أصدقاء الأسد شركاء متشاكسون !
د. عادل محمد عايش الأسطل
على خلفية استعمال السلاح الكيماوي في سوريا، فقد تضاربت الأنباء فيما إذا عقدت الولايات المتحدة عزمها نحو تدخل عسكري ضد نظام الأسد، وفيما إذا كان موعد تنفيذ ضربة عسكرية قد بات قريباً. حيث بدت تلوح في الأفق تحركات عسكرية أمريكية وحليفة مكثفة، واستعدادات ميدانية إسرائيلية غير مسبوقة، لا سيما بعد أن أمر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بنشر التقرير الذي يثبت –حسب الزعم الأمريكي- الذي لا يدع مجالاً للشك بتورط النظام السوري في استخدامه للسلاح الكيماوي. وذلك في إطار التمهيد والاستعداد لعملية عسكرية مرتقبة ضد سوريا، دون اللجوء إلى موافقة الأمم المتحدة. بسبب أن مجلس الأمن يفشل في تمرير عملية كهذه. فموسكو مستمرة في تأييد الأسد، بدايةً من خلال عرقلة أيّة مشاريع أمريكية ضد سوريا ومروراً بتزويدها بالأسلحة المتطورة، وانتهاءً بدعم جهات رسمية وتنظيمات موالية لها، باعتبارها آخر حليف لها في الشرق الأوسط. وهي حتماً ستعارض اللجوء إلى العمل العسكري، لكن معارضتها خارج المجلس لن تكون مفيدة ولن تتعدّ موقفها المعارض للحرب على كوسوفو في 1999، حينما عارضت موسكو العملية آنذاك.
منذ أغسطس/آب 2012 أنذر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بأن استعمال السلاح الكيميائي في سوريا هو بالنسبة للولايات المتحدة (خط أحمر). وهددت إسرائيل أيضاً باعتبار أنها ستحارب استخدامه ليس كإشارة تحذير ضد إسرائيل وحسب، بل وضد المواطنين السوريين باعتباره تحدياً أخلاقياً أمامها. الآن وقد استعملت جهةٍ ما السلاح الكيماوي حيث أنه لم تأتِ أيّة تأكيدات من مفتشي الأمم المتحدة، فقد باتت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول المنضوية، تحت ضغوط مختلفة نحو تنفيذ تهديداتها، منها ما يتصل بالهيمنة على المنطقة وبسط النفوذ، ومنها ما يتصل بالهيبة وإعادة الثقة على الأقل.
سواء كان بسبب الإذعان لهذه الضغوط أو من أجل إبطالها، تواترت حتى هذه الأثناء جملة من الاستعدادات الأمريكية نحو إحداث جوٍّ من التعجّل والنشاط. فقد أعلن البيت الأبيض عن نقاشات محمومة أجراها الرئيس "أوباما" مع مستشاريه للفحص عن سبل العمل، إضافةً إلى إجراء عشرات النقاشات الخارجية بهذا الشأن، وألغيت إجازة الاسطول السادس وعادت الى البحر المتوسط سفن حربية كانت قد أتمت فترة إبحارها، وإجراءات أخرى مختلفة. حيث أن وزير الدفاع الأميركي "تشاك هايغل" أكد أن الجيش الأميركي بات جاهزاً لتوجيه ضربة لسوريا فور تلقيه أمراً بذلك.
لكن وبالرغم من كل التسخين الحاصل وكل الاستعدادات الواردة، فإن كلٌ من الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعطيا تعليمات رسمية بإعلان حالة الطوارئ إلى حد الآن، و"أوباما" نفسه لا زال يراهن في كل يوم على حلٍ سياسيٍ كنهاية مفضّلة لديه، وهو ينتظر بفارغ الصبر إلى (مؤتمر جنيف2) الخاص ببحث القضية السورية. وقد خُطط للقاء أمريكي- روسي في تشرين الأول القادم. على الرغم من قرار الولايات المتحدة إلغاء اجتماع كان مقرراً مع مسؤولين روس في لاهاي 28 الجاري، للبحث عن حلٍ سياسي للأزمة السورية، مبررة ذلك للبحث عن سبل الرد المناسبة بعد استخدام الكيمياوي. يأتي تفضيل الحل السياسي لأسباب عدة، أولها: أن "أوباما" يريد أن يسجّل لنفسه باعتباره ناهياً لحربٍ وليس مشعلاً لها، ولبيان أن الولايات المتحدة هي موجودة لحماية مصالحها المختلفة دون الحاجة إلى الخسارة أكثر مما ينبغي. ويسود الاعتقاد لديها إذا ما سارت الأمور على هواها، فمن شأنه إضعاف الجمهورية الإيرانية في سياستها، ومن حيث تأثيرها في المنطقة. كما أن التفكير بالحرب الشاملة أو من خلال عمليات عسكرية محددة تشنّها صواريخ وطائرات، فهي لن تتلقاها سوريا لوحدها، بل ستنال الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالطبع دول المنطقة النصيب الأكبر من تداعياتها، نظراً لتعقيدات وتشابكات صراعية متراكمة فيما بينها.
الولايات المتحدة من جهة، تريد أن تُعيد ثقة العالم بعامة والشرق الاوسط بخاصة بسياساتها مع أدنى قدر من تعريض قوّتها للخطر. ولكنها تخشى من تنفيذها لتهديدها هو تدهور مصالحها في المنطقة، وهو الذي تخشاه من جانب إيران، لا سيما وأن الأخيرة حذّرت من المس بسوريا منذ السابق. وأن أيّة تدخلات عسكرية ضد سوريا ستكون إسرائيل تحت الاستهداف قبل استهدافها المصالح الأمريكية.
من جانبها روسيا، لن تجد ما ينفعها في المنطقة في حال تنفيذ الضربة. فهي صحيح تدعم الأسد سياسياً من حيث إنكار استعماله للكيماوي وعسكرياً من حيث التسليح، ولكنها عملياً لن تكون قادرة على درء شرارة واحدة عنه، ولكنها بالمقابل حذّرت بأن الائتلاف الغربي لن يحقق نصراً سهلاً في سوريا، وأن مهمة شاقة وصعبة تنتظره هناك، لأن سوريا تمتلك منظومة دفاع جوي قادرة على صدّ تلك الهجمات. وستظل روسيا فقط على خلافاتها الجوهرية مع الولايات المتحدة حول هذه النقطة إلى مدة أطول.
بالمقابل فإن مجموعة الجهات الرسمية المؤيدة للمعارضة، هي أيضاً مرتبكة ومتقلبة، فإسرائيل تقول يوماً لا بد من الانتهاء من ملف الأسد. وفي اليوم التالي ترى أنه أفضل لها من أناسٍ مجهولين، وباتت كأنها تريد الجماع ولكنها تخشى الحمل. وفي يوم تريد جرّ الصيف إلى الشتاء أي إيران والولايات المتحدة مباشرةٍ إلى المستنقع السوري بهدف استنفاد الادخارات التي طالما هددت إسرائيل بها، هنا في الميدان بعيداً عن البيت الإسرائيلي، كما أعلنت بأن مجهودات حزب الله المادية والمعنوية تكادا تختفيان.
أيضاً الأردن لا يريد أن تمسّه النار ولا يرغب في رؤية نظام يبرز في التنظيم الإخواني. وبالنسبة لتركيّا، فإنه يسعدها أن يغيب الأسد إلى ما وراء الشمس، لكن الذي يثير قلقها هو خشيتها الجادّة من وصول السلاح إلى الأكراد الذين يطمحون إلى الاستقلال عنها، وهذه الخشية لا تضر الدول الأخرى لا من قريب أو بعيد ولكنها نافعة لإسرائيل من حيث المنافع السياسية والأمنية التي ستعود عليها أو بالنسبة لإرعاب الأتراك كلّما عصوا إسرائيل. قطر والسعودية تكرهان الأسد كرههما للعمى وتؤيدان المعارضة – أجنحة بعينها- لكنهما تتصارعان على أيّة جهة يمكن أن تكون مواتية للحكم بالنسبة لها. ورأينا الأمور في مصر التي قطعت العلاقات مع سوريا في عهد الرئيس "محمد مرسي" ونراها الآن تعيد العلاقات مع الأسد وتجتمع معه وتؤيده، إمعاناً في محاربة الإخوان أينما كانوا. وفي لبنان عمليات تفجيرية – جعلت حزب الله بين نارين، فهو يريد الأسد ولا يريد أيّة جهة تنسخ صورته من الساحة.
إن مجرد فكرة الهجوم على سوريا هي فكرة غير موفقة، لأنها لن تحسم الأمور، وكل جهة تحاول الاستفادة من وقوع الحرب في أن تجد شيئاً غطاءً لعورتها وحلولاً لمشكلاتها لا سيما وأن لا اتفاق بين مصالحها. وفي هذه الحال فإن الولايات المتحدة، يهمّها عدم اللجوء إلى مهمة الإغراق أكثر، بسبب أنها ستجر المزيد من الأطراف للاشتراك فيها بصورة عملية أكثر وضوحاً وإلى ما لا نهاية. كما أن من الممكن عندما تُمس سوريا نتيجة هجوم أمريكي باعتباره المساس الأعلى، فقد يكون الرد السوري غير عقلاني، في ضوء تحذيرات سورية تؤكّد أنه إذا ضربت دمشق ستحترق تل أبيب، وأن سوريا لا يوجد لديها ما تخسره.
الآن وقد تم استعمال السلاح الكيماوي، دون التعرّف على الجهة المستعملة له. ولا شك فإن اللجوء إليه لم يكن جزافاً، ولكن هناك أهداف مختلفة أوجبته وفي هذا التوقيت بالذات. فإذا كان الأسد هو من فعل، فهو يريد توجيه رسالة إلى المعارضة كما فعلت الولايات المتحدة بهيروشيما لكتابة النهاية للحرب، ومن جهةٍ أخرى كاستفزاز ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف كشف الغطاء عن تهديداتهما التي اعتبرت للاستهلاك في ضوء تواجد الروس والإيرانيين ومنظمات قتالية أخرى تخشاها الولايات المتحدة وإسرائيل، أو لاضطرار الرئيس الأمريكي إلى أن يفعل فعلاً عسكرياً، يكسب "الأسد" المزيد من التعاطف والتأييد في تثبيت النظام ضد الصهيونية والامبريالية الأمريكية. أمّا في حالة استعمال المعارضة له، فإن ذلك يأتي لإجبار "أوباما" إلى اتخاذ قرارات لا يريد اتخاذها. أو يماطل فيها، واستعجاله لإنهاء الحرب لصالحها.
حسب الأنباء المتواترة، فإن اللجوء إلى تنفيذ عمل عسكري ضد سوريا لا يزال غير متوقع في الأيام القريبة، فلا يزال أمام رئيس هيئة الأركان العامة الأمريكي "مارتن دامبسي" المزيد من الوقت للتشاور مع ضباط كبار من حلف شمال الأطلسي ورؤساء الأركان في الدول العربية الموالية للولايات المتحدةـ والتي ستكون في حالة خشية وتردد. بشأن اختلاف مصالحها وتشاكسها من ناحيةٍ أخرى. إضافةً إلى درجة الخوف من الردود السورية والجهات الداعمة لها، مباشرةً أو في المستقبل، حيث هددت بأن توجيه ضربة عسكرية ستشعل المنطقة بأكملها. وهو الأمر الذي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها، أن تعوّل عليه كحجة قوية للعدول عن تهديداتها، ومن ثمّ اللجوء إلى بحث خياراتها الأخرى، بما فيها الانتظار حتى انعقاد جينيف.
خانيونس/فلسطين
29/8/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
على خلفية استعمال السلاح الكيماوي في سوريا، فقد تضاربت الأنباء فيما إذا عقدت الولايات المتحدة عزمها نحو تدخل عسكري ضد نظام الأسد، وفيما إذا كان موعد تنفيذ ضربة عسكرية قد بات قريباً. حيث بدت تلوح في الأفق تحركات عسكرية أمريكية وحليفة مكثفة، واستعدادات ميدانية إسرائيلية غير مسبوقة، لا سيما بعد أن أمر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بنشر التقرير الذي يثبت –حسب الزعم الأمريكي- الذي لا يدع مجالاً للشك بتورط النظام السوري في استخدامه للسلاح الكيماوي. وذلك في إطار التمهيد والاستعداد لعملية عسكرية مرتقبة ضد سوريا، دون اللجوء إلى موافقة الأمم المتحدة. بسبب أن مجلس الأمن يفشل في تمرير عملية كهذه. فموسكو مستمرة في تأييد الأسد، بدايةً من خلال عرقلة أيّة مشاريع أمريكية ضد سوريا ومروراً بتزويدها بالأسلحة المتطورة، وانتهاءً بدعم جهات رسمية وتنظيمات موالية لها، باعتبارها آخر حليف لها في الشرق الأوسط. وهي حتماً ستعارض اللجوء إلى العمل العسكري، لكن معارضتها خارج المجلس لن تكون مفيدة ولن تتعدّ موقفها المعارض للحرب على كوسوفو في 1999، حينما عارضت موسكو العملية آنذاك.
منذ أغسطس/آب 2012 أنذر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بأن استعمال السلاح الكيميائي في سوريا هو بالنسبة للولايات المتحدة (خط أحمر). وهددت إسرائيل أيضاً باعتبار أنها ستحارب استخدامه ليس كإشارة تحذير ضد إسرائيل وحسب، بل وضد المواطنين السوريين باعتباره تحدياً أخلاقياً أمامها. الآن وقد استعملت جهةٍ ما السلاح الكيماوي حيث أنه لم تأتِ أيّة تأكيدات من مفتشي الأمم المتحدة، فقد باتت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول المنضوية، تحت ضغوط مختلفة نحو تنفيذ تهديداتها، منها ما يتصل بالهيمنة على المنطقة وبسط النفوذ، ومنها ما يتصل بالهيبة وإعادة الثقة على الأقل.
سواء كان بسبب الإذعان لهذه الضغوط أو من أجل إبطالها، تواترت حتى هذه الأثناء جملة من الاستعدادات الأمريكية نحو إحداث جوٍّ من التعجّل والنشاط. فقد أعلن البيت الأبيض عن نقاشات محمومة أجراها الرئيس "أوباما" مع مستشاريه للفحص عن سبل العمل، إضافةً إلى إجراء عشرات النقاشات الخارجية بهذا الشأن، وألغيت إجازة الاسطول السادس وعادت الى البحر المتوسط سفن حربية كانت قد أتمت فترة إبحارها، وإجراءات أخرى مختلفة. حيث أن وزير الدفاع الأميركي "تشاك هايغل" أكد أن الجيش الأميركي بات جاهزاً لتوجيه ضربة لسوريا فور تلقيه أمراً بذلك.
لكن وبالرغم من كل التسخين الحاصل وكل الاستعدادات الواردة، فإن كلٌ من الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعطيا تعليمات رسمية بإعلان حالة الطوارئ إلى حد الآن، و"أوباما" نفسه لا زال يراهن في كل يوم على حلٍ سياسيٍ كنهاية مفضّلة لديه، وهو ينتظر بفارغ الصبر إلى (مؤتمر جنيف2) الخاص ببحث القضية السورية. وقد خُطط للقاء أمريكي- روسي في تشرين الأول القادم. على الرغم من قرار الولايات المتحدة إلغاء اجتماع كان مقرراً مع مسؤولين روس في لاهاي 28 الجاري، للبحث عن حلٍ سياسي للأزمة السورية، مبررة ذلك للبحث عن سبل الرد المناسبة بعد استخدام الكيمياوي. يأتي تفضيل الحل السياسي لأسباب عدة، أولها: أن "أوباما" يريد أن يسجّل لنفسه باعتباره ناهياً لحربٍ وليس مشعلاً لها، ولبيان أن الولايات المتحدة هي موجودة لحماية مصالحها المختلفة دون الحاجة إلى الخسارة أكثر مما ينبغي. ويسود الاعتقاد لديها إذا ما سارت الأمور على هواها، فمن شأنه إضعاف الجمهورية الإيرانية في سياستها، ومن حيث تأثيرها في المنطقة. كما أن التفكير بالحرب الشاملة أو من خلال عمليات عسكرية محددة تشنّها صواريخ وطائرات، فهي لن تتلقاها سوريا لوحدها، بل ستنال الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالطبع دول المنطقة النصيب الأكبر من تداعياتها، نظراً لتعقيدات وتشابكات صراعية متراكمة فيما بينها.
الولايات المتحدة من جهة، تريد أن تُعيد ثقة العالم بعامة والشرق الاوسط بخاصة بسياساتها مع أدنى قدر من تعريض قوّتها للخطر. ولكنها تخشى من تنفيذها لتهديدها هو تدهور مصالحها في المنطقة، وهو الذي تخشاه من جانب إيران، لا سيما وأن الأخيرة حذّرت من المس بسوريا منذ السابق. وأن أيّة تدخلات عسكرية ضد سوريا ستكون إسرائيل تحت الاستهداف قبل استهدافها المصالح الأمريكية.
من جانبها روسيا، لن تجد ما ينفعها في المنطقة في حال تنفيذ الضربة. فهي صحيح تدعم الأسد سياسياً من حيث إنكار استعماله للكيماوي وعسكرياً من حيث التسليح، ولكنها عملياً لن تكون قادرة على درء شرارة واحدة عنه، ولكنها بالمقابل حذّرت بأن الائتلاف الغربي لن يحقق نصراً سهلاً في سوريا، وأن مهمة شاقة وصعبة تنتظره هناك، لأن سوريا تمتلك منظومة دفاع جوي قادرة على صدّ تلك الهجمات. وستظل روسيا فقط على خلافاتها الجوهرية مع الولايات المتحدة حول هذه النقطة إلى مدة أطول.
بالمقابل فإن مجموعة الجهات الرسمية المؤيدة للمعارضة، هي أيضاً مرتبكة ومتقلبة، فإسرائيل تقول يوماً لا بد من الانتهاء من ملف الأسد. وفي اليوم التالي ترى أنه أفضل لها من أناسٍ مجهولين، وباتت كأنها تريد الجماع ولكنها تخشى الحمل. وفي يوم تريد جرّ الصيف إلى الشتاء أي إيران والولايات المتحدة مباشرةٍ إلى المستنقع السوري بهدف استنفاد الادخارات التي طالما هددت إسرائيل بها، هنا في الميدان بعيداً عن البيت الإسرائيلي، كما أعلنت بأن مجهودات حزب الله المادية والمعنوية تكادا تختفيان.
أيضاً الأردن لا يريد أن تمسّه النار ولا يرغب في رؤية نظام يبرز في التنظيم الإخواني. وبالنسبة لتركيّا، فإنه يسعدها أن يغيب الأسد إلى ما وراء الشمس، لكن الذي يثير قلقها هو خشيتها الجادّة من وصول السلاح إلى الأكراد الذين يطمحون إلى الاستقلال عنها، وهذه الخشية لا تضر الدول الأخرى لا من قريب أو بعيد ولكنها نافعة لإسرائيل من حيث المنافع السياسية والأمنية التي ستعود عليها أو بالنسبة لإرعاب الأتراك كلّما عصوا إسرائيل. قطر والسعودية تكرهان الأسد كرههما للعمى وتؤيدان المعارضة – أجنحة بعينها- لكنهما تتصارعان على أيّة جهة يمكن أن تكون مواتية للحكم بالنسبة لها. ورأينا الأمور في مصر التي قطعت العلاقات مع سوريا في عهد الرئيس "محمد مرسي" ونراها الآن تعيد العلاقات مع الأسد وتجتمع معه وتؤيده، إمعاناً في محاربة الإخوان أينما كانوا. وفي لبنان عمليات تفجيرية – جعلت حزب الله بين نارين، فهو يريد الأسد ولا يريد أيّة جهة تنسخ صورته من الساحة.
إن مجرد فكرة الهجوم على سوريا هي فكرة غير موفقة، لأنها لن تحسم الأمور، وكل جهة تحاول الاستفادة من وقوع الحرب في أن تجد شيئاً غطاءً لعورتها وحلولاً لمشكلاتها لا سيما وأن لا اتفاق بين مصالحها. وفي هذه الحال فإن الولايات المتحدة، يهمّها عدم اللجوء إلى مهمة الإغراق أكثر، بسبب أنها ستجر المزيد من الأطراف للاشتراك فيها بصورة عملية أكثر وضوحاً وإلى ما لا نهاية. كما أن من الممكن عندما تُمس سوريا نتيجة هجوم أمريكي باعتباره المساس الأعلى، فقد يكون الرد السوري غير عقلاني، في ضوء تحذيرات سورية تؤكّد أنه إذا ضربت دمشق ستحترق تل أبيب، وأن سوريا لا يوجد لديها ما تخسره.
الآن وقد تم استعمال السلاح الكيماوي، دون التعرّف على الجهة المستعملة له. ولا شك فإن اللجوء إليه لم يكن جزافاً، ولكن هناك أهداف مختلفة أوجبته وفي هذا التوقيت بالذات. فإذا كان الأسد هو من فعل، فهو يريد توجيه رسالة إلى المعارضة كما فعلت الولايات المتحدة بهيروشيما لكتابة النهاية للحرب، ومن جهةٍ أخرى كاستفزاز ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف كشف الغطاء عن تهديداتهما التي اعتبرت للاستهلاك في ضوء تواجد الروس والإيرانيين ومنظمات قتالية أخرى تخشاها الولايات المتحدة وإسرائيل، أو لاضطرار الرئيس الأمريكي إلى أن يفعل فعلاً عسكرياً، يكسب "الأسد" المزيد من التعاطف والتأييد في تثبيت النظام ضد الصهيونية والامبريالية الأمريكية. أمّا في حالة استعمال المعارضة له، فإن ذلك يأتي لإجبار "أوباما" إلى اتخاذ قرارات لا يريد اتخاذها. أو يماطل فيها، واستعجاله لإنهاء الحرب لصالحها.
حسب الأنباء المتواترة، فإن اللجوء إلى تنفيذ عمل عسكري ضد سوريا لا يزال غير متوقع في الأيام القريبة، فلا يزال أمام رئيس هيئة الأركان العامة الأمريكي "مارتن دامبسي" المزيد من الوقت للتشاور مع ضباط كبار من حلف شمال الأطلسي ورؤساء الأركان في الدول العربية الموالية للولايات المتحدةـ والتي ستكون في حالة خشية وتردد. بشأن اختلاف مصالحها وتشاكسها من ناحيةٍ أخرى. إضافةً إلى درجة الخوف من الردود السورية والجهات الداعمة لها، مباشرةً أو في المستقبل، حيث هددت بأن توجيه ضربة عسكرية ستشعل المنطقة بأكملها. وهو الأمر الذي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها، أن تعوّل عليه كحجة قوية للعدول عن تهديداتها، ومن ثمّ اللجوء إلى بحث خياراتها الأخرى، بما فيها الانتظار حتى انعقاد جينيف.
خانيونس/فلسطين
29/8/2013