/قطاع غزة – خاص/ سلاب نيوز
تركت عائلتها وذكرياتها ورائحة شوارع الشام القديمة، ومخيمها الذي ترعرعت فيه منذ نشأتها، وعادت أدراجها إلى بلدها الذي هجر أهلها منه، لتستقر هنا من جديد، ولا زالت عينيها ترنو نحو دمشق، تدعو، ليعود لها الأمن والاستقرار من جديد.
رهف دوحان لاجئة فلسطينية ترعرعت في سورية، عادت إلى قطاع غزة منذ فترة لتستقر هنا، تاركة خلفها عائلتها وطفولتها وذكرياتها التي لم تفارقها حتى وقتنا هذا.
تستذكر رهف نزوح عائلتها عام 1948 عقب احتلال إسرائيل فلسطين وطرد عائلتها من بلدتها "صفد" الواقعة أقصى شمال فلسطين المحتلة، وتقول "نحن لاجئين من صفد طردنا من بلدتنا ولجئنا إلى سوريا التي أصبحت وطننا الثاني"، وتضيف "استذكر المفتاح الذي كان مع جدي وبلادنا التي كان يوصفها لي وأزقة الشوارع".
والد رهف اعتقل في السجون الإسرائيلية، وخرج ضمن صفقة تبادل الأسرى التي جرت عام 1985، وأطلق بموجبها سراح (1155) أسير فلسطيني، في المقابل أطلق سراح ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا أسرى لدى الجبهة الشعبية – القيادة العامة.
عند سؤالها عن دمشق تقول: "أتذكر الشام القديمة وشوارع مخيمنا والحمايدة، أتذكر الحرية التي حصلنا عليها في سوريا، حرية الحركة، حرية التعليم المجاني، المواطن الفلسطيني والسوري حقوقهم متساوية في التملك والزواج وغيرها، ليس هناك فرق بين فلسطيني وسوري، لم نشعر بالتفرقة".
وتضيف "الحياة في مخيم "اليرموك" في دمشق و"العائدين" في حمص أفضل، مقارنة بمخيمات دول الشتات وفلسطين، الخدمات التي تقدم في المخيمات السورية أفضل، والحياة صحية، وطريقة بناء البيوت قانونية، ناهيك عن البنية التحتية السليمة".
وتتابع "الهم الفلسطيني والسوري واحد والأمل واحد والانتماء واحد، ومخيم "اليرموك" الذي كنا نعيش فيه، يتواجد فيه السوري إلى جانب الفلسطيني، في سوريا لا نشعر بالتفرقة".
ما يحز في نفس رهف هو هدم مخيمها الذي تركت فيه طفولتها وذكرياتها، والذي حمل الكثير من المواقف والذكريات الجميلة، وتقول: "المكان الذي عشت به وترعرعت به، برفقة أهلي وأصدقائي، وأمضيت به طفولتي، وشوارع سوريا التي لعبت بها، تهدمت وتدمرت".
كما أنّ الحزبية والفئوية التي تطغي على المجتمع الفلسطيني، تعد لغة دخيلة على الثقافة التي رسخت في عقلها، وتقول: "هناك فجوة كبيرة بين الثقافة الفلسطينية والثقافة التي تربينا عليها في سوريا، عندما عدت إلى غزة، قابلت واقعاً أخراً، في سوريا كانت الكلمة فلسطين، ولكن عندما عدت إلى غزة وجدت الكلمة الأولى هي للحزب والفصيل، نحن حصرنا قضيتنا في الانقسام، رغم أنّ قضيتنا هي الاحتلال وتحرير فلسطين".
وتؤكد رهف على أنّ القضية الفلسطينية حاضرة بقوة داخل المجتمع السوري، وتقول: "فلسطين موجودة في كل بيت فلسطيني وسوري وكانت تردد في كل وقت".
ولم يقتصر الدعم السوري على تأمين الحقوق للاجئين الفلسطينيين فقط، بل أصبحت القضية الفلسطينية جزءاً من المنهاج السوري حاضراً وبقوة، على خلاف المناهج في الدول العربية فالقضية الفلسطينية غائبة فيه.
وتضيف "فلسطين جزء من التعليم السوري في المدارس، تدرس في كتب التاريخ، التي تجد بداخلها دروساً عن فلسطين ومصر وقومية سوريا، وغيرها من الدول العربية، ترسخ في عقولنا علماً يوضح الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين ومخاطر الاستيطان والتهويد الذي تقوم به ضد القدس، وأنّ المقاومة المسلحة هي الحل لتحرير فلسطين".
وتتابع "من الصعب أنّ أعود إلى سوريا في الوضع الحالي، وإنما من الممكن أنّ أعود لها زيارة دون الاستقرار فيها"، وعلى الرغم من قرار رهف عدم العودة إلى الوطن الذي ترعرعت فيه للاستقرار مرة أخرى هناك، إلا أن سوريا تبقي حاضرة وبقوة في قلبها، وتقول: "غزة هي الوطن الثاني بعد سوريا، والمكان الذي أتواجد فيه هو وطني وأنا انتمي للمكان الذي أعيش فيه، هناك انتماء لغزة، إنما انتمائي لسوريا اكبر، الحنين للذكريات أقوى".
الأحداث الدائرة في سوريا
عاشت عائلة رهف بين مخيم اليرموك وريف دمشق، الذي هربت إليه مع اشتداد المعركة في مخيمهم، وتقول "يعيش أقربائي في سوريا، وعلى الرغم من استقراري في غزة إلا أنني أعيش الحدث معهم"، لكنها تجد صعوبة في التواصل مع عائلتها والاطمئنان عليهم، لسببين، أولهم ترك عائلتها وأقاربها والمخيم هرباً من القتال بداخله حيث يصعب الاتصال على المنزل الفارغ من سكانه، والثاني ضعف شبكات الانترنت .
وتتابع "عائلتي وأقربائي تركوا المخيم ويعيشون في بلدات بعيدة أكثر أماناً، بينما جدتي ذهبت إلى ريف دمشق، حيث تدور المعارك الآن، لم يعد يوجد مكان آمن الآن"، مشيرةً إلى أنّ بعض عائلتها وأقاربها علقوا في مخيم اليرموك، ولا يستطيعون الخروج منه.
تتهم رهف ما يسمي بـ"الجيش الحر" بقصف مخيم اليرموك، وقتل الفلسطينيين، وتقول "إنّ الجيش الحر قتل أقاربنا وأصدقائنا، كما قتلوا صديق جدي البالغ من العمر 65 عاماً، وقطعوا رأسه بالسكين، عندما كان ذاهباً لشراء الخبز والماء لأولاده، متسائلة لماذا قتلوه ؟؟ "ليس له انتماء سياسي وغير موالي لأحد".
كما توضح رهف أنّ أحد أقرباء والدتها ويبلغ من العمر 48 عاماً تم خطفه في بداية الثورة السورية عقب خروجه من المسجد، على أيدي مجهولين، ثم وجدوه مقتولاً بعد خطفة بيومين، مرجحة أنّ يكون خلف تلك الجريمة "الجيش الحر".
تعبر اللاجئة الفلسطينية السورية، بحزن عميق عما تتعرض له سوريا من إرهاب ودمار، وتقول: "أنا حزينة لما تتعرض له سوريا، عندما أشاهد الأحداث أتأثر وبشدة"، داعية الأطراف المعنية للسيطرة على الأوضاع الأمنية ووقف القتال لتعود سوريا كما كانت عليه.
كما طالبت رهف بعدم التدخل في الشأن السوري، وقالت: "لماذا تتدخلوا بالشؤون السورية دعوا الشعب السوري يقرر مستقبله لوحدوا"، مؤكدة على أنّ الشعب الفلسطيني لم ولن يتدخل بالشؤون الداخلية للبلد، داعية لإبعاد المخيمات الفلسطينية عن الصراع.
وحول كيفية حصول عائلتها على الطعام، توضح، أنّ عملية تخزين الطعام في سوريا تتم سنوياً، وتسمى "المونة"، يتم استنزافها حالياً نظراً لصعوبة الحصول على الطعام في ظل الصراع والمعارك القائمة.
وتقول: "لدينا في سوريا بيت لا نعرف مصيره، إن كان مدمراً أو تم الاستيلاء عليه"، وعند سؤالها عن شعورها إن علمت أنه تدمر، تقول: "لا أحب أن أفكر بذلك".
وهي إذ تبين أنّ لدى إخوتها انتماء كبير لسوريا، تلفت إلى أنّ الحزن يسيطر على عائلتها بأكملها لما تتعرض له سوريا من دمار، معربة عن أملها في أن تنتهي الأزمة ويتوقف الصراع.
وفد إلى سوريا منذ عام 1948 حوالي 90 ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين، تركز معظمهم في العاصمة دمشق، وتوزع البقية على محافظات الشمال والوسط والجنوب السوري، وزاد العدد نتيجة الزيادة الطبيعية في نسبة الولادات إلى حوالي 470,000 ألف نسمة بحسب إحصائية صادرة عام 2008، يتركزون في عشرة مخيمات معترف بها من قبل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا.
يعاني عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا نتيجة الصراع الدائر في ذلك البلد، وليس العنف والصدمة فقط، وإنما خوض تجربة اللجوء للمرة الثانية.
بحسب إحصائية صادرة عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، عبر أكثر من 20،000 لاجىء فلسطيني من سوريا إلى لبنان منذ بدء الصراع، في سعيهم للهرب من العنف.
» أحمد الفيومي
تعليق