بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ستين عاماً من النكبة ...الفلسطينيون أكثر تشبثاً بالأرض !!
كانت القضية الفلسطينية و ستظل نابضة بالحياة مهما تغيرت الظروف والمراحل ، وأياً كان حجم التفاؤل أو التشاؤم الذي يرافق تلك التغيرات ، فقد حملت هذه القضية من المضامين والأبعاد الإلهية و الغيبية والواقعية ما يكفي لإبقائها على رأس جدول حياة كل فلسطيني وكل فرد في هذه الأمة و قد تأكدت هذه الحقيقة عبر المراحل المختلفة و المتناقضة التي مرت بها القضية الفلسطينية ، و حتى بعد توقيع م .ت . ف اتفاق " أوسلو "و ما رافقه من مظاهر التطبيع و محاولة رسم خارطة المنطقة من جديد على قواعد ذلك الاتفاق ، فإن العناصر المقدسة في القضية الفلسطينية قد كنست تلك الأوهام وأعطت الفلسطيني الفرصة مرة أخرى لتصحيح سير التاريخ و عدم الخضوع للحسابات الخطأ في التعاطي مع واقع فرضته موازين القوى الظالمة ، وقد كان موضوع القدس و حق عودة اللاجئين من أهم العناصر المقدسة هذه ، و التي أفشلت العديد من المشاريع والخطط الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية و تشكيل الشرق الأوسط الجديد حسب المشروع الأمريكي - الصهيوني ..
و لعل ذكرى النكبة في أيار من كل عام تمثل استحضاراً مأساوياً لهذه الحقائق ، حقائق الصراع و حقائق التاريخ معاً ، الأيديولوجيا و الجغرافيا الماضي والحاضر والمستقبل ، الهوية والوطن و الحلم الذي لم يتحقق ، وهذا بلا شك يعمق إحساس الفلسطينيين بالمرارة و فقدان الثقة بالقوى الدولية التي لم تنصفهم رغم مرور كل هذه السنين ، لكنه في ذات الوقت يزيد من تشبثهم بحقوقهم وآمالهم و الأحلام التي كبرت على صدر الأيام و المجازر وتوالي النكبات !!.
لقد حصلت النكبة قبل تسعة و خمسين عاماً و كان الإنسان جوهر تلك النكبة ، سواء الذي قُتل و ذُبح على أيدي العصابات اليهودية في تلك السنوات ، أو الذي أُجبر على المغادرة و الرحيل ليصبح لاجئاً داخل الوطن أو خارجه و ليكون السبب الرئيسي في ظهور مصطلح " حق العودة " ... عاش الفلسطينيون – بلا جدال – أياماً صعبة أحاطتها الأهوال من كل جانب ، بُقرت بطون نسائهم و ذُبح أطفالهم و قُطعت أجساد شبابهم في مجازر ارتكبها اليهود في وضح النهار و لم يتم محاسبة احد من القتلة حتى هذه اللحظة أمام محكمة الجنايات الدولية أو أي هيئة دولية أخرى ، وعانى الذين ظلوا في الضفة الغربية وقطاع غزة من الأحوال الاقتصادية المتردية و انعدام فرص العمل لتعود " إسرائيل " لاحتلال هذه المناطق و إكمال اغتصاب فلسطين في الصيف السابع والستين من القرن الماضي و لتزداد معاناة سكان هذه المناطق و تتردى أحوالهم في جميع المستويات ، ولم يكن سكان المنافي بأحسن حالاً ... و توالت التطورات و التراجعات والهزائم و صولاً لتوقيع الاتفاقيات مع إسرائيل عربياً و فلسطينياً و ترافق مع ذلك احباطات هائلة و ضغوط باتجاه إنهاء كل ما يذكر الفلسطينيين بحقهم و بالذات موضوع " حق العودة " ... ورغم ذلك و بدون أية مبالغات كان الفلسطينيون يزدادون تشبثاً بحقوقهم بشكل عام " وحق العودة " بشكل خاص و بات الأجداد والآباء يورثون الأبناء جيلاً بعد جيل هذا الارتباط المدهش بالأرض والهوية و أضفت التضحيات و العذابات و دماء الشهداء مزيداً من القداسة على هذا الارتباط حتى أصبح من المستحيل و جود سياسي فلسطيني صغيراً أم كبيراً يجرؤ على المجاهرة بشطب هذا الحق أو المساومة عليه ، و ليس أدل على ذلك من عدم قبول الفلسطينيين الذين قبلوا بمبدأ التفاوض مع " إسرائيل " و توقيع الاتفاقيات معها لأي تنازل عن حق العودة أو تضمين الاتفاقيات – رغم وجود ضغوط هائلة – أية بنود تلغي ذلك الحق المقدس أو تنكره أو تطالب الفلسطينيين بنسيانه !! و لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن تذكر التقارير المتواترة عن " كامب ديفيد " الثانية أن موضوع حق العودة هو الذي فجر مفاوضات الكامب تلك ووقف حائلاً دون الوصول للاتفاق الذي أرادته أمريكا "و إسرائيل " ..
قد تتبدل موازين القوى و تكون في غير صالحنا – كما هو حاصل الآن – و قد تُطرح مشاريع أمريكية و غير أمريكية تحاول إنهاء القضية الفلسطينية و تغير ملامح المنطقة استناداً إلى القوة و البطش ، وقد يضعف العرب ويعجزون عن حماية مصالحهم التي تقف فلسطين على رأسها ، بل يمكن أن يظهر زعيم عربي هنا أو هناك في هذه الحقبة أو تلك ليرسل إشارات بخصوص حق العودة خصوصاً ... لكن ذلك لا يغير في الواقع شيئاً ، ولا يخدش مشهداً واحداً في ذاكرة الفلسطيني المزدحمة بآلاف و عشرات آلاف الصور والمشاهد و الأحداث ... وعلى الأرض تتكرس المقاومة و تتحول إلى طقس يحيط احتفال الفلسطينيين بذكرياتهم و أيامهم كذكرى النكبة ... و تكبر أجيال و تولد أجيال جديدة ، تحمل " حق العودة " ميراثاً وهوية ...
و اليوم على أعتاب العام الستين لنكبة الأمة الأولى في فلسطين ... تخيم الكآبة على المنطقة و العالم ، يتجرع الفلسطينيون مرارة الصراع وكأنه بدأ لتوه ، لا تزال حكايات الأجداد والآباء خضراء حية تفيض بالدم و الدموع و الشجن ... و فيما يزداد العالم فظاظة ووحشية ، يزداد حنين الفلسطينيين للأرض و الحق والحلم !!! .
بقلم الشيخ المجاهد / نافذ عزام
خاص بشبكة حوار بوابة الأقصى
14 / 5 /2007
بعد ستين عاماً من النكبة ...الفلسطينيون أكثر تشبثاً بالأرض !!
كانت القضية الفلسطينية و ستظل نابضة بالحياة مهما تغيرت الظروف والمراحل ، وأياً كان حجم التفاؤل أو التشاؤم الذي يرافق تلك التغيرات ، فقد حملت هذه القضية من المضامين والأبعاد الإلهية و الغيبية والواقعية ما يكفي لإبقائها على رأس جدول حياة كل فلسطيني وكل فرد في هذه الأمة و قد تأكدت هذه الحقيقة عبر المراحل المختلفة و المتناقضة التي مرت بها القضية الفلسطينية ، و حتى بعد توقيع م .ت . ف اتفاق " أوسلو "و ما رافقه من مظاهر التطبيع و محاولة رسم خارطة المنطقة من جديد على قواعد ذلك الاتفاق ، فإن العناصر المقدسة في القضية الفلسطينية قد كنست تلك الأوهام وأعطت الفلسطيني الفرصة مرة أخرى لتصحيح سير التاريخ و عدم الخضوع للحسابات الخطأ في التعاطي مع واقع فرضته موازين القوى الظالمة ، وقد كان موضوع القدس و حق عودة اللاجئين من أهم العناصر المقدسة هذه ، و التي أفشلت العديد من المشاريع والخطط الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية و تشكيل الشرق الأوسط الجديد حسب المشروع الأمريكي - الصهيوني ..
و لعل ذكرى النكبة في أيار من كل عام تمثل استحضاراً مأساوياً لهذه الحقائق ، حقائق الصراع و حقائق التاريخ معاً ، الأيديولوجيا و الجغرافيا الماضي والحاضر والمستقبل ، الهوية والوطن و الحلم الذي لم يتحقق ، وهذا بلا شك يعمق إحساس الفلسطينيين بالمرارة و فقدان الثقة بالقوى الدولية التي لم تنصفهم رغم مرور كل هذه السنين ، لكنه في ذات الوقت يزيد من تشبثهم بحقوقهم وآمالهم و الأحلام التي كبرت على صدر الأيام و المجازر وتوالي النكبات !!.
لقد حصلت النكبة قبل تسعة و خمسين عاماً و كان الإنسان جوهر تلك النكبة ، سواء الذي قُتل و ذُبح على أيدي العصابات اليهودية في تلك السنوات ، أو الذي أُجبر على المغادرة و الرحيل ليصبح لاجئاً داخل الوطن أو خارجه و ليكون السبب الرئيسي في ظهور مصطلح " حق العودة " ... عاش الفلسطينيون – بلا جدال – أياماً صعبة أحاطتها الأهوال من كل جانب ، بُقرت بطون نسائهم و ذُبح أطفالهم و قُطعت أجساد شبابهم في مجازر ارتكبها اليهود في وضح النهار و لم يتم محاسبة احد من القتلة حتى هذه اللحظة أمام محكمة الجنايات الدولية أو أي هيئة دولية أخرى ، وعانى الذين ظلوا في الضفة الغربية وقطاع غزة من الأحوال الاقتصادية المتردية و انعدام فرص العمل لتعود " إسرائيل " لاحتلال هذه المناطق و إكمال اغتصاب فلسطين في الصيف السابع والستين من القرن الماضي و لتزداد معاناة سكان هذه المناطق و تتردى أحوالهم في جميع المستويات ، ولم يكن سكان المنافي بأحسن حالاً ... و توالت التطورات و التراجعات والهزائم و صولاً لتوقيع الاتفاقيات مع إسرائيل عربياً و فلسطينياً و ترافق مع ذلك احباطات هائلة و ضغوط باتجاه إنهاء كل ما يذكر الفلسطينيين بحقهم و بالذات موضوع " حق العودة " ... ورغم ذلك و بدون أية مبالغات كان الفلسطينيون يزدادون تشبثاً بحقوقهم بشكل عام " وحق العودة " بشكل خاص و بات الأجداد والآباء يورثون الأبناء جيلاً بعد جيل هذا الارتباط المدهش بالأرض والهوية و أضفت التضحيات و العذابات و دماء الشهداء مزيداً من القداسة على هذا الارتباط حتى أصبح من المستحيل و جود سياسي فلسطيني صغيراً أم كبيراً يجرؤ على المجاهرة بشطب هذا الحق أو المساومة عليه ، و ليس أدل على ذلك من عدم قبول الفلسطينيين الذين قبلوا بمبدأ التفاوض مع " إسرائيل " و توقيع الاتفاقيات معها لأي تنازل عن حق العودة أو تضمين الاتفاقيات – رغم وجود ضغوط هائلة – أية بنود تلغي ذلك الحق المقدس أو تنكره أو تطالب الفلسطينيين بنسيانه !! و لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن تذكر التقارير المتواترة عن " كامب ديفيد " الثانية أن موضوع حق العودة هو الذي فجر مفاوضات الكامب تلك ووقف حائلاً دون الوصول للاتفاق الذي أرادته أمريكا "و إسرائيل " ..
قد تتبدل موازين القوى و تكون في غير صالحنا – كما هو حاصل الآن – و قد تُطرح مشاريع أمريكية و غير أمريكية تحاول إنهاء القضية الفلسطينية و تغير ملامح المنطقة استناداً إلى القوة و البطش ، وقد يضعف العرب ويعجزون عن حماية مصالحهم التي تقف فلسطين على رأسها ، بل يمكن أن يظهر زعيم عربي هنا أو هناك في هذه الحقبة أو تلك ليرسل إشارات بخصوص حق العودة خصوصاً ... لكن ذلك لا يغير في الواقع شيئاً ، ولا يخدش مشهداً واحداً في ذاكرة الفلسطيني المزدحمة بآلاف و عشرات آلاف الصور والمشاهد و الأحداث ... وعلى الأرض تتكرس المقاومة و تتحول إلى طقس يحيط احتفال الفلسطينيين بذكرياتهم و أيامهم كذكرى النكبة ... و تكبر أجيال و تولد أجيال جديدة ، تحمل " حق العودة " ميراثاً وهوية ...
و اليوم على أعتاب العام الستين لنكبة الأمة الأولى في فلسطين ... تخيم الكآبة على المنطقة و العالم ، يتجرع الفلسطينيون مرارة الصراع وكأنه بدأ لتوه ، لا تزال حكايات الأجداد والآباء خضراء حية تفيض بالدم و الدموع و الشجن ... و فيما يزداد العالم فظاظة ووحشية ، يزداد حنين الفلسطينيين للأرض و الحق والحلم !!! .
بقلم الشيخ المجاهد / نافذ عزام
خاص بشبكة حوار بوابة الأقصى
14 / 5 /2007
تعليق