الكل هنا "في جنين" له حكايته مع الألم والتشرد، والكل يستذكر تلك الأيام الصعبة التي مرت تحت أزيز الرصاص ودوي القنابل وانقطاع الكهرباء والغذاء والماء.
المعاناة صفة تلازم الحياة في المخيم إلا أن الفخر بما حدث في نيسان يطغى على كل شعور.
التخطيط: بداية الحكاية
لم تكن المقاومة في مخيم جنين في ذلك الوقت لتحقق ما حققته من انجازات شهد بها العدو قبل الصديق دون تخطيط محكم وادراك واع لطبيعة المعركة واستعدادات استمرت لعدة أشهر، المقاومة الموحدة في مخيم جنين بدأت بتحضير نفسها للعملية التي كان الجميع متيقنا أنها ستكون ضخمة - عبر جمع السلاح وتدريب المقاتلين ووضع الخطط وذلك منذ نهاية الاجتياح السابق للمخيم.
بادئ ذي بدء كانت هناك غرفة العمليات المشتركة للمقاومين، وهي التي تدير مقاتلي سرايا القدس و كتائب القسام من حماس وكتائب شهداء الاقصى.
لم يكن يوجد في المخيم أثر ميداني لاختلاف الانتماءات السياسية وهو الامر الذي دلل بوضوح على التعاون الوثيق بين الفصائل المقاومة كافة، ورفع درجة الشفافية في التعامل من الذات والآخرين من جهة أخرى وهذا دفع باتجاه الصمود الحقيقي والكبير لأهالي المخيم والمقاومين.
الاستفادة من الأخطاء السابقة
أحد المقاومين الناجين من المعركة، قال في وصفه للاستعدادات للمعركة: بداية قمنا بإحصاء جميع الاخطاء الناجمة عن الاجتياحات السابقة، ووضعنا ملاحظات لتفاديها، وكانت أبرز تلك الملاحظات: أولا، أن قوات الاحتلال تقوم عند بدء اجتياحها للمخيم بقطع شبكة الهاتف وتعطيل شبكة الجوال بالاضافة لتعطيل شبكة الكهرباء وذلك حتى تتمكن من قطع وسائل الاتصال بين المقاتلين انفسهم من جهة وعزل المخيم عن محيطه من جهة اخرى. ويضيف: وعليه فقد تقرر ان يحمل المقاتلون هواتف نقالة من نوع " اورانج " وهي اسرائيلية مفتوحة للاتصال بالهواتف الفلسطينية وبالجوال، وعليه فقد تم تفادي عملية قطع الاتصالات، اما قطع الكهرباء والتي لا تلزم في هذه المعركة سوى في شحن بطاريات الهواتف النقالة فقمنا باحضار مولد كهرباء وبطاريات سيارات لهذا الغرض وتخصيص اناس معينين للقيام بهذه المهمة.
ثانيا: قسم محاربة الاشاعة داخل المخيم، اذ كثيرا ما كانت تصل الى المقاتلين اخبار مغلوطة بقصد او دون قصد خلال الاجتياحات السابقة، تجعلهم يخطئون الاهداف، لذلك فقد تقرر الا يتم الاتصال من قبل اي مراقب الا على حدث شاهده، او ان يقوم اثنان من المقاتلين بالذهاب الى موقع الحدث ومشاهدته ومن ثم تعميمه، وعليه فقد تخلصنا الى حد كبير من هذه الظاهرة.
ثالثاً: توزيع مخازن الذخيرة والاطعمة، فقد كان لكل فصيل مخازنه الخاصة مع التنسيق مع الفصائل الاخرى، ووضع على هذه المخازن امناء حيث تم الاعداد لذلك جيدا، كما تم وضع خطة تقديرية للمدى الذي يمكن ان يصمد به المخيم بهذه الاسلحة وسط ترشيد مخطط لاستعمال السلاح، وتم تشكيل لجنة تنسيق بين الحارات المختلفة لتغطية النقص لديها في الذخيرة.
ويختتم هذا المقاوم حديثه بالملاحظة الرابعة ويقول: قامت قيادة المقاومة في المخيم بتحديد قائمة ملاحظات تم توزيعها على المقاتلين والمدنيين في المخيم وهي قواعد عامة يجب اتباعها في هكذا نوع من القتال وتركزت في مجملها على عدم الهرب واتباع التعليمات بدقة وابقاء كافة المنازل مفتوحة على بعضها والاتفاق على اشارات معينة بين المقاومين وغيرها من التعليمات والقواعد العامة التي تتبع في مثل هذه المواقف والاحداث.
معركة غير متكافئة
المكان: مخيم جنين للاجئين والذي لا تتعدى مساحته الكلية أكثر من 330 دونما ولا يتجاوز عدد سكانه 15 الف مواطن.
الزمان: من الثالث الى الخامس عشر من نيسان من العام 2002م.
الحدث: معركة مخيم جنين الأسطورية التي سطر بها أهل ومقاومو مخيم جنين أروع التضحيات وأعظم الأمثلة في الجلد وقوة التحدي، فقد قاتل نحو 200 مقاوم كالأسود الضارية أمام آلاف الجنود المدججين بأعتى الاسلحة والمعززين بأقوى وأفضل الوسائل التكنولوجية والقتالية البرية والجوية ولمدة اثني عشر يوما كاملا، لم يتخرجوا من الاكاديميات العسكرية العالمية لكنهم كانوا جنرالات الميدان.
يذكر ان المقاومة الضارية دفعت قائد أركان جيش الاحتلال الى عزل قائد الحملة الاحتلالية على مخيم جنين وتولى قيادة الامور بنفسه. وهي نفسها التي كبدت قوات الاحتلال المعتدية 24 قتيلا وأكثر من 150 جريحا من جنودها حسب الاعترافات الرسمية لجيش الاحتلال. وهي أيضا التي جعلت قيادة جيش الاحتلال تغير القوات المشاركة في المعركة ثلاث مرات نظرا لانهيار معنويات الجنود في كل محاولة للاقتحام أمام الصمود الأسطوري.
كل ذلك رغم الامكانيات المادية والتسلحية البسيطة للمقاومة اذا ما قيست بعدد وعدة القوات الاسرائيلية التي شاركت في عملية اقتحام المخيم او ما اصطلح على تسميته فيما بعد بمعركة مخيم جنين.
جرح وبطولة
في المقابل تكبد مخيم جنين خسائر جسيمة الا أن اهل المخيم يؤكدون ان خسائرهم رخيصة في سبيل دحر الاحتلال والوصول الى الهدف الاسمى المتمثل بالخلاص من نير الاحتلال وبناء الدولة مع ان الجرح لا يمكن أن يندمل في يوم من الأيام، فالتاريخ سيبقى الشاهد.
ارتكبت قوات الاحتلال في مخيم جنين مجزرة بما تحمل الكلمة من معان عندما أقدمت على اقتحامه بالدبابات ثم بالجرافات الضخمة التي أزالت كل شيء من امامها وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها وسحقت جثث الشهداء بين جنازيرها ليسقط 59 شهيدا وأكثر من 150 مصابا ومئات الأسرى الذين ما زال الكثير منهم يقبعون في غياهب السجون الاحتلالية الى الآن.
والى جانب تلك الخسائر البشرية التي تكبدها المخيم فقد هدمت جرافات الاحتلال حوالي 600 منزل بصورة كلية بينما تضرر حوالي 200 منزل آخر بصورة جزئية أما بالهدم الجزئي او الحرق أو غير ذلك من الوسائل التي استخدمها جيش الاحتلال وذلك حسب تقديرات بلدية ومحافظة جنين وهو ما أدى الى تشريد المئات من العائلات مرة أخرى لتعيد قوات الاحتلال لهم ذكريات النكبة الاولى في العام 1948م وليكون للابن والحفيد نكبتهم الخاصة بهم كما كان للجد نكبته.
يذكر ان تقديرات جيش الاحتلال تشير الى ان الذخيرة التي استخدمها جيش الاحتلال في معركة المخيم تفوق تلك التي استخدمها الجيش خلال مراحل وأيام انتفاضة الاقصى السابقة كلها.
شهادة سائق جرافة
" كانوا يحذرونهم في مكبرات الصوت قبل دخولي لكي يخرجوا من البيوت الا انني لم أعط فرصة لأي واحد، لم انتظر حتى يخرجوا بل كنت اضرب البيت ضربة قوية لكي يسقط بالسرعة الممكنة " هذا ما قاله " دوبي كردي " أحد سائقي جرافات " الدي ناين " الاحتلالية التي أعملت الخراب في المنازل في مقابلة اجرتها معه صحيفة "يديعوت احرنوت" الاسرائيلية بعد أيام من انتهاء الحملة الاحتلالية.
وقال كردي انه عمل ثلاثة ايام متواصلة وكان يهدم "حتى حول ارض المخيم الى ملعب كرة قدم أشبه بملعب " تيدي " في القدس" كما يصف، ويضيف كردي انه كان يهدم ويشرب " الويسكي " وعندما كانوا يطلبون منه هدم احد البيوت كان يستغل الفرصة ويهدم ثلاثة أو أربعة بيوت اضافية كانت تعيق الوصول الى البيت المحدد.
ويشير كردي الى أن الكثيرين من الناس كانوا داخل البيوت عندما بدأ بهدمها قائلا: "لو رأيت اناسا تحت انقاض البيوت لم يكن ذلك ليؤثر علي وانا متأكد ان اناسا ماتوا تحت الانقاض .. ولكن كان من الصعب رؤيتهم بسبب الغبار وعتمة الليل، كنت اشعر بمتعة كبيرة بعد هدم كل بيت جديد لانني كنت اعرف ان الموت لايهمهم وان هدم البيوت يوجعهم اكثر!" ويضيف كردي "اذا تألمت من شيء فانني تألمت من اننا لم نمح المخيم بالكامل، فيما شعرت بمتعة حقيقية واكتفاء ذاتي عند هدم كل منزل، لم استطع التوقف عن الهدم .. كل الوقت اردت ان اهدم اكثر، وكنت اطلب من الضابط المسؤول واتوسل اليه ان يعطيني مهمات هدم اضافية، وعندما خرجنا تأسفت جدا لانني لم اتمكن من ازالة اللافتة التي تحمل صورة عرفات على مدخل المخيم.
ويؤكد كردي ان احدا من الجنود والضباط لم يبد أي تحفظ على ما قام به من هدم وعلى ما قام به جنود آخرون كثيرون.
اسطورة: نهاية الحكاية
تلك الأيام العصيبة كانت غاية في الصعوبة والقسوة لكنها جعلت من جنين اسما يتردد في أصقاع الأرض قاطبة وجعلت منها أسطورة النضال رغم كل ما أصابها وأصابنا من دمار وقتل وحزن وألم، الا أن الصمود الأسطوري والملحمة التي سطرها أبطال المعركة جعلت أهل جنين يتسامون على جراحهم وينهضون من جديد ليواصلوا ايقاع حياتهم على نبض المقاومة والصمود وسمفونية الشهادة والشهداء، ولتبقى جنين هي جنين وليبقى مخيمها صامدا كالجبال الشامخة لا تهزه الرياح مهما بلغت من قوة وبطش وغطرسة وجبروت.
أخوكم بالله عبد الرحمن
نورس سرايا القدس
المعاناة صفة تلازم الحياة في المخيم إلا أن الفخر بما حدث في نيسان يطغى على كل شعور.
التخطيط: بداية الحكاية
لم تكن المقاومة في مخيم جنين في ذلك الوقت لتحقق ما حققته من انجازات شهد بها العدو قبل الصديق دون تخطيط محكم وادراك واع لطبيعة المعركة واستعدادات استمرت لعدة أشهر، المقاومة الموحدة في مخيم جنين بدأت بتحضير نفسها للعملية التي كان الجميع متيقنا أنها ستكون ضخمة - عبر جمع السلاح وتدريب المقاتلين ووضع الخطط وذلك منذ نهاية الاجتياح السابق للمخيم.
بادئ ذي بدء كانت هناك غرفة العمليات المشتركة للمقاومين، وهي التي تدير مقاتلي سرايا القدس و كتائب القسام من حماس وكتائب شهداء الاقصى.
لم يكن يوجد في المخيم أثر ميداني لاختلاف الانتماءات السياسية وهو الامر الذي دلل بوضوح على التعاون الوثيق بين الفصائل المقاومة كافة، ورفع درجة الشفافية في التعامل من الذات والآخرين من جهة أخرى وهذا دفع باتجاه الصمود الحقيقي والكبير لأهالي المخيم والمقاومين.
الاستفادة من الأخطاء السابقة
أحد المقاومين الناجين من المعركة، قال في وصفه للاستعدادات للمعركة: بداية قمنا بإحصاء جميع الاخطاء الناجمة عن الاجتياحات السابقة، ووضعنا ملاحظات لتفاديها، وكانت أبرز تلك الملاحظات: أولا، أن قوات الاحتلال تقوم عند بدء اجتياحها للمخيم بقطع شبكة الهاتف وتعطيل شبكة الجوال بالاضافة لتعطيل شبكة الكهرباء وذلك حتى تتمكن من قطع وسائل الاتصال بين المقاتلين انفسهم من جهة وعزل المخيم عن محيطه من جهة اخرى. ويضيف: وعليه فقد تقرر ان يحمل المقاتلون هواتف نقالة من نوع " اورانج " وهي اسرائيلية مفتوحة للاتصال بالهواتف الفلسطينية وبالجوال، وعليه فقد تم تفادي عملية قطع الاتصالات، اما قطع الكهرباء والتي لا تلزم في هذه المعركة سوى في شحن بطاريات الهواتف النقالة فقمنا باحضار مولد كهرباء وبطاريات سيارات لهذا الغرض وتخصيص اناس معينين للقيام بهذه المهمة.
ثانيا: قسم محاربة الاشاعة داخل المخيم، اذ كثيرا ما كانت تصل الى المقاتلين اخبار مغلوطة بقصد او دون قصد خلال الاجتياحات السابقة، تجعلهم يخطئون الاهداف، لذلك فقد تقرر الا يتم الاتصال من قبل اي مراقب الا على حدث شاهده، او ان يقوم اثنان من المقاتلين بالذهاب الى موقع الحدث ومشاهدته ومن ثم تعميمه، وعليه فقد تخلصنا الى حد كبير من هذه الظاهرة.
ثالثاً: توزيع مخازن الذخيرة والاطعمة، فقد كان لكل فصيل مخازنه الخاصة مع التنسيق مع الفصائل الاخرى، ووضع على هذه المخازن امناء حيث تم الاعداد لذلك جيدا، كما تم وضع خطة تقديرية للمدى الذي يمكن ان يصمد به المخيم بهذه الاسلحة وسط ترشيد مخطط لاستعمال السلاح، وتم تشكيل لجنة تنسيق بين الحارات المختلفة لتغطية النقص لديها في الذخيرة.
ويختتم هذا المقاوم حديثه بالملاحظة الرابعة ويقول: قامت قيادة المقاومة في المخيم بتحديد قائمة ملاحظات تم توزيعها على المقاتلين والمدنيين في المخيم وهي قواعد عامة يجب اتباعها في هكذا نوع من القتال وتركزت في مجملها على عدم الهرب واتباع التعليمات بدقة وابقاء كافة المنازل مفتوحة على بعضها والاتفاق على اشارات معينة بين المقاومين وغيرها من التعليمات والقواعد العامة التي تتبع في مثل هذه المواقف والاحداث.
معركة غير متكافئة
المكان: مخيم جنين للاجئين والذي لا تتعدى مساحته الكلية أكثر من 330 دونما ولا يتجاوز عدد سكانه 15 الف مواطن.
الزمان: من الثالث الى الخامس عشر من نيسان من العام 2002م.
الحدث: معركة مخيم جنين الأسطورية التي سطر بها أهل ومقاومو مخيم جنين أروع التضحيات وأعظم الأمثلة في الجلد وقوة التحدي، فقد قاتل نحو 200 مقاوم كالأسود الضارية أمام آلاف الجنود المدججين بأعتى الاسلحة والمعززين بأقوى وأفضل الوسائل التكنولوجية والقتالية البرية والجوية ولمدة اثني عشر يوما كاملا، لم يتخرجوا من الاكاديميات العسكرية العالمية لكنهم كانوا جنرالات الميدان.
يذكر ان المقاومة الضارية دفعت قائد أركان جيش الاحتلال الى عزل قائد الحملة الاحتلالية على مخيم جنين وتولى قيادة الامور بنفسه. وهي نفسها التي كبدت قوات الاحتلال المعتدية 24 قتيلا وأكثر من 150 جريحا من جنودها حسب الاعترافات الرسمية لجيش الاحتلال. وهي أيضا التي جعلت قيادة جيش الاحتلال تغير القوات المشاركة في المعركة ثلاث مرات نظرا لانهيار معنويات الجنود في كل محاولة للاقتحام أمام الصمود الأسطوري.
كل ذلك رغم الامكانيات المادية والتسلحية البسيطة للمقاومة اذا ما قيست بعدد وعدة القوات الاسرائيلية التي شاركت في عملية اقتحام المخيم او ما اصطلح على تسميته فيما بعد بمعركة مخيم جنين.
جرح وبطولة
في المقابل تكبد مخيم جنين خسائر جسيمة الا أن اهل المخيم يؤكدون ان خسائرهم رخيصة في سبيل دحر الاحتلال والوصول الى الهدف الاسمى المتمثل بالخلاص من نير الاحتلال وبناء الدولة مع ان الجرح لا يمكن أن يندمل في يوم من الأيام، فالتاريخ سيبقى الشاهد.
ارتكبت قوات الاحتلال في مخيم جنين مجزرة بما تحمل الكلمة من معان عندما أقدمت على اقتحامه بالدبابات ثم بالجرافات الضخمة التي أزالت كل شيء من امامها وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها وسحقت جثث الشهداء بين جنازيرها ليسقط 59 شهيدا وأكثر من 150 مصابا ومئات الأسرى الذين ما زال الكثير منهم يقبعون في غياهب السجون الاحتلالية الى الآن.
والى جانب تلك الخسائر البشرية التي تكبدها المخيم فقد هدمت جرافات الاحتلال حوالي 600 منزل بصورة كلية بينما تضرر حوالي 200 منزل آخر بصورة جزئية أما بالهدم الجزئي او الحرق أو غير ذلك من الوسائل التي استخدمها جيش الاحتلال وذلك حسب تقديرات بلدية ومحافظة جنين وهو ما أدى الى تشريد المئات من العائلات مرة أخرى لتعيد قوات الاحتلال لهم ذكريات النكبة الاولى في العام 1948م وليكون للابن والحفيد نكبتهم الخاصة بهم كما كان للجد نكبته.
يذكر ان تقديرات جيش الاحتلال تشير الى ان الذخيرة التي استخدمها جيش الاحتلال في معركة المخيم تفوق تلك التي استخدمها الجيش خلال مراحل وأيام انتفاضة الاقصى السابقة كلها.
شهادة سائق جرافة
" كانوا يحذرونهم في مكبرات الصوت قبل دخولي لكي يخرجوا من البيوت الا انني لم أعط فرصة لأي واحد، لم انتظر حتى يخرجوا بل كنت اضرب البيت ضربة قوية لكي يسقط بالسرعة الممكنة " هذا ما قاله " دوبي كردي " أحد سائقي جرافات " الدي ناين " الاحتلالية التي أعملت الخراب في المنازل في مقابلة اجرتها معه صحيفة "يديعوت احرنوت" الاسرائيلية بعد أيام من انتهاء الحملة الاحتلالية.
وقال كردي انه عمل ثلاثة ايام متواصلة وكان يهدم "حتى حول ارض المخيم الى ملعب كرة قدم أشبه بملعب " تيدي " في القدس" كما يصف، ويضيف كردي انه كان يهدم ويشرب " الويسكي " وعندما كانوا يطلبون منه هدم احد البيوت كان يستغل الفرصة ويهدم ثلاثة أو أربعة بيوت اضافية كانت تعيق الوصول الى البيت المحدد.
ويشير كردي الى أن الكثيرين من الناس كانوا داخل البيوت عندما بدأ بهدمها قائلا: "لو رأيت اناسا تحت انقاض البيوت لم يكن ذلك ليؤثر علي وانا متأكد ان اناسا ماتوا تحت الانقاض .. ولكن كان من الصعب رؤيتهم بسبب الغبار وعتمة الليل، كنت اشعر بمتعة كبيرة بعد هدم كل بيت جديد لانني كنت اعرف ان الموت لايهمهم وان هدم البيوت يوجعهم اكثر!" ويضيف كردي "اذا تألمت من شيء فانني تألمت من اننا لم نمح المخيم بالكامل، فيما شعرت بمتعة حقيقية واكتفاء ذاتي عند هدم كل منزل، لم استطع التوقف عن الهدم .. كل الوقت اردت ان اهدم اكثر، وكنت اطلب من الضابط المسؤول واتوسل اليه ان يعطيني مهمات هدم اضافية، وعندما خرجنا تأسفت جدا لانني لم اتمكن من ازالة اللافتة التي تحمل صورة عرفات على مدخل المخيم.
ويؤكد كردي ان احدا من الجنود والضباط لم يبد أي تحفظ على ما قام به من هدم وعلى ما قام به جنود آخرون كثيرون.
اسطورة: نهاية الحكاية
تلك الأيام العصيبة كانت غاية في الصعوبة والقسوة لكنها جعلت من جنين اسما يتردد في أصقاع الأرض قاطبة وجعلت منها أسطورة النضال رغم كل ما أصابها وأصابنا من دمار وقتل وحزن وألم، الا أن الصمود الأسطوري والملحمة التي سطرها أبطال المعركة جعلت أهل جنين يتسامون على جراحهم وينهضون من جديد ليواصلوا ايقاع حياتهم على نبض المقاومة والصمود وسمفونية الشهادة والشهداء، ولتبقى جنين هي جنين وليبقى مخيمها صامدا كالجبال الشامخة لا تهزه الرياح مهما بلغت من قوة وبطش وغطرسة وجبروت.
أخوكم بالله عبد الرحمن
نورس سرايا القدس