إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مهندس عمليةزقاق الموت/ الأسير نور جابر..عبق النضال والمقاومة..وأنين المرض والأسر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مهندس عمليةزقاق الموت/ الأسير نور جابر..عبق النضال والمقاومة..وأنين المرض والأسر



    ابتهال الرجوب وريحان أبو عمر

    الخليل: عيون المكان تتربص شوقاً للحظة لقاء قد لا تكون أبداً، أم ستينية تتعثر خطواتها ثقلاً من هم التصق بها عمراً كان مديداً، تتناثر في صفحة الوجه تجاعيد حفرتها أخاديد الألم والحزن، جسم نحيل، وظهر منحي حدبته ضربات الظلم الإسرائيلي، وعينان تاهتا وراء أفق الانتظار. تحملق في صوره المتناثرة في كل زاوية من زوايا البيت ... هو يبتسم لها ولوطنه الذي ارتوى بقطرات من دمائه تارة وبسنين من قيود الأسر تارة أخرى، أما هي فتقابله بابتسامة سرعان ما تصفعها دمعة تلتهب حبا وحنينا، فترديها على رصيف المعاناة، سحابة الصمت تعتلي عالم البعد والغياب، "فالابن وفلذة الكبد ومهجة القلب يسكن غياهب السجون" همست الوالدة ، غير أن نور الإبن الأسير لايزال يبعث بخيوط نوره من سجن ايشل إلى قلب الأم والأخ والأخت والزوجة، ولا يزال ينشر بتضحياته الراعفة نسمات حب وانتماء للوطن .

    عشق الوطن في براءة الطفولة

    في جبل جوهر في مدينة الخليل، تروى المعاناة بلسان أصحابها، عائلة تبارى صغيرها قبل كبيرها، في الالتفاف حول صورته و لسان حالهم يقول "حي على نور"، "حي على فلسطين" جميعهم يحدقون في عيونه التي تبرق حدة وذكاء، تسافر الأم التي أعياها المرض إلى ماض تراه قريبا لتهمس بكلمات متقطعة وبأنفاس متلاحقة بواكير حياة الأسير نور جابر المحكوم بالسجن 17 مؤبدا و34 عاما قائلة :" لقد كان إبني نور في صغره كالنور الذي أضاء لنا حياتنا، ولد في أوائل السبعينيات، وتميز منذ نعومة أظافره بالذكاء اللامع، لقد عشق شيئا يسمى فلسطين، وكان وهو في الابتدائية دائم الحديث عن الوطن وعن الممارسات الإسرائيلية ضده، حتى ـنه كان يحدث أصدقائه بأنه سيصبح مقاوماً لهذا الاحتلال، وكنت أتعجب دائما منه ومن هذه الحماسة الكبيرة التي تختلج قلبه وجسده".

    وفي غمرة الحديث عن براءة الطفولة ترتسم على الثغر ضحكات توصد أبواب الألم قليلا إلا أنها سرعان ما تعاود فتحها على مصراعيها، تستكمل الأم حديثها بنبرة بدت خافتةً أكثر وتقول:" عندما التحق نور في صفوف المقاومة كان في الثانية عشرة من عمره، ولم نكن على دراية بذلك، حتى أنه لم يكن يخطر في بالنا بأن كل ما كان يتردد على لسانه قد يكون واقعا في يوم ما، ترك المدرسة، وبدى كثير التغيب عن البيت، ولكن هذا أيضا لم يدفعنا لإثارة الشكوك حوله، فلم ينبس نور ببنت شفة، بل كان صامتا، لقد عرف دوما بأنه إنسان كتوم".

    إزاحة الستار بفرش الهوا
    ولبرهة قصيرة، كست علامات الصمت وجوه أفراد العائلة، وكأنهم يدركون بأن الحديث عن فصول البطولة، وروايات المعاناة قد بدأ، شخصت أبصارهم، وتبادلوا النظرات قليلاً . ثم اتجهت الأنظار مرة أخرى إلى الراوي الذي ينسج كلماته بخيوط شوق متينة، تستطرد أم نور حديثها وقد اغرورقت عيناها بالدموع متحدثة عن البداية كما تراها هي، أما هو فلربما كان في منتصف الطريق دون أن يعلم أحد لتقول:"تزوج نور في سن مبكرة جداً حيث كان في السابعة عشرة من عمره، ولكنه كان عاقد القران على البندقية أيضا، وفي عام 2000 أزاح نور الستار عما كان يخبئه، فقد نفذ عملية فرش الهوا، وأصيب فيها إصابة بالغة الخطورة ،لتبدأ من حينها عملية مطاردة له لمدة 3 سنوات تمكن خلالها من تنفيذ عملية عتنائيل وعملية زقاق الموت. أما نحن ففي كل يوم وعلى مدار الثلاث سنوات كانت قوات الاحتلال تقتحم منزلنا، وتنكل بنا بعد أن تعيث فيه فسادا، وتبدأ بالتحقيق معنا واحداً تلو الآخر .

    لحظة الاعتقال
    ترتطم همسات الأم بصخرة الألم، تتسارع الدموع إلى السقوط وكأنها سيول جارفة غمرت معالم ذلك الوجه، حاولت أن تواصل حديثها إلا أن الكلمات كانت تسقط صرعى على صفحات الصبر، استذكرت الأم لحظة الاعتقال في حزيران عام 2003، حين حشدت الاحتلال مئات الآليات العسكرية على الأرض أما السماء فقد تلبدت بأسراب الطائرات ،وأصوات أزيز الرصاص الذي كان يملا أجواء الخليل، ألقت إسرائيل القبض على من نعتته الأم بالأسد. الذي رفض الاستسلام بادئ الأمر، وأصر على المقاومة حتى أصيب بعشر رصاصات، وفي قاعات المحكمة، قدمت بحقه لائحة اتهام من 45 صفحة ليحكم على إثرها بالسجن 17 مؤبدا و34 عاما .

    اعتقال الزوجة والأخوة
    وفي عتمة السجون وأقبيتها تكتمل فصول المعاناة، فنور والذي يعاني من أمراض عدة ،بالإضافة لعشر رصاصات إسرائيلية لا زالت تغوص في لجة جسده، تحول مكانهم إلى جزيئات أصابها التعفن، وقدم آلمته حتى وصل الأمر بإدارة السجون إلى محاولة بترها لتتجنب تقديم العلاج له، وان اكتفت أيضا بنصحه بشرب الماء فقط.

    نورة شقيقة الأسير والأسيرة المحررة هي الأخرى أمضت في المعتقل عامين كاملين، تروي ما استحال للام أن ترويه، تتحدث نوره بصوت تزينه نبرات الثقة والافتخار حينا وبنبرة حزن وعتاب حينا آخر قائلة :" خلال فترة اعتقالي والضغوط الكبيرة التي تعرضت لها في محاولة لابتزاز نور، وقد اعتقل زوجي ,واختي، وكذلك أخوتي الأربعة، بالإضافة لزوجة نور وذلك قبل أن يلقى بالقبض عليه حيث أمضت في السجن ستة أشهر واعتقل والدها أيضا وأخوتها . كانوا يحاولوا أن ينتزعوا منا أي شيء يضيف إلى لائحة الاتهام الطويلة ما يزيد من طولها أيضا".

    وتتجاذب نورة ووالداتها التي استجمعت قواها بعد أن انقشعت سحابة صمت خيمت عليها دقائق عديدة معاناة العائلة التي تزاحمت عليها النوائب والمنايا، وتقول الأم لابنتها بصوت متهدج، لحظة أن انهالت عليها مجندة إسرائيلية ضرباً .ولحظات احتجازها ساعات طويلة داخل مستوطنة كريات أربع والتحقيق معها، ومنعها من زياراته بذريعة أمنية .وكأن الوالدة تقول لابنتها" قصي هذه القصص يا نوره ."

    المعاناة كبيرة والأمنية صغيرة
    فكل ما تتمناه هذه الأم هي معانقة ولدها بعد أن تقاذفتها عوادي الزمن طويلا، وأن تنتهي معاناة نور الصحية، هذه المعاناة التي انتقلت إلى جسد الوالدة حرقة وخوفا على فلذة الكبد ، فهذا الصبر وتلك الروح, وهذه التضحيات الجسام ما هي إلا مهر تقدمه العائلة التي كتب لها بأن يعيش أفرادها في السجون وأن ترسم القيود الحديدية علاماتها على أياديهم، إلا أنهم يتخذون من الأمل شعاراً لهم، يفرشون به حياتهم، فهم كما تؤكد نورة ليسوا" بني آدمين" ،لأنهم يسرجون بصبرهم الذي عجز الصبر على احتماله أزقة الوطن، و يغرسون بصمودهم هذا سيوف التحدي في صحاري القهر.
يعمل...
X