بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من صلاح الدين الايوبي إلى فتحي الشقاقي .. سياسة التعاطي مع الشيعة واحدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من صلاح الدين الايوبي إلى فتحي الشقاقي .. سياسة التعاطي مع الشيعة واحدة
بقلم: لهيب السرايا (أبو القسم) | شبكة حوار بوابة الأقصى
إن الناظر في حال الأمة اليوم، والدارس لتاريخ الأمة، قادر على استنتاج الكثير من الدروس والعبر، وقادر على استخلاص الحل للمشاكل التي توجهها الأمة اليوم، فداء انقسام الامة يزداد والخطر الغربي يتوغل في الأمة الإسلامية، وكان حقاً علينا ان ننظر في تاريخ صلاح الدين الايوبي في التعامل مع انقسامات الأمة، فكم نحن بحاجة الى صلاح في وقتنا هذا، رجل يصلح الأمة وينهي انقسامها ويوحد الصفوف ويحرر البلاد من الصليب واليهود، وقد رأيت بعد دراسة أن الشقاقي والأيوبي يحملون نفس الأهداف والاستراتيجيات في هذا الأمر.
فاليوم نرى أن الشيعة ينظرون إلى السنة بأنهم وهابيين نواصب أعداء لآل البيت، يجب الثأر منهم فهم ابناء يزيد! والسنة ينظرون للشيعة بأنهم روافض يظهرون الايمان ويبطنون الكفر ويخدمون اعداء الامة والإسلام! وينسى الطرفان أن الصراع في التاريخ الإسلامي ليس صراع بين (سنة*شيعة) ولكنه صراع بين (أهل الحق*وأهل الباطل)، ونسي الطرفان أن الشيعة والسنة لكم توحدوا في تاريخهم للدفاع عن الأمة من الأخطار الخارجية التي تعصف بها.
وبالعودة إلى الزمن اللذي نشأ فيه صلاح الدين الأيوبي، سنجد ان الحال في ذلك الزمن هو نفسه الحال في يومنا هذا بل أكثر وزيادة، فالأمة افترقت كلمتها والاعداء تكالبو عليها، فالأقصى اجرم فيه الفرنج ومنطقة بيت المقدس خلت من المسلمين فمن حالفه الحظ ولم يقتل تم طرده منها .. إذن الحال ربما أسوأ بكثير من حال يومنا هذا بالنسبة لبيت المقدس... ولكن بشجاعة وحكمة القائد صلاح .. تحرر المسجد الأقصى وأنقذت مصر من شر الفرنجة، واستطاع ان يوحد الأمة في زمن عز فيه المصلحين والموحدين! كل هذا لأنه استطاع ان يمنع استنزاف الذات في الحروب الداخلية والانقسامات الطائفية.
كل هذا الكلام نعلمه جيداً، ولكن الأهم بتاريخ صلاح الدين الايوبي تعامله مع حكام الدولة العلوية الفاطمية في مصر، اللذين اعلنوا انفسهم خلفاء والخلافة لا تزال قائمة! وخرجوا عن جمهور الامة في العقيدة والفقه خروجا لم يسبق له مثيل وحاصروا اهل السنة حصاراً كبير لدرجة انه كان ممنوع قراءة صحيح البخاري في مصر .. بل واعتبروا قرائته جريمة!
ومع كل هذه الممارسات كان لصلاح الدين الايوبي حكمة في التعامل مع حكام هذه الدولة، فهو يعلم جيدا بالخطر الذي واجه الامة.. فالخطر الصليبي قادم من الشمال والمغولي قادم من الشرق، بل وأنه عندما استجند الخليفة الشيعي الفاطمي في مصر بحاكم الشام السنيّ نور الدين زنكي سارع صلاح الدين الايوبي بالتوجه الى مصر وأخذ منصب وزير في الدولة الفاطمية وغض النظر عن الاختلاف المذهبي بينه وبين حاكم الدولة التي يعملها بظلها وعن ممارسات الدولة الفاطمية ان ذاك.
وعندما إشتد بأس صلاح الدين في الدولة، واصبح له من المؤيدين الكثير، واصبح قائداً عسكرياً يهتف بإسمه الكثير، لم ينتقم من حكام الدولة الفاطمية بل عاملهم بكل رحمة وحكمة ووفاء.. وبعد وفاة الحاكم الفاطمي العاضد تولى صلاح الدين حكم الشام ومصر.
يروي ابن شداد ـ وهو كاتب صلاح الدين الخاص ومؤرخ سيرته ـ في كتابه "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" (ص 280-281) وأبو شامة في "كتاب الروضتين في تاريخ الدولتين" (ص 362-363)، بعض الأمور التي تعكس حكمة صلاح الدين وبعد نظره وفهمه لأخوة الإسلام التي لا تسقط إلا بسقوط أصل الإسلام.
يروي ابن شداد أن نور الدين زنكي لما أرسل إلى صلاح الدين من الشام يأمره بالدعاء لخلفاء بني العباس على المنابر، وهي الإشارة الرمزية إلى البيعة لهم والتخلص من منافسيهم الفاطميين، "راجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة"، وزاد أبو شامة الأمر توضيحا، بالقول: "فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم عن الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين"، فصلاح الدين كان حريصا على توحيد الكلمة بترفق وتلطف، ودون استعجال أو قفز على الوقائع الاجتماعية والثقافية المتراكمة على مر الزمان.
وبعد إصرار نور الدين على أن ينفذ صلاح الدين أمره، انتظر صلاح الدين حتى مرض الخليفة الفاطمي العاضد، فأقعده المرض عن حضور الصلوات وتسيير الشأن العام، فبدأ صلاح الدين في التنفيذ، ولو أراد تنفيذ الأمر في صحة الخليفة الفاطمي وقوته لفتح الباب أمام اقتتال داخلي بين المسلمين في مصر.
ثم لما مات العاضد بُعيد ذلك بمدة وجيزة ندم صلاح الدين على استعجاله في تحويل الخطبة، وعدم التروي أكثر في الأمر. قال أبو شامة: "وأما ندمُ صلاح الدين، فبلغني أنه كان على استعجال بقطع خطبته وهو مريض، وقال: لو علمت أنه يموت من هذا المرض ما قطعتها إلى أن يموت".
وقبل أن يموت العاضد لم يجد أكثر رحمة وثقة من صلاح الدين ليستودعه أبناءه ويوصيه بإكرامهم، رغم بعد الشقة المذهبية بين الطرفين.
ولما مات الخليفة الفاطمي لم يظهر صلاح الدين شماتة ولا غبطة برحيل عدوه المذهبي، كما يشمت حملة الفكر الطائفي اليوم بعضهم ببعض، بل "جلس السلطان للعزاء، وأغرب في الحزن والبكاء، وبلغ الغاية في إجمال أمره؛ والتوديع له إلى قبره" كما يقول ابن شداد، فلم ينس صلاح الدين للعاضد أنه عينه وزيرا لمصر، واستودعه ثقته، وحمَّله لواء الدفاع عن مصر ضد الصليبيين.
صلاح الدين كان يدرك أن الخلاف بين أهل الملة الواحدة يجب أن يتم حسمه في ساحة الفكر، لا في ساحة المعركة، وأن هذا الخلاف مهما تعاظم وتراكم على مر القرون، ومهما تجاوز الفروع إلى الأصول، يظل خلافا داخل البيت الواحد، لا يصلح التعامل معه بغير الحوار المتأسس على الحجة والبرهان.
وبهذه الرؤية الحكيمة الرحيمة غير صلاح الدين وجه مصر من دولة يحكمها الفكر الشيعي إلى دولة يسود فيها الفكر السني، دون أن يجر المجتمع المسلم إلى حرب استنزاف طائفي بين السنة والشيعة. وكانت منهجية صلاح الدين هي تغيير المناخ الفكري والفقهي السائد بطريقة مترفقة هادئة دون مواجهة أو ضوضاء، فأسس صلاح الدين مدارس كثيرة في مصر والشام وفلسطين تحمل الفكر والفقه السني، منها المدرسة الناصرية والمدرسة القمحية والمدرسة السيفية في مصر، ومنها المدرسة الصلاحية في دمشق، ومدرسة بنفس الاسم في القدس.
وحينما ثار ثوار على صلاح الدين، وحاولوا اغتياله واستعادة السلطة الفاطمية، وبدؤوا الاتصال بالصليبيين، عاملهم صلاح الدين بحزم، طبقا لفعلهم لا طبقا لفكرهم. وكان من بين الثوار على صلاح الدين السني المتعصب لتسننه والشيعي المتعصب لتشيعه، خلافا لما يقدمه البعض اليوم من قراءة طائفية صرفة لتلك الحقبة التاريخية.
وقد نشبت ثورات أخرى عدة تهدف إلى استعادة السلطة الفاطمية، وواجهها صلاح الدين بحزم وقوة. لكن صلاح الدين كان يؤاخذ الناس بفعلهم لا بمذهبهم، فهو لم يقتل الشيعة لأنهم شيعة أو السنة لأنهم سنة، وإنما قتل من تآمر لاسترداد حكم فاسد مترهل، عاجز عن حماية الأمة والذب عن حياضها، مفرق لكلمتها ووحدتها.
بعد ثمانية قرون خرج رجل سنيّ يحمل فكر صلاح الدين، وان لم يكسب شهرة وشرف تحرير بيت المقدس كما صلاح الدين، هو الأمين الدكتور المعلم فتحي الشقاقي، سعى الشقاقي للتوحيد بين السنة والشيعة وحصر خلافهم في الفكر لا على الأرض، الشقاقي امام وثورة، الشقاقي رمز للسنة، الشقاقي صاحب فكر وعمل في زمن عز فيه الفكر والعمل.
[overline]اذن اخواني خلاصة الموضوع نلخصها في نقاط:-[/overline]
1- لا يعني فكر التوحد بين السنة والشيعة الاخلال بالعقيدة ، فصلاح الدين الايوبي عمل وزيرا تحت ظل دولة شيعية ولم يخل ذلك بعقيدته، والشقاقي فتح افقاً واسعا في العلاقات بين ايران الشيعية واهل السنة في فلسطين ولم يخل ذلك بعقيدته او عقيدتنا.
2- بوحدة المسلمين تنتصر الأمة، وبدونها تصبح فريسة سهلة لأعدائها الاستعماريين.
3- لا شك أن المستفيد الوحيد من الخلاف الواقع بين السنة والشيعة هو اسرائيل والغرب، فهم يتبعون سياسية ( فرّق تسد ).
4- ظهرت قنوات على التلفاز تسيء لوحدة الامة كقناة (وصال) التي لا نراها تعبئ على اليهود او الغرب وكل همها تمزيق الوحدة بين السنة والشيعة، فهذه قنوات لا شك انها تنفذ اجندات للغرب ربما من يقف ورائها يعلم بذلك وربما هو يجهل بذلك.
5- سعى صلاح الدين الأيوبي الى مواجهة الفكر بقوة الفكر، والجرم بالقانون والسيف، وليس من العدل أن يتم إزهاق نفس بسبب تبنيها فهما مغايرا للإسلام.
6- كان صلاح الدين رجل عمل لا جدل، مدركا أن الاستغراق في أمور الخلاف والوقوف عندها طويلا استنزاف للذات. فعمل على استنقاذ الأمة من حالة الطوارئ التي تعيشها، بالعمل الإيجابي في ساحة الحرب وفي ساحة الفكر، ولم يستنزف جهده في أمور الخلاف والجدل النظري.
7- اعتمد صلاح الدين طريق الترفق والتدرج في التغيير الفكري الذي ارتآه، لأن الجفاء في الإنكار على المخالفين من المسلمين المتلبسين ببعض البدع، دون لطف أو ترفق، أو اعتبار للمآل والثمرات، يعمق الجرح ويوسع الشرخ، دون أن يصلح الخلل أو يحقق المصلحة المرجوة.
وبهذه المودة والحكمة والرحمة ساد صلاح الدين الأيوبي وبقيت ذكراه بعد أكثر من 800 عام على رحيله، فهو رجل فعل وليس قول وفقط، رجل وحدة لا فرقة وخلاف، رجل انتصار لا رجل انهزام، وكل من يسعون الى نشر الخلاف بين السنة والشيعة اليوم هم انهزاميون، ينفذون اجندات الغرب سواء اكانوا يعلمون ام لا، فكم نحن بحاجة إلى ان يسود فكر الوحدة بيينا في الوطن العربي والإسلامي.. كم نحن بحاجة الى الوحدة الإسلامي.. رحمك الله يا صلاح .. رحمك الله يا بنّا.. رحمك الله يا شقاقي.
تعليق