سيرة الشهيد
يوم الشهيد تحية وسلام .. بك والأيام تؤرخ الأعوام.. رحلت وعلّمت الرجال كيف يموت الرجال... أبيت عيش العار، فامتهنت صيد الدبابة.. وجعلتها ذليلة ذليلة. .. رسمت للأحرار درب الغد، فضممت المجد... صرعك الأوغاد، فحزنت عليك القلوب والعباد...ليشمخ بك رأس البلاد.. يا زهرة من جنة الخلود ... يا لحنا للكفاح يعود.... والأمل يسود .. وطننا بمثلك يحرر...فنبني.. وأرضه نحمي.. تودعك البنادق لتكون بين سواعد تلاميذك الميامين ورسالتك فيهم تنادي: "احموا الوطن... وأنسوا ظلال القصور، اسمعوا صراخ الأرامل، فالوطن ضاع، واستباحه الغزاة".
رسالتك فيهم تعلو و تعلو: "إن صحوة الحق أقوى، ويد الجهاد أمضى وأعلى...، ففلسطين سلبت منا بقوة السلاح والنار، ولن نستعيد ذرة من ترابها بغيرهما".. كافحت دهرا، ورحلت غدرا.. أيها الفارس العنيد... وداعا يا أحب الناس، وداعا يا قرة العين ومهجة القلب... كنت وبقيت مثالا يقتدى، ورمزا للتضحية يحتذى.. سيسأل عنك أهل الدار، والزرع والسلاح.... ويسأل عنك بريق النجوم وضوء القمر.. رفاق الكفاح.. بارك الله (بأم) أنجبتك و(أب) علمك... و(فكر) عبأك...قسما بربي، وأنه قسم لو تعلمون عظيم... لن نرحم غازيا وقاتلا وسالبا، فالثأر لكل شهيد فرض... ستبقى جراحك عن الثأر تستفهم.. فلن يرد الدم إلا الدم.
تمر علينا اليوم الاثنين ذكرى رحيل القائد الفذ "محمد عبد الله "أبو مرشد"، من ابرز أوائل القائد العسكريين في حركة الجهاد الإسلامي، فكان لابد "للإعلام الحربي" الا وان يسلط الأضواء على سيرة حياته الجهادية المفعمة بالبطولات والتضحيات الجسام.
المولد والنشأة
في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، وفي اليوم الحادي عشر من فبراير للعام 1964م، تفتحت عيون الفارس المغوار محمد عبد الله "أبو مرشد" على صيحات الثكالى و الأرامل.. على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية المدمرة على رؤوس أصحابها، ولد الشهيد لعائلة صابرة متواضعة ومجاهدة بعد أن عانت مرارة التهجير والتشريد.. بعد أن اغتصبت قوات الحقد الصهيونية بلدة "يبنا" في عام 1948 كما غيرها من المدن والبلدات الفلسطينية المنكوبة.
تلقى شهيدنا الفارس تعليمه الأساسي في مدارس وكالة الغوث للاجئين في مخيم البريج للاجئين، قبل أن يجتاز المرحلة الثانوية في مدرسة خالد بن الوليد في مخيم النصيرات، و كان من المتفوقين في دراسته، ثم التحق بالجامعة الإسلامية وحصل على بكالوريوس من كلية التجارة تخصص اقتصاد، وتخرج منه بتقدير امتياز/ الأول على دفعته في العام 1986. و أدى فريضة الحج في عام 2005
للشهيد أربعة من الإخوة ترتيبه الثالث بينهم وتسعة أخوات. وهو متزوج و له من الأبناء خمسة ومن البنات اثنتان ومن المتوقع أن تضع زوجته مولودا جديدا بعد اشهر معدودات...
صفاته وأخلاقه
تربى الشهيد في أحضان عائلة متدينة محافظة، وتميز منذ نعومة أظافره بدماثة أخلاقه وشدة تدينه وأدبه المتفرد فكان محبوباً من جميع من عرفوه، ولعل نشأته في أسرته المتدينة وإقباله على موائد القرآن والسنة جعله يتصف بهذه الصفات.
تقول زوجة الشهيد "أم مرشد" إن من ابرز الصفات التي تميز وعرف بها الشهيد فطنته وذكاءه الشديدين، أضف إلى ذلك جديته في كل محطات حياته، و السرية التامة، حيث كان كتوما شديد الحذر.
أبو مرشد الشيخ الزاهد العابد، ترك الدنيا و زينتها و سخر نفسه لله و الوطن، و أفنى حياته في خدمة هذا الدين العظيم.
ومما يسجل للقائد أبو مرشد من صفات تميز بها، شدة تواضعه وإعراضه عن كل ملذات الحياة، وحبه للجميع و كان حنونا على أولاده، طيب القلب مع الصغير و الكبير، و كان كريما عطوفا، يقدم يد العون لكل محتاج...
وعلى صعيد عمله الجهادي، تميز الشهيد بالانضباط الشديد و حرص على تربية أبنائه في سرايا القدس على أساس النظام والانضباط الشديدين.
كان الشهيد رياضيا و داوم على الكثير من النشاطات الرياضية و خصوصا السباحة فأجاد السباحة و كرة القدم، بل عمل على تنظيم دورات سباحة لمجموعات من مقاتلي سرايا القدس.
المشوار الجهادي
منذ نعومة أظفاره، تعرف شهيدنا المجاهد على الاسلام الجهادي، حيث بدأ الشهيد ينشط ضمن الإطار الطلابي للجهاد الإسلامي " كتلة المستقلين" سابقا في بداية الثمانينات في الجامعة الإسلامية في غزة.
منذ ذلك الحين نفر الشهيد القائد أبا مرشد في سبيل الله و الوطن فكان من القادة الأوائل الذين لهم باع طويل في تأسيس حركة الجهاد الإسلامي في المنطقة الوسطى، فقد بدأ بالتنظير للجهاد الإسلامي و أفكاره منذ أن كان طالبا جامعيا، و كانت له عدة لقاءات فكرية مع الشهيد د0 إبراهيم معمر، وقد حضر محاضرات سياسية عديدة للدكتور رمضان شلح، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وقد كان بيته بمثابة محطة للحواريين الجدد، رواد الطليعة الأولى للعمل الاسلامي الثوري في غزة، وقد شهد بيته العديد من الحوارات التي كان لها دور في تأسيس التنظيم في المنطقة الوسطى بقطاع غزة، كما انه كان يدرس أبناء المخيم فكر الشهيد فتحي الشقاقي والشهيد العالم سيد قطب، وقد تخرج على يديه ثلة من المجاهدين الذين يحملون الشهادات الجامعية العليا.
شق الشهيد مشواره الجهادي و قام بنشر مبادئ وأفكار الجهاد الإسلامي في المنطقة الوسطى عامة ومخيم النصيرات خاصة ،ومع اشتعال فتيل الانتفاضة الأولى المباركة في 1987 ، و بعد استشهاد رفاقه القادة في معركة الشجاعية، بدأ الشهيد بتشكيل أول المجموعات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي تحت لواء "سيف الإسلام" آنذاك، و التي نفذت العديد من العمليات العسكرية ضد قوات الحرب الصهيونية في قطاع غزة، خاصة في منطقة الوسطى0
وفي العام 1989 جرى اعتقال شيخنا المجاهد من قبل قوات الاحتلال و أمضى في السجن مدة عامين بتهمة التنظيم العسكري للجهاد الإسلامي، ثم خرج البطل من السجن وكله عزيمة وإصرار على مواصلة درب الجهاد والمقاومة، فبدأ بتشكيل النواة العسكرية الأولى للجهاد الإسلامي تحت لواء "القوى الإسلامية المجاهدة قسم" برفقة الشهداء القادة هاني عابد، و محمود الخواجا، و عمار الأعرج ومقلد حميد وبشير الدبش وغيرهم من العظماء... و قاموا بالتخطيط لعمليات بطولية في العمق الصهيوني، وكان من بينها ( عملية بيت ليد الشهيرة والتي نفذها الاستشهاديان أنور سكر وصلاح شاكر، وعملية مفترق الشهداء و التي نفذها الاستشهادي البطل هشام حمد ، وعملية كفار داروم و التي نفذها الاستشهادي خالد الخطيب) وغيرها الكثير.
في عام 1994 أسس القيادي البارز في حركة الجهاد الاسلامي د. محمد الهندي مركز فلسطين للدراسات والبحوث واخذ يجمع الباحثين المميزين، حيث كان من بينهم الشهيد القائد أبو مرشد، و قد عمل في البحث و إصدار سلاسل الكتب.
وقد حصل شهيدنا القائد على عدة دورات تقنية والكترونية التي كان لها الدور البارز في تطوير المنظومة التقنية والهندسية العسكرية للجهاد الإسلامي0
ومع اشتعال فتيل انتفاضة الأقصى المباركة، بدأ أبو مرشد ومجموعة من رفاقه قيادات الحركة العسكرية وعلى رأسهم أبو الوليد الدحدوح ومحمد الشيخ خليل وماجد الحرازين "ابو المؤمن" وأبو عرفات الخطيب و الذين سبقوه إلى الفردوس الأعلى بتأسيس الجناح العسكري المظفر سرايا القدس، وقد اشرف أبو مرشد شخصيا على تنظيم صفوف سرايا القدس على المستوى التنظيمي وعلى مستوى الهندسة والتصنيع وعلى مستوى التسليح، فقد بدأ بتنظيم دورات تدريبية عسكرية، وتخرج على يديه المئات من فرسان سرايا القدس الميامين، و قد فكر الشهيد في تأسيس جيش عام لشباب الحركة باسم جيش القدس ليكون هدفه حماية ثغور الوطن الداخلية والقيادات العسكرية في الحركة، واخضع هذا الجيش للدورات العسكرية التي اشرف عليها القائد أبا مرشد شخصيا، وقد تخرج منها العديد من الفرسان الذين كانوا نواة سرايا القدس.
و كان لشهيدنا المغوار شرف التخطيط لعدة عمليات نوعية بطولية أوجعت الكيان الصهيوني، وقضت مضاجعه، كان من أهمها عملية الصيف الساخن في معبر كوسوفيم ومنفذها الاستشهادي محمد الجعبري، وعملية زلزلة الحصون التي استشهد فيها المجاهد محمود سلامة0
الشهيد القائد أبا مرشد وبشهادة العدو قبل الصديق، يعتبر المسئول عن المنظومة التقنية الحديثة لسرايا القدس، و رئيس مجلس الشورى الأعلى لسرايا القدس، و يعتبر الشهيد القائد أبا المرشد العقل التقني والمفكر لتطوير صواريخ القدس، فقد عمل على تطوير الصواريخ لا سيما في الفترة الأخيرة وعمل على تطوير عبوات رعد وبرق وسجيل وعبوات موجهة ضد "الأفراد" وتصنيع وتطوير قذائف الهاون من العيار الثقيل وتطوير القنابل اليدوية.
المشهد الأخير
كان اسم الشهيد القائد أبو المرشد على رأس قائمة الإرهاب الصهيوني للمطلوبين للاغتيال، لاعتباره المخ التقني للمنظومة الصاروخية لسرايا القدس، وقد سخر له الاحتلال إمكانياته واستخباراته من اجل القبض عليه حيا أو ميتا أو اغتياله، كما زرعوا الأرض بالعملاء المأجورين، و تعرض لعدة محاولات اغتيال ، لكنه استعصى بفضل الله عليهم وبقي شامخا قابضا على زناده، و لم يستطيعوا أن يكسروا عزيمته، وبقي شعلة متقدة من العطاء.
لقد توارى الشهيد عن الأنظار فترة طويلة قبل استشهاده وترك الأهل والديار، ومضى في مشواره الجهادي لم يكل أو يمل.
في يوم السابع والعشرين من ديسمبر 2007 قامت الطائرات الصهيونية باغتيال اثنين من عناصر سرايا القدس وهما الشهيد محمد فوزي أبو حسنين، و محمد أحمد أبو حسنين، فهرع الشهيد أبا مرشد يتفقد المكان الذي ارتقي فيه الشهيدان برفقة اثنين من رفاقه، ولكن كانت طائرات الحقد أسرع وباغتته غدرا و أطلقت الصاروخ الأول باتجاهه فنجا منه الشهيد، وأصاب احد رفاقه الذي استشهد في وقت لاحق وهو الشهيد إبراهيم اللوح، فعاد أبا مرشد لنجدة رفيقه فإذا بصاروخ آخر يصيبه، ليرتقي شهيدا يوزع دمه على جداول فلسطين و ليعلن هذا الدم الساطع بداية مرحلة جديدة من الصراع مع الصهاينة وعملائهم عنوانها أن لا خيار أمام الفلسطينيين إلا المقاومة والسلاح لتحرير الأرض من بحرها إلى نهرها.
تعليق