القرضاوي ما يزال على الخط الرمادي !
د. عادل محمد عايش الأسطل
لكل فارسٍ كبوة ولكل عالمٍ هفوة، تذهب في جلباب فضله وتُنسى في عظيم علمه، ويظل على كل حال، من ذوي الفضل وأهل الميمنة، أمّا من تعددت أخطاؤه وكثُرت زلاّته، فكأنما يدعو الناس إلى الشك بحقيقة علمه، والريب فيما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال، ثم يقع لا محالة تحت مسميات أخرى، تبعده بالضرورة - قليلاً أو كثيراً - عن تسمية العالم والفقيه وما إلى ذلك من التسميات التي تقع ضمن هذا الإطار.
الشيخ "يوسف القرضاوي" رئيس هيئة علماء المسلمين، وبعيداً عن إبداء الرأي حول زيارته للقطاع المحاصر، فيما إذا كانت ضرورية لتحقيق أهداف هو يراها مفيدة وبنّاءة، أو أنها أخطأت الوقت المناسب وجعلت من قضية إتمامها أكثر إثارةً للجدل ومحلاً مواتياً للخلاف، بين مختلف الفصائل الفلسطينية العاملة، فهذه تظل في نطاق القناعات المرتبطة بشخصية وفكر وثقافة تلك الفصائل، وارتباطها أيضاً بدرجة العلاقة فيما بينها، فيما إذا كانت تعاونية أم صراعية. ففي حين اعتبرتها حركات مختلفة وعلى رأسها (حركة فتح) والسلطة في رام الله بأنها مشبوهة وغير مرحب بها، اعتبرتها (حركة حماس) بأنها ذات أبعاد سياسية ونفسية كبيرة، وهي جزء من حلقات كسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع المحاصر، كما تشكل عاملاً من عوامل الدعم والصمود للشعب الفلسطيني.
فقد كانت للشيخ "القرضاوي" بحكم وظيفته ومنذ مدة طويلة، وقفات نشطة ومهمة على كافة الصعد، الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها، حيث كان له المزيد من الفضل على الناس في الدعوة إلى الله، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، والتقريب بين وجهات نظرهم، على اختلاف مللهم ومذاهبهم، من خلال حثهم على التعاطف والتكاتف، وثنيهم عن الفرقة والاختلاف، لنصرة الدين والأمتين العربية والإسلامية. وحتى في هذه الأثناء مازال معادياً لإسرائيل، ومناصراً للحقوق الفلسطينية المغتصبة، وداعماٌ لمبدأ الكفاح المسلح لاسترداد الأرض وبعدم جوازه التنازل عن الأوطان، وبالدعوة لعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم وأخذهم لحقوقهم، ومنادياً بالاعتصام والوحدة. بعد أن دعا المقاومة الفلسطينية إلى التمسك بثوابتها، وأكّد على عدم التخلًي عن عُدّتها وسلاحها.
معتبراً أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، وأن المسجد الأقصى هو حقٌ لكل مسلم. إلى جانب مطالبته بتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، مؤكداً على أنه يسعى من أجل تحريرهم وأرض فلسطين كلها". وجدد في نفس الوقت الدعوة للمصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد.
هذه التأكيدات والدعوات، وإن كان بعضها محل خلاف بين الفلسطينيين أنفسهم، إلاّ أنها وبالإجمال تظل محل احترام، باعتبارها من المسلّمات التي من الضرورة أن نقوم بتثبيتها وإدامتها، والعمل على أصولها وقواعدها. وهذا كلّه يُحسب للشيخ من غير ريب.
لكن في المقابل، فإن من غير المقبول أبداً، أن يلجأ الشيخ، إلى ما من شأنه أن يُحدِث بلبلة بين الأمة الواحدة، أو يُنشئ ما يثير جدلاً بين صفوف المسلمين، لا سيما حين ظهور الإحن واشتداد المحن، فهذه الأوقات بخاصة، يتوجب عندها العمل على إزالة أسباب البلايا، وإماطة كل أذىً، لاجتناب الشرور ودرء المخاطر، لأن دفع المخاطر هاهنا، مُقدمٌ على جلب المكاسب والمنافع.
لقد أصدر الشيخ "القرضاوي" العديد من الفتاوى، التي تتناول جُل أمور الدين والدنيا، بعضها ما كان يثير جدلاً واسعاً، بين علماء الأمة من العرب والمسلمين، حتى يضطر معها المرء إلى العودة ليستفتِ قلبه، فإن نفر منها أعرض عنها، وإن قبلها أقبل عليها.
إن من بين الفتاوى التي صدرت عن الشيخ متعددة، وهى التي كانت محل جدلٍ ووجل، ومنها على سبيل المثال: إباحته تعاملات بنكية تدخل بشكل واضح في إطار الربا والكسب الممنوع. وقال لا بأس، في مغنية قامت بغناء أغنية وطنية وإن كانت على وقع الموسيقى ومن غير حجاب، وهو يعلم أن من سمع مزامير الدنيا لم يسمع مزامير الآخرة، وأيضاً إباحته للتسليم بكف اليد على المرأة الأجنبية وإن كانت صغيرة السن، خشية وقوع الحرج، وهو يعلم أن إحراج الأجنبية، أفضل وأقل ضرراً من معصية الله. ولا بأس للأجنبية ومن تبعها أن يعلموا، أن هذا هو الدين الإسلامي القيّم وليس المصالح، تماماً كما يريدون أن نتعلم ثقافاتهم ونسلك مدارجهم.
كما أن فتاويه المختلفة والمتعلقة بأحداث الربيع العربي سواءً التي صاحبت الأحداث المصرية أو الليبية أو الحاصلة الآن في سوريا، فقد كانت لها انعكاسات وتداعيات غير محمودة ولا تصب في صالح الأمة العربية دينياً على الأقل، لا سيما بعد أن وصل المتحاربون إلى مرحلة (القاتل والمقتول في النار).
إن ما كان غير متوقعاً أبداً وبدا مزعجاً بصورة صارخة، هو مسالة توجّه الشيخ "القرضاوي" بالشكر للولايات المتحدة، التي قامت بدعم المقاومة السورية ضد النظام، وهو بذلك يُمثل علماء المسلمين(أي إباحة ذلك دينياً) أن نشكر من يودّون تجديد الحروب الصليبية وهم يفعلونها في كل ساعة ودقيقة. جاء ذلك بالتزامن مع توفير الهدية العربية التي صحبها وفد الجامعة، الذي مثّل هو الآخر مجموع أفراد الشعوب العربية سياسياً، إلى عقر البيت الأمريكي، الأمر الذي أثار الغيظ، وضاعف السخط، لدى معظم الشارعين العربي والإسلامي.
حتى ذلك الفعل، لم يشفع له سواءً لدى الولايات المتحدة أو إسرائيل، حيث لم ترَ الولايات المتحدة في شكره أيّة أهمية ولم تُعلق عليه، لأنها ترى مصالحها فقط وبوضوح، بل وكان عُرضة للانتقاد من الكثيرين من أهل الوطنية في مصر وعلى رأسهم الشيخ "حافظ سلامة" الذي وجّه رسالة شديدة اللهجة للدكتور "القرضاوى"، رداً على شكره للولايات المتحدة واعتبر ذلك تملّقاً.
أمّا إسرائيل، التي أخذت عليه وحمّلته مسؤولية فتواه الدينية الشهيرة والمتعلقة بإباحته للعمليات الاستشهادية التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية داخل إسرائيل. فقد أعلنت حتى قبل ما صدر عنه خلال خطبه التي ألقاها على مسامع أهل القطاع، بأنها أجرت الاستعدادات لزيارة الشيخ القرضاوي، ورفعت من درجة استنفارها، خوفاً من أيّة عمليات تلامس واحتكاكات في أعقاب الخطابات التي سيوجهها بين المواطنين الفلسطينيين، وقواتها الاحتلالية المتمركزة على شريط القطاع الحدودي.
على أيّة حال، نحن ننتظر من الشيخ "القرضاوي"، أن يتوقف قليلاً مع نفسه، وأن يعمل على إعادة النظر في بعض مواقفه الدينية والسياسية، وخاصة التي حامت حولها الشبهات أو التي أثارت جدلاً، وأحدثت أثاراً سلبيةً على العرب والمسلمين بشكلٍ عام.
خانيونس/ فلسطين
10/5/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
لكل فارسٍ كبوة ولكل عالمٍ هفوة، تذهب في جلباب فضله وتُنسى في عظيم علمه، ويظل على كل حال، من ذوي الفضل وأهل الميمنة، أمّا من تعددت أخطاؤه وكثُرت زلاّته، فكأنما يدعو الناس إلى الشك بحقيقة علمه، والريب فيما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال، ثم يقع لا محالة تحت مسميات أخرى، تبعده بالضرورة - قليلاً أو كثيراً - عن تسمية العالم والفقيه وما إلى ذلك من التسميات التي تقع ضمن هذا الإطار.
الشيخ "يوسف القرضاوي" رئيس هيئة علماء المسلمين، وبعيداً عن إبداء الرأي حول زيارته للقطاع المحاصر، فيما إذا كانت ضرورية لتحقيق أهداف هو يراها مفيدة وبنّاءة، أو أنها أخطأت الوقت المناسب وجعلت من قضية إتمامها أكثر إثارةً للجدل ومحلاً مواتياً للخلاف، بين مختلف الفصائل الفلسطينية العاملة، فهذه تظل في نطاق القناعات المرتبطة بشخصية وفكر وثقافة تلك الفصائل، وارتباطها أيضاً بدرجة العلاقة فيما بينها، فيما إذا كانت تعاونية أم صراعية. ففي حين اعتبرتها حركات مختلفة وعلى رأسها (حركة فتح) والسلطة في رام الله بأنها مشبوهة وغير مرحب بها، اعتبرتها (حركة حماس) بأنها ذات أبعاد سياسية ونفسية كبيرة، وهي جزء من حلقات كسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع المحاصر، كما تشكل عاملاً من عوامل الدعم والصمود للشعب الفلسطيني.
فقد كانت للشيخ "القرضاوي" بحكم وظيفته ومنذ مدة طويلة، وقفات نشطة ومهمة على كافة الصعد، الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها، حيث كان له المزيد من الفضل على الناس في الدعوة إلى الله، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، والتقريب بين وجهات نظرهم، على اختلاف مللهم ومذاهبهم، من خلال حثهم على التعاطف والتكاتف، وثنيهم عن الفرقة والاختلاف، لنصرة الدين والأمتين العربية والإسلامية. وحتى في هذه الأثناء مازال معادياً لإسرائيل، ومناصراً للحقوق الفلسطينية المغتصبة، وداعماٌ لمبدأ الكفاح المسلح لاسترداد الأرض وبعدم جوازه التنازل عن الأوطان، وبالدعوة لعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم وأخذهم لحقوقهم، ومنادياً بالاعتصام والوحدة. بعد أن دعا المقاومة الفلسطينية إلى التمسك بثوابتها، وأكّد على عدم التخلًي عن عُدّتها وسلاحها.
معتبراً أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، وأن المسجد الأقصى هو حقٌ لكل مسلم. إلى جانب مطالبته بتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، مؤكداً على أنه يسعى من أجل تحريرهم وأرض فلسطين كلها". وجدد في نفس الوقت الدعوة للمصالحة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد.
هذه التأكيدات والدعوات، وإن كان بعضها محل خلاف بين الفلسطينيين أنفسهم، إلاّ أنها وبالإجمال تظل محل احترام، باعتبارها من المسلّمات التي من الضرورة أن نقوم بتثبيتها وإدامتها، والعمل على أصولها وقواعدها. وهذا كلّه يُحسب للشيخ من غير ريب.
لكن في المقابل، فإن من غير المقبول أبداً، أن يلجأ الشيخ، إلى ما من شأنه أن يُحدِث بلبلة بين الأمة الواحدة، أو يُنشئ ما يثير جدلاً بين صفوف المسلمين، لا سيما حين ظهور الإحن واشتداد المحن، فهذه الأوقات بخاصة، يتوجب عندها العمل على إزالة أسباب البلايا، وإماطة كل أذىً، لاجتناب الشرور ودرء المخاطر، لأن دفع المخاطر هاهنا، مُقدمٌ على جلب المكاسب والمنافع.
لقد أصدر الشيخ "القرضاوي" العديد من الفتاوى، التي تتناول جُل أمور الدين والدنيا، بعضها ما كان يثير جدلاً واسعاً، بين علماء الأمة من العرب والمسلمين، حتى يضطر معها المرء إلى العودة ليستفتِ قلبه، فإن نفر منها أعرض عنها، وإن قبلها أقبل عليها.
إن من بين الفتاوى التي صدرت عن الشيخ متعددة، وهى التي كانت محل جدلٍ ووجل، ومنها على سبيل المثال: إباحته تعاملات بنكية تدخل بشكل واضح في إطار الربا والكسب الممنوع. وقال لا بأس، في مغنية قامت بغناء أغنية وطنية وإن كانت على وقع الموسيقى ومن غير حجاب، وهو يعلم أن من سمع مزامير الدنيا لم يسمع مزامير الآخرة، وأيضاً إباحته للتسليم بكف اليد على المرأة الأجنبية وإن كانت صغيرة السن، خشية وقوع الحرج، وهو يعلم أن إحراج الأجنبية، أفضل وأقل ضرراً من معصية الله. ولا بأس للأجنبية ومن تبعها أن يعلموا، أن هذا هو الدين الإسلامي القيّم وليس المصالح، تماماً كما يريدون أن نتعلم ثقافاتهم ونسلك مدارجهم.
كما أن فتاويه المختلفة والمتعلقة بأحداث الربيع العربي سواءً التي صاحبت الأحداث المصرية أو الليبية أو الحاصلة الآن في سوريا، فقد كانت لها انعكاسات وتداعيات غير محمودة ولا تصب في صالح الأمة العربية دينياً على الأقل، لا سيما بعد أن وصل المتحاربون إلى مرحلة (القاتل والمقتول في النار).
إن ما كان غير متوقعاً أبداً وبدا مزعجاً بصورة صارخة، هو مسالة توجّه الشيخ "القرضاوي" بالشكر للولايات المتحدة، التي قامت بدعم المقاومة السورية ضد النظام، وهو بذلك يُمثل علماء المسلمين(أي إباحة ذلك دينياً) أن نشكر من يودّون تجديد الحروب الصليبية وهم يفعلونها في كل ساعة ودقيقة. جاء ذلك بالتزامن مع توفير الهدية العربية التي صحبها وفد الجامعة، الذي مثّل هو الآخر مجموع أفراد الشعوب العربية سياسياً، إلى عقر البيت الأمريكي، الأمر الذي أثار الغيظ، وضاعف السخط، لدى معظم الشارعين العربي والإسلامي.
حتى ذلك الفعل، لم يشفع له سواءً لدى الولايات المتحدة أو إسرائيل، حيث لم ترَ الولايات المتحدة في شكره أيّة أهمية ولم تُعلق عليه، لأنها ترى مصالحها فقط وبوضوح، بل وكان عُرضة للانتقاد من الكثيرين من أهل الوطنية في مصر وعلى رأسهم الشيخ "حافظ سلامة" الذي وجّه رسالة شديدة اللهجة للدكتور "القرضاوى"، رداً على شكره للولايات المتحدة واعتبر ذلك تملّقاً.
أمّا إسرائيل، التي أخذت عليه وحمّلته مسؤولية فتواه الدينية الشهيرة والمتعلقة بإباحته للعمليات الاستشهادية التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية داخل إسرائيل. فقد أعلنت حتى قبل ما صدر عنه خلال خطبه التي ألقاها على مسامع أهل القطاع، بأنها أجرت الاستعدادات لزيارة الشيخ القرضاوي، ورفعت من درجة استنفارها، خوفاً من أيّة عمليات تلامس واحتكاكات في أعقاب الخطابات التي سيوجهها بين المواطنين الفلسطينيين، وقواتها الاحتلالية المتمركزة على شريط القطاع الحدودي.
على أيّة حال، نحن ننتظر من الشيخ "القرضاوي"، أن يتوقف قليلاً مع نفسه، وأن يعمل على إعادة النظر في بعض مواقفه الدينية والسياسية، وخاصة التي حامت حولها الشبهات أو التي أثارت جدلاً، وأحدثت أثاراً سلبيةً على العرب والمسلمين بشكلٍ عام.
خانيونس/ فلسطين
10/5/2013