطاع غزة .
ثالثاً : ستسعى أمريكا لاستغلال الوضع الجديد لتحقيق مزيد من الاختراق في الساحة الفلسطينية و المنطقة العربية من خلال تقديم دعمها و مساعدتها لفريق دون آخر ، و نحن نرى أن الحكمة هنا يجب أن تتغلب على العواطف و الانفعالات و يجب التعامل بحذر مع العروض و المواقف الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية التي اختبرت في غير مناسبة و لم تكن أبداً في صالح هذا الشعب وقضيته .
رابعاً : هناك ظاهرة غريبة على الشعب الفلسطيني و قيمه و أعرافه تمثلت في القتل و التمثيل و النهب و الإحراق لمنازل ومؤسسات و جمعيات و مقرات في قطاع غزة و الضفة الغربية و هذه الظاهرة لا يجوز أن تستمر و هي تضر بالفلسطينيين جميعاً و تقدم رسالة خاطئة للعالم ... و هذا الأمر يحتاج لتدخل سريع من فتح وحماس تحديداً و من كل الفلسطينيين لوضع حد لها و حتى لا تتعمق الهوة و لا تتكرس الكراهية و مشاعر الغضب .
خامساً : على مدي مائة عام من الصراع واجه الفلسطينيون أحوالاً ومروا بأزمات عديدة ، و اليوم هم يعيشون واحدة من الأزمات الكبيرة ، لكن الحقيقة الأكيدة أن إرادة هذا الشعب كانت دوماً أقوى من كل التحديات ، واللحظة القاسية التي نعيشها تتطلب إظهار مسئولية عالية وضبط نفس غير عادي لتجاوز هذه الأزمة بإذن الله .
سادساً : طوال العقود الماضية كانت هناك خلافات واختلافات بين الفلسطينيين لكن التوافق ظل هو الشعار الذي حكم الساحة الفلسطينية ، ورغم هول أحداث غزة والضفة فلا يجوز التخلي عن مبدأ التوافق و لا يجوز الرهان أبداً على مبدأ الإقصاء أو التهميش أو الاستفراد أو التفرد ... الفلسطينيون ملزمون بالتوافق و البحث عن الوسائل التي تعينهم للوصول إليه .
صحيح أن ما حصل كان خطيراً وقاسياً ، لكن الصراع في هذه المنطقة من العالم محكوم بأبعاد و عوامل تحتم على الفلسطينيين التعالي على جراحهم حتى لو كانت كبيرة و هي كبيرة بحق ... إن الفلسطينيين جميعاً ليس فتح وحماس يقفون أمام مفرق هو الأخطر منذ التوقيع على " أوسلو " و المطلوب هو تغليب الحكمة والمصلحة العامة على كل ما عداهما !!! .
خاص شبكة حوار بوابة الأقصى
الشيخ نافذ عزام
19/6/2007
طغت المصادمات في الساحة الفلسطينية و ما تبعها من خطوات و إجراءات على كل المواضيع الأخرى سواء ما يتعلق بالحصار ومحاولة فكه أو الحوار من اجل ترتيب الوضع الداخلي أو تعزيز المقاومة في مواجهة عدوان إسرائيلي لا يتوقف ، و المؤسف أن الجولة الجديدة من الاقتتال جاءت في ذكرى النكبة الثانية و سقوط القدس و في ظل العمل المحموم لتكريس آثار النكبة و فرضها كأمر واقع ... لقد كانت هناك أسباب للخلاف و الاختلاف في الساحة الفلسطينية سواء بين حركات الجهاد والمقاومة و السلطة أو بين الفصائل الفلسطينية ذاتها ، لقد اكتسى الخلاف بين حركتي فتح وحماس طابعاً خاصاً ، تصاعدت حدته تارة وتراجعت تارة أخرى ، لكن في كل الأحوال تعايش الفلسطينيون مع تلك الاختلافات و اعتبروها أمراً طبيعياً في ظل التدافع الكبير حول القضية الفلسطينية و تعدد الاجتهادات والرؤى و اختلاف البرامج التي طرحت في مواجهة المشروع الصهيوني و القوى الداعمة له و المتحالفة معه ، وقد بلغت الخلافات في الساحة الفلسطينية ذروتها عشية التوقيع على اتفاق " أوسلو " و مجيء السلطة بناء على ذلك الاتفاق ، ورغم ذلك حاول الفلسطينيون جميعاً و بالذات حركات الجهاد والمقاومة تجنب الوصول إلى لحظة التصادم ، و بذلوا جهوداً كبيرة لامتصاص ردود الأفعال على السياسات التي انتهجتها السلطة انطلاقاً من التزامها ببنود " أوسلو " و أصبحت هناك ما تشبه الحدود المرسومة في العلاقة بين الفلسطينيين بحيث لا تصل الأمور أبداً إلى التصادم و الاقتتال ، و نجح الفلسطينيون مع واقعهم الداخلي حتى في وجود الخلاف والاختلاف و أبدعوا انتفاضتهم التي جمدت تلك الاختلافات إدراكاً منهم أن الأهداف العامة و الكبيرة تتطلب إظهار مسئوليات عالية لتجميع الطاقات و الجهود و ترسيخ أشكال التعاون و الالتقاء رغم الاختلاف في مواقف عديدة .
لكن الخلافات ازدادت حدة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني ( يناير ) عام 2005و نتائجها التي فاجأت الكثيرين محلياً و إقليمياً و دولياً وأعطت حماس الأغلبية التي لم يتوقعها أحد ، لقد غيرت نتائج الانتخابات الخارطة السياسية الفلسطينية و أحدثت هزة كبيرة في المنطقة كلها وكانت حركة فتح الخاسر الأكبر ، و بعد أن قادت النضال على مدى أربعة عقود أظهرت نتائج الانتخابات أن الأمور داخل فتح بحاجة إلى إعادة وتقييم بل إلى إصلاح جدري لعلاج أسباب الهزيمة القاسية التي منيت بها فتح و التي لم تكن خافية على احد .
وعلى مدى العام و النصف المنقضيان عاشت الساحة الفلسطينية أحداثاً عديدة بعد فرض الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني و حكومة حماس التي تشكلت بعد الانتخابات و كان التوتر بين فتح وحماس سمة بارزة لتلك الفترة و التي شهدت أيضاً محاولات متكررة لإيجاد حلول لمسألة الحكومة و الحصار و العلاقة بين فتح وحماس ، ورغم النجاح النسبي المتمثل في اتفاق " مكة المكرمة " انفجرت الأمور بالشكل الدامي في الأيام الماضية مما أدخل القضية الفلسطينية برمتها وليس فقط العلاقة بين فتح وحماس في مأزق جديد و مختلف هذه المرة ، و لا يستطيع أحد أن يخمن مدى و حجم تأثيرات ما حصل على مستقبل المقاومة و مستقبل القضية كلها ... و بعيداً عن التوصيف و تحديد المسؤوليات ... فإن ما حصل خطر و خطر جداً ومن الضروري أن نركز الحديث حول جملة من القضايا التي تتطلب جهداً خارقاً لتلافي التداعيات و الآثار السلبية لها :-
أولاً : لقد أوجدت الأحداث الخطيرة في قطاع غزة و الضفة الغربية حالة من الانفصال بين هاتين المنطقتين و قد عمل الفلسطينيون طوال الوقت من أجل تلافي حدوث ذلك ... الانفصال بين غزة والضفة كان هدفاً إسرائيلياً قاومه الفلسطينيون فصائل وسلطة و حكومة وشعباً ووجود حكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة مؤشر خطر لذلك الانفصال مما يستدعي وقفة جادة ومسئولة من الجميع .
ثانياً : يترتب على ذلك الانفصال محاولة إسرائيل الاستفراد بكل من الضفة الغربية وقطا غزة ، والتعامل بالتالي مع كلا منطقة على حدة و عزل عن المنطقة الأخرى و ستستغل إسرائيل هذا الوضع الغريب لابتزاز الفلسطينيين في كلا المنطقتين و المقايضة على التسهيلات و الخدمات و هذا بلا شك يزيد من صعوبة موقف الفلسطينيين سواء تواجدوا في الضفة الغربية أم في قطاع غزة .
ثالثاً : ستسعى أمريكا لاستغلال الوضع الجديد لتحقيق مزيد من الاختراق في الساحة الفلسطينية و المنطقة العربية من خلال تقديم دعمها و مساعدتها لفريق دون آخر ، و نحن نرى أن الحكمة هنا يجب أن تتغلب على العواطف و الانفعالات و يجب التعامل بحذر مع العروض و المواقف الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية التي اختبرت في غير مناسبة و لم تكن أبداً في صالح هذا الشعب وقضيته .
رابعاً : هناك ظاهرة غريبة على الشعب الفلسطيني و قيمه و أعرافه تمثلت في القتل و التمثيل و النهب و الإحراق لمنازل ومؤسسات و جمعيات و مقرات في قطاع غزة و الضفة الغربية و هذه الظاهرة لا يجوز أن تستمر و هي تضر بالفلسطينيين جميعاً و تقدم رسالة خاطئة للعالم ... و هذا الأمر يحتاج لتدخل سريع من فتح وحماس تحديداً و من كل الفلسطينيين لوضع حد لها و حتى لا تتعمق الهوة و لا تتكرس الكراهية و مشاعر الغضب .
خامساً : على مدي مائة عام من الصراع واجه الفلسطينيون أحوالاً ومروا بأزمات عديدة ، و اليوم هم يعيشون واحدة من الأزمات الكبيرة ، لكن الحقيقة الأكيدة أن إرادة هذا الشعب كانت دوماً أقوى من كل التحديات ، واللحظة القاسية التي نعيشها تتطلب إظهار مسئولية عالية وضبط نفس غير عادي لتجاوز هذه الأزمة بإذن الله .
سادساً : طوال العقود الماضية كانت هناك خلافات واختلافات بين الفلسطينيين لكن التوافق ظل هو الشعار الذي حكم الساحة الفلسطينية ، ورغم هول أحداث غزة والضفة فلا يجوز التخلي عن مبدأ التوافق و لا يجوز الرهان أبداً على مبدأ الإقصاء أو التهميش أو الاستفراد أو التفرد ... الفلسطينيون ملزمون بالتوافق و البحث عن الوسائل التي تعينهم للوصول إليه .
صحيح أن ما حصل كان خطيراً وقاسياً ، لكن الصراع في هذه المنطقة من العالم محكوم بأبعاد و عوامل تحتم على الفلسطينيين التعالي على جراحهم حتى لو كانت كبيرة و هي كبيرة بحق ... إن الفلسطينيين جميعاً ليس فتح وحماس يقفون أمام مفرق هو الأخطر منذ التوقيع على " أوسلو " و المطلوب هو تغليب الحكمة والمصلحة العامة على كل ما عداهما !!! .
خاص شبكة حوار بوابة الأقصى
الشيخ نافذ عزام
19/6/2007
تعليق