الخميني.. الحل الإسلامي والبديل
قراءة تحليلية
أ. خالد سيف الدين
نزولا عند رغبة الأخ/ خالد عمر بشرح كتاب "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل" أولا، وللرد على بعض الأخوة الذين يعتبرون هذا الكتاب نقطة سوداء في تاريخ الحركة، ويسبب لهم الحرج عند ذكره ثانيا، قمت بعملية تحليل للكتاب في محاولة لرفع الغشاوة عن أعينهم.
كلمة لابد منها:
مؤلف كتاب "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي ـ الأمين العام السابق والمؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ـ، وقد جاء تأليف الكتاب بُعيد أحداث انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بتاريخ (12/2/1979).
كلنا يعلم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت تخضع سابقا لنظام حكم (الشاه)، الذي كان مواليا للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، ومن شدة ولائه حبه لهذين العدوين وصف الخميني نظام الشاه يقوله: "أن نظام الشاه والكيان الصهيوني وجهان لعملة واحدة". وقد كان نظام الشاه يعمل على قمع ومنع الحركات الإسلامية.
لذلك كان لابد من قيام ثورة ضد هذا النظام الطاغية للتخلص منه ومن شروره، وبالفعل كانت الثورة التي كان قائدها وموجهها "الخميني".
وقد كانت البدايات الأولى للثورة الإسلامية الإيرانية منذ العام 1964، والجديد في هذه الثورة أنها كانت (ثورة جماهيرية)، لم تسقط نظام الشاه لا بالطائرات ولا المدافع ولا البوارج الحربية.
الثورة الإيرانية على هذه الشاكلة نالت إعجاب الدكتور الشقاقي ورأى فيها إمكانية تطبيقها في فلسطين، حيث عقّب الشقاقي على انتصار الثورة الإيرانية بقوله: "كنا نعتقد قبل... الخميني أنه لا يمكن هزيمة العدو المستكبر وإزالة الكيان الصهيوني... [الخميني] وبقيادته لهذا الانتصار للإسلام العظيم في القرن العشرين أعطانا الأمل بأن الإسلام الذي أسقط الشاه يمكن أن يسقط بقية الشاهات ويحرر فلسطين".
وفي موضع آخر يقول: "الثورة الإسلامية [الإيرانية] كان لها صدى في فلسطين أكثر من أي بلد عربي وإسلامي آخر. لأن فلسطين تعايش احتلال صهيوني ـ استيطاني ـ إحلالي، يهجّر السكان ويريد أن يطمس المعالم (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية، والثقافية)، إلى جانب تخاذل عربي وموقف فلسطيني رسمي... انتصار الثورة الإسلامية أوصل للشعب الفلسطيني رسالة: بإمكان الشعوب أن تهزم جيشا حديثا وتتحرر من التبعية، وأن قوة الإسلام لا تقاوم".
وبالفعل عمل الشقاقي على نقل نجاح تجربة الثورة الإيرانية إلى فلسطين، حيث كان لحركة الجهاد الإسلامي فضل السبق في تفجير ثورة المساجد (6/10/1987).
وكما يحدثني أحد الأخوة الذين كانوا مقربين من الدكتور الشقاقي في مرحلة مصر، أن الشقاقي كان يتابع أحداث الثورة الإسلامية لحظة بلحظة من خلال وكالات الأنباء الدولية، وكان يدون ملاحظاته وقراءته لأحداث الثورة، حتى أنه تكهن بانتصار الثورة قبل انتهاءها، وبالفعل تحققت صدق نبوءته.
كما ذكرت آنفا أن الثورة انتصرت في تاريخ (12/2/1979)، وبعد (أربعة أيام) من انتصار الثورة الإيرانية أصدر الدكتور الشقاقي كتابه (الخميني: الحل الإسلامي والبديل)، أي في تاريخ (16/2/1979). وقد كانت الطبعة الأولى (10.000) عشرة آلاف نسخة، التي نفذت من السوق في أقل من أسبوع.
قد يسأل سائل: لِمَ الإقبال على هذا الكتاب الذي يتحدث عن ثورة إيرانية لا عربية؟، السبب بسيط جدا، أن الجماهير العربية والإسلامية ـ عموما ـ كانت متعطشة لخطاب إسلامي ثوري بعد أن انتهت صلاحيات الخطاب الاشتراكي والعلماني والتقليدي التي كانت خطابات جوفاء ما جلبت على الأمة إلا المصائب والهزائم والخسائر، وانحطاط المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا هذا من جهة، ومن جهة ثانية تريد الجماهير أن تعرف ما هو السر وراء انتصار هذه الثورة الإسلامية، بعد سلسلة من الهزائم والانتكاسات والنكبات التي حلت بالأمتين العربية والإسلامية، وما هي حقيقة النظام الإيراني السابق، وما هي حقيقة الثورة الإيرانية؟
وعلى إثر هذا الكتاب اعتقل الدكتور الشقاقي لمد (أربعة) أيام ثم أفرج عنه، وقد أعيد اعتقاله ثانية بتاريخ (20/7/1979) في سجن القلعة بسبب نشاطه السياسي، وقد استمرت مدة الاعتقال (أربعة أشهر).
الإهداء
وقد جاء في كلمات الإهداء، أهدى هذا الكتاب إلى: رجلي القرن:
الإمام الشهيد حسن البنا..
والإمام الثائر آية الله الخميني".
اختيار الشقاقي لهذين الرجلين لم يكن اعتباطيا، ولا مجرد صدفة، إنما كان نتيجة تأمل وتفكّر لما لهذين الرجلين من تأثير كبير في تغيير الأحداث في الوطن الإسلامي لصالح الإسلام العظيم.
فالأول (حسن البنا): هو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، التي ظهرت في مصر "الإسماعيلية"، في وقت كان الوطن الإسلامي يعيش حالة من الذل والهوان والانكسار، وفي وقت تفشت فيه مظاهر الانحلال الأخلاقي والإداري والسياسي، باختصار الفساد الذي تفشى في كافة مناحي الحياة. ومن أجل الإصلاح والتخلص من هذا الوضع المرضي والخطير تبنى "البنا" منهجا إصلاحيا تربويا في محاولة لأعداد جيل قرآني متخلق بأخلاق الإسلام، يساهم هذا الجيل مستقبلا في الارتقاء بالإسلام بعيدا عن الشبهات.
أما الثاني (الخميني): فقد تبنى منهجا وأسلوبا ثوريا في التخلص من نظام عميل لعدوي الأمة الإسلامية (الصهيونية والصليبية). وقد نجح في هذا الأسلوب الذي كسب تعاطفا جماهيريا كبيرا ليس على صعيد إيران فحسب، بل على صعيد الجماهير في الوطن الإسلامي الكبير. لأنه من خلال هذا الانتصار أعطى الأمل من جديد للجماهير بأن الإسلام لازال بخير، وأنه سيقود الأمة من جديد. وكما قال الشقاقي أن الجماهير الفلسطينية رأت في انتصار الثورة الفلسطينية بارقة أمل أكثر من غيرها من الجماهير العربية والإسلامية، كون أن فلسطين خاضعة لأسوء أنواع الاحتلال (الاستيطاني ـ الإحلالي).
نواة حركة الجهاد الإسلامي الأولى لم تقف بجانب مدرسة "البنا" دون مدرسة "الخميني"، أو العكس، بل قامت بما يشبه المعادلة الكيميائية، فمزجت وركّبت عناصر المدرستين (الإصلاحية والثورية)، فخرجت بمعادلة جديدة، هي: (حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين) التي جمعت بين الجانب الفكري والمنهج التربوي من جهة، والمنهج الثوري من جهة ثانية.
هذا وقد وقع الكتاب في مقدمة وسبعة فصول مقسمة كالآتي:
الفصل الأول/ الحركة الإسلامية والتحدي.
الفصل الثاني/ الخميني.. المفكر والمناضل.
الفصل الثالث/ أصول الفكر الشيعي.
الفصل الرابع/ إيران من سنة 1906-1978.
الفصل الخامس/ نظام الشاه (دراسة وتحليل).
الفصل السادس/ المعارضة والأقليات.
الفصل السابع/ الموقف الدولي.
وفي كل حلقة سنتناول فصل من هذه الفصول.
يتبع في الحلقة الثانية...
تعليق