ربح الصحافي الفرنسي ــ الإسـرائيـلي شـارل انديـرلان دعوى تشهير رفعها ضد أحد المواقع التي شككت في تحقيق شهير بثه مكتب 2 France الذي يرأسه في القدس. فهل تنتهي الحملة المستمرة منذ خمس سنوات لمحو جريمة محمد الدرّة؟
تذكرون هذه الصورة بالطبع... لكن هل تعرفون أن الطفل محمد الدرة “لم يمت”؟ وأنه “شوهد أخيراً يتجوّل في أسواق غزة ويشتري البندورة”؟ وأن ظهوره في الفيلم “كان مجرد مشهد تمثيلي أداه ببراعة”؟
طبعاً أنتم لا تعرفون تلك المعلومات، لكن لا داعي للأسف، فهي ليست حقيقية. إنها ادعاءات روّج لها “ناشطون” يهود عمدوا منذ اليوم الأول لبثّ الفيلم الذي يصوّر استشهاد الدرّة، إلى نفيه وإلى اتهام قناة France 2 الفرنسيّة الرسميّة، ومدير مكتبها في القدس، شارل انديرلان، بالتضليل وتحريف الحقائق. بل ذهبوا أبعد من ذلك، إذ منح رئيس “رابطة الدفاع عن اليهود” في أميركا بيار لورسا، اندرلان جائزة “غوبلز لتحريف الحقائق” في عام 2002.
لم تكن هذه “الجائزة” إلا نقطة في بحر الحملة المنظمة التي شنّت من أجل دحض فيلم استشهاد الدرة، وكان انديرلان الهدف الأساسي لها. فما هي القصة الكاملة لهذه القضية؟
في اليوم الثاني لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 30 أيلول (سبتمبر) 2000، التقط المصوّر الفلسطيني طلال أبو رحمة صوراً تظهر استشهاد الطفل محمد الدرّة الذي كان مختبئاً ووالده خلف برميل في أحد شوارع غزة. أثار الفيلم عاصفة من ردود الفعل المستنكرة للجريمة التي اعترفت إسرائيل بارتكابها (“خطأً” كالعادة).
قساوة الصورة حوّلتها إلى “أيقونة” الانتفاضة الثانية، فهي تفضح الممارسات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. وتناقلها مناصرو القضية الفلسطينية بكثافة، ما أثار حفيظة اليهود المدافعين عن إسرائيل في العالم. وبدأ العمل على تنظيم حملة تنفي الصورة: هدفت المحاولات الأولى إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية إطلاق النيران. وارتفعت الأصوات في إسرائيل مطالبة بالتحقيق في الحادث مجدداً، لأن احتمال وفاة محمد الدرة بنيران فلسطينية يبقى قائماً، مهما كان ضئيلاً. لكن إعادة التحقيق في الحادث لم تكن ممكنة، لأن مسرح الجريمة كان قد مُحي عن خريطة غزة، بعدما مسحته الدبابات الإسرائيلية.
لذا، تطوّع ناحوم شاحاف (فيزيائي يدير معملاً للجيش الإسرائيلي، وكان شكّ سابقاً في الفيلم الذي يؤكد قيام إيغال عامير باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين) للعمل على تأكيد توّرط الفلسطينيين في قتل الدرة. وطلب في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2000 من رئيس الوحدة العسكرية المسؤولة عن الجريمة الجنرال يوم توف ساميا، الموافقة على إعادة بناء مسرح مشابه للجريمة. وكان هدفه إثبات أن الجنود الإسرائيليين لا يمكنهم، في المكان الذي وجدوا فيه، أن يكونوا هم من أصابوا الدرة.
وبعد أيام قليلة، صرّح يوسف دورييل، مساعد شاحاف، لـ“سي بي أس” الأميركية بأن الوالد جمال الدرة ممثّل، وأنه لم يكن يعلم أن ابنه سيقتل فعلاً لدواعي التمثيل. غير أن هذه التصريحات لم تحظ بأي متابعة جدية من الجيش الإسرائيلي، بل إن شاوول موفاز، رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك، أكد أن الجنرال ساميا يحقق في القضية بشكل فردي.
كان يمكن للموضوع أن ينتهي هنا. لكن في بداية العام 2002 أعدّت الصحافية استير شابيرا فيلماً وثائقياً “ثلاث طلقات وطفل ميت” للقناة الألمانية ADR. تبنى الفيلم رواية شاحاف ودورييل للحادثة، وتلقفه بعض اليهود الفرنسيين المدافعين بشراسة عن إسرائيل، وبدأوا حملة منظمة ضد “فرانس 2”. وهكذا، أعدت شكاوى طالبت ببث الشريط الكامل الذي التقطه طلال أبو رحمة، كما طالبت ببث الوثائقي الذي أعدته شابير
وترافقت الحملة مع إنشاء عدد من المواقع الإلكترونية التي تهاجم انديرلان، أبرزها موقع Media Rating الذي أسسه فيليب كارسنتي في عام 2004. شكل الموقع رأس الحربة في تلك “المعركة”، إذ بث عدداً كبيراً من الأفلام و“الوثائق” المسجلة التي أعدت خصيصاً لنفي الجريمة. ومن أبرز ما جاء في الموقع أن محمد الدرة لم يمت، وقد عرض فيلم يؤكد عدم وفاته. وأشار الموقع أيضاً إلى أن الطفل شوهد في أحد أسواق غزة يشتري البندورة. كما تزايد عدد المواقع الإلكترونية التي تهاجم انديرلان وتطالب القناة بإقالته.
في هذا الوقت، كان انديرلان يتلقى تهديدات من متطرفين يهود، ووضع منزله تحت الحراسة لحمايته. وهو رفع دعوى تشهير أمام المحاكم الفرنسية ضد كارسنتي، وصدر الحكم في 19 تشرين الأول المنصرم لمصلحته. لكن كارسنتي استأنف الحكم. يرى انديرلان أن هذه القضية لم تتجاوز الحدود الفرنسية، وهو يتهم جماعات ضغط أميركية (تابعة للمحافظين الجدد) بالوقوف خلف اليهود الذين هاجموه “ومنهم رابطة الدفاع عن اليهود في أميركا”، وهي رابطة مصنفة إرهابية في إسرائيل
وليس بعيداً من صورة الدرة، تتكرر المحاولات نفسها للتشكيك في صورة الطفلة هدى غالية التي قضى أفراد عائلتها على شاطئ البحر في غزة في تموز (يوليو) الفائت، إذ يحاول أصحاب عدد من المواقع الإلكترونية اليهودية نفيها لأنها تشكل “جزءاً من الدعاية الفلسطينية الهادفة إلى إبراز اسرائيل في صورة الشيطان”. لا نعرف بعد كيف ستُنفى هذه الجريمة... لكن هناك سؤال بسيط يطرح نفسه: كل هذا الحرص على “صورة” إسرائيل... ترى، لمَ لا يكون وقائياً؟
تذكرون هذه الصورة بالطبع... لكن هل تعرفون أن الطفل محمد الدرة “لم يمت”؟ وأنه “شوهد أخيراً يتجوّل في أسواق غزة ويشتري البندورة”؟ وأن ظهوره في الفيلم “كان مجرد مشهد تمثيلي أداه ببراعة”؟
طبعاً أنتم لا تعرفون تلك المعلومات، لكن لا داعي للأسف، فهي ليست حقيقية. إنها ادعاءات روّج لها “ناشطون” يهود عمدوا منذ اليوم الأول لبثّ الفيلم الذي يصوّر استشهاد الدرّة، إلى نفيه وإلى اتهام قناة France 2 الفرنسيّة الرسميّة، ومدير مكتبها في القدس، شارل انديرلان، بالتضليل وتحريف الحقائق. بل ذهبوا أبعد من ذلك، إذ منح رئيس “رابطة الدفاع عن اليهود” في أميركا بيار لورسا، اندرلان جائزة “غوبلز لتحريف الحقائق” في عام 2002.
لم تكن هذه “الجائزة” إلا نقطة في بحر الحملة المنظمة التي شنّت من أجل دحض فيلم استشهاد الدرة، وكان انديرلان الهدف الأساسي لها. فما هي القصة الكاملة لهذه القضية؟
في اليوم الثاني لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 30 أيلول (سبتمبر) 2000، التقط المصوّر الفلسطيني طلال أبو رحمة صوراً تظهر استشهاد الطفل محمد الدرّة الذي كان مختبئاً ووالده خلف برميل في أحد شوارع غزة. أثار الفيلم عاصفة من ردود الفعل المستنكرة للجريمة التي اعترفت إسرائيل بارتكابها (“خطأً” كالعادة).
قساوة الصورة حوّلتها إلى “أيقونة” الانتفاضة الثانية، فهي تفضح الممارسات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. وتناقلها مناصرو القضية الفلسطينية بكثافة، ما أثار حفيظة اليهود المدافعين عن إسرائيل في العالم. وبدأ العمل على تنظيم حملة تنفي الصورة: هدفت المحاولات الأولى إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية إطلاق النيران. وارتفعت الأصوات في إسرائيل مطالبة بالتحقيق في الحادث مجدداً، لأن احتمال وفاة محمد الدرة بنيران فلسطينية يبقى قائماً، مهما كان ضئيلاً. لكن إعادة التحقيق في الحادث لم تكن ممكنة، لأن مسرح الجريمة كان قد مُحي عن خريطة غزة، بعدما مسحته الدبابات الإسرائيلية.
لذا، تطوّع ناحوم شاحاف (فيزيائي يدير معملاً للجيش الإسرائيلي، وكان شكّ سابقاً في الفيلم الذي يؤكد قيام إيغال عامير باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين) للعمل على تأكيد توّرط الفلسطينيين في قتل الدرة. وطلب في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2000 من رئيس الوحدة العسكرية المسؤولة عن الجريمة الجنرال يوم توف ساميا، الموافقة على إعادة بناء مسرح مشابه للجريمة. وكان هدفه إثبات أن الجنود الإسرائيليين لا يمكنهم، في المكان الذي وجدوا فيه، أن يكونوا هم من أصابوا الدرة.
وبعد أيام قليلة، صرّح يوسف دورييل، مساعد شاحاف، لـ“سي بي أس” الأميركية بأن الوالد جمال الدرة ممثّل، وأنه لم يكن يعلم أن ابنه سيقتل فعلاً لدواعي التمثيل. غير أن هذه التصريحات لم تحظ بأي متابعة جدية من الجيش الإسرائيلي، بل إن شاوول موفاز، رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك، أكد أن الجنرال ساميا يحقق في القضية بشكل فردي.
كان يمكن للموضوع أن ينتهي هنا. لكن في بداية العام 2002 أعدّت الصحافية استير شابيرا فيلماً وثائقياً “ثلاث طلقات وطفل ميت” للقناة الألمانية ADR. تبنى الفيلم رواية شاحاف ودورييل للحادثة، وتلقفه بعض اليهود الفرنسيين المدافعين بشراسة عن إسرائيل، وبدأوا حملة منظمة ضد “فرانس 2”. وهكذا، أعدت شكاوى طالبت ببث الشريط الكامل الذي التقطه طلال أبو رحمة، كما طالبت ببث الوثائقي الذي أعدته شابير
وترافقت الحملة مع إنشاء عدد من المواقع الإلكترونية التي تهاجم انديرلان، أبرزها موقع Media Rating الذي أسسه فيليب كارسنتي في عام 2004. شكل الموقع رأس الحربة في تلك “المعركة”، إذ بث عدداً كبيراً من الأفلام و“الوثائق” المسجلة التي أعدت خصيصاً لنفي الجريمة. ومن أبرز ما جاء في الموقع أن محمد الدرة لم يمت، وقد عرض فيلم يؤكد عدم وفاته. وأشار الموقع أيضاً إلى أن الطفل شوهد في أحد أسواق غزة يشتري البندورة. كما تزايد عدد المواقع الإلكترونية التي تهاجم انديرلان وتطالب القناة بإقالته.
في هذا الوقت، كان انديرلان يتلقى تهديدات من متطرفين يهود، ووضع منزله تحت الحراسة لحمايته. وهو رفع دعوى تشهير أمام المحاكم الفرنسية ضد كارسنتي، وصدر الحكم في 19 تشرين الأول المنصرم لمصلحته. لكن كارسنتي استأنف الحكم. يرى انديرلان أن هذه القضية لم تتجاوز الحدود الفرنسية، وهو يتهم جماعات ضغط أميركية (تابعة للمحافظين الجدد) بالوقوف خلف اليهود الذين هاجموه “ومنهم رابطة الدفاع عن اليهود في أميركا”، وهي رابطة مصنفة إرهابية في إسرائيل
وليس بعيداً من صورة الدرة، تتكرر المحاولات نفسها للتشكيك في صورة الطفلة هدى غالية التي قضى أفراد عائلتها على شاطئ البحر في غزة في تموز (يوليو) الفائت، إذ يحاول أصحاب عدد من المواقع الإلكترونية اليهودية نفيها لأنها تشكل “جزءاً من الدعاية الفلسطينية الهادفة إلى إبراز اسرائيل في صورة الشيطان”. لا نعرف بعد كيف ستُنفى هذه الجريمة... لكن هناك سؤال بسيط يطرح نفسه: كل هذا الحرص على “صورة” إسرائيل... ترى، لمَ لا يكون وقائياً؟