استيطان رخيص ودماء باهظة الثمن !
د.عادل محمد عايش الأسطل
في كل يوم تشهد منطقتنا العربية ألواناً من العنف والقتل بغير حساب، في العراق، سوريا، ليبيا، مصر وغيرها، لسيادة مظاهر الخلاف والفرقة، ولتعالي ألسنة الانقسام والفتنة، حيث يموت الناس على اختلافهم بغير قيمةٍ أو ثمن، وكأنّ أرواحهم أقل تكلفةً من الغبار، ودمائهم أدنى قيمةً من الرماد. الأمر الذي يطرح تساؤلات عِدّة: لماذا؟ ولحساب من؟ وإلى متى ستظل ترزح تحت هذه الأوضاع الساخرة؟ التي من شأنها أن تفتك ليس بالأمّة الواحدة، بل بالشعب الواحد والجماعة المؤتلفة. ومن ثم تستسلم طوعاً أو كرهاً، لمخططات التقسيمات الجديدة، التي تنوي الصهيونية العالمية سِرّاً وعلانيةً القيام إلى تنفيذها، حيث تجعل كل فِندةٍ في بلاد ليس بالضرورة أن تكون مسقط رأسها.
الحكومات الإسرائيلية منذ ولادتها وإلى الآن، لم تدع لدولة من الدول في أن تتقدّم عليها في ناحية الحرص دون إسقاط قطرة دمٍ واحدة من جلود أفرادها، ولم تدع لحظةً تفلت من دون غرس أرجلها عميقاً في الأرض الفلسطينية من خلال عملياتها الاستيطانية المتكالبة، برغم التكلفة الباهظة لتلك النشاطات، سواءً من جهة عدم الاعتراف الدولي والأمم المتحدة بها، أو من جهة الاستنكار والإدانة الدائمتين من قِبل المؤسسات الحقوقية والمجتمعية على اختلافها. فبينما ألمحت الولايات المتحدة بأن النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية تعيق السلام، فقد أعلنت الدول المنضوية تحت منظومة الاتحاد الأوروبي، وسواء كان بسبب أنها - كما يبدو- نتيجة ضغوط عربية وإسلامية، أو بسبب تعارضها مع السياسة الأوروبية تجاه المنطقة وباتجاه القضية الفلسطينية على نحوٍ خاص، أو كلاهما معاً، عن نيّتها الإقدام على اتخاذ إجراءات لفت نظر وأخرى عقابية نحو إسرائيل، بمحاربة تسويق منتوجاتها الواردة من مستوطناتها خارج الخط الأخضر، وذلك في خطوة تصعيدية لردعها عن مواصلتها الاستيطان أو الحد منه على الأقل.
علاوةً على التكلفة العالية للنشاطات الاستيطانية التي توضح مدى تخسير إسرائيل المزيد من علاقاتها السياسية والاقتصادية مع المجتمع الدولي، فإن هناك تكلفة أخرى داخلية تتعلق بالثمن الإجرائي لتلك النشاطات، وهو الأكثر أهمية، خاصةً حينما يتعلق الأمر بمسألتي الأمن والتمويل، حيث أن العمليات الاستيطانية لا تتم من العدم أو تنشأ بفضل الهواء، فهي تحتاج إلى الدعاية المعنوية المؤثرة والتمويلات المالية الضخمة اللازمتين على كل حال. وبالتالي تترتب تكلفتها العالية بصورة جنونية في أكثر الأحيان. وخاصةً بالنسبة إلى المنشآت الاستيطانية المتواجدة داخل الأراضي الفلسطينية. ونجد ذلك بوضوح في نسب التكلفة المتباعدة داخل إسرائيل وفي المستوطنات الجاثمة على الأراضي الفلسطينية. فبينما دلّت التقارير - على سبيل المثال-، على أن ارتفاع أسعار المنازل في المدن الإسرائيلية قد بلغ نسبة تقدّر 72% منذ 2007، إلى أوائل 2013، إلى جانب الارتفاعات المتواصلة في مستوى الحياة الإسرائيلية والتي سادت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وإلى الآن، التي أدّت إلى لجوء العائلات الإسرائيلية، إلى خفض قيمة مصروفاتها المتعلقة بالغذاء والكساء والأشياء الكمالية الأخرى- برغم مصطلح (الرفاه) الذي من المفترض أن تعيشه إسرائيل بوجهٍ عام- في سبيل الحصول على سكن متوسّط أو أقل ذلك. وبالرغم من ارتفاع هذه المصروفات بالنسبة للسكن على مستوياته في أنحاء البلاد، فقد أظهرت تقارير أخرى تُفيد بأن تكلفة المساكن في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية هي أكثر بكثير من حيث تكلفتها المالية، بغض النظر عن التكلفة الأمنية المتعلقة بها.
المنازل في مستوطنات الضفة الغربية (منطقة نابلس وما حولها)- خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة-، ومنها مستوطنات أو بؤر استيطانية منعزلة نسبياً مثل مستوطنة (هار براخا، يتسهار، وألون موريه)، والتي من شأنها حسب التقديرات أن تبقى خارج أيّة تسوية سياسية يمكن أن تتبلور بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، هذه المنازل تشير إلى ارتفاع كبير في أسعارها، بالرغم من تشكيلها خطراً على حياة المستوطنين، وفي صعوبة الوصول إليها من ناحيةٍ أخرى، لاسيما بعد توقيع اتفاقات أوسلو، حيث لم يعد ممكناً الوصول إليها، إلاّ من اتجاهات الجنوب البعيد، وهي طرق التفافية طويلة وشاقّة، ما جعلها في عزلة جغرافية شبه كاملة. وبالرغم من ذلك إلى جانب الافتراض بأنها لن تبقَ قيد السيطرة الإسرائيلية مستقبلاً، فإن المؤشرات تبين أن وتيرة البناء في هذه المنطقة لا تدرك الطلب المتنامي من قبل المستوطنين وخاصةً في هذه الآونة. وهي في زيادة متواصلة عاماً بعد عام وللمثال فقط، فإن بيتاً بمساحة 100 متر مربع في مستوطنة (يتسهار)، وصل ثمنه إلى ما يقرب من 700 ألف شيكل، حوالي 200 ألف دولار أمريكي- 2000 دولار للمتر المربع الواحد- وكان بلغ ثمن بيت مشابه خلال العام 2011، بحولي 170 ألف دولار أمريكي أي بزيادة 28% عن ذلك العام، ويمكن القياس بنفس النسبة أو حواليها على بقية المستوطنات.
نسبة كبيرة من اليهود، ليس المتدينين فقط، يفضلون التمركز وقضاء حياتهم في مثل تلك المستوطنات لأهداف كثيرة برغم ما يحيط بها من مخاطر وما يتعلق بأثمانها وصعوبة الوصول إليها، فلا يردعها ارتفاع الأسعار، ولكن المشكلة لديها تكمن في عدم وجود بيوت شاغرة. فعلاوةً على التماهي مع السياسات الإسرائيلية المتجهة نحو الاستيطان كأساس في استمرارية وجود الدولة، فإن مهمّة الانقياد للأوامر الدينية الربانية هي في غاية الأهمية لا سيما بالنسبة لأولئك الذين انتقلوا إلى المرغّبات الدينية نتيجة الانطلاق الحر للمؤسسات الحاخامية في غرس مفهوماتها الدينية التوراتية في رؤوسهم وأفئدتهم. ناهيكم عن أن الكثيرين يعتبرون أن هذه الأمكنة بالفعل تستحق الاستثمار فيها. كما أن وبدرجةٍ أهم، فإن الأوضاع الماضية وبشكلٍ أدق الحالية التي تعيشها أغلب الدول العربية، هي أوضاع معتلّة، تمثل قمة المأساة، حيث سمحت للعالم رؤيتها، منقسمة في شعوبها ومتناحرة فيما بينها، ما جعلتها تصل إلى الدرجة التي من خلالها لا تهمّها الدماء وإن سالت بها الأودية، ولا تكترث للأرض ومقدّساتها وإن تاهت بجملتها في غياهب الاستيطان.
خانيونس/فلسطين
8/10/2013
د.عادل محمد عايش الأسطل
في كل يوم تشهد منطقتنا العربية ألواناً من العنف والقتل بغير حساب، في العراق، سوريا، ليبيا، مصر وغيرها، لسيادة مظاهر الخلاف والفرقة، ولتعالي ألسنة الانقسام والفتنة، حيث يموت الناس على اختلافهم بغير قيمةٍ أو ثمن، وكأنّ أرواحهم أقل تكلفةً من الغبار، ودمائهم أدنى قيمةً من الرماد. الأمر الذي يطرح تساؤلات عِدّة: لماذا؟ ولحساب من؟ وإلى متى ستظل ترزح تحت هذه الأوضاع الساخرة؟ التي من شأنها أن تفتك ليس بالأمّة الواحدة، بل بالشعب الواحد والجماعة المؤتلفة. ومن ثم تستسلم طوعاً أو كرهاً، لمخططات التقسيمات الجديدة، التي تنوي الصهيونية العالمية سِرّاً وعلانيةً القيام إلى تنفيذها، حيث تجعل كل فِندةٍ في بلاد ليس بالضرورة أن تكون مسقط رأسها.
الحكومات الإسرائيلية منذ ولادتها وإلى الآن، لم تدع لدولة من الدول في أن تتقدّم عليها في ناحية الحرص دون إسقاط قطرة دمٍ واحدة من جلود أفرادها، ولم تدع لحظةً تفلت من دون غرس أرجلها عميقاً في الأرض الفلسطينية من خلال عملياتها الاستيطانية المتكالبة، برغم التكلفة الباهظة لتلك النشاطات، سواءً من جهة عدم الاعتراف الدولي والأمم المتحدة بها، أو من جهة الاستنكار والإدانة الدائمتين من قِبل المؤسسات الحقوقية والمجتمعية على اختلافها. فبينما ألمحت الولايات المتحدة بأن النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية تعيق السلام، فقد أعلنت الدول المنضوية تحت منظومة الاتحاد الأوروبي، وسواء كان بسبب أنها - كما يبدو- نتيجة ضغوط عربية وإسلامية، أو بسبب تعارضها مع السياسة الأوروبية تجاه المنطقة وباتجاه القضية الفلسطينية على نحوٍ خاص، أو كلاهما معاً، عن نيّتها الإقدام على اتخاذ إجراءات لفت نظر وأخرى عقابية نحو إسرائيل، بمحاربة تسويق منتوجاتها الواردة من مستوطناتها خارج الخط الأخضر، وذلك في خطوة تصعيدية لردعها عن مواصلتها الاستيطان أو الحد منه على الأقل.
علاوةً على التكلفة العالية للنشاطات الاستيطانية التي توضح مدى تخسير إسرائيل المزيد من علاقاتها السياسية والاقتصادية مع المجتمع الدولي، فإن هناك تكلفة أخرى داخلية تتعلق بالثمن الإجرائي لتلك النشاطات، وهو الأكثر أهمية، خاصةً حينما يتعلق الأمر بمسألتي الأمن والتمويل، حيث أن العمليات الاستيطانية لا تتم من العدم أو تنشأ بفضل الهواء، فهي تحتاج إلى الدعاية المعنوية المؤثرة والتمويلات المالية الضخمة اللازمتين على كل حال. وبالتالي تترتب تكلفتها العالية بصورة جنونية في أكثر الأحيان. وخاصةً بالنسبة إلى المنشآت الاستيطانية المتواجدة داخل الأراضي الفلسطينية. ونجد ذلك بوضوح في نسب التكلفة المتباعدة داخل إسرائيل وفي المستوطنات الجاثمة على الأراضي الفلسطينية. فبينما دلّت التقارير - على سبيل المثال-، على أن ارتفاع أسعار المنازل في المدن الإسرائيلية قد بلغ نسبة تقدّر 72% منذ 2007، إلى أوائل 2013، إلى جانب الارتفاعات المتواصلة في مستوى الحياة الإسرائيلية والتي سادت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وإلى الآن، التي أدّت إلى لجوء العائلات الإسرائيلية، إلى خفض قيمة مصروفاتها المتعلقة بالغذاء والكساء والأشياء الكمالية الأخرى- برغم مصطلح (الرفاه) الذي من المفترض أن تعيشه إسرائيل بوجهٍ عام- في سبيل الحصول على سكن متوسّط أو أقل ذلك. وبالرغم من ارتفاع هذه المصروفات بالنسبة للسكن على مستوياته في أنحاء البلاد، فقد أظهرت تقارير أخرى تُفيد بأن تكلفة المساكن في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية هي أكثر بكثير من حيث تكلفتها المالية، بغض النظر عن التكلفة الأمنية المتعلقة بها.
المنازل في مستوطنات الضفة الغربية (منطقة نابلس وما حولها)- خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة-، ومنها مستوطنات أو بؤر استيطانية منعزلة نسبياً مثل مستوطنة (هار براخا، يتسهار، وألون موريه)، والتي من شأنها حسب التقديرات أن تبقى خارج أيّة تسوية سياسية يمكن أن تتبلور بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، هذه المنازل تشير إلى ارتفاع كبير في أسعارها، بالرغم من تشكيلها خطراً على حياة المستوطنين، وفي صعوبة الوصول إليها من ناحيةٍ أخرى، لاسيما بعد توقيع اتفاقات أوسلو، حيث لم يعد ممكناً الوصول إليها، إلاّ من اتجاهات الجنوب البعيد، وهي طرق التفافية طويلة وشاقّة، ما جعلها في عزلة جغرافية شبه كاملة. وبالرغم من ذلك إلى جانب الافتراض بأنها لن تبقَ قيد السيطرة الإسرائيلية مستقبلاً، فإن المؤشرات تبين أن وتيرة البناء في هذه المنطقة لا تدرك الطلب المتنامي من قبل المستوطنين وخاصةً في هذه الآونة. وهي في زيادة متواصلة عاماً بعد عام وللمثال فقط، فإن بيتاً بمساحة 100 متر مربع في مستوطنة (يتسهار)، وصل ثمنه إلى ما يقرب من 700 ألف شيكل، حوالي 200 ألف دولار أمريكي- 2000 دولار للمتر المربع الواحد- وكان بلغ ثمن بيت مشابه خلال العام 2011، بحولي 170 ألف دولار أمريكي أي بزيادة 28% عن ذلك العام، ويمكن القياس بنفس النسبة أو حواليها على بقية المستوطنات.
نسبة كبيرة من اليهود، ليس المتدينين فقط، يفضلون التمركز وقضاء حياتهم في مثل تلك المستوطنات لأهداف كثيرة برغم ما يحيط بها من مخاطر وما يتعلق بأثمانها وصعوبة الوصول إليها، فلا يردعها ارتفاع الأسعار، ولكن المشكلة لديها تكمن في عدم وجود بيوت شاغرة. فعلاوةً على التماهي مع السياسات الإسرائيلية المتجهة نحو الاستيطان كأساس في استمرارية وجود الدولة، فإن مهمّة الانقياد للأوامر الدينية الربانية هي في غاية الأهمية لا سيما بالنسبة لأولئك الذين انتقلوا إلى المرغّبات الدينية نتيجة الانطلاق الحر للمؤسسات الحاخامية في غرس مفهوماتها الدينية التوراتية في رؤوسهم وأفئدتهم. ناهيكم عن أن الكثيرين يعتبرون أن هذه الأمكنة بالفعل تستحق الاستثمار فيها. كما أن وبدرجةٍ أهم، فإن الأوضاع الماضية وبشكلٍ أدق الحالية التي تعيشها أغلب الدول العربية، هي أوضاع معتلّة، تمثل قمة المأساة، حيث سمحت للعالم رؤيتها، منقسمة في شعوبها ومتناحرة فيما بينها، ما جعلتها تصل إلى الدرجة التي من خلالها لا تهمّها الدماء وإن سالت بها الأودية، ولا تكترث للأرض ومقدّساتها وإن تاهت بجملتها في غياهب الاستيطان.
خانيونس/فلسطين
8/10/2013