لا يستغرب أهالي قطاع غزة عندما يصفه بعض المراقبين بـ "غابة سلاح" في يد الجميع.. قوى أمنية متنافرة.. فصائل على اختلاف توجهاتها والأخطر "الزعران" والمأجورون.
ويجمع المتابعون للشأن الفلسطيني على أن "فوضى السلاح" في قطاع غزة تمثل أحد العوامل الرئيسية التي قد تهدد استمرار حالة التهدئة الحالية بعد أيام مأساوية من الاقتتال الفلسطيني في قطاع غزة.
فإنك إذا تجولت في أحد شوارع القطاع فمن الطبيعي أن تجد شابا صغيرا يرتدي الزي المدني، ويحمل قطعة سلاح وربما يركب بجوارك في وسيلة المواصلات العامة، أو تسمع صوتا لإطلاق النار تظن أنها جبهة مفتوحة، فربما يكون الذي سمعت عرسا يطلق فيه الرصاص في الهواء أو اشتباك مسلح بين عائلتين أو فصيلين فلسطينيين.
كما لا تجعل الدهشة تتملكك عندما تجد طلاب المدارس الثانوية أو الإعدادية يبيعون بعضهم البعض الرصاصات ويتحدثون في أنواع الأسلحة وأسعارها، فإنك لا تكاد تجد بيتا فلسطينيا لا يوجد فيه قطعة سلاح أو أكثر.
الأحداث الدموية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة بين حركتي فتح وحماس أعادت فتح ملف فوضى السلاح وانتشار السلاح المضطرد بين الفلسطينيين الذي أودى بحياة المئات من المواطنين الفلسطينيين في الأعوام الأخيرة بحسب مراكز حقوقية، إلا أن المراقبين يربأون بسلاح المقاومة الفلسطينية عن هذه الفوضى.
ثلاثة أقسام
وينقسم السلاح المنتشر في قطاع غزة إلى ثلاثة أقسام: أولها: سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية الذي يتنوع ما بين القطع الأوتوماتيكية والقنابل اليدوية والعبوات الناسفة والقذائف المضادة للدروع التي تستخدم في صد العدوان الإسرائيلي الذي يتوغل في قطاع غزة من حين لآخر أو لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، ولكن ذلك لا يمنع أن يستخدم هذا السلاح في تناحر الفصائل مع بعضها البعض في حال نشوب خلاف فيما بينها.
النوع الثاني: هو سلاح العائلات الذي ازداد في ظل ضعف الأجهزة الأمنية وانهيار النظام القضائي، فعملت العائلات الفلسطينية خاصة الكبيرة منها على تزويد أفرادها بقطع السلاح المختلفة التي سرعان ما تستخدم عند حدوث أي مشكلة بين عائلة وأخرى كما تستخدمه في المناسبات كالأفراح الذي يطلق فيه المئات وربما الآلاف من الطلقات النارية في الأجواء، حتى أن السلاح أصبح وسيلة للتفاخر بين العائلات.
النوع الثالث: هو سلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذي يقدر بمئات آلاف القطع، وكثيرا ما اتهم هذا السلاح بأنه منفلت في ظل ضعف الأجهزة الأمنية وصعوبة السيطرة عليها من قبل قيادة السلطة، وولاءات هذه الأجهزة لشخصيات معينة فكثيرا ما استعمل هذا السلاح ضد الأجهزة الأمنية بعضها البعض أو ضد الفصائل الفلسطينية وأحيانا ضد عائلات فلسطينية.
مصادر السلاح
والمصدر الرئيس للسلاح هو القادم عبر الأراضي المصرية عن طريق الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون على الشريط الحدودي الواصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية لدرجة أن الأوساط العسكرية الإسرائيلية تصف الأنفاق المستخدمة لتهريب الأسلحة بأنها "أنبوب الأوكسجين للنشاطات المعادية".
وتعتبر تجارة السلاح تجارة رائجة في الأراضي الفلسطينية وتجري بشكل شبه علني حتى أن هناك أشخاصا من عائلات معروفة تمتهن تجارة الأسلحة، وحديثا بدأ الفلسطينيون في إعادة تصنيع الرصاصات الفارغة ولكنها تكون أقل جودة من غيرها.
بورصة أسعار
وتصل أسعار السلاح في الأراضي الفلسطينية إلى أرقام قياسية مقارنة بأسعارها في الدول المجاورة فيبلغ متوسط سعر سلاح "الكلاشنكوف" أكثر الأسلحة الشخصية المنتشرة بين الفلسطينيين ما يزد عن 1700 دولار أمريكي في حين لا يتراوح سعره في دول مجاورة ما بين 100 إلى 200 دولار.
ويصل سعر رصاصة سلاح الكلاشنكوف ما يقارب 25 شيكلا ( 6 دولارات تقريبا) في حين يصل سعر قطعة سلاح "m16" أمريكية الصنع ما بين 4000 إلى 10000 دولار حسب نوعية القطعة وحجمها وتاريخ تصنيعها.
ويشهد القطاع ندرة لسلاح الـ "آر بي جي" روسي الصنع المضاد للدروع ويتراوح سعر قاذفه ما بين 10000 إلى 15000 دولار، فيما يبلغ متوسط سعر المقذوف 700 دولار تقريبا، وترتفع هذه الأسعار في حالة كانت هناك تهديدات إسرائيلية بالقيام بعمليات عسكرية واسعة في القطاع فربما يتضاعف أسعار هذه الأسلحة في هذا الوقت.
صناعة محلية
ومن مصادر السلاح الموجود في القطاع ما يعتمد على التصنيع المحلي حيث أبدعت فصائل المقاومة خلال انتفاضة الأقصى الأخيرة التي بدأت في سبتمبر عام 2000 في تصنيع العديد من أنواع الأسلحة بشكل محلي اعتمادا على الموارد الذاتية، وأقاموا لها ورشا للعمل، وربما برز في ذلك كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس ولا تظهر هذه الأسلحة إلا بأيدي المقاومين الفلسطينيين.
وأنتج جناح حماس العسكري العديد من الوسائل القتالية أهمها صواريخ القسام، وقذائف الهاون بأحجام متعددة، والقنابل اليدوية المختلفة، وقذائف الياسين والبنا المضادة للدروع التي تشبه سلاح الـ "آر بي جي" الروسي، بالإضافة لقاذف البتار المضاد للدروع والعبوات الناسفة بأحجام وأنواع مختلفة، وكذلك العبوات المضادة للأفراد والأحزمة الناسفة.
وغالبا ما تستخدم هذه الأسلحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو عند تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية إلا أن ذلك لا يمنع أن يستخدم ضد الفصائل بعضها البعض كالاقتتال الذي جرى في الأيام الماضية في قطاع غزة.
تحذيرات دون استجابة
بدوره يذكر د. عبد الستار قاسم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إلى التحذيرات التي كانت تنادي بتدارك فوضى السلاح منذ سنوات عديدة؛ لأن هذا السلاح سيستخدم ضد الشعب الفلسطيني خاصة أنه يتدفق على يد من وصفهم بـ "الزعران" الذين "لا يرعون في هذا الشعب إلاَّ ولا ذمة فهو يشكل خطورة".
وفرق قاسم بين الأسلحة المنتشرة في الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة أقسام أولها "سلاح السلطة"، أما النوع الثاني -حسب قاسم- فهو "سلاح المقاومة" وهو سلاح سري لكنه قليل بكميته وحجمه، والثالث هو سلاح "الزعران" بحسب تعبير الدكتور قاسم و"هؤلاء يحملونه في الشارع ويستخدمونه في كل مناسبة وهو يشكل خطورة على الشعب الفلسطيني".
ثقافة حمل السلاح
ولفت قاسم إلى أن ثقافة حمل السلاح منتشرة في بلاد الشام بشكل عام وتزداد بشكل أكثر في فلسطين نظرا لطبيعة فلسطين ووقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح أن انتشار السلاح تعزز في ظل الانفلات الأمني وعدم تطبيق القانون، فأصبح كل شخص يبحث لنفسه عن وسيلة يحمي بها نفسه، وهذه كلها حلقات يكمل بعضها البعض، لافتا إلى أن هذه الثقافة بحاجة إلى تغيير، لكنها لا تجد فرصة مناسبة أو وسيلة لمحاربة ثقافة حمل وانتشار السلاح.