عبَّاس رفض مطالب «حماس» الإلتزام باتفاق مكة فتواصل القتال حتى النهاية
قيادة الداخل اتخذت القرار ومشعل امتنع عن الرد فتم تنفيذ خطة مسبقة للإجهاز على تيار محمد دحلان
عشرة من قادة «فتح» اختبأوا لدى الوفد الأمني المصري وسلمهم اللواء حماد مشترطاً عدم الإساءة لهم
إلقاء أتباع دحلان لأبي قينص من برج بكر واتهامهم «حماس» الشرارة التي أشعلت نار المواجهة الشاملة
المدهون قتل مقاتلاً على حاجز تفتيش فتم تسليمه لذويه الذين أجهزوا عليه إنتقاماً ثم عرضت جثته في جباليا
قالت المصادر إن قادة الداخل والخارج الذين اجتمعوا في العاصمة السورية في الخامس من حزيران/يونيو الماضي، لم يناقشوا احتمال اضطرار الحركة لاتخاذ قرار استراتيجي من هذا الطراز، حيث تواجد في دمشق من قادة الداخل كل من سعيد صيام وزير الداخلية الأسبق، عضو القيادة السياسية في الداخل، خليل الحية عضو المجلس التشريعي، جمال أبو هاشم عضو قيادة الداخل، أيمن طه منسق المكتب المشترك مع حركة «فتح». وقد تضمن جدول أعمال الإجتماعات التي عقدت بوجودهم مسائل أخرى.
كانت الشرارة التي أشعلت الحريق هي حادث اختطاف أسامة أبو قينص، من قبل أتباع محمد دحلان، وإلقائه مربطا من الدور الخامس عشر في برج بكر في غزة، ظنا من منفذي العملية أنه ينتمي لحركة «حماس» كونه ملتحيا. ولكنهم فوجئوا بعد مقتله بأنه عضو في «فتح» ، فأعلنوا أن حركة «حماس» هي التي ارتكبت هذا الفعل. وتبع ذلك اشتباكات كانت الأعنف بين الجانبين، رافقها عمليات اختطاف وقتل وتدمير وحرق لمنازل أعضاء «حماس»، بما في ذلك استهداف منزل إسماعيل هنية رئيس الوزراء، ومقر الحكومة أثناء عقد اجتماع رسمي لها، واختطاف وقتل الشيخ محمد الرفاتي شقيق الدكتور علاء الرفاتي عضو قيادة الحركة، بطريقة بالغة البشاعة، واختطاف العشرات من أعضاء «حماس» من قبل سميح المدهون وعناصره، الذين كانوا يتخذون من مقر الرئيس محمود عباس في المنتدى مقرا لهم..
الإجتماع الحاسم
ما سبق أثار حفيظة قيادة «حماس» في الداخل على نحو غير مسبوق، وجعلها تعقد اجتماعا استثنائيا بالغ الأهمية يوم الأحد الموافق العاشر من حزيران/يونيو اتخذت فيه قرارا يقضي بتنفيذ خطة الطوارئ الموضوعة، والقاضية بتصفية التيار الإنقلابي في حركة «فتح» ، والأجهزة الأمنية وبفرض سيطرة «حماس» على قطاع غزة خلال أربعة أيام، اعتبارا من يوم الثلاثاء.
وشارك في هذا الإجتماع مندوبين من قيادة قوات القسَّام، وجهاز أمن الحركة في القطاع.
وقد تم إبلاغ مضمون القرار لقيادة «حماس» في الخارج، التي لم تعترض عليه، كما أنها لم تبد وجهة نظر مؤيدة له..ففهمت قيادة الداخل أن عدم الرد هو في حد ذاته ردا، ايجابيا في هذه الحالة.
تبدي المصادر هنا اعتقادها في أن قادة تيار دحلان أرادوا من افتعال الإشتباكات الأخيرة استنزاف «حماس» كعادتهم ، ثم القبول بالوساطات التي تصل إلى حتمية وقف إطلاق النار، ولكن بعد أن تضعف قوات «حماس» نوعاً ما، وذلك في إطار تنفيذ تدريجي لخطة الجنرال الأميركي كيث دايتون، التي تقضي بالقضاء على «حماس» قبل نهاية العام الحالي.. كما أنهم أرادوا إظهار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية في مظهر الفشل والعجز، وعدم القدرة على ضبط الأمن. وقد تزامن وقوع هذه الإشتباكات مع وجود دحلان ورشيد أبو شباك، وسمير المشهراوي في مصر..حيث كان دحلان يواصل علاجه جراء العملية الجراحية التي أجريت لركبتيه في برلين، فيما كان أبو شباك والمشهراوي يتحاوران مع مسؤولين مصريين.
الجهاز الأمني لحركة «حماس» قدم تقريرا لقيادة الداخل في الإجتماع، تحدث عن تلقي حرس الرئاسة والأجهزة الأمنية الأخرى لكميات كبيرة من الأسلحة تم إدخالها للقطاع، وعن تلقي أعداد كبيرة من أفراد حرس الرئاسة وجهاز الأمن الوقائي لتدريبات مكثفة في عدد من العواصم العربية والأجنبية استعدادا لساعة الصفر المقررة في خطة دايتون، والتي تقضي بضرب حركة «حماس» ، وتصفيتها في موعد أقصاه نهاية العام الحالي.
وقال التقرير إن هناك ضوءا أخضر على المستوى الإقليمي والدولي للإقدام على ذلك، وفي ضوء هذه المعلومات يجب اتخاذ قرار استباقي حاسم.
تم إبلاغ القرار كذلك لقيادة قوات كتائب الشهيد عز الدين القسَّام، لتتولى التنفيذ، ففتح مجلسها العسكري الخطة الموضوعة مسبقاً، وقرر أن يتم تنفيذها خلال الأيام الأربعة الواقعة بين يومي الثلاثاء والجمعة.
الإتصالات المصرية والمطالب الحمساوية
وقد بدأ التنفيذ في شمال القطاع، ومع بدء العمليات الواسعة لقوات القسَّام، بدأت الإتصالات تنهال على خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة في دمشق، وعلى إسماعيل هنية رئيس الوزراء في غزة، من قبل محمود عباس رئيس السلطة، وعمر سليمان مدير المخابرات المصرية، واللواء برهان حماد رئيس الوفد الأمني المصري في القطاع. ووجهت دعوة لقيادتي «حماس» و«فتح» للحضور إلى مقر الوفد الأمني المصري في تل الهوى، وذلك لعقد اجتماع مشترك، يتم التوصل فيه إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار..حيث المربع الأمني، غير أن الطرفين لم يحضرا. إزاء ذلك، اتصل اللواء حماد بمشعل في دمشق طالبا منه الضغط على قيادة الداخل في القطاع للحضور، فرد عليه مشعل مؤكداً استعداد قيادة الداخل في القطاع للحضور، غير أنهم تواجههم مشكلة أمنية تتمثل في وقوع مقر الوفد الأمني المصري في المربع الأمني، وأنه ليس بالإمكان المغامرة بمحاولة الوصول إلى هناك، فأبدى حماد استعداده للذهاب إلى المكان الذي يحددوه له. وقد تم اللقاء فعلا يوم الإثنين الموافق 11 حزيران/يونيو. وقد قدمت في هذا الإجتماع مطالب حركة «حماس» ، وهي ثمانية، وكما يلي:
1- ضرورة احترام «فتح» للإتفاقات التي وقعت عليها في القاهرة سنة 2005، واتفاق مكة لسنة 2007، وتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني الخاصة فيما يتعلق بالشراكة السياسية بين الحركتين.
2- تطبيق مبدأ الشراكة السياسية وإعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية على أساس العمل المشترك الحقيقي، وأن صندوق الإقتراع هو الفيصل في تحديد قوة كل فصيل، وأن «حماس» مستعدة للإنسحاب من الحكم إذا ما فرض صندوق الإقتراع عليها ذلك.
3- يجب تحقيق إجماع من قبل «فتح» على حكومة الوحدة الوطنية، والعمل على إنجاحها، وعدم وضع عراقيل أمامها.
4- ضرورة حماية المؤسسات الأمنية وإعادة بنائها على أسس وطنية واستبعاد المجموعات التي تعمل على إعادة الإقتتال وإشعال الفتنة بين الأشقاء.
5- تطبيق الخطة الأمنية وتفعيل غرفة عمليات القوة الأمنية المشتركة، وإمدادها بأي سلاح يأتي للسلطة.
6- إعادة كل من فصل من الأجهزة الأمنية على خلفية تنظيمية إلى عمله.
7- رفع الغطاء التنظيمي عن القتلة، وتقديمهم إلى محاكمة عادلة.
8- تقديم ضمانات من مصر الشقيقة، و«فتح» ، بأن التيار الوطني داخل «فتح» الذي يقوده الرئيس أبو مازن هو الذي يعمل على تنفيذ أي اتفاق مع الحركة.
اللواء حماد، توجه فور استلامه مطالب «حماس» إلى رام الله حيث التقى الرئيس عباس، الذي رد عليه قائلا إنه لا يقبل أي مطالب أو شروط قبل توقف «حماس» عن إطلاق النار، فيما أعلن هو وقفا من جانب واحد لإطلاق النار..ما أدى بـ «حماس» إلى الإستمرار في إطلاق النار، حيث سيطرت على شمال القطاع بعد معارك استمرت بضع ساعات، ثم انتقلت العمليات إلى جنوب القطاع، حيث سيطرت عليه يوم الأربعاء، واتجهت ليلة الخميس إلى المربع الأمني في مدينة غزة، الذي يقع في منطقة تل الهوى، حيث حاصرت مبنى الأمن الوقائي، والمخابرات العامة، وقوات الأمن الوطني، واستمرت المعارك مدة 17 ساعة، انتهت بفرض سيطرتها على المقار المذكورة صباح الخميس الموافق 14/6/2007، فيما تمت السيطرة على مقر الرئيس في المنتدى مساء الخميس، وقبل الموعد المحدد لذلك بيوم.
تسليم المختبئين لدى الوفد الأمني المصري
يوم الجمعة تقول المصادر أنه تم اعتقال عشرة من قادة «فتح» والأجهزة الأمنية مختبئين في مقر اللواء حماد..هم:
1- العميد جمال كايد القائد العام لقوات الأمن الوطني.
2- العميد مصباح البحيصي القائد العام لقوات الحرس الرئاسي.
3- حمودة نجاح الشيخ علي نائب القائد العام لقوات الحرس الرئاسي.
4- توفيق أبو خوصة الناطق باسم «فتح» في قطاع غزة.
5- ماجد أبو شمالة أمين سر حركة «فتح» في قطاع غزة.
6- عبد العال الغول الملقب بـ «الجزار» ، مسؤول في أمن الرئاسة.
7- علي أحمد علي مسؤول وحدة الحراسات في أمن الرئاسة.
8- خلدون ظاهر حجو ضابط في أمن الرئاسة.
9- محمد جاد الله البحيصي ضابط في الإستخبارات العسكرية.
10- ضرغام لطفي صابر نقيب في حرس الرئاسة.
وتشرح المصادر أن قوات القسَّام حاصرت مقر الوفد الأمني المصري، لدى توفر معلومات لديها تفيد بوجود عدد من القيادات الفتحاوية والأمنية في المقر، ثم دخل عدد من قادة القسَّام إلى المقر، وطلبوا من اللواء حماد تسليم المختبئين لديه جميعهم، فرفض في البداية، ثم وافق بعد جدال ونقاش طويل على تسليمهم، شريطة التعهد بعدم الإساءة إليهم، وقصر الإجراء الذي يتخذ بحقهم على إخضاعهم للتحقيق، ثم إطلاق سراحهم. وهذا ما حدث.
وتضيف المصادر أن المذكورين أدلوا بكل ما لديهم من معلومات، وأبدوا تعاونا كبيراً مع محققيهم. وكانوا في حالة نفسية سيئة جداً، بلغت حد الإنهيار.
وبعد صلاة الجمعة من ذات اليوم، تم تسليمهم إلى أحمد حلس عضو قيادة «فتح» في قطاع غزة.
هكذا قتل سميح المدهون
أما سميح المدهون ، فقد كانت قصته مختلفة..
فـ «حماس» تعتبره أحد الأدوات الإجرامية التي كان يعتمد عليها محمد دحلان في تنفيذ عمليات الإعتقال والإغتيال والتعذيب وحرق البيوت..بل إن والدته كانت تشارك معه في تعذيب المخطوفين..!
مساء الخميس 14/6/2007 حاول المدهون الفرار من المنتدى حيث كان يقيم في مقر الرئيس، منذ هربه من شمال القطاع خلال مواجهة سابقة سبقت اتفاق مكة، إلى البحر المقابل للمقر الرئاسي، وقد ألقى بنفسه في البحر محاولا الهرب سباحة، ومعه اثنين من مرافقيه، غير أنه عاد إلى البر بعد فترة قصيرة، متوجها إلى الشارع الرئيسي، حيث أوقف ومن معه سيارة أجرة تحت تهديد السلاح، وطلبوا من السائق أن يسير بهم، ليفاجأوا بحاجز لكتائب القسَّام. واقترب المقاتل جمال أبو سويرح من السيارة طالبا هويات ركابها، وكان المدهون ومرافقيه يرتدون الزي العسكري، ويحملون أسلحتهم، فبادره المدهون بإطلاق الرصاص عليه من رشاشه، وأرداه قتيلا.
هنا هب بقية عناصر الحاجز حيث حاصروا السيارة، وأطلقوا النار على المدهون، فأصابوه في بطنه، وعندما اقتربوا منه عرفوه، فأخذوه من فورهم إلى منزل القتيل جمال أبو سويرح في مخيم النصيرات المجاور، وكان خبر مقتله قد وصل أهله. ومع ذلك، فقد كرر مقاتلو القسَّام لأهل السويرحي أن ابنهم قد قتل، وأن قاتله هو سميح المدهون، وسلموه لهم، فتم إطلاق النار عليه من قبل أهل القتيل، وكل من كان في المكان، وسط زغاريد النسوة. ثم أخذت جثته إلى مخيم جباليا، حيث تم عرضها على الأهالي الذين سبق له أن قتل أبناءهم بيديه.
هاربون آخرون
إلى ذلك، فهناك عدد آخر من قيادات «فتح» نجح في الفرار بتسهيلات إسرائيلية عبر معبر ايرتس، منهم ماهر المقداد، وعبد الحكيم عوض، اللذان كانا من بين الناطقين باسم «فتح» في القطاع، وقد توجها إلى رام الله، ومنها إلى القاهرة، حيث تم تعيين المقداد مسؤولاً عن الإعلام الفلسطيني في مصر إعتباراً من الأول من تموز/يوليو الجاري، بموجب قرار صدر عن أحمد عبد الرحمن مفوض الإعلام المركزي، وبتوجيه من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبَّاس.
وكان أبرز الهاربين إلى مصر، وعبر معبر رفح مباشرة أبو علي (عبد العزيز) شاهين ، ومن مصر توجه إلى رام الله..وهو الشيوعي السابق الذي تولى تثقيف دحلان في مطلع شبابه ، وكان يتولى عمليات التعبئة ضد «حماس» طوال الفترة السابقة.
ولكن ما الذي جعل قادة «فتح» الهاربين إلى مصر يغادرونها مسرعين إلى رام الله عبر الأردن..؟
تقول المصادر إن عمر سليمان مدير المخابرات المصرية عنف دحلان وأبو شباك والمشهراوي بشدة في لقاء جمعه بهم في مكتبه في القاهرة. وتقول الروايات أن سليمان قال لهم لقد ورطتم «فتح» وأبو مازن والدول العربية التي دعمتكم بهذا الإقتتال، ومن المؤسف أنه تبين أنكم نمر من ورق..فإذا كانت هذه هي حقيقتكم ، فإنه ما كان ينبغي أن تقاتلوا «حماس». لقد وجدتم دعماً كبيراً بالمال والسلاح، وفتحت لكم كل الأبواب، التي أغلقت أمام خصومكم في «حماس»، وحتى في «فتح» ، لكنكم خذلتم جميع من دعمكم ووقف إلى جانبكم، وهربتم إلى مصر مع أول رصاصة.
وأضاف سليمان ، لقد كان وجودكم في مصر خلال الإشتباكات محل تساؤل من قبلنا، ولم نرد أن نقول لكم ذلك في حينه، حتى لا تفهموا أننا نطردكم من مصر، غير أنه كان ينبغي عليكم أن تتركوا مصر وتذهبوا إلى أرض المعركة.
جراء هذا التوبيخ غادر دحلان ، أبو شباك ، والمشهراوي مصر إلى الأردن ، ومنه إلى رام الله ، حيث استمعوا في الأردن إلى توبيخ مماثل حين طلب دحلان من بعض المسؤولين الأردنيين الحصول على مساعدتهم في وضع خطة جديدة لمواجهة «حماس» ، فقال له بعضهم متندراً لقد كنت ورجالك في غزة ولم تتمكنوا من فعل شيء ، وكانت الهزيمة التي حلت بكم ، فكيف يمكن أن تحققوا شيئاً بعد مغادرتكم القطاع ، أو أن تتمكنوا من العودة إليه..؟!
وانتهى اللقاء بقول مسؤول أردني لدحلان «على العموم، إذهب الآن إلى رام الله ، وعندما تعود لعمَّان يكون لكل حادث حديث».
غير أن الحادث الذي تزامن مع هذا الحديث هو توجه دحلان عبر عمَّان إلى القاهرة ثانية ، ومنها إلى برلين لمواصلة العلاج.
تعليق