التعددية الحزبية
أ. خالد سيف الدين
إن في الاجتهاد واختلاف وجهات النظر وتعددها "رحمة للأمة". وللفرد حرية اختيار المذهب أو التنظيم الذي يؤمن به ويعتنقه ويلتحق به، لما يعتقد بأنه يتماشى مع أفكاره ومبادئه ومعتقداته ومكوناته الشخصية وهو الأقرب إلى الصواب ـ (أقول الأقرب إلى الصواب لا الصواب كله، وهذا ما يجب أن يتربى عليه النشء، لكن لو قالت الجماعة بأنها هي الصواب كله، بهذا المعنى تخطيء بقية الجماعات الأخرى، وتناصبها العداء كون أنها خارجة عن الصواب التي تؤمن هي به) ـ ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية دخول الفرد في إطار تنظيم أو جماعة ما ليس غاية في حد ذاته، إنما هو وسيلة من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى والأكبر، وهو خدمة الإسلام والمسلمين، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وفيما يخصنا نحن على أرض الرباط والجهاد (فلسطين)، يضاف هدف آخر "تحرير" أرضنا ومقدساتنا من دنس ورجس يهود.
على الرغم مما سبق، فإن هناك رؤية تشاؤمية فيما يتعلق بظاهرة التعددية الحزبية، لما تحمله في طياتها من بذور الشقاق وتمزيق وتفتيت نسيج المجتمع والأمة، وبث روح الحقد والكراهية والضغينة بين أفراد المجتمع، بسبب الأدلجة (التنشئة السياسية) الخاطئة المتبعة لدى بعض التنظيمات، والتي قوامها التعصب الحزبي، والانغلاق والجمود الفكري، وغياب مفاهيم وقنوات الحوار واللقاء، ورفض الآخر، وعدم احترام آرائه.
والذي يثير المخاوف والقلق في النفس، محاولة أعداء الله والأمة والوطن التلحين كثيرا على وتر "التعددية الحزبية" باعتباره مظهراً من مظاهر الديموقراطية، من أجل تفريخ أحزاب وجماعات سياسية لها أفكار ورؤى أيديولوجية مختلفة، وهي في مجملها أفكار مشوهة ـ مبتورة، أو دعم هذه الجماعات والأحزاب بالمال والسلاح لتنفيذ أجندات خارجية لا تتماشى ومصلحة الدين والأمة والوطن. وأحيانا تطفو على السطح جماعات طفيلية صغيرة بسبب مصالح شخصية وخاصة، فإذا اختلفت مجموعة من الأشخاص مع تنظيمهم "الأم" انشقت وشكلت جماعة جديدة باسم جديد، ويصبح جل همهما كشف عورات وسوءات وأسرار تنظيمهم الأصلي.
والملاحِظ للجماعات والتنظيمات السياسية يجد أنها لا تخرج عن واحدة من ثلاث: (متطرفة ـ متشددة، وسطية ـ معتدلة، مفرطة ـ متسيبة). وخير هذه الجماعات وأفضلها على الإطلاق "الوسطية المعتدلة" لأنها هي سمة ديننا الإسلامي الحنيف.
وللجماعات مذاهب واجتهادات متنوعة، فقد تجد:
1. جماعات تهتم بالتربية الروحية دون أي اهتمام يذكر بقضايا الأمة والوطن سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الفكرية.
2. جماعات تعطي اهتماما كبيرا بالعمل المسلح دون الاهتمام بالإعداد التربوي والروحاني.
3. جماعات سلفية، تتمسك بالتراث والماضي دون إعادة قراءة لهذا التراث ومحاولة جعله يتماشى مع الواقع وروح العصر، إنما هي تتعامل مع نصوص جامدة، تتمسك بصغائر الأمور، ومظاهر شكلية مثل: (السواك، الجلباب القصير، إعفاء اللحية، حف الشارب، محاربة إحياء المناسبات الدينية مثل: ذكرى المولد النبوي أو ليلة الإسراء والمعراج أو رأس السنة الهجرية أو ليلة النصف من شعبان... إلخ). ولا تعطي أدنى اهتمام بمشكلات وهموم الأمة المعاصرة.
4. جماعات تكفيرية تخرج الناس من الملة.
5. جماعات تهتم بالدعوة والتبليغ، دون فهم واضح وصحيح للدين، ودون الإعداد الجيد (دينيا، وعلميا، ولغويا، أو حتى مظهر خارجي) لهذه المهمة.
الملاحظة الجديرة بالذكر، في ظل تعدد الجماعات الدينية فإن المساجد ودور العبادة قد تتحول إلى مراكز وبؤر صراع (خفي وعلني) بين تلك الجماعات، فكل جماعة تريد أن يكون لها مساجد خاصة بها حتى تنشر من خلالها ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات ومبادئ، وتجند أكبر عدد من المناصرين والمعتنقين لأفكارها. ونسوا أو تناسوا قول الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}.
وفيما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني نجد أن الصراع واضحا جليا بين حركتي (حماس والجهاد الإسلامي)، فكل واحدة منهما تريد أن تشرف على أكبر عدد من المساجد، إلا أن حركة حماس ـ وبدون تجني ـ تريد أن تسيطر على كافة المساجد، ولا تؤمن بشيء اسمه "الشراكة"، إنما تؤمن بشيء اسمه "التسلط والهيمنة ورفض الآخر ونفيه وعزله". فكثيرة هي المشكلات التي افتعلتها حماس مع شقيقتها الجهاد الإسلامي في بيوت الله تعالى (المساجد)، ومن صور هذه المشكلات: (طرد أنصار الجهاد الإسلامي من المساجد، التشويش على جلساتهم وحلقاتهم الدينية والتعليمية، تمزيق نشراتهم الإعلامية، التعدي بالضرب على العناصر، التعدي باستخدام الألفاظ النابية، إرسال المناديب والمتنصتين على الجلسات).
السؤال: إذا وصلت هذه الخلافات والمشاحنات إلى حصن الأمة الأخير (المسجد)، فمن أين يرجى الخير في هذه الأمة؟! ما الذي يمنع أن يكون هناك نوع من التنسيق والتناغم والتكامل بين الجماعات الإسلامية المختلفة؟!
لو توافرت نية الاجتماع والوحدة بين الجماعات الإسلامية، لما كان هذا هو حالنا، ولحققت الجماعات الإسلامية نجاحات كبيرة، وحققت جل أهدافها.
بنظرة دقيقة فاحصة إلى واقع الجماعات الإسلامية، نتوصل إلى أن كل جماعة من هذه الجماعات تكمّل الأخرى، ولا واحدة منها تنفي الأخرى. خذ على سبيل المثال:
جماعة الدعوة والتبليغ: تأتي بعامة الناس من المقاهي وقارعة الطرقات والأماكن العامة إلى المساجد، في محاولة للالتزام والتمسك بمبادئ الدين، وهذا دور عظيم لا أحد ينكره.
بعدها يأتي دور الجماعات التي تهتم بتعليم أمور الدين المختلفة: (تحفيظ القرآن الكريم، الحديث ، التفسير، العقيدة، السيرة، حياة الصحابة والسلف الصالح).
بعدها يأتي دور الجماعات التي تهتم بالجانب الفكري والسياسي التوعوي والثقافي.
أخيرا يأتي دور الجماعات التي تؤمن بالجهاد والعمل المسلح لتحرير الأرض والمقدسات.
هكذا تكون كل جماعة مكملة للأخرى، والأفراد لا يشعرون بنوع من التناقض بين الجماعات الإسلامية، وتتلافى كل جماعة تخطيء الأخرى والتقليل من مكانتها ومن جهدها وعملها. {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
تعليق