"صدّقني، لو دخلتم الى حذائنا لعدة ايام ولو تحول كل اسرائيلي لفترة قصيرة الى فلسطيني، لبدا كل شيء في صورة اخرى. ربما يجدر بنا أن نلعب هذه اللعبة، وأن ندع كل طرف يقوم بدور الآخر. تخيل بينك وبين نفسك أنك ستضطر الى توضيح وضعنا واحتياجاتنا ومواقفنا بدلا عنا"، قال أبو مازن.
هذه الفكرة خطرت في باله في آخر المحادثة بعد أن توقف القلم عن الكتابة وأخذ المصور يُعد لالتقاط صورة مشتركة. "عندما يدخل كل واحد منا الى حذاء الآخر سيُحل كل شيء"، اختتم القائد الفلسطيني كلماته. حول أمر كهذا اعتادوا القول عندنا: طوبى للمؤمنين.
أبو مازن مؤمن. هو ليس سعيدا ولكنه ليس كئيبا. يبدو في وضع جيد تماما خلافا للمرات السابقة التي التقينا فيها حيث يُعبر عن الثقة بنفسه وعن الاصرار. مرت عليه فترة غير بسيطة وهو يسرق بين الحين والآخر عدة ثوان بأعين مغلقة. متعب إلا أنه راضٍ. هو راض من اهود اولمرت، ومن خطاب الرئيس بوش وحتى من وضعه السياسي.
صخرة حماس الثقيلة جاثمة فوق قلبه. الحقيقة خرجت الى النور. يمكن القول أنه أماط اللثام عن وجه مشعل وهنية وغيرهما من "اعضاء العصابات القتلة" الذين كانوا شركاءه على الدرب حتى حين. بالمناسبة "اعضاء العصابة الدمويين"، كما يُسمي الحمساويين، هي عبارات فلسطينية داخلية. أما في المقابلة مع صحيفة اسرائيلية فهو أكثر رسمية. "اشخاص يفتقدون للمسؤولية"، يُسمي الحمساويين.
أما اولمرت فيُغدق عليه الثناء. أبو مازن يقول في المحادثات التي يجريها مع الاسرائيليين والاجانب أمورا جيدة جدا عن اولمرت. أنت الوحيد الذي ما زال يقول عنه أمورا جيدة، قلت له. في اسرائيل لا يحظى رئيس الوزراء بكلمات جيدة تقريبا.
أبو مازن ضحك. "اجل، نحن نتابع ما يحدث عندكم، ونعرف كل شيء حول المصاعب والتحقيقات والائتلاف والفضائح، ولكن هذا ليس من شأننا. وهذا لا يعنيني. أنا أتعامل مع اولمرت كرئيس منتخب للوزراء وسأواصل جهودي في مواجهته طالما بقي في المنصب. نحن مستعدون للتفاوض مع كل واحد في اسرائيل من دون أخذ الخلفية والايديولوجية والظروف الشخصية بعين الاعتبار، فلديكم كما نعلم الكثير الكثير من الايديولوجيات".
- هل أنت نادم على اتفاق مكة؟
+ اجل. لقد خانونا. هم خانوا العرّابين الآخرين في اتفاق مكة، السعوديين. وأنا أعرف أن السعوديين غاضبين من فشل الاتفاق لانهم ضللوهم. نحن جئنا بأيدي نظيفة واعتقدنا بالفعل أن من الممكن توحيد الشعب الفلسطيني. عندما جلسنا معهم وتحادثنا ووقعنا على الاتفاقات عرفنا انهم غير صادقين وأنهم يخادعون وأن لديهم أجندة اخرى. ولكنني كنت أمام هدف كبير واحد وهو منع حدوث الحرب الأهلية بأي ثمن. فعلت كل ما في وسعي لتجنب الحرب الداخلية.
- هل كنت ساذجا؟
+ لا، لم أكن ساذجا. عرفت ما هو هدفهم الحقيقي. عرفت ذلك كل الوقت. تعرفت على نواياهم عن كثب. قلت لهم وقلت لخالد مشعل مرات كثيرة انهم يواصلون العمل من اجل السيطرة على غزة كل الوقت حتى إبان جلوسنا معا وتوقيع الاتفاقات.
- ماذا رد عليك؟
+ نفى ذلك، وأنا أصررت على موقفي وقلت له أن كل الدلائل تشير الى ذلك. وأنا أصر على أنني لم أكن ساذجا، وانما خاطرت من اجل محاولة منع سفك الدماء حتى أتمكن من مواجهة ضميري والتأكد من أنني فعلت كل شيء.
- في غزة يقولون ان الاحتلال الاسرائيلي أفضل من قسوة عناصر حماس.
+ أنا لا استطيع أن أقول ذلك. صحيح سكان غزة يعانون. أنا لا أريد استخدام كلمات صعبة ضد حماس. هم لا يتحلون بالمسؤولية.
- ظهر انطباع بأنكم تشجعون عزل غزة واغلاقها وتجويعها.
+ لا سمح الله. أنا أضغط على الجميع وعلى كل دول العالم وكل المنظمات الانسانية لارسال المساعدة الى غزة والادوية والغذاء. لا جدوى من القسوة ومعاقبة السكان المدنيين.
- ولكنك تساعد بذلك في إضفاء الشرعية على حماس وترسيخ حكمها في غزة.
+ أنا لا أُرسخ أي شيء. العالم لا يجري الاتصالات مع حماس وهو لا يتفاوض مع أناس نفذوا انقلابا عسكريا غير شرعي وانقلبوا على الصلاحيات القانونية المنتخبة.
- اذا أنت تدعو الى مقاطعة غزة.
+ أنا لا أدعو الى أي شيء. أنا أصف الوضع والصورة أمامك كما هي. العالم ليس بحاجة لي حتى يقاطع حماس بعد ما حدث في غزة.
- هل أنت مستعد للصفح عنهم وقبولهم مرة اخرى؟
+ لن نقبلهم مرة اخرى بأي شكل إلا اذا أعادوا الوضع الى سابق عهده. لن يكون هناك أي حوار مع حماس حتى ذلك الحين، وعليهم ايضا أن يعتذروا.
حدّثته عن اعتذار خالد مشعل الضعيف قبل عدة ايام. "هذا اعتذار؟"، غضب أبو مازن، "من الجيد أن تعتذر أمام الله، ولكن عليه أن يعتذر أولا أمام الناس والجرحى والقتلى وضحايا عنفهم، اولئك الذين أُلقي بهم من الطابق الخامس عشر، واولئك الذين أُطلقت النار على أرجلهم. هو قال ربما ارتُكبت عدة أخطاء بسيطة خلال السيطرة على غزة. هذه ليست أخطاءا بسيطة. هذه أخطاءا قاتلة وليست صغيرة، هذه جرائم".
أنا متفائل
رويدا رويدا خلال المحادثة حول ما فعلته حماس ارتفع ضغط أبو مازن. كان ظاهرا أن متأثر جدا من ذلك. لم يعد وادعا وابتسامته اختفت. أبو مازن تحدث بحزم، ولكنه حرص على عدم تحطيم الخطوط الحمراء. رغم كل ذلك حماس ما زالوا "أشقاء"، واسرائيل هي المحتل. والاحتلال يجب أن يتوقف الآن حسب رأي أبو مازن.
"الامريكيون متحمسون للسير الآن نحو أفق سياسي. سمعت ذلك من رايس وبوش، وقالا أنهما يريدان انهاء اتفاق سلام قبل انتهاء ولاية الرئيس في عام 2008". قال.
- الامريكيون شيء جيد ولكن ماذا عن اولمرت؟
+ التقيت معه وتحدثنا عن كل شيء بما في ذلك الأفق السياسي. أنا متفائل، وأنا أعمل قبالة اولمرت ونحن نزمع على الالتقاء كل عدة اسابيع للتقدم الى الأمام.
- ما هي خطتك؟
+ يتوجب التوصل الى الصيغة النهائية أولا. علينا أن نتوصل الى ذلك وبعدها نُطبق أفقا للمراحل خطوة تلو الاخرى. الشعب الفلسطيني يجب أن يعرف الصيغة النهائية والى أين يسير لانه ليس من الممكن إطالة ذلك أكثر.
- ما هي صيغتك النهائية؟
+ دولة فلسطينية في حدود 1967، وحل كل المشكلات المطروحة على المحك بما في ذلك القدس واللاجئين، ومن ثم يأتي التطبيق بعد ذلك الذي قد يستغرق مدة من الزمن، ولكن ذلك ليس مهما. المهم أن نعرف النتيجة النهائية مسبقا.
وفقا لأبو مازن هناك عدة علامات فارقة دوليا على طريق التسوية: "لدينا خريطة الطريق، وتصريحات الرئيس بوش حول دولة فلسطينية مع تواصل اقليمي وحول انهاء الاحتلال. الاقتراح الآخر على الطاولة هو مبادرة السلام العربية التي لا تفهمون قوتها بالمرة".
- ماذا يعني ذلك؟
+ هذه مبادرة تاريخية غير مسبوقة لحل الازمة. هي تتحدث عن الانسحاب من المناطق المحتلة وعن التطبيع مع كل العالم العربي. هذا يعني أن علم اسرائيل سيُرفع في 57 عاصمة في العالم، وهذا ربع العالم. عليكم أن تُنهوا الاحتلال وأن تجدوا معنا حلا عادلا ومتفقا عليه وفقا للقرار 194 لمشكلة اللاجئين. يتوجب وضع كل هذه الامور على الطاولة والتفاوض. اذا توصلنا الى اتفاق فسأطرحه على الاستفتاء الشعبي.
- السؤال هو اذا كان بامكانك أن تفوز. من الواضح لك انه لن تكون هناك عودة ملموسة للاجئين الى اسرائيل. وملايين اللاجئين الفلسطينيين سيصوتون في المقابل في هذا الاستفتاء، فكيف ستقنعهم بتأييد ذلك؟
+ سنضطر الى حل مشكلة اللاجئين. لا يمكنكم مواصلة تجاهلها. اذا تجاهلتموها فسيبقى ذلك معلقا بيننا ويحول دون الحل. هناك حاجة الى حل عادل ومتفق عليه تماما مثلما قيل في مبادرة السلام العربية.
- كثيرون في اسرائيل، خصوصا في اليسار، يتشبثون بكلمة "الحل المتفق عليه" ككلمة شيفرة مُعبرة عن حقيقة أن اسرائيل لن تضطر الى إدخال اللاجئين من دون موافقتها. فهل توافق على هذا التحليل؟
+ أنا أوافق بأن أحدا لا يستطيع أن يُجبركم على استيعاب ملايين اللاجئين. ولكن من الناحية الاخرى ليس من الممكن إجبار ملايين اللاجئين على التنازل عن حقوقهم.
- فما الحل اذا؟
+ يجب ايجاد حل خلاق.
- ما هو هذا الحل الخلاق؟
+ ليس الآن.
اسرائيل أطلقت في الآونة الأخيرة كبادرة حسن نية سراح 255 من سجناء فتح لصالح أبو مازن. "هذا اتجاه صحيح ولكنه ليس كافيا"، قال، "تسلمنا 250 ولدينا 11 ألفا. كل السجناء هم أبناؤنا واخواننا".
- هناك بينهم الكثيرون من اعضاء حماس.
+ صحيح، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسجناء فأنا لا أميز. اذا كنتم تريدون التوصل الى حل عادل معنا وانهاء القضية ستضطرون الى اطلاق سراحهم. من ناحيتنا هذا هو الطريق نحو السلام. كل السجناء يؤيدون السلام. كل مبادرات السلام الأخيرة وكل الضغط من اجل السلام تأتي في السنوات الأخيرة من السجون. السجناء اليوم هم أكبر المؤيدين للسلام. يتوجب استغلال ذلك.
- هل تتخيل قيام اسرائيل باطلاق سراح 11 ألف سجين من بينهم قتلة نفذوا عمليات حاشدة؟
+ اجل، اذا كنتم تريدون فتح صفحة جديدة فهذه هي الصفحة الجديدة. تريدون إزالة الماضي؟ هذه هي إزالة الماضي.
- كيف يمكن لرئيس الوزراء، خصوصا اذا كان رئيس وزراء ضعيف يفتقد الى التأييد مثل اهود اولمرت، أن يفعل شيئا كهذا؟ هل تعرف الآثار المترتبة على مثل هذه الخطوة؟
+ المسألة ليست مسألة ضعف أو قوة لرئيس الوزراء. هذه سياسة. أنا أنظر الى اولمرت كقائد ومحدد للمعايير والأهداف وهو الذي يسعى الى تحقيقها. وأنا أعرف انه ستكون هناك مظاهرات واحتجاجات، ولكن هذه ليست سمة القيادة. القادة خُلقوا من اجل ذلك. ذلك ليس سهلا ولكنه ثمن الزعامة.
بمناسبة القيادة، سألت أبو مازن ماذا عن غزة؟ هل تقبل الفصل الى كيانين منفصلين؟ "أبدا لا. غزة هي جزء من الارض الفلسطينية ومرتبطة بالضفة من خلال ممر آمن كما اتفق عليه في اوسلو. لا يمكننا ولا يتوجب علينا أن نُغير ذلك. فلسطين ستكون مكونة من جزئين مرتبطين من خلال المعبر الآمن، وترك غزة جانبا ليس عمليا".
- ولكن هذا واقعي، وهذا هو الواقع السائد على الارض.
+ سنُغيره، وسننشر أمرا رئاسيا باجراء انتخابات مبكرة للرئاسة وللبرلمان ونُغير الوضع.
- حماس ستقوم بعرقلة ذلك.
+ حماس ستحاول، ولكن ذلك لن ينجح. لدينا التزام بالقيام بذلك وخدمة مصلحة الشعب الفلسطيني. هم سيعارضون وسيحتجون ولكن الشعب هو الذي سيقرر.
- هل يمكن لفتح أن تنتصر؟ لا يبدو على الارض أن هناك انتعاشا حقيقيا في صفوف الحركة.
+ لا، ليست هذه هي المشكلة. لدينا مشكلة دستورية وقضية شرعية البرلمان الموجود الآن في طريق مسدود وغير قادر على الاجتماع وأداء مهمته. ونحن بحاجة الى انتخابات حتى نتغلب على ذلك. الشلل ليس جيدا للفلسطينيين.
- الانتخابات أمر جيد، ولكن السؤال هو هل ستفوزون فيها؟
+ سنعمل من اجل ذلك، وهذا لن يكون سهلا.
- هل تنوي ترشيح نفسك مرة اخرى؟
+ اذا قلت لك لا، فستحول ذلك الى عنوان كبير. فتح ستختار مرشحها. أنا في المنصب اربع سنوات تقريبا وربما كان ذلك كافيا. في السابق انتخبوني، والآن سينتخبون من يتوجب انتخابه. هذه هي الديمقراطية ولديكم ديمقراطية ايضا وأنتم تعرفون ذلك.
هذه طريقة أبو مازن للاعلان في الواقع بأنه يفكر بجدية في عدم خوض الانتخابات مجددا. سألته حول البرغوثي وإن كان يعتبره بديلا ملائما. "لمَ لا، اذا كان يريد فسيخوض الانتخابات. اذا كان الشعب يريده فسيتم انتخابه. البرغوثي موجود دائما على رأس السجناء الذين أُطالب اولمرت باطلاق سراحهم"، يؤكد أبو مازن، "في كل قائمة. أنا اعتقد أنه قائد واعد للشعب الفلسطيني. من سينتخبه الشعب سيكون القائد. نحن الآن في عملية تجدد. اخترنا اشخاصا جددا في القطاع ودير البلح وخانيونس ونحن نقوم بادخال دم جديد، وسنُحيي فتح ونُطلقها نحو طريق جديد".
سألته اذا كان شعر بخيبة الأمل من الانهيار في غزة. ومن السهولة التي تلاشت فيها فتح والسرعة التي فر بها قادتها. أبو مازن لا يحب التحدث عن ذلك. وجهه يصفر. "من الواضح أنني شعرت بخيبة الأمل"، قال، "ارتكبنا الكثير من الأخطاء. شكّلت لجنة تحقيق تعمل بصورة قاسية وسننتظر النتائج. أنا اعتقد أن التقرير سينشر في الاسبوع القادم، وسنصلح كل ما يجب اصلاحه". قلت له أنا متأثر من السرعة، فعندنا تستمر لجان التحقيق لسنوات، ولتنظر الى لجنة فينوغراد. "لكل واحد وزنه، ولكل لجنة تحقيقه"، رد أبو مازن.
سألته حول فكرة الكونفيدرالية مع الاردن التي يُعاد طرحها. "فقط بعد أن نشكل دولة مستقلة"، قال. "بعد أن يحدث ذلك سنضطر الى اتخاذ قرار حول الكونفيدرالية. الشعوب ستقرر. الآن هذا يُعتبر إهدارا للوقت ونحن تحت الاحتلال".
- هل هنأت شمعون بيرس؟
+ بالتأكيد. بيرس هو رجل سلام وقد قمنا بأمور كثيرة معه، ولن أنسى له اوسلو، وأنا أحترمه وأُقدّره جدا واعتقد أنه سينجح.
قلت له اذا كان بيرس قد انتصر فكل شيء ممكن. ربما سيأتي السلام فيما بعد. "ها أنت تقول ذلك"، قال أبو مازن
هذه الفكرة خطرت في باله في آخر المحادثة بعد أن توقف القلم عن الكتابة وأخذ المصور يُعد لالتقاط صورة مشتركة. "عندما يدخل كل واحد منا الى حذاء الآخر سيُحل كل شيء"، اختتم القائد الفلسطيني كلماته. حول أمر كهذا اعتادوا القول عندنا: طوبى للمؤمنين.
أبو مازن مؤمن. هو ليس سعيدا ولكنه ليس كئيبا. يبدو في وضع جيد تماما خلافا للمرات السابقة التي التقينا فيها حيث يُعبر عن الثقة بنفسه وعن الاصرار. مرت عليه فترة غير بسيطة وهو يسرق بين الحين والآخر عدة ثوان بأعين مغلقة. متعب إلا أنه راضٍ. هو راض من اهود اولمرت، ومن خطاب الرئيس بوش وحتى من وضعه السياسي.
صخرة حماس الثقيلة جاثمة فوق قلبه. الحقيقة خرجت الى النور. يمكن القول أنه أماط اللثام عن وجه مشعل وهنية وغيرهما من "اعضاء العصابات القتلة" الذين كانوا شركاءه على الدرب حتى حين. بالمناسبة "اعضاء العصابة الدمويين"، كما يُسمي الحمساويين، هي عبارات فلسطينية داخلية. أما في المقابلة مع صحيفة اسرائيلية فهو أكثر رسمية. "اشخاص يفتقدون للمسؤولية"، يُسمي الحمساويين.
أما اولمرت فيُغدق عليه الثناء. أبو مازن يقول في المحادثات التي يجريها مع الاسرائيليين والاجانب أمورا جيدة جدا عن اولمرت. أنت الوحيد الذي ما زال يقول عنه أمورا جيدة، قلت له. في اسرائيل لا يحظى رئيس الوزراء بكلمات جيدة تقريبا.
أبو مازن ضحك. "اجل، نحن نتابع ما يحدث عندكم، ونعرف كل شيء حول المصاعب والتحقيقات والائتلاف والفضائح، ولكن هذا ليس من شأننا. وهذا لا يعنيني. أنا أتعامل مع اولمرت كرئيس منتخب للوزراء وسأواصل جهودي في مواجهته طالما بقي في المنصب. نحن مستعدون للتفاوض مع كل واحد في اسرائيل من دون أخذ الخلفية والايديولوجية والظروف الشخصية بعين الاعتبار، فلديكم كما نعلم الكثير الكثير من الايديولوجيات".
- هل أنت نادم على اتفاق مكة؟
+ اجل. لقد خانونا. هم خانوا العرّابين الآخرين في اتفاق مكة، السعوديين. وأنا أعرف أن السعوديين غاضبين من فشل الاتفاق لانهم ضللوهم. نحن جئنا بأيدي نظيفة واعتقدنا بالفعل أن من الممكن توحيد الشعب الفلسطيني. عندما جلسنا معهم وتحادثنا ووقعنا على الاتفاقات عرفنا انهم غير صادقين وأنهم يخادعون وأن لديهم أجندة اخرى. ولكنني كنت أمام هدف كبير واحد وهو منع حدوث الحرب الأهلية بأي ثمن. فعلت كل ما في وسعي لتجنب الحرب الداخلية.
- هل كنت ساذجا؟
+ لا، لم أكن ساذجا. عرفت ما هو هدفهم الحقيقي. عرفت ذلك كل الوقت. تعرفت على نواياهم عن كثب. قلت لهم وقلت لخالد مشعل مرات كثيرة انهم يواصلون العمل من اجل السيطرة على غزة كل الوقت حتى إبان جلوسنا معا وتوقيع الاتفاقات.
- ماذا رد عليك؟
+ نفى ذلك، وأنا أصررت على موقفي وقلت له أن كل الدلائل تشير الى ذلك. وأنا أصر على أنني لم أكن ساذجا، وانما خاطرت من اجل محاولة منع سفك الدماء حتى أتمكن من مواجهة ضميري والتأكد من أنني فعلت كل شيء.
- في غزة يقولون ان الاحتلال الاسرائيلي أفضل من قسوة عناصر حماس.
+ أنا لا استطيع أن أقول ذلك. صحيح سكان غزة يعانون. أنا لا أريد استخدام كلمات صعبة ضد حماس. هم لا يتحلون بالمسؤولية.
- ظهر انطباع بأنكم تشجعون عزل غزة واغلاقها وتجويعها.
+ لا سمح الله. أنا أضغط على الجميع وعلى كل دول العالم وكل المنظمات الانسانية لارسال المساعدة الى غزة والادوية والغذاء. لا جدوى من القسوة ومعاقبة السكان المدنيين.
- ولكنك تساعد بذلك في إضفاء الشرعية على حماس وترسيخ حكمها في غزة.
+ أنا لا أُرسخ أي شيء. العالم لا يجري الاتصالات مع حماس وهو لا يتفاوض مع أناس نفذوا انقلابا عسكريا غير شرعي وانقلبوا على الصلاحيات القانونية المنتخبة.
- اذا أنت تدعو الى مقاطعة غزة.
+ أنا لا أدعو الى أي شيء. أنا أصف الوضع والصورة أمامك كما هي. العالم ليس بحاجة لي حتى يقاطع حماس بعد ما حدث في غزة.
- هل أنت مستعد للصفح عنهم وقبولهم مرة اخرى؟
+ لن نقبلهم مرة اخرى بأي شكل إلا اذا أعادوا الوضع الى سابق عهده. لن يكون هناك أي حوار مع حماس حتى ذلك الحين، وعليهم ايضا أن يعتذروا.
حدّثته عن اعتذار خالد مشعل الضعيف قبل عدة ايام. "هذا اعتذار؟"، غضب أبو مازن، "من الجيد أن تعتذر أمام الله، ولكن عليه أن يعتذر أولا أمام الناس والجرحى والقتلى وضحايا عنفهم، اولئك الذين أُلقي بهم من الطابق الخامس عشر، واولئك الذين أُطلقت النار على أرجلهم. هو قال ربما ارتُكبت عدة أخطاء بسيطة خلال السيطرة على غزة. هذه ليست أخطاءا بسيطة. هذه أخطاءا قاتلة وليست صغيرة، هذه جرائم".
أنا متفائل
رويدا رويدا خلال المحادثة حول ما فعلته حماس ارتفع ضغط أبو مازن. كان ظاهرا أن متأثر جدا من ذلك. لم يعد وادعا وابتسامته اختفت. أبو مازن تحدث بحزم، ولكنه حرص على عدم تحطيم الخطوط الحمراء. رغم كل ذلك حماس ما زالوا "أشقاء"، واسرائيل هي المحتل. والاحتلال يجب أن يتوقف الآن حسب رأي أبو مازن.
"الامريكيون متحمسون للسير الآن نحو أفق سياسي. سمعت ذلك من رايس وبوش، وقالا أنهما يريدان انهاء اتفاق سلام قبل انتهاء ولاية الرئيس في عام 2008". قال.
- الامريكيون شيء جيد ولكن ماذا عن اولمرت؟
+ التقيت معه وتحدثنا عن كل شيء بما في ذلك الأفق السياسي. أنا متفائل، وأنا أعمل قبالة اولمرت ونحن نزمع على الالتقاء كل عدة اسابيع للتقدم الى الأمام.
- ما هي خطتك؟
+ يتوجب التوصل الى الصيغة النهائية أولا. علينا أن نتوصل الى ذلك وبعدها نُطبق أفقا للمراحل خطوة تلو الاخرى. الشعب الفلسطيني يجب أن يعرف الصيغة النهائية والى أين يسير لانه ليس من الممكن إطالة ذلك أكثر.
- ما هي صيغتك النهائية؟
+ دولة فلسطينية في حدود 1967، وحل كل المشكلات المطروحة على المحك بما في ذلك القدس واللاجئين، ومن ثم يأتي التطبيق بعد ذلك الذي قد يستغرق مدة من الزمن، ولكن ذلك ليس مهما. المهم أن نعرف النتيجة النهائية مسبقا.
وفقا لأبو مازن هناك عدة علامات فارقة دوليا على طريق التسوية: "لدينا خريطة الطريق، وتصريحات الرئيس بوش حول دولة فلسطينية مع تواصل اقليمي وحول انهاء الاحتلال. الاقتراح الآخر على الطاولة هو مبادرة السلام العربية التي لا تفهمون قوتها بالمرة".
- ماذا يعني ذلك؟
+ هذه مبادرة تاريخية غير مسبوقة لحل الازمة. هي تتحدث عن الانسحاب من المناطق المحتلة وعن التطبيع مع كل العالم العربي. هذا يعني أن علم اسرائيل سيُرفع في 57 عاصمة في العالم، وهذا ربع العالم. عليكم أن تُنهوا الاحتلال وأن تجدوا معنا حلا عادلا ومتفقا عليه وفقا للقرار 194 لمشكلة اللاجئين. يتوجب وضع كل هذه الامور على الطاولة والتفاوض. اذا توصلنا الى اتفاق فسأطرحه على الاستفتاء الشعبي.
- السؤال هو اذا كان بامكانك أن تفوز. من الواضح لك انه لن تكون هناك عودة ملموسة للاجئين الى اسرائيل. وملايين اللاجئين الفلسطينيين سيصوتون في المقابل في هذا الاستفتاء، فكيف ستقنعهم بتأييد ذلك؟
+ سنضطر الى حل مشكلة اللاجئين. لا يمكنكم مواصلة تجاهلها. اذا تجاهلتموها فسيبقى ذلك معلقا بيننا ويحول دون الحل. هناك حاجة الى حل عادل ومتفق عليه تماما مثلما قيل في مبادرة السلام العربية.
- كثيرون في اسرائيل، خصوصا في اليسار، يتشبثون بكلمة "الحل المتفق عليه" ككلمة شيفرة مُعبرة عن حقيقة أن اسرائيل لن تضطر الى إدخال اللاجئين من دون موافقتها. فهل توافق على هذا التحليل؟
+ أنا أوافق بأن أحدا لا يستطيع أن يُجبركم على استيعاب ملايين اللاجئين. ولكن من الناحية الاخرى ليس من الممكن إجبار ملايين اللاجئين على التنازل عن حقوقهم.
- فما الحل اذا؟
+ يجب ايجاد حل خلاق.
- ما هو هذا الحل الخلاق؟
+ ليس الآن.
اسرائيل أطلقت في الآونة الأخيرة كبادرة حسن نية سراح 255 من سجناء فتح لصالح أبو مازن. "هذا اتجاه صحيح ولكنه ليس كافيا"، قال، "تسلمنا 250 ولدينا 11 ألفا. كل السجناء هم أبناؤنا واخواننا".
- هناك بينهم الكثيرون من اعضاء حماس.
+ صحيح، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسجناء فأنا لا أميز. اذا كنتم تريدون التوصل الى حل عادل معنا وانهاء القضية ستضطرون الى اطلاق سراحهم. من ناحيتنا هذا هو الطريق نحو السلام. كل السجناء يؤيدون السلام. كل مبادرات السلام الأخيرة وكل الضغط من اجل السلام تأتي في السنوات الأخيرة من السجون. السجناء اليوم هم أكبر المؤيدين للسلام. يتوجب استغلال ذلك.
- هل تتخيل قيام اسرائيل باطلاق سراح 11 ألف سجين من بينهم قتلة نفذوا عمليات حاشدة؟
+ اجل، اذا كنتم تريدون فتح صفحة جديدة فهذه هي الصفحة الجديدة. تريدون إزالة الماضي؟ هذه هي إزالة الماضي.
- كيف يمكن لرئيس الوزراء، خصوصا اذا كان رئيس وزراء ضعيف يفتقد الى التأييد مثل اهود اولمرت، أن يفعل شيئا كهذا؟ هل تعرف الآثار المترتبة على مثل هذه الخطوة؟
+ المسألة ليست مسألة ضعف أو قوة لرئيس الوزراء. هذه سياسة. أنا أنظر الى اولمرت كقائد ومحدد للمعايير والأهداف وهو الذي يسعى الى تحقيقها. وأنا أعرف انه ستكون هناك مظاهرات واحتجاجات، ولكن هذه ليست سمة القيادة. القادة خُلقوا من اجل ذلك. ذلك ليس سهلا ولكنه ثمن الزعامة.
بمناسبة القيادة، سألت أبو مازن ماذا عن غزة؟ هل تقبل الفصل الى كيانين منفصلين؟ "أبدا لا. غزة هي جزء من الارض الفلسطينية ومرتبطة بالضفة من خلال ممر آمن كما اتفق عليه في اوسلو. لا يمكننا ولا يتوجب علينا أن نُغير ذلك. فلسطين ستكون مكونة من جزئين مرتبطين من خلال المعبر الآمن، وترك غزة جانبا ليس عمليا".
- ولكن هذا واقعي، وهذا هو الواقع السائد على الارض.
+ سنُغيره، وسننشر أمرا رئاسيا باجراء انتخابات مبكرة للرئاسة وللبرلمان ونُغير الوضع.
- حماس ستقوم بعرقلة ذلك.
+ حماس ستحاول، ولكن ذلك لن ينجح. لدينا التزام بالقيام بذلك وخدمة مصلحة الشعب الفلسطيني. هم سيعارضون وسيحتجون ولكن الشعب هو الذي سيقرر.
- هل يمكن لفتح أن تنتصر؟ لا يبدو على الارض أن هناك انتعاشا حقيقيا في صفوف الحركة.
+ لا، ليست هذه هي المشكلة. لدينا مشكلة دستورية وقضية شرعية البرلمان الموجود الآن في طريق مسدود وغير قادر على الاجتماع وأداء مهمته. ونحن بحاجة الى انتخابات حتى نتغلب على ذلك. الشلل ليس جيدا للفلسطينيين.
- الانتخابات أمر جيد، ولكن السؤال هو هل ستفوزون فيها؟
+ سنعمل من اجل ذلك، وهذا لن يكون سهلا.
- هل تنوي ترشيح نفسك مرة اخرى؟
+ اذا قلت لك لا، فستحول ذلك الى عنوان كبير. فتح ستختار مرشحها. أنا في المنصب اربع سنوات تقريبا وربما كان ذلك كافيا. في السابق انتخبوني، والآن سينتخبون من يتوجب انتخابه. هذه هي الديمقراطية ولديكم ديمقراطية ايضا وأنتم تعرفون ذلك.
هذه طريقة أبو مازن للاعلان في الواقع بأنه يفكر بجدية في عدم خوض الانتخابات مجددا. سألته حول البرغوثي وإن كان يعتبره بديلا ملائما. "لمَ لا، اذا كان يريد فسيخوض الانتخابات. اذا كان الشعب يريده فسيتم انتخابه. البرغوثي موجود دائما على رأس السجناء الذين أُطالب اولمرت باطلاق سراحهم"، يؤكد أبو مازن، "في كل قائمة. أنا اعتقد أنه قائد واعد للشعب الفلسطيني. من سينتخبه الشعب سيكون القائد. نحن الآن في عملية تجدد. اخترنا اشخاصا جددا في القطاع ودير البلح وخانيونس ونحن نقوم بادخال دم جديد، وسنُحيي فتح ونُطلقها نحو طريق جديد".
سألته اذا كان شعر بخيبة الأمل من الانهيار في غزة. ومن السهولة التي تلاشت فيها فتح والسرعة التي فر بها قادتها. أبو مازن لا يحب التحدث عن ذلك. وجهه يصفر. "من الواضح أنني شعرت بخيبة الأمل"، قال، "ارتكبنا الكثير من الأخطاء. شكّلت لجنة تحقيق تعمل بصورة قاسية وسننتظر النتائج. أنا اعتقد أن التقرير سينشر في الاسبوع القادم، وسنصلح كل ما يجب اصلاحه". قلت له أنا متأثر من السرعة، فعندنا تستمر لجان التحقيق لسنوات، ولتنظر الى لجنة فينوغراد. "لكل واحد وزنه، ولكل لجنة تحقيقه"، رد أبو مازن.
سألته حول فكرة الكونفيدرالية مع الاردن التي يُعاد طرحها. "فقط بعد أن نشكل دولة مستقلة"، قال. "بعد أن يحدث ذلك سنضطر الى اتخاذ قرار حول الكونفيدرالية. الشعوب ستقرر. الآن هذا يُعتبر إهدارا للوقت ونحن تحت الاحتلال".
- هل هنأت شمعون بيرس؟
+ بالتأكيد. بيرس هو رجل سلام وقد قمنا بأمور كثيرة معه، ولن أنسى له اوسلو، وأنا أحترمه وأُقدّره جدا واعتقد أنه سينجح.
قلت له اذا كان بيرس قد انتصر فكل شيء ممكن. ربما سيأتي السلام فيما بعد. "ها أنت تقول ذلك"، قال أبو مازن