المخرج من الأزمة الفلسطينية يكمن في "ثورة جماهيرية"
أ. خالد سيف الدين
إني أنقل لكم ما كلفني به الأخ الحبيب الأستاذ/ خالد سيف الدين..
بداية حمدا لله على سلامتكم جميعا أيها الأخوة الأعضاء في هذه الشبكة المباركة.. وأتمنى الشفاء العاجل للجرحى والمرضى.. والرحمة للشهداء ـ الأكرم منا جميعا ـ، والحرية لأسرى الحرية.
ها أنا أعود من جديد بعد طول انقطاع وغياب خارج عن إرادتي ولظروف قاهرة خاصة بي، لكني عدت مثقلا بالهموم والأتعاب، ونفسية محطمة، ليست هذه الأتعاب والهموم من جراء الحرب الصهيونية بقدر ما هي من الممارسات التي كانت تمارس من قبل "المنتصرين" قبل وأثناء وبعد (الانتصار)!!
العدو الصهيوني لم نكن نتأمل منه أثناء الحرب أن يقصفنا بالورود والأزهار، أو بالقنابل العطورية، إنما كنا ننتظر منه دوما الأسوأ، لا لشيء إلا لأنه عدو.. لكن الذي كان يثير الحنق والضيق والألم والحسرة في النفس، الممارسات التي كانت تأتيها (...) بحق الجماهير ـ لاسيما المجاهدين ـ في فترة الحرب وبعدها.
حتى لا أطيل في المقدمة، هنا أضع هذا الموضوع، وآمل من الجميع أن يقرأه بعقله لا بعاطفته، وآمل أن يتم تجاهل كل المداخلات الصبيانية. لذلك يا أخوة لا تعيروها أي اهتمام، ولا تحولوا الصفحة إلى صراع مع (المنتصرين) في حرب الفرقان!!
ما من فرد من أفراد المجتمع الفلسطيني (كبارا وصغارا.. ذكورا وإناثا.. أطفالا وشبابا وشيبة) إلا واكتوى بنار الانقسام "الأثيم" الذي أحدثته حماس، ويعيش المجتمع الفلسطيني حالة من الانقسام والتشطير والتشظي بين (ضفة وغزة).
فالممارسات اليومية ـ التي زادت شراسة وعنفا بعد الانتصار في حرب الفرقان ـ التي يشهدها المجتمع الفلسطيني على كافة الأصعدة وفي كافة مناحي الحياة (الدينية، السياسية، الاقتصادية، التعليمية، الصحية، الإعلامية، الأخلاقية والقيمية) تعزز الانقسام "الأثيم" وتزيد وتعمّق الشرخ. ولا يجني ثمرات وويلات هذا الانقسام "الأثيم" إلا الجماهير الفلسطينية "المغلوبة على أمرها"، والتي كانت بمثابة "شياه وأنعام" تذبح بالجملة في الحرب من خلال الطائرات والزوارق والدبابات الصهيونية. حتى ضاقت هذه الجماهير ذرعا من نمط الحياة وأسلوب العيش الذي تحياه، وانقطعت بها كافة السبل ـ إلا من الله تعالى ـ.
الجماهير الفلسطينية فقدت الثقة في جميع قوى وفصائل ومؤسسات المجتمع المدني ـ بدون استثناء ـ، والجماهير تبحث لها عن مُخرِج ومُخلِّص من حالة الانقسام "الأثيم" هذه، إلا أن الجماهير لا تستطيع أن تتصرف وحدها. ولو تصرفت وحدها سيكون تصرفها فوضويا ـ غوغائيا لا فائدة مرجوة منه، لذلك هي في أشد الحاجة إلى من يقودها وينظم أفعالها وتحركاتها، حتى تحقق الهدف المرجو منها.
كذلك فقدت الجماهير الفلسطينية الثقة في محاولات رأب الصدع (المحلية والعربية والإسلامية)، ودعوة طرفي النزاع للجلوس على مائدة الحوار وحل القضايا الشائكة والعالقة بينهما. وكلاهما (فتح وحماس) يكيل ويوزع الاتهامات لنقيضه بأنه هو السبب في إفشال الحوار وتضييع الفرصة.
أضف إلى ذلك، أن الأطراف الوسيطة في حل النزاع ليست نزيهة بالشكل المأمول منها، إذ أنها إلى هذه اللحظة لم تشر بأصابع الاتهام إلى من يحاول إفشال الحوار. وإن كانت الجماهير الفلسطينية ليست "غبية" إلى هذا الحد الذي يجعلها لم تعرف أو تحدد من الذي يعرقل جهود الحوار؟! لكن بتوجيه أصابع الاتهام من الجهات الوسيطة إلى الطرف المعرقل للحوار تكون أدعى وأقوى لكشف عوراته وسوءاته، وفضح ممارساته في المجتمع التي ضاق بها الناس ذرعا.
والمتأمل في حال الحركات والفصائل الفلسطينية ـ التي هي خارج دائرة الأزمة ـ يجد أن مواقفها وأفعالها لم ترتق إلى مستوى الحدث، وإنما اكتفت بدور "الوسيط ـ العاجز"، والإدلاء بتصريحات الإدانة والشجب والاستنكار، ودعوات الآمال والترجي، دون أن تكون هناك خطوات احتجاج واعتراضات شعبية هي تقودها وتحركها تعبيرا عن حالات الرفض والاستياء الجماهيري لحالة الانقسام.
علما أن جميع قادة وعناصر ومؤسسات الفصائل نالهم من "الحب الحمساوي" جانبا، حيث الاعتقال والإساءات المادية والمعنوية لهم، والقائمة تطول للإشارة إلى نماذج الإساءة التي تعرضوا لها.
وبالوقوف عند "حركة الجهاد الإسلامي" لطالما تغنت وتشدقت أنها حركة طليعية وأنها دوما تقف بجانب الجماهير وتدافع عن حقوقهم، وأن شعارها بأن "الجماهير هم أداة التغيير". وأنها هي مفجرة ثورة المساجد 1987م.
وكذا قوى اليسار عامة و"الجبهة الشعبية" خاصة ـ التي احتفلت قبل الحرب أيام قليلة بقبولها عضوا في المنتدى الشيوعي العالمي ـ!!
أليس من الأسس التي تقوم عليها الماركسية الدفاع عن حقوق ومصالح طبقة البروليتاريا (العمال)؟!! أين قوى اليسار من الدفاع عن حقوق العمال؟، أليست هذه الطبقة (البروليتاريا/ العمال) هي الأكثر تضررا من آثار الانقسام والحصار الذي يعيشه القطاع؟!
يضاف إلى عجز وشلل الفصائل الفلسطينية؛ مؤسسات المجتمع المدني المهمشة والمغيبة تماما عن الساحة، فلم نعد نسمع لها صوتا أو فعلا ملموسا في الشارع، إنما تكتفي ببعض تصريحات الإدانة الخجولة.
لذلك، لابد من إعادة تقييم لدور الفصائل وقوى مؤسسات المجتمع المدني لتقوم بالدور المطلوب منها على الوجه الأكمل. وخير وسيلة للخلاص من حالة الانقسام، بعد فشل كل الوساطات الفصائلية والخارجية، هو أن يكون للجماهير كلمتها (كلمة الفصل) من خلال القيام بـ "ثورة جماهيرية" تعبر من خلالها عن رفضها وسخطها عن الحالة التي آلت إليها القضية الفلسطينية، وظروف الناس الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية السيئة.
هذه "الثورة الجماهيرية" المفترض أن يقودها فصائل وقوى ومؤسسات المجتمع المدني، يجب أن يكون هدفها الأكبر والأوحد هو: الضغط على طرفي النزاع للجلوس على مائدة الحوار، وإعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني، وأن تقول هذه الثورة "كفى" لممارسات حماس السلبية والوحشية الممارسة بحق الجماهير في غزة، فهي لم تدع شيئا بغزة إلا وقد أخذ نصيبه من التعنت والتجبر والظلم الحمساوي، ناهيك عن التصرفات المماثلة لها في الضفة.
لابد لهذه الثورة أن تكون أهدافها واضحة، ووسائلها متعددة ومتنوعة.
كلنا يقين أن هذه "الثورة" لن تكون الطريق أمامها مفروشة بالورود، بل ستعترضها العقبات والمضايقات والاعتقالات والتشهير والإساءة والتوظيف السلبي والخاطئ للنصوص الدينية باعتبار هؤلاء الثوار خارجين عن الصف الوطني وعن الشرعية والإجماع الديني الذي تحظى به "المنتصرة حماس"!!، لكن إذا توافرت العزيمة والإرادة القويتان عند الجماهير للخروج من حالة الانقسام "الأثيم"، كل شيء سيهون، وستجد المدد والعون الجماهيري الذي لا حد له، لأنها (الجماهير) هي بحاجة إلى من يحركها ويوجهها فقط.
أننا لا ندعو إلى عنف أو إراقة دماء، إنما ندعو إلى ثورة جماهيرية وفعاليات شعبية "سلمية"، رسالتها موجهة إلى طرفي النزاع (كفى.. كفى).
كفى ظلما.. كفى انقساما وتشرذما.. كفى تشتتا وتمزقا.. كفى لتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام.. كفى عن تزويد الجماهير بشحنات من الحقد والكراهية عبر أبواق الفتنة.. كفى عن توظيف الدين لتحقيق مصالح حزبية ضيقة.. كفى لكل ممارسة لا تتماشى مع ديننا وأخلاقنا وأعرافنا الفلسطينية.
تعليق