إسرائيل مرة أخرى: الهدف، نصر الله !
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية في يوليو/تموز 2006، في أعقاب نجاح منظمة (حزب الله) اللبنانية، بتنفيذ العملية العسكرية النوعية (الوعد الصادق) خلال إغارة عناصر تابعة للحزب، على معسكرٍ للجيش الإسرائيلي، وتمكنها من سحب جنديين إسرائيليين اثنين، لمبادلتهما بأسرى لبنانيين وعرب، لدى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، لجأت إسرائيل إلى الإعلان صراحةً، بأن الهدف من عمليتها العسكرية، هو الأمين العام لحزب الله السيد "حسن نصر الله". وذلك تنفيذاً لوعدٍ قطعه رئيس الوزراء "إيهود أولمرت" للإسرائيليين، فيما لو أبطأ الحزب عن إعادة الجنديين المسحوبين خلال 24 ساعة.
لم يحفُل كثيراً "نصر الله" بما أعلنه الإسرائيليون، أو حتى عناصر التنظيم، وباتوا على عقيدة (العدوّ والبحر)، وكانت لهم الغلبة براً وبحراً وجوّاً، ليس على الإسرائيليين وحسب، بل على الكثير من الدول(مواقف ومخططات)، وعانت إسرائيل سنوات وخفضت رأسها أكثر من المعتاد كلما مرّ المزيد من الوقت.
بعد معانقتها الهزيمة، لم تلتزم إسرائيل الصمت، بسبب صعوبته، أمام مواطنيها على الأقل، فجعلت الأراضي اللبنانية (24x24) ساعة، أراضٍ مفتوحة، واعتبارها مرتعاً مشمساً، وبيئة مواتية، لتفريخ العملاء، ونشر الفتنة، وتنفيذ عمليات إرهابية مختلفة، وجعلت السماء قواعد للتدريب والوعيد من جديد.
منذ اعتراض إسرائيل الطائرة من دون طيار (المجهولة) ونسبتها إلى (حزب الله) الذي - نفى ملكيته لها-، قامت إسرائيل على رجليها الخلفيتين، وبدأت تقاتل ذباب وجهها، وشرعت برفع حالة التأهب في صفوف جيشها بكافة مستوياته، وتصدر المشهد رئيس وزرائها "بنيامين نتانياهو" بنثر المزيد من الانفعالات هنا وهناك، وهي شبيهة بصراخات إسرائيل المعتادة، وأمر بتشكيل اجتماع عاجلٍ للرد على الطائرة، معلناً عن بالغ قلقه من محاولة اقتحام المجال الجوي الإسرائيلي، ومتعهداً بمواصلة فعل كل شيء، من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل. وساعده وزير دفاعه "موشيه يعالون" في عملية النثر بإطلاق التهديدات ضد (حزب الله) على أنه يقف وراء تلك الطائرة. فيما أشرك نائبه "داني دانون" إيران، بالضلوع في إرسال الطائرة، عندما أعلن بأن الإيرانيين يحاولون دائماً اختراقنا وفضحنا عبر مجموعات حزب الله اللبنانية، وهدد بأنه سيكون هناك رد عسكري". أمّا رئيس بلدية حيفا "يونا ياهف" فقد أكّد بأن التهديد من لبنان لن يتوقف طالما بقي "نصر الله" زعيم جماعة (حزب الله)، يرصدنا ويترقبنا من داخل خندقه". وأطلق نداءً للحكومة طالب فيه باغتياله، كحلٍ وحيد لوقف التهديدات. فيما تصاعدت أصوات متطرفة، تدعو إلى عدم الاستمرار في ما تسميه إسرائيل سياسة (ضبط النفس).
جماعة (اليونيفيل) المتمركزة هناك داخل الحدود اللبنانية منذ العام 1978، بدأت تغرّد إلى جانب إسرائيل، بعد توجه الأخيرة إليها بالشكوى، عندما تعهّد قائدها "أندريه تننتي" بتفحص المعلومات حول طائرة الاستطلاع المتسللة". ولم يكلف قواته ذات مرة، في واحدة من جملة الاختراقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية على مدار الساعة.
هذه الحادثة، كشفت مدى هشاشة منظومة الأمن الإسرائيلي (رادارياً)، وفشل شبكة القبة الحديدية (دفاعياً) وأعطبت المصداقية الإسرائيلية اتجاه مواطنيها، لا سيما وأن أجهزتها الأمنية كانت ادّعت بأنها راقبت الطائرة، وهي لا تزال في الأراضي اللبنانية، وما دام الأمر كذلك، فلماذا جعلتها تتقدم في العمق الإسرائيلي أكثر. لتقوم بتنفيذ جزءاً هاماً من مهمتها، وليضطر "نتانياهو" للفرار مرةً أخرى، بعدما جثا على ركبتيه إلى داخل الملجأ، أثناء تلقيه صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال عدوانه (عامود السحاب) ضد القطاع.
بالرغم من أن جهات إسرائيلية سعت إلى التقليل من خطورة عملية الطائرة، لاعتبارات سياسية وأمنية، إلاّ أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي "يوأف موردخاي" اعتبر أن الحديث يدور هذه المرة أيضاً، عن نجاح كبير لقدرات حزب الله على حساب القدرات الإسرائيلية، وقد أكّد خبراء إسرائيليون بأن نجاح اختراق الطائرة للمجال الإسرائيلي، وتحليقها في سماء حيفا، هو مثير للقلق لحساسية تلك المنطقة وأهميتها الإستراتيجية (الاقتصادية والترفيهية) بالنسبة لإسرائيل.
من جانبه، أكّد المحلل العسكري الإسرائيلي "رون بن يشاي" بأن (حزب الله) أرسل الطائرة لأسباب عدة أبرزها، فحص منظومة الدفاعات الجوية التابعة لإسرائيل، وبحسب الاسرائيليين فإن الحزب يبحث عن توازن ردع أمام إسرائيل، في أعقاب التهديدات بالقضاء على ترسانته الصاروخية ومن ناحيةٍ أخرى، الإثبات للرأي العام العربي والإسلامي بالمنطقة، بأنه مازال يتصدّر المقاومة ضد إسرائيل، بعد أن اتُهم بمشاركته بالقتال الدائر بسوريا إلى جانب القوات النظامية.
إسرائيل لم تفتعل كل هذه الجلبة في أعقاب اعتراضها الطائرة من دون طيار (أيوب) الإيرانية، أوائل أكتوبر/تشرين أول من العام الماضي.
في المرة الفائتة، تم اعتراض الطائرة في الجزء الجنوبي لإسرائيل (النقب الشرقي) وإسرائيل تعلم أن هدف الطائرة هو التصوير فقط، وعلى الرغم من عظمه وصعوبته، فإنه يتصاغر ويقل أهمية عن هذه المرة، حيث تواجدت هذه الطائرة، بالقرب من مدينة حيفا، التي تحظى باهتمام أمني وعسكري بالغي التعقيد، لوجود مخازن ومصانع ومنشآت عسكرية، وعلى مقربة من المنطقة الصناعية الكيميائية، التي كانت تشغل بال الإسرائيليين في كيفية نقلها، في أعقاب الانفجارات التي حصلت في مصانع كيماوية مشابهة بولاية تكساس الأمريكية، وأسفرت عن كارثة مادية وبشرية، وإسرائيل لا تقوى بأي حال على تحملها. إضافةً إلى ما هو أهم، وهو وجود الطائرة بالقرب من المكتشفات المأهولة من حقول الغاز إلى الغرب في مياه حيفا، والتي تأمل إسرائيل من خلالها، احتلال مرتبة متقدمة بين الدول الغنية والمسيطرة اقتصادياً، وأن تعمل على تكريس تفوّقها عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط. كما أن توقيت إرسال الطائرة، من وجهة النظر الإسرائيلية، يعبّر عن قيم معنوية وعقدية التي يمتلكها الحزب، حيث أُرسلت الطائرة بعد أيام قليلة من تهديدات الجيش الإسرائيلي، بشن حرب واسعة وشاملة ضد لبنان وضرب اقتصاده وتخريب بنيته التحتية.
على أيّة حال، فإن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة، وأمّا التهديدات الإسرائيلية، فلن تُحدث أثراً ذا شأن هي الأخرى، وسواء على مستوى الشمال (حزب الله) أو في الشرق (إيران)، بسبب أن الأمر أشد من ذلك، بمعنى أن من أرسل الطائرة، لم يُرسلها جزافاً، وقصد بأنّه ليس مفروضاً على إسرائيل سوى معرفة، أن محاولة المشي بحذاءٍ زجاجيٍ يمكن لبضع خطواتٍ فقط.
خان يونس/فلسطين
27/4/2013
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية في يوليو/تموز 2006، في أعقاب نجاح منظمة (حزب الله) اللبنانية، بتنفيذ العملية العسكرية النوعية (الوعد الصادق) خلال إغارة عناصر تابعة للحزب، على معسكرٍ للجيش الإسرائيلي، وتمكنها من سحب جنديين إسرائيليين اثنين، لمبادلتهما بأسرى لبنانيين وعرب، لدى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، لجأت إسرائيل إلى الإعلان صراحةً، بأن الهدف من عمليتها العسكرية، هو الأمين العام لحزب الله السيد "حسن نصر الله". وذلك تنفيذاً لوعدٍ قطعه رئيس الوزراء "إيهود أولمرت" للإسرائيليين، فيما لو أبطأ الحزب عن إعادة الجنديين المسحوبين خلال 24 ساعة.
لم يحفُل كثيراً "نصر الله" بما أعلنه الإسرائيليون، أو حتى عناصر التنظيم، وباتوا على عقيدة (العدوّ والبحر)، وكانت لهم الغلبة براً وبحراً وجوّاً، ليس على الإسرائيليين وحسب، بل على الكثير من الدول(مواقف ومخططات)، وعانت إسرائيل سنوات وخفضت رأسها أكثر من المعتاد كلما مرّ المزيد من الوقت.
بعد معانقتها الهزيمة، لم تلتزم إسرائيل الصمت، بسبب صعوبته، أمام مواطنيها على الأقل، فجعلت الأراضي اللبنانية (24x24) ساعة، أراضٍ مفتوحة، واعتبارها مرتعاً مشمساً، وبيئة مواتية، لتفريخ العملاء، ونشر الفتنة، وتنفيذ عمليات إرهابية مختلفة، وجعلت السماء قواعد للتدريب والوعيد من جديد.
منذ اعتراض إسرائيل الطائرة من دون طيار (المجهولة) ونسبتها إلى (حزب الله) الذي - نفى ملكيته لها-، قامت إسرائيل على رجليها الخلفيتين، وبدأت تقاتل ذباب وجهها، وشرعت برفع حالة التأهب في صفوف جيشها بكافة مستوياته، وتصدر المشهد رئيس وزرائها "بنيامين نتانياهو" بنثر المزيد من الانفعالات هنا وهناك، وهي شبيهة بصراخات إسرائيل المعتادة، وأمر بتشكيل اجتماع عاجلٍ للرد على الطائرة، معلناً عن بالغ قلقه من محاولة اقتحام المجال الجوي الإسرائيلي، ومتعهداً بمواصلة فعل كل شيء، من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل. وساعده وزير دفاعه "موشيه يعالون" في عملية النثر بإطلاق التهديدات ضد (حزب الله) على أنه يقف وراء تلك الطائرة. فيما أشرك نائبه "داني دانون" إيران، بالضلوع في إرسال الطائرة، عندما أعلن بأن الإيرانيين يحاولون دائماً اختراقنا وفضحنا عبر مجموعات حزب الله اللبنانية، وهدد بأنه سيكون هناك رد عسكري". أمّا رئيس بلدية حيفا "يونا ياهف" فقد أكّد بأن التهديد من لبنان لن يتوقف طالما بقي "نصر الله" زعيم جماعة (حزب الله)، يرصدنا ويترقبنا من داخل خندقه". وأطلق نداءً للحكومة طالب فيه باغتياله، كحلٍ وحيد لوقف التهديدات. فيما تصاعدت أصوات متطرفة، تدعو إلى عدم الاستمرار في ما تسميه إسرائيل سياسة (ضبط النفس).
جماعة (اليونيفيل) المتمركزة هناك داخل الحدود اللبنانية منذ العام 1978، بدأت تغرّد إلى جانب إسرائيل، بعد توجه الأخيرة إليها بالشكوى، عندما تعهّد قائدها "أندريه تننتي" بتفحص المعلومات حول طائرة الاستطلاع المتسللة". ولم يكلف قواته ذات مرة، في واحدة من جملة الاختراقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية على مدار الساعة.
هذه الحادثة، كشفت مدى هشاشة منظومة الأمن الإسرائيلي (رادارياً)، وفشل شبكة القبة الحديدية (دفاعياً) وأعطبت المصداقية الإسرائيلية اتجاه مواطنيها، لا سيما وأن أجهزتها الأمنية كانت ادّعت بأنها راقبت الطائرة، وهي لا تزال في الأراضي اللبنانية، وما دام الأمر كذلك، فلماذا جعلتها تتقدم في العمق الإسرائيلي أكثر. لتقوم بتنفيذ جزءاً هاماً من مهمتها، وليضطر "نتانياهو" للفرار مرةً أخرى، بعدما جثا على ركبتيه إلى داخل الملجأ، أثناء تلقيه صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال عدوانه (عامود السحاب) ضد القطاع.
بالرغم من أن جهات إسرائيلية سعت إلى التقليل من خطورة عملية الطائرة، لاعتبارات سياسية وأمنية، إلاّ أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي "يوأف موردخاي" اعتبر أن الحديث يدور هذه المرة أيضاً، عن نجاح كبير لقدرات حزب الله على حساب القدرات الإسرائيلية، وقد أكّد خبراء إسرائيليون بأن نجاح اختراق الطائرة للمجال الإسرائيلي، وتحليقها في سماء حيفا، هو مثير للقلق لحساسية تلك المنطقة وأهميتها الإستراتيجية (الاقتصادية والترفيهية) بالنسبة لإسرائيل.
من جانبه، أكّد المحلل العسكري الإسرائيلي "رون بن يشاي" بأن (حزب الله) أرسل الطائرة لأسباب عدة أبرزها، فحص منظومة الدفاعات الجوية التابعة لإسرائيل، وبحسب الاسرائيليين فإن الحزب يبحث عن توازن ردع أمام إسرائيل، في أعقاب التهديدات بالقضاء على ترسانته الصاروخية ومن ناحيةٍ أخرى، الإثبات للرأي العام العربي والإسلامي بالمنطقة، بأنه مازال يتصدّر المقاومة ضد إسرائيل، بعد أن اتُهم بمشاركته بالقتال الدائر بسوريا إلى جانب القوات النظامية.
إسرائيل لم تفتعل كل هذه الجلبة في أعقاب اعتراضها الطائرة من دون طيار (أيوب) الإيرانية، أوائل أكتوبر/تشرين أول من العام الماضي.
في المرة الفائتة، تم اعتراض الطائرة في الجزء الجنوبي لإسرائيل (النقب الشرقي) وإسرائيل تعلم أن هدف الطائرة هو التصوير فقط، وعلى الرغم من عظمه وصعوبته، فإنه يتصاغر ويقل أهمية عن هذه المرة، حيث تواجدت هذه الطائرة، بالقرب من مدينة حيفا، التي تحظى باهتمام أمني وعسكري بالغي التعقيد، لوجود مخازن ومصانع ومنشآت عسكرية، وعلى مقربة من المنطقة الصناعية الكيميائية، التي كانت تشغل بال الإسرائيليين في كيفية نقلها، في أعقاب الانفجارات التي حصلت في مصانع كيماوية مشابهة بولاية تكساس الأمريكية، وأسفرت عن كارثة مادية وبشرية، وإسرائيل لا تقوى بأي حال على تحملها. إضافةً إلى ما هو أهم، وهو وجود الطائرة بالقرب من المكتشفات المأهولة من حقول الغاز إلى الغرب في مياه حيفا، والتي تأمل إسرائيل من خلالها، احتلال مرتبة متقدمة بين الدول الغنية والمسيطرة اقتصادياً، وأن تعمل على تكريس تفوّقها عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط. كما أن توقيت إرسال الطائرة، من وجهة النظر الإسرائيلية، يعبّر عن قيم معنوية وعقدية التي يمتلكها الحزب، حيث أُرسلت الطائرة بعد أيام قليلة من تهديدات الجيش الإسرائيلي، بشن حرب واسعة وشاملة ضد لبنان وضرب اقتصاده وتخريب بنيته التحتية.
على أيّة حال، فإن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة، وأمّا التهديدات الإسرائيلية، فلن تُحدث أثراً ذا شأن هي الأخرى، وسواء على مستوى الشمال (حزب الله) أو في الشرق (إيران)، بسبب أن الأمر أشد من ذلك، بمعنى أن من أرسل الطائرة، لم يُرسلها جزافاً، وقصد بأنّه ليس مفروضاً على إسرائيل سوى معرفة، أن محاولة المشي بحذاءٍ زجاجيٍ يمكن لبضع خطواتٍ فقط.
خان يونس/فلسطين
27/4/2013