الموضوع طويل شوي ولكن بإمكانك قراءة اي فقرة لتتعرفوا على السيد أحمد يوسف ؟؟؟
في يوم الاثنين الماضي (9 تموز (يوليو) 2007)، نشر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، مقال رأي للدكتور أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، وأصبح المقال إلى واحد من اكثر مواضيع الصحيفة الإسرائيلية تعليقا من قرائها على شبكة الإنترنت.
ولم يكن هذا غريبا، بعد أن تحول يوسف، إلى ما يمكن اعتباره، نجما في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث اصبح وجها مألوفا في قنوات التلفزة الإسرائيلية التي يدلي لها بتصريحات ومقابلات بشكل دائم، كثير منها يثير الجدل، ويستغله خصوم حركة حماس التي ينتمي إليها يوسف، للنيل من الحركة، ولكن هذا لم يؤثر على مكانة يوسف، الذي يعتبر حمساويا على طريقته، داخل الحركة، خصوصا أن بعض كوادر الحركة من الشبان أو الجناح العسكري لا يمكنهم في أحيان كثيرة هضم تصريحات يوسف التي تبدو مناقضة لأدبيات الحركة الراديكالية.
ومنذ ظهوره على ساحة العمل السياسي الفلسطيني، كمستشار سياسي لهنية، عندما شكل الأخير حكومته الأولى، بعد أن حققت حماس فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، لفت يوسف الأنظار إليه، لاختلافه عن باقي المتحدثين من حركة حماس، وكان أول ما لفت الانتباه إليه صحيفة يديعوت احرونوت التي أشارت إليه بـ«الأميركي الذي يهمس في أذن هنية».
فمن هو هذا الأميركي ـ الحمساوي؟ لا تتوفر معلومات كثيرة عن يوسف، ورغم انفتاحه الكبير والواسع على الإعلام، إلا انه يبدو كشخصية غامضة، نزلت فجأة إلى ساحة العمل السياسي، وقبل ظهوره في قطاع غزة، كمستشار لهنية، لم يكن أغلبية الفلسطينيين يعرفون يوسف، وقليلون منهم يذكرونه كشخص كان يظهر في القنوات الفضائية، على فترات متباعدة، متحدثا من واشنطن، بصفته محللا سياسيا. ولد يوسف عام 1950، لعائلة فلسطينية لاجئة، من قرية (حليقات) جنوب فلسطين، غادر قطاع غزة إلى مصر في عام 1973، وتخرج في كلية الهندسة في جامعة الأزهر، وسافر إلى الخليج، مثل كثير من أبناء جيله الفلسطينيين، ولكنه وبدلا من العمل، كمهندس، عمل في المجال الإعلامي، وعاد إلى قطاع غزة في عام 1979، وكان هدف هذه الزيارة هو الزواج، وعاد إلى الإمارات العربية المتحدة، مع زوجته الغزية، ومن هناك إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على منحة، فاكمل دراسته وحصل على الماجستير في الإعلام من جامعة ميزوي، والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا.
وسار يوسف في طريقه الإعلامي، وعمل 15 عاما مديرا للمؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث، المعنية بدراسة الظاهرة الإسلامية والإسلام السياسي والصراع العربي ـ الإسرائيلي والعلاقة بين الإسلام والغرب. وترأس مجلة شؤون الشرق الأوسط، التي صدرت من واشنطن باللغة الإنجليزية، ونشر 24 كتابا باللغتين العربية والإنجليزية، حول قضايا الشرق الأوسط والحركات الإسلامية، وغيرها من مواضيع مشابهة.
هذا الرجل الذي كان يعيش في أميركا، والذي وصل فجأة إلى غزة، ليصبح المستشار السياسي لإسماعيل هنية، بقيت مسألة اختياره لمنصبه من قبل حركة حماس غامضة، والكشف عنها يمكن أن تلقي بعض الضوء على كيفية اتخاذ القرارات في الحركة. فمن هو الذي أتى به من أميركا؟ وعينه في منصبه، متجاوزا كل الكوادر الحمساوية في القطاع، مصادر في حركة حماس قالت بأن اختيار يوسف تم لخبرته الطويلة مع الاعلام الغربي، وتجربته الأكاديمية، ولم يكن هناك افضل منه ليكون في منصب مستشار هنية، الذي أتى إلى مقعد رئاسة الحكومة وخبرته أساسا في العمل السياسي المحلي داخل القطاع، ووجود يوسف كان ضروريا للأخذ بيد هنية، وتقديمه للرأي العام العالمي. وهناك من يؤكد بأن دور يوسف بالنسبة لهنية، يزيد كثيرا عن منصب المستشار السياسي، ويعود إلى يوسف الفضل فيما يعتبر مأسسة العمل داخل مجلس الوزراء الفلسطيني، ووضع جدول أعمال لهنية، يبدأ باجتماعات صباحية يشارك فيه بالإضافة إلى هنية، يوسف وعدد من مساعديه.
ويساهم يوسف بشكل كبير في صياغة بيانات حول القضايا الملحة، تعكس موقف هنية وحكومته، وكذلك التنسيق لزيارات الوفود الأجنبية، وتقديم الدراسات وأوراق العمل حول قضايا معينة. وبدا تأثير يوسف واضحا، سواء في الخطابات التي يلقيها هنية، أو اللهجة الواقعية لتصريحاته، ضمن خطة تفصل بين عمل الحكومة الفلسطينية وحركة حماس.
وقالت مصادر في حركة حماس لـ«الشرق الأوسط»، «ما لا يعرفه الكثيرون، بأنه اتخذ قرار في الحركة بأن أي شخص منها يتولى منصبا في الحكومة، فإنه لا يظل في منصبه القيادي في الحركة، والهدف هو الفصل بين عمل الحكومة التي تمثل كل الشعب الفلسطيني، والحركة، ولهذا فإنه من الطبيعي أن يظهر هنية كرجل دولة، وليس ممثلا لحماس فقط، والدكتور يوسف كمتحدث لبق ودبلوماسي».
وظهر يوسف، كمتحدث سلس في الفضائيات، يتحدث بلهجة هادئة، حتى في الأوقات التي كانت تصل فيها الأزمة بين حماس وفتح إلى ذرى مرتفعة، وعندما تندلع الحرائق على الأرض بين الحركتين، يظهر يوسف كمطفئ للحرائق، مبشرا بتفاؤل، بقرب التوصل إلى اتفاق.
وفي حين فرضت أغلبية دول العالم حصارا على حكومة حماس الأولى، جاب يوسف، متسلحا بجواز سفره الأميركي، دولا أوروبية عديدة، لتسويق هذه الحكومة، وبينما كان يوسف يظهر، في هذه الأثناء، وسط حماس ومؤيديها، كمحاور ودبلوماسي بارع، استهدفه إعلام حركة فتح، باعتباره، يقدم التنازلات المجانية لإسرائيل، ويلتقي شخصيات إسرائيلية في الخارج.
وتعرض يوسف لأكبر حملة إعلامية عليه، بعد أن نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية وثيقة، عرفت فيما بعد باسم «وثيقة أحمد يوسف» قالت بأن يوسف شارك في صياغتها مع جهات أوروبية، وتتضمن الاتفاق على حدود مؤقتة للدولة الفلسطينية، وهدنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لمدة خمس سنوات، ونقاط أخرى، اعتبرت تراجعا من حماس عن ما تطرحه.
ورد يوسف على هذه الحملة، بالقول، بأن الوثيقة أرسلت إليه من الأطراف الأوروبية للنظر فيها، وان حركة حماس لم تدرسها داخل أطرها، لأن الحركة تعتقد بأن ملف المفاوضات مرتبط بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولذا لا يجب تحميل الحركة أي وزر يتعلق بها، وهي في النهاية مرفوضة من قبل حماس، ومنه شخصيا. وتحولت هذه القضية، إلى «حصان طروادة» التي دخلت من خلاله حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، للطعن بما سمته مصداقية حركة حماس، وظهرت هذه الفصائل وكأنها تمثل الموقف الراديكالي من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بينما حماس هي التي تلهث لتقديم التنازلات من اجل أن يقبل بها العالم وترضى عنها إسرائيل.
وفي فترة معينة، رفع محمود عباس (أبو مازن) شعار رفض ما سماه «مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة»، في إشارة إلى وثيقة يوسف، ومثله فعل وما زال يفعل المتحدون باسمه وباسم حركة فتح، الذي لم ينسوا ما اعتبر «سقطة احمد يوسف»، وفي المقابل فإن قادة حماس جهدوا للتنصل من هذه الوثيقة، واعلنوا أن لا علاقة لأحمد يوسف بها.
وإذا كانت الحملة حول الوثيقة التي تحمل اسمه، هي الأشرس التي تعرض لها، وما يزال حتى الآن، الدكتور احمد يوسف، من ناحية إعلامية، فإنه الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وعندما عاد إسماعيل هنية من أول جولة خارجية له، كان يوسف من ضمن مرافقيه، وعندما تعرض موكب هنية لدى خروجه من معبر رفح إلى إطلاق نار، أدى إلى مقتل أحد حراسه، أصيب يوسف في ذراعه، وروج يوسف لرواية حماس عما حدث باعتباره محاولة لاغتيال هنية، في مقابل رواية حركة فتح التي اعتبرت أن إصابة يوسف ومقتل حارس هنية تم بسلاح مقاتلي حركة حماس الذين توافدوا إلى المعبر، بعد أن رفضت إسرائيل السماح لهنية ومرافقيه بالعودة.
ولم يمكث يوسف طويلا في المستشفى، وسرعان ما تماثل للشفاء، وعاد إلى مكانه، يهمس في أذني إسماعيل هنية، ويلعب دوره كمطفئ للحرائق، واستمر يلعب نفس الدور حتى في عهد حكومة الوحدة الوطنية السابقة، وكان له دورا في إبرام اتفاق مكة، وفي مثل هذه الحالات التي تتطلب غياب الصقور عن واجهة الإعلام، فانه لا يوجد افضل من احمد يوسف ليكون متحدثا باسم حركة حماس، بلغته الهادئة، وطروحاته التصالحية، ليس فقط اتجاه الخصوم السياسيين في الداخل الفلسطيني، ولكن في اتجاه إسرائيل، حيث لم يكف عن التأكيد حول التزام حماس بالتهدئة واستعدادها لعقد هدنة طويلة الأمد، ضمن شروط معينة.
ونهج يوسف، نهجا بدا جديدا في العمل السياسي الفلسطيني، حيث اخذ ينشر مقالات في الصحف، عادة ما يفهم منها مطالب حركة حماس، أو تمثل وجهة نظر الحركة من قضايا تكون عادة مثار بحث ونقاش على الساحة السياسية، مثل شروط حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومواضيع أخرى مشابهة، وفي مقاله الأخير في هارتس يبرر يوسف لجوء حماس إلى القوة في غزة لبسط سيطرتها.
وبالتوازي مع ذلك، فإن يوسف كان يوثق علاقاته مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي يواصل مراسلوها إعداد تقاريرهم من داخل قطاع غزة حتى بعد سيطرة حماس على القطاع، ويمكن القول بأن هذه التقارير الآن هي الأكثر موضوعية التي تنقل حقيقة ما يحدث في غزة، في ظل الإعلام الفلسطيني المنحاز سواء لجهة فتح أو حماس.
وذهب يوسف، بعيدا في إطلاق تصريحاته التي تعتبر «معتدلة» بالنسبة لزملائه في حماس، وفي 24 أيار (مايو) الماضي، كان يوسف، يستقبل في مخبئه الذي لجأ إليه في غزة، مثلما فعل قادة حماس ومن بينهم هنية نفسه، خشية من تنفيذ إسرائيل تهديدها باغتيالهم، نتيجة تواصل إطلاق الصواريخ محلية الصنع على مستوطنة اسديروت، مراسل القناة الثانية الإسرائيلية، وتحدث إليه بهدوئه المعهود مقللا من فعالية الصواريخ التي تطلقها مجموعات المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة.
وقال يوسف، إن إسرائيل تمتلك قدرات تكنولوجية عالية تجعلها قادرة على استهداف أي فلسطيني تريد، واضاف في انتقاد، غير مباشر، لبعض الناطقين باسم مجموعات المقاومة ومن بينها الجناح العسكري لحماس «نحن نبالغ بحجم قدراتنا، ولا يمكن أن نشبه السيف بالعصا»، وأضاف واصفًا صواريخ القسام «هي ألعاب نارية نرسل من خلالها رسائل للعالم، لم تقتل إلا امرأة يهودية واحدة، بينما قتل الاحتلال 65 فلسطينيًا وجرح أكثر من مائة».
وبعد أن أثارت تصريحاته انتقادات خصوصا من خصوم حركة حماس، حاول يوسف التقليل من وقع تصريحاته خصوصا وصف الصواريخ بأنها «العاب نارية» وقال بان القناة الثانية الإسرائيلية أخرجت تصريحاته من سياقها.
وأخذ خصوم حماس على الحركة، بأنها تكيل بمكيالين، فمثلا عندما وصف ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الصواريخ الفلسطينية بالحمقاء، تم شن حملة ضده، أما في حالة يوسف فإنه يتم السكوت عليه. ورغم اتهامه للقناة الثانية الإسرائيلية، بأنها أخرجت تصريحاته من سياقها، إلا أن يوسف، واصل استقبال مراسلها، ومنحه تصريحات خاصة، كان أكثرها إثارة في 26 يونيو (حزيران) الماضي، بعد أن أذاعت حركة حماس تسجيلا صوتيا للجندي الإسرائيلي جلعاد شليط، في الذكرى الأولى لأسره، حيث ظهر يوسف على شاشة التلفاز في غزة، ونعومي شليط والد الجندي الأسير في منزله، حيث هاتف يوسف شليط الأب، واطمأن عليه، وسأله إن كان راضيا عن بث الشريط وسماع صوت ابنه، فيما أعرب شليط الأب عن أمله في أن يكون الشريط خطوة لبداية تحرك ينتهي بالإفراج عن ابنه.
وخاطب يوسف، شليط الأب في نهاية الحديث «لديك رقم هاتفي، وأرجو ألا تتردد في الاتصال بي، إذا احتجت أي شيء». وبدا يوسف، وشليط الأب كأنهما صديقان قديمان، وهما يتحدثان عبر الهاتف ويسمعها ملايين الإسرائيليين. واختار يوسف، القناة الثانية ليكشف سر ذلك الشريط المسجل، مشيرا، إلى أن تسجيل الشريط تم، بعد أن تلقى يوسف اتصالات من شخصيات يهودية أميركية طالبوا فيها حماس بتقديم معلومات عن شليط، بعد عام من اسره، فنقل يوسف تلك الرغبة إلى المسؤولين في حركة حماس، فتم الاستجابة عن طريق الشريط.
وبعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ظهر يوسف، ليعلن بأن الحركة غير معنية بالتصعيد مع إسرائيل، واكد التزام الحركة بالتهدئة، واعاد طرح هدنة طويلة الأمد تستمر من 5 إلى 10 سنوات، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وإطلاق سراح الأسرى والاعتراف بحق العودة.
ورأى خصوم حماس في هذه التصريحات، بمثابة تعبير عما اعتبروه هدف حماس الحقيقي، وهو الوصول إلى الحكم ومنح إسرائيل هدنة قد تصل إلى خمسين عاما، إذا قبلت إسرائيل بالواقع الجديد في غزة. وقال رياض المالكي وزير الإعلام والناطق باسم حكومة الطوارئ، مهاجما تصريحات قادة حماس ضد حكومته ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن «استمرار استعمال عصا الاحتلال لتخويف شعبنا الفلسطيني، والادعاء أن سلطة الرئيس عباس هي التي تظهر الاستعداد للتنازل أمام الاحتلال الإسرائيلي، فماذا يمكن القول في وثيقة الدكتور أحمد يوسف التي ذهبت بعيداً جداً في اللهث وراء سراب الحديث مع الاحتلال وعرض كل المقترحات وترويجها بأبخس الأثمان لكي يقبل بهم الاحتلال شريكاً! أما التفاوض فهو نوع من أنواع المقاومة، ويعلم الجميع أن من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل التفاوض في السابق، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي التفاوضي هو الاستهداف المتعمد من قبل حركة حماس وغيرها لإفشال عملية التفاوض عبر توقيت عملياتها لإفشال ما كان يمكن أن يكون اختراقاً تفاوضياً فلسطينياً».
صحافي قابل يوسف مرتين في مكتبه بمدينة غزة قال «كان يفترض أن يكون الدكتور يوسف كأحد رجال الظل، الذي يقفون في الخلف، ويساهمون في صنع السياسات، ولكنه وجد نفسه، بسبب ظروف معينة، مثل الكشف عن الوثيقة التي عرفت باسمه، ومهمته في الدفاع عن حركة حماس وتقديم وجها مقبولا لها أمام العالم، كأحد اكثر الأشخاص في حركة حماس إثارة للجدل، فمن جهة يرى البعض أن ما يطرحه يوسف، هو نوع من تقاسم الأدوار داخل الحركة، حيث يبدو هو كممثل للتيار المعتدل القادر للتعامل مع العالم، في حين يرى آخرون بان يوسف، لا يختلف في طروحاته عن باقي قادة حماس، ولكنه يمتاز بطريقة تخريجها للرأي العام».
واضاف «في كل الأحوال، فإننا أمام رجل موهوب، يحمل فكر حركة حماس، ويتصرف بالطريقة الأميركية في التعامل مع الإعلام، ويعتبر البعض أن تعيينه في منصب يعتبر ضربة معلم من قبل حركة حماس».
عن الشرق الاوسط
في يوم الاثنين الماضي (9 تموز (يوليو) 2007)، نشر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، مقال رأي للدكتور أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، وأصبح المقال إلى واحد من اكثر مواضيع الصحيفة الإسرائيلية تعليقا من قرائها على شبكة الإنترنت.
ولم يكن هذا غريبا، بعد أن تحول يوسف، إلى ما يمكن اعتباره، نجما في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث اصبح وجها مألوفا في قنوات التلفزة الإسرائيلية التي يدلي لها بتصريحات ومقابلات بشكل دائم، كثير منها يثير الجدل، ويستغله خصوم حركة حماس التي ينتمي إليها يوسف، للنيل من الحركة، ولكن هذا لم يؤثر على مكانة يوسف، الذي يعتبر حمساويا على طريقته، داخل الحركة، خصوصا أن بعض كوادر الحركة من الشبان أو الجناح العسكري لا يمكنهم في أحيان كثيرة هضم تصريحات يوسف التي تبدو مناقضة لأدبيات الحركة الراديكالية.
ومنذ ظهوره على ساحة العمل السياسي الفلسطيني، كمستشار سياسي لهنية، عندما شكل الأخير حكومته الأولى، بعد أن حققت حماس فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، لفت يوسف الأنظار إليه، لاختلافه عن باقي المتحدثين من حركة حماس، وكان أول ما لفت الانتباه إليه صحيفة يديعوت احرونوت التي أشارت إليه بـ«الأميركي الذي يهمس في أذن هنية».
فمن هو هذا الأميركي ـ الحمساوي؟ لا تتوفر معلومات كثيرة عن يوسف، ورغم انفتاحه الكبير والواسع على الإعلام، إلا انه يبدو كشخصية غامضة، نزلت فجأة إلى ساحة العمل السياسي، وقبل ظهوره في قطاع غزة، كمستشار لهنية، لم يكن أغلبية الفلسطينيين يعرفون يوسف، وقليلون منهم يذكرونه كشخص كان يظهر في القنوات الفضائية، على فترات متباعدة، متحدثا من واشنطن، بصفته محللا سياسيا. ولد يوسف عام 1950، لعائلة فلسطينية لاجئة، من قرية (حليقات) جنوب فلسطين، غادر قطاع غزة إلى مصر في عام 1973، وتخرج في كلية الهندسة في جامعة الأزهر، وسافر إلى الخليج، مثل كثير من أبناء جيله الفلسطينيين، ولكنه وبدلا من العمل، كمهندس، عمل في المجال الإعلامي، وعاد إلى قطاع غزة في عام 1979، وكان هدف هذه الزيارة هو الزواج، وعاد إلى الإمارات العربية المتحدة، مع زوجته الغزية، ومن هناك إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على منحة، فاكمل دراسته وحصل على الماجستير في الإعلام من جامعة ميزوي، والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا.
وسار يوسف في طريقه الإعلامي، وعمل 15 عاما مديرا للمؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث، المعنية بدراسة الظاهرة الإسلامية والإسلام السياسي والصراع العربي ـ الإسرائيلي والعلاقة بين الإسلام والغرب. وترأس مجلة شؤون الشرق الأوسط، التي صدرت من واشنطن باللغة الإنجليزية، ونشر 24 كتابا باللغتين العربية والإنجليزية، حول قضايا الشرق الأوسط والحركات الإسلامية، وغيرها من مواضيع مشابهة.
هذا الرجل الذي كان يعيش في أميركا، والذي وصل فجأة إلى غزة، ليصبح المستشار السياسي لإسماعيل هنية، بقيت مسألة اختياره لمنصبه من قبل حركة حماس غامضة، والكشف عنها يمكن أن تلقي بعض الضوء على كيفية اتخاذ القرارات في الحركة. فمن هو الذي أتى به من أميركا؟ وعينه في منصبه، متجاوزا كل الكوادر الحمساوية في القطاع، مصادر في حركة حماس قالت بأن اختيار يوسف تم لخبرته الطويلة مع الاعلام الغربي، وتجربته الأكاديمية، ولم يكن هناك افضل منه ليكون في منصب مستشار هنية، الذي أتى إلى مقعد رئاسة الحكومة وخبرته أساسا في العمل السياسي المحلي داخل القطاع، ووجود يوسف كان ضروريا للأخذ بيد هنية، وتقديمه للرأي العام العالمي. وهناك من يؤكد بأن دور يوسف بالنسبة لهنية، يزيد كثيرا عن منصب المستشار السياسي، ويعود إلى يوسف الفضل فيما يعتبر مأسسة العمل داخل مجلس الوزراء الفلسطيني، ووضع جدول أعمال لهنية، يبدأ باجتماعات صباحية يشارك فيه بالإضافة إلى هنية، يوسف وعدد من مساعديه.
ويساهم يوسف بشكل كبير في صياغة بيانات حول القضايا الملحة، تعكس موقف هنية وحكومته، وكذلك التنسيق لزيارات الوفود الأجنبية، وتقديم الدراسات وأوراق العمل حول قضايا معينة. وبدا تأثير يوسف واضحا، سواء في الخطابات التي يلقيها هنية، أو اللهجة الواقعية لتصريحاته، ضمن خطة تفصل بين عمل الحكومة الفلسطينية وحركة حماس.
وقالت مصادر في حركة حماس لـ«الشرق الأوسط»، «ما لا يعرفه الكثيرون، بأنه اتخذ قرار في الحركة بأن أي شخص منها يتولى منصبا في الحكومة، فإنه لا يظل في منصبه القيادي في الحركة، والهدف هو الفصل بين عمل الحكومة التي تمثل كل الشعب الفلسطيني، والحركة، ولهذا فإنه من الطبيعي أن يظهر هنية كرجل دولة، وليس ممثلا لحماس فقط، والدكتور يوسف كمتحدث لبق ودبلوماسي».
وظهر يوسف، كمتحدث سلس في الفضائيات، يتحدث بلهجة هادئة، حتى في الأوقات التي كانت تصل فيها الأزمة بين حماس وفتح إلى ذرى مرتفعة، وعندما تندلع الحرائق على الأرض بين الحركتين، يظهر يوسف كمطفئ للحرائق، مبشرا بتفاؤل، بقرب التوصل إلى اتفاق.
وفي حين فرضت أغلبية دول العالم حصارا على حكومة حماس الأولى، جاب يوسف، متسلحا بجواز سفره الأميركي، دولا أوروبية عديدة، لتسويق هذه الحكومة، وبينما كان يوسف يظهر، في هذه الأثناء، وسط حماس ومؤيديها، كمحاور ودبلوماسي بارع، استهدفه إعلام حركة فتح، باعتباره، يقدم التنازلات المجانية لإسرائيل، ويلتقي شخصيات إسرائيلية في الخارج.
وتعرض يوسف لأكبر حملة إعلامية عليه، بعد أن نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية وثيقة، عرفت فيما بعد باسم «وثيقة أحمد يوسف» قالت بأن يوسف شارك في صياغتها مع جهات أوروبية، وتتضمن الاتفاق على حدود مؤقتة للدولة الفلسطينية، وهدنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لمدة خمس سنوات، ونقاط أخرى، اعتبرت تراجعا من حماس عن ما تطرحه.
ورد يوسف على هذه الحملة، بالقول، بأن الوثيقة أرسلت إليه من الأطراف الأوروبية للنظر فيها، وان حركة حماس لم تدرسها داخل أطرها، لأن الحركة تعتقد بأن ملف المفاوضات مرتبط بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولذا لا يجب تحميل الحركة أي وزر يتعلق بها، وهي في النهاية مرفوضة من قبل حماس، ومنه شخصيا. وتحولت هذه القضية، إلى «حصان طروادة» التي دخلت من خلاله حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، للطعن بما سمته مصداقية حركة حماس، وظهرت هذه الفصائل وكأنها تمثل الموقف الراديكالي من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بينما حماس هي التي تلهث لتقديم التنازلات من اجل أن يقبل بها العالم وترضى عنها إسرائيل.
وفي فترة معينة، رفع محمود عباس (أبو مازن) شعار رفض ما سماه «مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة»، في إشارة إلى وثيقة يوسف، ومثله فعل وما زال يفعل المتحدون باسمه وباسم حركة فتح، الذي لم ينسوا ما اعتبر «سقطة احمد يوسف»، وفي المقابل فإن قادة حماس جهدوا للتنصل من هذه الوثيقة، واعلنوا أن لا علاقة لأحمد يوسف بها.
وإذا كانت الحملة حول الوثيقة التي تحمل اسمه، هي الأشرس التي تعرض لها، وما يزال حتى الآن، الدكتور احمد يوسف، من ناحية إعلامية، فإنه الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وعندما عاد إسماعيل هنية من أول جولة خارجية له، كان يوسف من ضمن مرافقيه، وعندما تعرض موكب هنية لدى خروجه من معبر رفح إلى إطلاق نار، أدى إلى مقتل أحد حراسه، أصيب يوسف في ذراعه، وروج يوسف لرواية حماس عما حدث باعتباره محاولة لاغتيال هنية، في مقابل رواية حركة فتح التي اعتبرت أن إصابة يوسف ومقتل حارس هنية تم بسلاح مقاتلي حركة حماس الذين توافدوا إلى المعبر، بعد أن رفضت إسرائيل السماح لهنية ومرافقيه بالعودة.
ولم يمكث يوسف طويلا في المستشفى، وسرعان ما تماثل للشفاء، وعاد إلى مكانه، يهمس في أذني إسماعيل هنية، ويلعب دوره كمطفئ للحرائق، واستمر يلعب نفس الدور حتى في عهد حكومة الوحدة الوطنية السابقة، وكان له دورا في إبرام اتفاق مكة، وفي مثل هذه الحالات التي تتطلب غياب الصقور عن واجهة الإعلام، فانه لا يوجد افضل من احمد يوسف ليكون متحدثا باسم حركة حماس، بلغته الهادئة، وطروحاته التصالحية، ليس فقط اتجاه الخصوم السياسيين في الداخل الفلسطيني، ولكن في اتجاه إسرائيل، حيث لم يكف عن التأكيد حول التزام حماس بالتهدئة واستعدادها لعقد هدنة طويلة الأمد، ضمن شروط معينة.
ونهج يوسف، نهجا بدا جديدا في العمل السياسي الفلسطيني، حيث اخذ ينشر مقالات في الصحف، عادة ما يفهم منها مطالب حركة حماس، أو تمثل وجهة نظر الحركة من قضايا تكون عادة مثار بحث ونقاش على الساحة السياسية، مثل شروط حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومواضيع أخرى مشابهة، وفي مقاله الأخير في هارتس يبرر يوسف لجوء حماس إلى القوة في غزة لبسط سيطرتها.
وبالتوازي مع ذلك، فإن يوسف كان يوثق علاقاته مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي يواصل مراسلوها إعداد تقاريرهم من داخل قطاع غزة حتى بعد سيطرة حماس على القطاع، ويمكن القول بأن هذه التقارير الآن هي الأكثر موضوعية التي تنقل حقيقة ما يحدث في غزة، في ظل الإعلام الفلسطيني المنحاز سواء لجهة فتح أو حماس.
وذهب يوسف، بعيدا في إطلاق تصريحاته التي تعتبر «معتدلة» بالنسبة لزملائه في حماس، وفي 24 أيار (مايو) الماضي، كان يوسف، يستقبل في مخبئه الذي لجأ إليه في غزة، مثلما فعل قادة حماس ومن بينهم هنية نفسه، خشية من تنفيذ إسرائيل تهديدها باغتيالهم، نتيجة تواصل إطلاق الصواريخ محلية الصنع على مستوطنة اسديروت، مراسل القناة الثانية الإسرائيلية، وتحدث إليه بهدوئه المعهود مقللا من فعالية الصواريخ التي تطلقها مجموعات المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة.
وقال يوسف، إن إسرائيل تمتلك قدرات تكنولوجية عالية تجعلها قادرة على استهداف أي فلسطيني تريد، واضاف في انتقاد، غير مباشر، لبعض الناطقين باسم مجموعات المقاومة ومن بينها الجناح العسكري لحماس «نحن نبالغ بحجم قدراتنا، ولا يمكن أن نشبه السيف بالعصا»، وأضاف واصفًا صواريخ القسام «هي ألعاب نارية نرسل من خلالها رسائل للعالم، لم تقتل إلا امرأة يهودية واحدة، بينما قتل الاحتلال 65 فلسطينيًا وجرح أكثر من مائة».
وبعد أن أثارت تصريحاته انتقادات خصوصا من خصوم حركة حماس، حاول يوسف التقليل من وقع تصريحاته خصوصا وصف الصواريخ بأنها «العاب نارية» وقال بان القناة الثانية الإسرائيلية أخرجت تصريحاته من سياقها.
وأخذ خصوم حماس على الحركة، بأنها تكيل بمكيالين، فمثلا عندما وصف ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الصواريخ الفلسطينية بالحمقاء، تم شن حملة ضده، أما في حالة يوسف فإنه يتم السكوت عليه. ورغم اتهامه للقناة الثانية الإسرائيلية، بأنها أخرجت تصريحاته من سياقها، إلا أن يوسف، واصل استقبال مراسلها، ومنحه تصريحات خاصة، كان أكثرها إثارة في 26 يونيو (حزيران) الماضي، بعد أن أذاعت حركة حماس تسجيلا صوتيا للجندي الإسرائيلي جلعاد شليط، في الذكرى الأولى لأسره، حيث ظهر يوسف على شاشة التلفاز في غزة، ونعومي شليط والد الجندي الأسير في منزله، حيث هاتف يوسف شليط الأب، واطمأن عليه، وسأله إن كان راضيا عن بث الشريط وسماع صوت ابنه، فيما أعرب شليط الأب عن أمله في أن يكون الشريط خطوة لبداية تحرك ينتهي بالإفراج عن ابنه.
وخاطب يوسف، شليط الأب في نهاية الحديث «لديك رقم هاتفي، وأرجو ألا تتردد في الاتصال بي، إذا احتجت أي شيء». وبدا يوسف، وشليط الأب كأنهما صديقان قديمان، وهما يتحدثان عبر الهاتف ويسمعها ملايين الإسرائيليين. واختار يوسف، القناة الثانية ليكشف سر ذلك الشريط المسجل، مشيرا، إلى أن تسجيل الشريط تم، بعد أن تلقى يوسف اتصالات من شخصيات يهودية أميركية طالبوا فيها حماس بتقديم معلومات عن شليط، بعد عام من اسره، فنقل يوسف تلك الرغبة إلى المسؤولين في حركة حماس، فتم الاستجابة عن طريق الشريط.
وبعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ظهر يوسف، ليعلن بأن الحركة غير معنية بالتصعيد مع إسرائيل، واكد التزام الحركة بالتهدئة، واعاد طرح هدنة طويلة الأمد تستمر من 5 إلى 10 سنوات، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وإطلاق سراح الأسرى والاعتراف بحق العودة.
ورأى خصوم حماس في هذه التصريحات، بمثابة تعبير عما اعتبروه هدف حماس الحقيقي، وهو الوصول إلى الحكم ومنح إسرائيل هدنة قد تصل إلى خمسين عاما، إذا قبلت إسرائيل بالواقع الجديد في غزة. وقال رياض المالكي وزير الإعلام والناطق باسم حكومة الطوارئ، مهاجما تصريحات قادة حماس ضد حكومته ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن «استمرار استعمال عصا الاحتلال لتخويف شعبنا الفلسطيني، والادعاء أن سلطة الرئيس عباس هي التي تظهر الاستعداد للتنازل أمام الاحتلال الإسرائيلي، فماذا يمكن القول في وثيقة الدكتور أحمد يوسف التي ذهبت بعيداً جداً في اللهث وراء سراب الحديث مع الاحتلال وعرض كل المقترحات وترويجها بأبخس الأثمان لكي يقبل بهم الاحتلال شريكاً! أما التفاوض فهو نوع من أنواع المقاومة، ويعلم الجميع أن من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل التفاوض في السابق، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي التفاوضي هو الاستهداف المتعمد من قبل حركة حماس وغيرها لإفشال عملية التفاوض عبر توقيت عملياتها لإفشال ما كان يمكن أن يكون اختراقاً تفاوضياً فلسطينياً».
صحافي قابل يوسف مرتين في مكتبه بمدينة غزة قال «كان يفترض أن يكون الدكتور يوسف كأحد رجال الظل، الذي يقفون في الخلف، ويساهمون في صنع السياسات، ولكنه وجد نفسه، بسبب ظروف معينة، مثل الكشف عن الوثيقة التي عرفت باسمه، ومهمته في الدفاع عن حركة حماس وتقديم وجها مقبولا لها أمام العالم، كأحد اكثر الأشخاص في حركة حماس إثارة للجدل، فمن جهة يرى البعض أن ما يطرحه يوسف، هو نوع من تقاسم الأدوار داخل الحركة، حيث يبدو هو كممثل للتيار المعتدل القادر للتعامل مع العالم، في حين يرى آخرون بان يوسف، لا يختلف في طروحاته عن باقي قادة حماس، ولكنه يمتاز بطريقة تخريجها للرأي العام».
واضاف «في كل الأحوال، فإننا أمام رجل موهوب، يحمل فكر حركة حماس، ويتصرف بالطريقة الأميركية في التعامل مع الإعلام، ويعتبر البعض أن تعيينه في منصب يعتبر ضربة معلم من قبل حركة حماس».
عن الشرق الاوسط
تعليق