حركة الجهاد الإسلامي.. وعلاقتها بإيران
تصحيح الرؤية
أ. خالد سيف الدين
عندما تطرح سؤالا على أحد الأخوة في حركة الجهاد الإسلامي ـ لا سيما الجدد منهم ـ عن: طبيعة العلاقة بين الحركة وإيران، أو علاقة الحركة بالمذهب الشيعي. تجد الأخ: قد احمرّ وجهه، وتلعثم لسانه، واهتزت أركانه، وقد يترك المكان هربا من الإجابة ومنعا للحرج، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، كلما تثبت صحة المنهج والخيار والمسار الذي اختارته حركة الجهاد الإسلامي، وحققت نجاحات ملموسة سواء على صعيد الجهاد والمقاومة، أو على صعيد الامتداد والتأييد الجماهيري، تبدأ تطفو على السطح التساؤلات حول: علاقة الجهاد الإسلامي بإيران، والمذهب الشيعي. وسأكتفي في هذا المقام الاستشهاد بمثالين فقط:
المثال (1): في السنوات الأولى من عمر حركة الجهاد الإسلامي، حيث كان لها الفضل والسبق في إشعال فتيل "ثورة المساجد" 1987م، بل وقيادة الجماهير والثورة لوحدها لمدة شهرين متتالين (6/10-8/12/19987)، كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ترقب الحدث عن بُعد، على اعتبار أنها أحداث شغب ستستمر ليوم.. أسبوع.. شهر، لكن الذي حدث أن الجماهير الفلسطينية كانت متعطشة للخطاب الإسلامي الثوري، بعد أن ثبت فشل كل التيارات الفكرية والأيديولوجية (القومية، الماركسية، العلمانية). فما كان من هذه الجماهير التي وجدت ضالتها في حركة الجهاد الإسلامي إلا أن التفت حولها، وكل يوم يزداد التعاطي والتفاعل مع أنشطة وفعاليات الحركة، وبالتالي ازدياد المد الجماهيري للحركة في المجتمع. هذا الالتفاف والتأييد لم يكن يرق للتيار الإسلامي التقليدي (المجمع الإسلامي)، لأنه يرى أن تلك الحركة الوليدة (الجهاد الإسلامي) ستستقطب الجماهير حولها، وهو ما يعني ابتعادهم عن التيار الإسلامي التقليدي، ويعني أيضا سحب البساط من تحتهم، ومن أجل الحفاظ على مكانته في المجتمع شُكلت حركة حماس، (ولحركة الجهاد الإسلامي الفضل الأكبر والرئيس في ظهورها)، ومن ثم بدأت حرب الإشاعات والأباطيل والأكاذيب، بتشيع حركة الجهاد، وأنها تمثل الجناح الشيعي الإيراني في فلسطين. مستغلين في ذلك الحين جهل العوام من الناس الذين لم يميزوا بين مصطلحي (شيعي، وشيوعي)، إذ أن المصطلحان سيان عند العامة، كلاهما (كافر، ملحد، ينكر وجود الله تعالى)، في محاولة لإبعاد الجماهير عن الحركة.
المثال (2): في ظل حالة الفلتان الأمني ـ سابقا ـ، والانقسام والتشطير بين ضفة وغزة حاليا، والصراع بكافة أشكاله بين طرفي النزاع المتناحرين (فتح وحماس)، وتمسك حركة الجهاد الإسلامي بخيارها (الجهاد والمقاومة)، وجهودها المتواصلة لإعادة اللحمة والوحدة للصف الفلسطيني، وما تبع ذلك من ازدياد المد الجماهيري والتأييد في الشارع الفلسطيني، بعد أن انكشفت سوءات وعورات الفصيلين المتناحرين على "الوهم" الذي اسمه "سلطة"، وفي الوقت الذي تهوّد فيه مدينة القدس، وتتواصل الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى، و بناء الوحدات الاستيطانية، واستمرار بناء جدار الفصل العنصري، وابتلاع الأراضي الزراعية. بدأت تطفو على السطح مجددا التساؤلات حول: طبيعة العلاقة بين الجهاد الإسلامي وإيران، ومسألة التشيع.
في هذه المقالة، سأحاول الإجابة على هذه التساؤلات لأخوة الحركة "الجدد" أولا، وتصحيح الرؤية عند أبناء الشعب الفلسطيني عامة وأبناء حماس خاصة.
طبيعة العلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران:
لا تتجاوز العلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران حد استعارة أنموذج الثورة الإسلامية "الناجحة" (1979)أولا، والدعم المادي والمعنوي ثانيا.
أولا/ الثورة الإسلامية الإيرانية (1979):
بدون الدخول في التفاصيل، الثورة الإسلامية الإيرانية قامت ضد نظام "الشاه" الموالي لأمريكا وإسرائيل، ويكفي التأكيد على ذلك بشيء واحد، أن جهاز السافاك (أمن الدولة) تأسس تحت إشراف الـ (C.I.A) الأمريكية، وبمساعدة "الموساد الصهيوني، ،وقد بلغت ميزانية هذا الجهاز في حينه (مليار دولار)، أما ميزانية الجيش فقد بلغت (950) مليون دولار. وقد صنفت إيران في العام 1978م خامس دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري بعد: (روسيا، أمريكا، فرنسا، بريطانيا). وقد وصف الخميني نظام الشاه والعدو الصهيوني أنهما وجهان لعملة واحدة. وقد كان الشاه يستعدي كل الحركات والجماعات الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ضرورة التخلص من هذا النظام العميل، وخير سبيل لذلك "الثورة"، وكان قائد ومؤسس الثورة "الخميني".
ما هي الدوافع التي جعلتنا نؤيد الثورة الإسلامية الإيرانية؟:
1. فلسطين كانت حاضرة في الخطاب الديني والسياسي للخميني منذ اللحظات الأولى على إنطلاق الثورة (1963)، على الرغم من التباعد الجغرافي بين فلسطين وإيران.
2. رفع الخميني شعار "الوحدة الإسلامية" في مواجهة عملية التجزئة والتغريب والتمزق الذي تتعرض له الأمة الإسلامية من قبل الغرب وأمريكا والصهيونية. ودعا الأمة الإسلامية للالتفاف والاتفاق حول الأصول، وأن يَدَعوا الخلافات الحزبية والمذهبية والطائفية جانبا.
3. تبنى مركزية القضية الفلسطينية بأبعادها: (الدينية، التاريخية، الحضارية)، وهو ما تنادي به حركة الجهاد الإسلامي.
4. الدافع الأهم هو، نجاح أنموذج الثورة الإسلامية "الجماهيرية" في إسقاط نظام الشاه الطاغية، وفي هذا الصدد يقول الشقاقي ـ رحمه الله ـ: "كنا نعتقد قبل الإمام الخميني أنه لا يمكن هزيمة العدو المستكبر وإزالة الكيان الصهيوني. الإمام وبقيادته لهذا الانتصار للإسلام العظيم في القرن العشرين أعطانا الأمل بأن الإسلام الذي أسقط الشاه يمكن أن يسقط بقية الشاهات ويحرر فلسطين". ويقول في موضع آخر: "الثورة الإسلامية [الإيرانية]، كان لها صدى في فلسطين أكثر من أي بلد عربي وإسلامي آخر. لأن فلسطين تعايش احتلال صهيوني استيطاني إحلالي يهجّر السكان، ويريد أن يطمس المعالم (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية)، إلى جانب تخاذل عربي وإسلامي وموقف فلسطيني رسمي... انتصار الثورة الإسلامية أوصل للشعب الفلسطيني رسالة: بإمكان الشعوب أن تهزم جيشا حديثا وتتحرر من التبعية، وأن قوة الإسلام لا تقاوم".
إذن جوهر علاقة الجهاد الإسلامي بإيران هو استعارة أنموذج الثورة الإسلامية "الناجحة"، ومحاولة تطبيقه في فلسطين، وبالفعل استفادت الحركة من هذه التجربة الإسلامية وطبقتها في فلسطين، حيث كان لها الفضل الأكبر والرئيس في تفجير "ثورة المساجد، كما أوضحت سالفا.
السؤال: لماذا يعاب على الجهاد الإسلامي استعارته أنموذج الثورة الإسلامية الإيرانية (الناجحة) وتطبيقه في فلسطين؟، في المقابل لا يعاب على جماعات تتبنى نظريات وأيديولوجيات ثبت فشلها وزيف إدعائها (الماركسية، الشيوعية، العلمانية)، وهي متروكة تسرح وتمرح في البلاد ولا يعاب عليها، ولا تستنكر دعواتها، بل هناك من يغازلها ويتقرب إليها ولا يتقرب للجهاد!!.
مَن الأولى أن يكون محط الانتقاد والتشهير والتشويه: أنموذج الثورة الإسلامية الناجحة؟ أم الأفكار الماركسية والعلمانية والإلحادية التي ليست في ديننا من شيء؟.
إن لهذه النظريات والأيديولوجيات ما يبررها في بلادها من حيث الظروف والنشأة التاريخية، لكن ليس لها ما يبررها ويسمح باعتناقها والدعوة إليها في بلادنا الإسلامية، على الرغم من ثبوت فشلها في بلادها، وتنصل أهلها منها والتنكر لها.
ثانيا/ الدعم المادي والمعنوي:
فلسطين هي أرض وقف إسلامي، وقبل ذلك هي آية في كتاب الله تعالى، وجزء من عقيدة المسلمين، فمن يفرط ويتهاون في فلسطين فهو يفرط ويتهاون في عقيدته وإسلامه. وبما أن فلسطين كذلك وجب على المسلمين (أنظمة وجماهير) أن تؤدي الدور والواجب المفروض عليها في تحرير وتخليص فلسطين من الاحتلال الصهيوني. لكننا ابتلينا بأنظمة متخاذلة وتابعة للغرب وأمريكا والصهيونية، فالأمل مفقود فيها، إذن بقي الأمل معقودا على الجماهير الإسلامية، وهذه الأخيرة مغلوب على أمرها، ولا تستطيع أن تؤدي دورها الجهادي المطلوب في فلسطين.
وبناءً على الفرضية السابقة، فإننا ننظر إلى الدعم الإيراني للمقاومة الإسلامية الفلسطينية، ليس هو من باب الكرم والمنة، بل هو واجب شرعي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية من يعيب علينا استقبال الدعم المادي الإيراني فليأت ويقدم ما لديه ويقوم بالدور المطلوب منه. أما من يعيب علينا علاقتنا بإيران من (الداخل الفلسطيني)، بأن الدعم الإيراني للحركة جاء على حساب مواقفها وثوابتها، نرد عليهم بموقف واحد من المواقف الصادرة عن الدكتور الشقاقي ـ عليه رحمة الله تعالى ـ، لقد حاولت إيران أن تبتز الشقاقي وتساومه على بعض الأمور ـ في السنوات الأولى من عمر الحركة، وهي في مسيس الحاجة للدعم المادي والمعنوي ـ، وإن لم يستجيب لطلبها فستضطر إيران "آسفة"؛ لقطع الدعم والمساعدة المالية عن حركة الجهاد الإسلامي.
استمع لإجابة الشقاقي ردا على الموقف الابتزازي هذا: "نحن فجرنا الثورة (يقصد ثورة المساجد 1987) باشتراكات الأعضاء"، أي أن الحركة في غنى عنكم وعن دعمكم المادي لو كان على حساب مواقفنا وثوابتنا، وقد استمرت القطيعة لمدة ثلاثة أشهر متواصلة، ولم تجد إيران تغييرا في موقف الحركة، مما جعلها تعيد المساعدة ثانية.
إذن لو كانت علاقة الجهاد الإسلامي بإيران علاقة دعم مادي لكان ذلك على حساب مواقفها وثوابتها، ولكان الشقاقي حريصا أن يلبي لإيران طلباتها دون مناقشة؛ خشية أن تقطع المساعدات والدعم، لكن الشقاقي دائما كان يسعى للحفاظ على استقلالية القرار السياسي للحركة، وإن كان رحمه الله تعالى حتى اللحظات الأخيرة من عمره (قبيل استشهاده) يبحث عن مصدر آخر للدعم المالي لئلا يكون أداة طيعة في يد إيران، وأن يتعرض لمزيد من الابتزاز. من ناحية ثانية، هذا الصنف الذي يعيب على الجهاد الإسلامي علاقتها بإيران، أصبحت علاقتهم بإيران أقوى وأوثق عرى من علاقة الجهاد الإسلامي بإيران، وعلى صعيد الدعم المادي، نصيبهم من الأموال يفوق نصيب الحركة بأضعاف كثيرة!!، إنهم ينطبق عليهم قول الشاعر:
أحلال على بلابله الدوح حرام للطير من كل جنس؟!
موقفنا من الشيعة:
باختصار شديد، موقفنا من الشيعة، هو موقف أهل السنة والجماعة، الذي لا يكفر الشيعة طالما:
o يؤمنون بالله تعالى لا إله إلا هو، ولا شريك له.
o محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
o القرآن الكريم هو دستور الأمة، وهو آخر الكتب المنزلة من السماء.
o يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة.
o يؤمنون بأركان الإيمان الستة.
وما جاوز هذه الأمور يعتبر من القضايا الفرعية التي لا تكفر ولا تخرج من الملة. هذا والجدير بالذكر أن هناك طوائف في المذهب الشيعي، الشيعة أنفسهم يكفرونهم، نحن لا نتحدث عنهم إنما نتحدث عن أقرب فرق الشيعة إلى السنة ولا نتحدث عن الغلاة والمتطرفين منهم.
تصحيح الرؤية
أ. خالد سيف الدين
عندما تطرح سؤالا على أحد الأخوة في حركة الجهاد الإسلامي ـ لا سيما الجدد منهم ـ عن: طبيعة العلاقة بين الحركة وإيران، أو علاقة الحركة بالمذهب الشيعي. تجد الأخ: قد احمرّ وجهه، وتلعثم لسانه، واهتزت أركانه، وقد يترك المكان هربا من الإجابة ومنعا للحرج، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، كلما تثبت صحة المنهج والخيار والمسار الذي اختارته حركة الجهاد الإسلامي، وحققت نجاحات ملموسة سواء على صعيد الجهاد والمقاومة، أو على صعيد الامتداد والتأييد الجماهيري، تبدأ تطفو على السطح التساؤلات حول: علاقة الجهاد الإسلامي بإيران، والمذهب الشيعي. وسأكتفي في هذا المقام الاستشهاد بمثالين فقط:
المثال (1): في السنوات الأولى من عمر حركة الجهاد الإسلامي، حيث كان لها الفضل والسبق في إشعال فتيل "ثورة المساجد" 1987م، بل وقيادة الجماهير والثورة لوحدها لمدة شهرين متتالين (6/10-8/12/19987)، كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ترقب الحدث عن بُعد، على اعتبار أنها أحداث شغب ستستمر ليوم.. أسبوع.. شهر، لكن الذي حدث أن الجماهير الفلسطينية كانت متعطشة للخطاب الإسلامي الثوري، بعد أن ثبت فشل كل التيارات الفكرية والأيديولوجية (القومية، الماركسية، العلمانية). فما كان من هذه الجماهير التي وجدت ضالتها في حركة الجهاد الإسلامي إلا أن التفت حولها، وكل يوم يزداد التعاطي والتفاعل مع أنشطة وفعاليات الحركة، وبالتالي ازدياد المد الجماهيري للحركة في المجتمع. هذا الالتفاف والتأييد لم يكن يرق للتيار الإسلامي التقليدي (المجمع الإسلامي)، لأنه يرى أن تلك الحركة الوليدة (الجهاد الإسلامي) ستستقطب الجماهير حولها، وهو ما يعني ابتعادهم عن التيار الإسلامي التقليدي، ويعني أيضا سحب البساط من تحتهم، ومن أجل الحفاظ على مكانته في المجتمع شُكلت حركة حماس، (ولحركة الجهاد الإسلامي الفضل الأكبر والرئيس في ظهورها)، ومن ثم بدأت حرب الإشاعات والأباطيل والأكاذيب، بتشيع حركة الجهاد، وأنها تمثل الجناح الشيعي الإيراني في فلسطين. مستغلين في ذلك الحين جهل العوام من الناس الذين لم يميزوا بين مصطلحي (شيعي، وشيوعي)، إذ أن المصطلحان سيان عند العامة، كلاهما (كافر، ملحد، ينكر وجود الله تعالى)، في محاولة لإبعاد الجماهير عن الحركة.
المثال (2): في ظل حالة الفلتان الأمني ـ سابقا ـ، والانقسام والتشطير بين ضفة وغزة حاليا، والصراع بكافة أشكاله بين طرفي النزاع المتناحرين (فتح وحماس)، وتمسك حركة الجهاد الإسلامي بخيارها (الجهاد والمقاومة)، وجهودها المتواصلة لإعادة اللحمة والوحدة للصف الفلسطيني، وما تبع ذلك من ازدياد المد الجماهيري والتأييد في الشارع الفلسطيني، بعد أن انكشفت سوءات وعورات الفصيلين المتناحرين على "الوهم" الذي اسمه "سلطة"، وفي الوقت الذي تهوّد فيه مدينة القدس، وتتواصل الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى، و بناء الوحدات الاستيطانية، واستمرار بناء جدار الفصل العنصري، وابتلاع الأراضي الزراعية. بدأت تطفو على السطح مجددا التساؤلات حول: طبيعة العلاقة بين الجهاد الإسلامي وإيران، ومسألة التشيع.
في هذه المقالة، سأحاول الإجابة على هذه التساؤلات لأخوة الحركة "الجدد" أولا، وتصحيح الرؤية عند أبناء الشعب الفلسطيني عامة وأبناء حماس خاصة.
طبيعة العلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران:
لا تتجاوز العلاقة بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران حد استعارة أنموذج الثورة الإسلامية "الناجحة" (1979)أولا، والدعم المادي والمعنوي ثانيا.
أولا/ الثورة الإسلامية الإيرانية (1979):
بدون الدخول في التفاصيل، الثورة الإسلامية الإيرانية قامت ضد نظام "الشاه" الموالي لأمريكا وإسرائيل، ويكفي التأكيد على ذلك بشيء واحد، أن جهاز السافاك (أمن الدولة) تأسس تحت إشراف الـ (C.I.A) الأمريكية، وبمساعدة "الموساد الصهيوني، ،وقد بلغت ميزانية هذا الجهاز في حينه (مليار دولار)، أما ميزانية الجيش فقد بلغت (950) مليون دولار. وقد صنفت إيران في العام 1978م خامس دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري بعد: (روسيا، أمريكا، فرنسا، بريطانيا). وقد وصف الخميني نظام الشاه والعدو الصهيوني أنهما وجهان لعملة واحدة. وقد كان الشاه يستعدي كل الحركات والجماعات الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ضرورة التخلص من هذا النظام العميل، وخير سبيل لذلك "الثورة"، وكان قائد ومؤسس الثورة "الخميني".
ما هي الدوافع التي جعلتنا نؤيد الثورة الإسلامية الإيرانية؟:
1. فلسطين كانت حاضرة في الخطاب الديني والسياسي للخميني منذ اللحظات الأولى على إنطلاق الثورة (1963)، على الرغم من التباعد الجغرافي بين فلسطين وإيران.
2. رفع الخميني شعار "الوحدة الإسلامية" في مواجهة عملية التجزئة والتغريب والتمزق الذي تتعرض له الأمة الإسلامية من قبل الغرب وأمريكا والصهيونية. ودعا الأمة الإسلامية للالتفاف والاتفاق حول الأصول، وأن يَدَعوا الخلافات الحزبية والمذهبية والطائفية جانبا.
3. تبنى مركزية القضية الفلسطينية بأبعادها: (الدينية، التاريخية، الحضارية)، وهو ما تنادي به حركة الجهاد الإسلامي.
4. الدافع الأهم هو، نجاح أنموذج الثورة الإسلامية "الجماهيرية" في إسقاط نظام الشاه الطاغية، وفي هذا الصدد يقول الشقاقي ـ رحمه الله ـ: "كنا نعتقد قبل الإمام الخميني أنه لا يمكن هزيمة العدو المستكبر وإزالة الكيان الصهيوني. الإمام وبقيادته لهذا الانتصار للإسلام العظيم في القرن العشرين أعطانا الأمل بأن الإسلام الذي أسقط الشاه يمكن أن يسقط بقية الشاهات ويحرر فلسطين". ويقول في موضع آخر: "الثورة الإسلامية [الإيرانية]، كان لها صدى في فلسطين أكثر من أي بلد عربي وإسلامي آخر. لأن فلسطين تعايش احتلال صهيوني استيطاني إحلالي يهجّر السكان، ويريد أن يطمس المعالم (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية)، إلى جانب تخاذل عربي وإسلامي وموقف فلسطيني رسمي... انتصار الثورة الإسلامية أوصل للشعب الفلسطيني رسالة: بإمكان الشعوب أن تهزم جيشا حديثا وتتحرر من التبعية، وأن قوة الإسلام لا تقاوم".
إذن جوهر علاقة الجهاد الإسلامي بإيران هو استعارة أنموذج الثورة الإسلامية "الناجحة"، ومحاولة تطبيقه في فلسطين، وبالفعل استفادت الحركة من هذه التجربة الإسلامية وطبقتها في فلسطين، حيث كان لها الفضل الأكبر والرئيس في تفجير "ثورة المساجد، كما أوضحت سالفا.
السؤال: لماذا يعاب على الجهاد الإسلامي استعارته أنموذج الثورة الإسلامية الإيرانية (الناجحة) وتطبيقه في فلسطين؟، في المقابل لا يعاب على جماعات تتبنى نظريات وأيديولوجيات ثبت فشلها وزيف إدعائها (الماركسية، الشيوعية، العلمانية)، وهي متروكة تسرح وتمرح في البلاد ولا يعاب عليها، ولا تستنكر دعواتها، بل هناك من يغازلها ويتقرب إليها ولا يتقرب للجهاد!!.
مَن الأولى أن يكون محط الانتقاد والتشهير والتشويه: أنموذج الثورة الإسلامية الناجحة؟ أم الأفكار الماركسية والعلمانية والإلحادية التي ليست في ديننا من شيء؟.
إن لهذه النظريات والأيديولوجيات ما يبررها في بلادها من حيث الظروف والنشأة التاريخية، لكن ليس لها ما يبررها ويسمح باعتناقها والدعوة إليها في بلادنا الإسلامية، على الرغم من ثبوت فشلها في بلادها، وتنصل أهلها منها والتنكر لها.
ثانيا/ الدعم المادي والمعنوي:
فلسطين هي أرض وقف إسلامي، وقبل ذلك هي آية في كتاب الله تعالى، وجزء من عقيدة المسلمين، فمن يفرط ويتهاون في فلسطين فهو يفرط ويتهاون في عقيدته وإسلامه. وبما أن فلسطين كذلك وجب على المسلمين (أنظمة وجماهير) أن تؤدي الدور والواجب المفروض عليها في تحرير وتخليص فلسطين من الاحتلال الصهيوني. لكننا ابتلينا بأنظمة متخاذلة وتابعة للغرب وأمريكا والصهيونية، فالأمل مفقود فيها، إذن بقي الأمل معقودا على الجماهير الإسلامية، وهذه الأخيرة مغلوب على أمرها، ولا تستطيع أن تؤدي دورها الجهادي المطلوب في فلسطين.
وبناءً على الفرضية السابقة، فإننا ننظر إلى الدعم الإيراني للمقاومة الإسلامية الفلسطينية، ليس هو من باب الكرم والمنة، بل هو واجب شرعي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية من يعيب علينا استقبال الدعم المادي الإيراني فليأت ويقدم ما لديه ويقوم بالدور المطلوب منه. أما من يعيب علينا علاقتنا بإيران من (الداخل الفلسطيني)، بأن الدعم الإيراني للحركة جاء على حساب مواقفها وثوابتها، نرد عليهم بموقف واحد من المواقف الصادرة عن الدكتور الشقاقي ـ عليه رحمة الله تعالى ـ، لقد حاولت إيران أن تبتز الشقاقي وتساومه على بعض الأمور ـ في السنوات الأولى من عمر الحركة، وهي في مسيس الحاجة للدعم المادي والمعنوي ـ، وإن لم يستجيب لطلبها فستضطر إيران "آسفة"؛ لقطع الدعم والمساعدة المالية عن حركة الجهاد الإسلامي.
استمع لإجابة الشقاقي ردا على الموقف الابتزازي هذا: "نحن فجرنا الثورة (يقصد ثورة المساجد 1987) باشتراكات الأعضاء"، أي أن الحركة في غنى عنكم وعن دعمكم المادي لو كان على حساب مواقفنا وثوابتنا، وقد استمرت القطيعة لمدة ثلاثة أشهر متواصلة، ولم تجد إيران تغييرا في موقف الحركة، مما جعلها تعيد المساعدة ثانية.
إذن لو كانت علاقة الجهاد الإسلامي بإيران علاقة دعم مادي لكان ذلك على حساب مواقفها وثوابتها، ولكان الشقاقي حريصا أن يلبي لإيران طلباتها دون مناقشة؛ خشية أن تقطع المساعدات والدعم، لكن الشقاقي دائما كان يسعى للحفاظ على استقلالية القرار السياسي للحركة، وإن كان رحمه الله تعالى حتى اللحظات الأخيرة من عمره (قبيل استشهاده) يبحث عن مصدر آخر للدعم المالي لئلا يكون أداة طيعة في يد إيران، وأن يتعرض لمزيد من الابتزاز. من ناحية ثانية، هذا الصنف الذي يعيب على الجهاد الإسلامي علاقتها بإيران، أصبحت علاقتهم بإيران أقوى وأوثق عرى من علاقة الجهاد الإسلامي بإيران، وعلى صعيد الدعم المادي، نصيبهم من الأموال يفوق نصيب الحركة بأضعاف كثيرة!!، إنهم ينطبق عليهم قول الشاعر:
أحلال على بلابله الدوح حرام للطير من كل جنس؟!
موقفنا من الشيعة:
باختصار شديد، موقفنا من الشيعة، هو موقف أهل السنة والجماعة، الذي لا يكفر الشيعة طالما:
o يؤمنون بالله تعالى لا إله إلا هو، ولا شريك له.
o محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
o القرآن الكريم هو دستور الأمة، وهو آخر الكتب المنزلة من السماء.
o يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة.
o يؤمنون بأركان الإيمان الستة.
وما جاوز هذه الأمور يعتبر من القضايا الفرعية التي لا تكفر ولا تخرج من الملة. هذا والجدير بالذكر أن هناك طوائف في المذهب الشيعي، الشيعة أنفسهم يكفرونهم، نحن لا نتحدث عنهم إنما نتحدث عن أقرب فرق الشيعة إلى السنة ولا نتحدث عن الغلاة والمتطرفين منهم.
تعليق