الإعلام العربي وعقدة الخواجة! .. د. فيصل القاسم
الشرق القطرية
لنفترض أن إحدى الجماعات اختطفت صحفياً عربياً أو حتى وزير إعلام عربياً، وساومت على حياته مع حكومته، هل كان سيحظى بخمسة بالمائة من الاهتمام الإعلامي العربي الذي حظي به الصحفي البريطاني الان جونستون الذي كان مختطفاً في قطاع غزة؟ بالطبع لا!
لقد غدا جونستون على مدى الأشهر الماضية أشهر من نار على علم بعد أن تصدّر المؤتمرات الصحفية وعناوين الأخبار في الصحف والفضائيات العربية بمناسبة ومن دون مناسبة، مع العلم أنه ليس من صحفيي الصف الأول في الإعلام البريطاني . مع ذلك فقد جعل منه إعلامنا العربي "الإنساني" لناس وناس "سوبر ستار" يُمد له السجاد الأحمر، ويتسابق القادة الفلسطينيون على التقاط الصور مع "فخامته" وهم يبتسمون للكاميرات ابتسامات أعرض من أوتستراد لندن - مانشتسر، لا لشيء إلا لأنه صحفي "خواجه" تجري في عروقه دماء غير عربية.
لا أدري لماذا تصبح وسائل إعلامنا وقياداتنا السياسية "إنسانية وحضارية" للغاية عندما يتعلق الأمر بإنقاذ مُختـَطف غربي، فتعلن فضائياتنا ومجلاتنا وصحفنا وإذاعاتنا التعبئة الإعلامية العامة ليصبح خبر الاختطاف عنواناً رئيسياً في نشراتنا الإخبارية يتقدم على استشهاد أكثر من مائة عراقي وجرح عشرات الفلسطينيين وإبادة مئات الصوماليين، كما لو أنه "سوبرمان" ونحن مجرد حشرات جديرة فقط بالمبيدات والغوانتاناموات الأمريكية والإسرائيلية.
آه كم بدا الإعلام العربي منافقاً وأفـّاقاً وتابعاً في تغطيته لخبر اختطاف الصحفي البريطاني ومن ثم إطلاق سراحه! فبما أن وسائل الإعلام الغربية أعطت أهمية بالغة للخبر، راحت وسائل إعلامنا تقلدها بشكل أعمى، مع العلم أن وسائلنا لم تهتم يوماً باختفاء وحتى مقتل مئات المثقفين والصحفيين العرب، باستثاء قناة أو قناتين. فحسبُ الصحفي العربي الذي يختفي أو يُقتل أن يحظى بخبر في أسفل الصفحات الداخلية، هذا إذا حظي أصلاً. أما التلفزيونات العربية فتتجاهل خبر اختفائه أو قتله تماماً، كما لو أنها تقول لنا إن صحفيينا ومثقفينا غير جديرين حتى بمجرد الإشارة.
هل يتذكر أحدكم الصحفي المصري رضا هلال الذي اختفى في ليلة ليلاء، ولم يعد أحد يهتم بمصيره؟ ماذا فعل الإعلام العربي لنصرة الصحفي المصري الشهير عبد الحليم قنديل عندما جرده بعض زعران السلطة من ملابسه وكسروا نظاراته وتركوه عارياً في الصحراء؟ لماذا لم تثر ثائرة أحد لنصرة الصحفية اللبنانية المعروفة نضال الأحمدية التي كادت تقضي نحبها على أيدي بعض البلطجية وقطاع الطرق في لبنان؟ هل حظي مقتل الصحفي الليبي ضيف الغزال بأي اهتمام إعلامي عربي، مع العلم أنه انتقل إلى رحمة ربه بطريقة همجية بربرية تقشعّر لها الأبدان؟ هل احتل اسم تيسير علوني الصفحات الأولى في أي صحيفة عربية منذ اعتقاله في إسبانيا؟ هل تنادت الفضائيات العربية التي صدّعت رؤوسنا باختطاف جونستون إلى إبراز محنة سامي الحاج الذي يعاني الأمرّين في "غولاغ" غوانتانامو الأمريكي؟
ولو ظلت "هيصة" جونستون محصورةً في الوسط الإعلامي العربي لهان الأمر، لكن الصحفي "الخواجاتي" أصبح، على مدى فترة، الشغل الشاغل للقيادة الفلسطينية بشقيها الفتحاوي والحماسي، كما لو أن القضية الفلسطينية قد حُلت، ولم يبق إلا "قضية" الان جونستون ليتفرغ لها أهل الحكم في غزة والضفة.
لا أدري لماذا غاب عن ذهن محمود عباس وإسماعيل هنية أن الشعب الفلسطيني بأكمله مُختطـَف، ناهيك عن وجود ألوف الأسرى الفلسطينيين في زنازين إسرائيل الفاشية، ولا أحد ينادي بتحريرهم بنفس الحماسة التي رافقت تحرير جونستون، فلماذا كل هذه الحمية والغيرة والفزعات العربية والمفاوضات المكوكية على تحرير صحفي غربي، بينما لم يحرك زعيم السلطة أبو مازن ساكناً لتحرير أعضاء المجلس التشريعي الذين اختطفهم زوار الفجر الإسرائيليون من منازلهم؟ لقد أبدع أحد رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين عندما رسم كاريكاتيراً يظهر فيه الشعب الفلسطيني خلف الأسلاك الشائكة وهو يقول: باي باي للصحفي البريطاني المحرر، أي "عقبالنا" إنشاء الله.
لقد بدا رئيس الوزراء الفلسطيني السابق اسماعيل هنية وكأنه أنجز أكبر مشروع في حياته وهو في حضرة الصحفي البريطاني على مائدة الفطور. لا أدري كيف أصبح الرأي العام العالمي أو الغربي يهم حركة حماس فجأة؟ ففي السابق كان قياديو الحركة يسخرون من الرأي العام العالمي، ولا يعيرونه أي اهتمام بدعوى أنه لا يقدم ولا يؤخر، فلماذا غدا مهماً لهم على حين غرة؟ آه كم بدا هنية وعباس صغيرين وهما يتملقان للصحفي البريطاني أمام الكاميرات!
لماذا يتنادى الصحفيون والنقابات العربية ورجال الدين لمناشدة بعض الجماعات في العراق وفلسطين لإطلاق سراح هذا المختطف الأجنبي أو ذاك، لا بل ينظمون رحلات مكوكية عاجلة للتوسط لدى الخاطفين بطريقة استعراضية سخيفة كي يفرجوا عن صحفي أو رجل أعمال غربي؟ لماذا لا تظهر نخوة وجهائنا إلا لتحرير أصحاب العيون الزرقاء والخضراء. والله عيب! "صحيح اللي استحوا ماتوا"!
طبعاً لا أريد أن يفهم أحد أنني ضد الإفراج عن الصحفي البريطاني الان جونستون، فعملية الخطف مدانة ومرفوضة رفضاً قاطعاً من أساسها، خاصة إذا كان ضحيتها صحفياً، ولا يسعنا كصحفيين إلا أن نهنئ جونستون وغيره بالسلامة. لكننا نتعجب من هذا التهافت الإعلامي والرسمي العربي على تحرير المختطفين الأجانب، كما لو أنهم بشر ونحن العرب مجرد ديدان. لا أدري لماذا نميل دائماً إلى تعظيم الأجنبي وتصغير أنفسنا! آه كم نحن رخيصون!
الشرق القطرية
لنفترض أن إحدى الجماعات اختطفت صحفياً عربياً أو حتى وزير إعلام عربياً، وساومت على حياته مع حكومته، هل كان سيحظى بخمسة بالمائة من الاهتمام الإعلامي العربي الذي حظي به الصحفي البريطاني الان جونستون الذي كان مختطفاً في قطاع غزة؟ بالطبع لا!
لقد غدا جونستون على مدى الأشهر الماضية أشهر من نار على علم بعد أن تصدّر المؤتمرات الصحفية وعناوين الأخبار في الصحف والفضائيات العربية بمناسبة ومن دون مناسبة، مع العلم أنه ليس من صحفيي الصف الأول في الإعلام البريطاني . مع ذلك فقد جعل منه إعلامنا العربي "الإنساني" لناس وناس "سوبر ستار" يُمد له السجاد الأحمر، ويتسابق القادة الفلسطينيون على التقاط الصور مع "فخامته" وهم يبتسمون للكاميرات ابتسامات أعرض من أوتستراد لندن - مانشتسر، لا لشيء إلا لأنه صحفي "خواجه" تجري في عروقه دماء غير عربية.
لا أدري لماذا تصبح وسائل إعلامنا وقياداتنا السياسية "إنسانية وحضارية" للغاية عندما يتعلق الأمر بإنقاذ مُختـَطف غربي، فتعلن فضائياتنا ومجلاتنا وصحفنا وإذاعاتنا التعبئة الإعلامية العامة ليصبح خبر الاختطاف عنواناً رئيسياً في نشراتنا الإخبارية يتقدم على استشهاد أكثر من مائة عراقي وجرح عشرات الفلسطينيين وإبادة مئات الصوماليين، كما لو أنه "سوبرمان" ونحن مجرد حشرات جديرة فقط بالمبيدات والغوانتاناموات الأمريكية والإسرائيلية.
آه كم بدا الإعلام العربي منافقاً وأفـّاقاً وتابعاً في تغطيته لخبر اختطاف الصحفي البريطاني ومن ثم إطلاق سراحه! فبما أن وسائل الإعلام الغربية أعطت أهمية بالغة للخبر، راحت وسائل إعلامنا تقلدها بشكل أعمى، مع العلم أن وسائلنا لم تهتم يوماً باختفاء وحتى مقتل مئات المثقفين والصحفيين العرب، باستثاء قناة أو قناتين. فحسبُ الصحفي العربي الذي يختفي أو يُقتل أن يحظى بخبر في أسفل الصفحات الداخلية، هذا إذا حظي أصلاً. أما التلفزيونات العربية فتتجاهل خبر اختفائه أو قتله تماماً، كما لو أنها تقول لنا إن صحفيينا ومثقفينا غير جديرين حتى بمجرد الإشارة.
هل يتذكر أحدكم الصحفي المصري رضا هلال الذي اختفى في ليلة ليلاء، ولم يعد أحد يهتم بمصيره؟ ماذا فعل الإعلام العربي لنصرة الصحفي المصري الشهير عبد الحليم قنديل عندما جرده بعض زعران السلطة من ملابسه وكسروا نظاراته وتركوه عارياً في الصحراء؟ لماذا لم تثر ثائرة أحد لنصرة الصحفية اللبنانية المعروفة نضال الأحمدية التي كادت تقضي نحبها على أيدي بعض البلطجية وقطاع الطرق في لبنان؟ هل حظي مقتل الصحفي الليبي ضيف الغزال بأي اهتمام إعلامي عربي، مع العلم أنه انتقل إلى رحمة ربه بطريقة همجية بربرية تقشعّر لها الأبدان؟ هل احتل اسم تيسير علوني الصفحات الأولى في أي صحيفة عربية منذ اعتقاله في إسبانيا؟ هل تنادت الفضائيات العربية التي صدّعت رؤوسنا باختطاف جونستون إلى إبراز محنة سامي الحاج الذي يعاني الأمرّين في "غولاغ" غوانتانامو الأمريكي؟
ولو ظلت "هيصة" جونستون محصورةً في الوسط الإعلامي العربي لهان الأمر، لكن الصحفي "الخواجاتي" أصبح، على مدى فترة، الشغل الشاغل للقيادة الفلسطينية بشقيها الفتحاوي والحماسي، كما لو أن القضية الفلسطينية قد حُلت، ولم يبق إلا "قضية" الان جونستون ليتفرغ لها أهل الحكم في غزة والضفة.
لا أدري لماذا غاب عن ذهن محمود عباس وإسماعيل هنية أن الشعب الفلسطيني بأكمله مُختطـَف، ناهيك عن وجود ألوف الأسرى الفلسطينيين في زنازين إسرائيل الفاشية، ولا أحد ينادي بتحريرهم بنفس الحماسة التي رافقت تحرير جونستون، فلماذا كل هذه الحمية والغيرة والفزعات العربية والمفاوضات المكوكية على تحرير صحفي غربي، بينما لم يحرك زعيم السلطة أبو مازن ساكناً لتحرير أعضاء المجلس التشريعي الذين اختطفهم زوار الفجر الإسرائيليون من منازلهم؟ لقد أبدع أحد رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين عندما رسم كاريكاتيراً يظهر فيه الشعب الفلسطيني خلف الأسلاك الشائكة وهو يقول: باي باي للصحفي البريطاني المحرر، أي "عقبالنا" إنشاء الله.
لقد بدا رئيس الوزراء الفلسطيني السابق اسماعيل هنية وكأنه أنجز أكبر مشروع في حياته وهو في حضرة الصحفي البريطاني على مائدة الفطور. لا أدري كيف أصبح الرأي العام العالمي أو الغربي يهم حركة حماس فجأة؟ ففي السابق كان قياديو الحركة يسخرون من الرأي العام العالمي، ولا يعيرونه أي اهتمام بدعوى أنه لا يقدم ولا يؤخر، فلماذا غدا مهماً لهم على حين غرة؟ آه كم بدا هنية وعباس صغيرين وهما يتملقان للصحفي البريطاني أمام الكاميرات!
لماذا يتنادى الصحفيون والنقابات العربية ورجال الدين لمناشدة بعض الجماعات في العراق وفلسطين لإطلاق سراح هذا المختطف الأجنبي أو ذاك، لا بل ينظمون رحلات مكوكية عاجلة للتوسط لدى الخاطفين بطريقة استعراضية سخيفة كي يفرجوا عن صحفي أو رجل أعمال غربي؟ لماذا لا تظهر نخوة وجهائنا إلا لتحرير أصحاب العيون الزرقاء والخضراء. والله عيب! "صحيح اللي استحوا ماتوا"!
طبعاً لا أريد أن يفهم أحد أنني ضد الإفراج عن الصحفي البريطاني الان جونستون، فعملية الخطف مدانة ومرفوضة رفضاً قاطعاً من أساسها، خاصة إذا كان ضحيتها صحفياً، ولا يسعنا كصحفيين إلا أن نهنئ جونستون وغيره بالسلامة. لكننا نتعجب من هذا التهافت الإعلامي والرسمي العربي على تحرير المختطفين الأجانب، كما لو أنهم بشر ونحن العرب مجرد ديدان. لا أدري لماذا نميل دائماً إلى تعظيم الأجنبي وتصغير أنفسنا! آه كم نحن رخيصون!
تعليق