بقلم: أ/ ممتاز مرجى
الاستقلال
لم يكن الجهاد الإسلامي إضافة عادية إلى مجموع الحركات الفلسطينية التي كانت موجودة في الساحة الفلسطينية, وإنما هو نتاج لمجهود فكري وسياسي عميق ابتدأه الدكتور فتحي الشقاقي عندما ذهب للدراسة في مصر عام 1974 وكان يومها لا يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره, لكنه كان يحمل في عقله ووعيه ووجدانه تاريخ الأمة بأكمله, وكان يحمل في قلبه وذاكرته فلسطين من بحرها إلى نهارها-هذا المفهوم الذي حمله شعار المهرجان(كل فلسطين لكل الأمة) ,وعندما كان يخطط ويعمل لمشرعه الإسلامي الذي تحدث عنه في كتابه المهم "المشروع الإسلامي المعاصر",كان لا يستبعد انه سيأتي يوم ليصبح هذا المشروع هو خيار الأمة الأوحد والأصيل, وربما خطر بباله أيضا انه ربما لن يشهد ذلك اليوم, ولكن من المؤكد أن ما شهده هو ترنّح دولة الكيان أمام سكاكين ورصاصات وقنابل الجهاد الإسلامي في أوائل الثمانينات ومطلع التسعينات بسواعد المجاهدين الأبطال خالد الجعيدي ونضال زلوم ومحمد الحسني واحمد أبو حصيرة وشهداء معركة الشجاعية الخالدة ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي الأبطال.
كان الدكتور فتحي الشقاقي أول من دفع فاتورة هذا المشروع الجهادي المبارك وهو والثلة النخبوية المباركة التي التفت حوله في بداية مرحلة التأسيس عندما اعتقل في مصر عام 1979 بسبب نشاطاته الحثيثة لوضع اللبنات الأولى وسط النخبة المثقفة من الطلبة العرب والفلسطينيين, وكانوا أشبه بقلة تخشى أن يتخطفها الناس في مصر وفي جامعة الزقازيق على وجه الخصوص ,وهم أيضا تعرضوا إلى ملاحقة المخابرات المصرية وتم ترحيل بعضهم إلى قطاع غزة دون أن يكملوا دراستهم الجامعية وابرز هؤلاء الطلبة الشيخ المجاهد نافذ عزام الذي تواصل مع المؤسس خطوة بخطوة ولحظة بلحظة وخاض هذا المشوار الطويل واندمج به والتحم معه إلى درجة الانصهار والعشق, ودفع جزءا من هذه الفاتورة, إلا انه كان دائم التفاؤل والأمل وأطلق على هذا المشروع"الخيار الأمل".
وفي ارض الكتيبة (الخميس 4/10/2012) كان الخيار الأمل يتألق بزحف تم تقديره من قبل المحللين والإعلاميين والمهتمين وذوي الشأن بعدد مقداره حوالي مائة وعشرة آلاف من المؤيدين والمناصرين جاؤوا عن طيب خاطر قناعة بهذا المشروع وصاحبه الذي قضى لأجله, وبدا واضحا أن هذه الحركة قوية الجذور والأركان وهي التي راهن العدو وأجهزته المخابراتية على اجتثاثها, أو على أدنى تقدير إضعافها وزعزعة بناينها عبر تسديد ضربات قوية للتنظيم في غير مرة, وكانت الضربة الأصعب هي اغتيال مؤسس الحركة في مالطا في 26/10/1995 وكان هذا هو التحدي الأصعب-إلا أن الأسس التنظيمية السليمة التي أسس عليها الشقاقي (رجل التنظيم والفكر) حركته جعلت الحركة تخرج من هذه الضربة اشد عودا وأقوى شكيمة عندما ترجل الفارس الدكتور المجاهد رمضان شلح ليتسلم الراية ويحمل اللواء متواصلا على درب الشهيد القائد فتحي الشقاقي.
كان الجميع في حالة ترقب قبل المهرجان الذي احتفى بثلاثة مناسبات عظيمة وهامة وهي الذكرى الحادية والثلاثين لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي والتي اتفقت القيادة فيها على اعتبار العام 1981 الذي عاد فيه القائد المؤسس من مصر هو ذكرى التأسيس تقديرا وفاءا لهذا القائد الكبير,أما المناسبة الثانية فهي ذكرى انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي الخامسة والعشرون والتي اتفقت فيها قيادة الحركة على اعتبار العام 1987 ذكرى معركة الشجاعية البطولية/الحدث العسكري والجهادي الأهم في تلك الفترة هو ذكرى الانطلاقة. المناسبة الثالثة هي الذكرى السابعة عشرة لاستشهاد القائد المؤسس فتحي الشقاقي عام 1995.كثيرون كانوا يتوقعون أن شيئا جديدا سيحمله هذا المرجان وان ثمة رسائل غير متوقعة ستتلقفها الجماهير صوب الكتيبة ساحة التدافع السياسي الكبير.
فما هي هذه الرسائل التي تلقفتها الجماهير المحتشدة بالآلاف يا ترى؟
ثمة رسائل عديدة فهمت من المهرجان وأولى هذه الرسائل حركية تتمثل في هذا الحشد الهائل الذي تجاوز المائة ألف مشارك حسب التقديرات, وان هذا على شيء إنما يدل على أن الجماهير الفلسطينية تعطي ثقتها وتجدد بيعتها للمشروع الجهادي لتؤكد بعد تجارب مريرة أن الجهاد الإسلامي هو خيارها الأوحد.
الرسالة الثانية سياسية فكرية بامتياز وفهمت من كلمة الأمين العام للحركة الدكتور رمضان شلح والتي أوضحت سياسة وفكر الجهاد الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الذي وصل إلى طريق مسدود لاعتبارات عديدة, ويبدو ذلك من قوله:( من الواضح أن المشروع الوطني الفلسطيني الذي تم تعريفه واختزاله في إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 67، عبر خيار التسوية والمفاوضات، وصل إلى طريق مسدود، بل انتهى، وفشلت التسوية فشلاً ذريعاً لا يجادل فيه أحد).
لقد أسهب الدكتور رمضان في تفصيل هذه الفكرة وحدد موقف حركة الجهاد الإسلامي من هذه القضية مشيرا إلى كيفية الحل والخروج من هذه الأزمة قائلا: (نحن جميعا، وبكل مسؤولية، مطالبون بمراجعة هذه السياسة.. أما أن تذهب ريح المقاومة بين التنسيق الأمني في الضفة، والالتزام الطوعي بوقف المقاومة بغزة، فهذا ليس من المصلحة الوطنية في شيء!).
بلا شك كانت هذه الكلمات ذات وقع مطمئن ومريح للكثيرين من أبناء الجهاد الإسلامي فكانت هذه الكلمات أشبه بالبلسم الشافي الذي أزال كثيرا من اللبس والغشاوة وأعطى رافعة جديدة للشعب الفلسطيني جددت فيه الأمل وأزالت شيئا من الإحباط الذي أصابه بسبب تبعات أوسلو وحالة الانقسام, وأعطى هذا الخطاب عموما مزيدا من الثقة والأمل لأبناء الجهاد الإسلامي بحركتهم وقيادتهم.
ومن خلال استطلاعات مع كوادر كثيرة من أبناء الحركة عقب المهرجان كان هناك شبه إجماع أن خطاب الدكتور رمضان كان (قلادة المهرجان وتاجه) ,وان هذا الخطاب اثبت أن الدكتور رمضان شلح حفظه الله هو الوجه الآخر لفتحي الشقاقي وفكره ومنهجه.
وبينما أنا في طريقي إلى المهرجان وكان برفقتي الإخوة الدكتور رياض أبو رأس والأخ محمد الهسي والأخ جهاد الدلو دار بيننا نقاش مفاده أن هذه الجماهير الغفيرة إنما جاءت لتسمع شيئا جديدا ولتعرف رؤية الجهاد الإسلامي في ما استحدث من قضايا, وبالفعل بعد نهاية المهرجان كان لنا لقاء وكانت الكلمة الأولى هي أن هذا المهرجان هو من أفضل مهرجانات الحركة رغم بعض الانتقادات للجانب الفني الذي ارتآه الإخوة انه من الممكن أن يكون أفضل من ذلك لو تم الإعداد له جيدا ,إلا أن خطاب الدكتور رمضان شلح جعل من هذا النقص وغيره ثانويا, فما كان ينتظره الحضور هو فكرة ورؤية تنير ظلام اليأس والإحباط, واستطاع الأمين العام أن يعطي استجابة كاملة بامتياز, وبينما نحن نتناقش في رسائل المهرجان إذا باتصال يأتي من الأخ عبد الله الزق يؤكد لنا فيه أن هذا المهرجان هو من أفضل مهرجانات الحركة وانه قدم رؤية ومنهج وموقف بامتياز لتتوافق رؤية أبناء وكوادر الحركة مع بعضها البعض في سياق تشابه أدوات التحليل.
وأخير رسالة ثالثة هامة للأمة الإسلامية والعربية لاتخاذ موقف مسئول تجاه فلسطين التي هي لكل الأمة(يجب أن يكون الشعار هو "كل فلسطين لكل الأمة"، وهو شعار مهرجاننا هذا. إننا بذلك نضع الجميع، الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم أمام مسؤولياتهم), وفي هذا السياق ركز على القدس التي تتعرض للتهويد والمسجد الأقصى الذي يتعرض للحفريات بغرض الإزالة والهدم بإمكانكم خوض معركة سياسية من أجل القدس والمسجد الأقصى، الذي يوشك على السقوط بسبب الحفريات من تحته ليبنوا مكانه الهيكل المزعوم!
لا يجوز لحاكم عربي أو مسلم ولا للشعوب أن يصمتوا أمام اقتحام الجماعات اليهودية المسجد الأقصى للصلاة فيه، إنهم يخططون لقسمته للصلاة فيه، كما فعلوا بالمسجد الإبراهيمي بالخليل)0
وفي هذا السياق أشار الأمين إلى ضرورة الاهتمام بقضية الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عن كرامة الإسلام ورسول البشرية محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة واتم التسليم لأنه لا ينفك عن قضية فلسطين والقدس ولمسجد الأقصى:( وهنا نستحضر قصة الفيلم المسيء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولديننا. لقد قيل الكثير عن هذا الفيلم، لكن من أهم أهداف من أنتجوا هذا العمل الدنيء هو أن يكون بالون اختبار، أو من أجل أن يتعود المسلمون على تقبل إهانة رموزهم الدينية ومقدساتهم دون أن يغضبوا أو يثوروا، وذلك استعداداً لجريمة هدم المسجد الأقصى التي يبيتون النية لها. فإذا مرت جريمة إهانة النبي فمن الطبيعي أن تمر جريمة هدم الأقصى، هنا تحضر الأيدي الخفية والأصابع الصهيونية في فيلم الإساءة للنبي عليه السلام).
كما تضمنت الرسالة موقفا متميزا عبر فعلا عن منهج وثقافة الجهاد الإسلامي في التعامل مع القضايا السياسية العربية والإسلامية ,هذا الموقف يتعلق بأحداث سوريا ولم يكن هذا الموقف نابعا من ردة فعل سريعة أو موقف عاطفي أو برجماتي, وإنما موقف متوازن يحلل المشكلة السورية بدقة وعقلانية وتمثل هذا الموقف بكلمات حاسمة, (وفي الوضع العربي تبقى مأساة سورية اليوم هي الحدث الأبرز. لذا لا بد من كلمة، فأقول بإيجاز، إن ما يجري في سورية يدمي القلب. لكن أي مراقب لهذا النزيف المؤلم والجرح المفتوح، يدرك أن طريق الحسم العسكري في أي اتجاه مغلق), وهذا الموقف اوجد ارتياحا لدى الكثيرين خصوصا أبناء حركة الجهاد الإسلامي إذ شعروا أن موقف حركتهم هو الأكثر توزنا وعقلانية من هذه القضية, وانه يتماشى مع فلسفة ومنهج وفكر الحركة في النظر لقضايا الأمة.
إن مهرجان الجهاد الإسلامي جاء في لحظة حاسمة تمر بها المنطقة بمتغيرات هامة نجم عنها حالة من الإحباط واليأس والخوف من المجهول ليبرز الجهاد الإسلامي ليكون الخيار الأمل الذي يصحح المسيرة ويكون صمام الأمان لكل التناقضات التي تزخر بها الساحة العربية والفلسطينية, وما من شك أن خطاب الأمين الذي يحتاج إلى دراسة معمقة ومستفيضة جدا تبنى في ضوئها إستراتيجية جديدة للفعل الفلسطيني والعربي.
الاستقلال
لم يكن الجهاد الإسلامي إضافة عادية إلى مجموع الحركات الفلسطينية التي كانت موجودة في الساحة الفلسطينية, وإنما هو نتاج لمجهود فكري وسياسي عميق ابتدأه الدكتور فتحي الشقاقي عندما ذهب للدراسة في مصر عام 1974 وكان يومها لا يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره, لكنه كان يحمل في عقله ووعيه ووجدانه تاريخ الأمة بأكمله, وكان يحمل في قلبه وذاكرته فلسطين من بحرها إلى نهارها-هذا المفهوم الذي حمله شعار المهرجان(كل فلسطين لكل الأمة) ,وعندما كان يخطط ويعمل لمشرعه الإسلامي الذي تحدث عنه في كتابه المهم "المشروع الإسلامي المعاصر",كان لا يستبعد انه سيأتي يوم ليصبح هذا المشروع هو خيار الأمة الأوحد والأصيل, وربما خطر بباله أيضا انه ربما لن يشهد ذلك اليوم, ولكن من المؤكد أن ما شهده هو ترنّح دولة الكيان أمام سكاكين ورصاصات وقنابل الجهاد الإسلامي في أوائل الثمانينات ومطلع التسعينات بسواعد المجاهدين الأبطال خالد الجعيدي ونضال زلوم ومحمد الحسني واحمد أبو حصيرة وشهداء معركة الشجاعية الخالدة ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي الأبطال.
كان الدكتور فتحي الشقاقي أول من دفع فاتورة هذا المشروع الجهادي المبارك وهو والثلة النخبوية المباركة التي التفت حوله في بداية مرحلة التأسيس عندما اعتقل في مصر عام 1979 بسبب نشاطاته الحثيثة لوضع اللبنات الأولى وسط النخبة المثقفة من الطلبة العرب والفلسطينيين, وكانوا أشبه بقلة تخشى أن يتخطفها الناس في مصر وفي جامعة الزقازيق على وجه الخصوص ,وهم أيضا تعرضوا إلى ملاحقة المخابرات المصرية وتم ترحيل بعضهم إلى قطاع غزة دون أن يكملوا دراستهم الجامعية وابرز هؤلاء الطلبة الشيخ المجاهد نافذ عزام الذي تواصل مع المؤسس خطوة بخطوة ولحظة بلحظة وخاض هذا المشوار الطويل واندمج به والتحم معه إلى درجة الانصهار والعشق, ودفع جزءا من هذه الفاتورة, إلا انه كان دائم التفاؤل والأمل وأطلق على هذا المشروع"الخيار الأمل".
وفي ارض الكتيبة (الخميس 4/10/2012) كان الخيار الأمل يتألق بزحف تم تقديره من قبل المحللين والإعلاميين والمهتمين وذوي الشأن بعدد مقداره حوالي مائة وعشرة آلاف من المؤيدين والمناصرين جاؤوا عن طيب خاطر قناعة بهذا المشروع وصاحبه الذي قضى لأجله, وبدا واضحا أن هذه الحركة قوية الجذور والأركان وهي التي راهن العدو وأجهزته المخابراتية على اجتثاثها, أو على أدنى تقدير إضعافها وزعزعة بناينها عبر تسديد ضربات قوية للتنظيم في غير مرة, وكانت الضربة الأصعب هي اغتيال مؤسس الحركة في مالطا في 26/10/1995 وكان هذا هو التحدي الأصعب-إلا أن الأسس التنظيمية السليمة التي أسس عليها الشقاقي (رجل التنظيم والفكر) حركته جعلت الحركة تخرج من هذه الضربة اشد عودا وأقوى شكيمة عندما ترجل الفارس الدكتور المجاهد رمضان شلح ليتسلم الراية ويحمل اللواء متواصلا على درب الشهيد القائد فتحي الشقاقي.
كان الجميع في حالة ترقب قبل المهرجان الذي احتفى بثلاثة مناسبات عظيمة وهامة وهي الذكرى الحادية والثلاثين لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي والتي اتفقت القيادة فيها على اعتبار العام 1981 الذي عاد فيه القائد المؤسس من مصر هو ذكرى التأسيس تقديرا وفاءا لهذا القائد الكبير,أما المناسبة الثانية فهي ذكرى انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي الخامسة والعشرون والتي اتفقت فيها قيادة الحركة على اعتبار العام 1987 ذكرى معركة الشجاعية البطولية/الحدث العسكري والجهادي الأهم في تلك الفترة هو ذكرى الانطلاقة. المناسبة الثالثة هي الذكرى السابعة عشرة لاستشهاد القائد المؤسس فتحي الشقاقي عام 1995.كثيرون كانوا يتوقعون أن شيئا جديدا سيحمله هذا المرجان وان ثمة رسائل غير متوقعة ستتلقفها الجماهير صوب الكتيبة ساحة التدافع السياسي الكبير.
فما هي هذه الرسائل التي تلقفتها الجماهير المحتشدة بالآلاف يا ترى؟
ثمة رسائل عديدة فهمت من المهرجان وأولى هذه الرسائل حركية تتمثل في هذا الحشد الهائل الذي تجاوز المائة ألف مشارك حسب التقديرات, وان هذا على شيء إنما يدل على أن الجماهير الفلسطينية تعطي ثقتها وتجدد بيعتها للمشروع الجهادي لتؤكد بعد تجارب مريرة أن الجهاد الإسلامي هو خيارها الأوحد.
الرسالة الثانية سياسية فكرية بامتياز وفهمت من كلمة الأمين العام للحركة الدكتور رمضان شلح والتي أوضحت سياسة وفكر الجهاد الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الذي وصل إلى طريق مسدود لاعتبارات عديدة, ويبدو ذلك من قوله:( من الواضح أن المشروع الوطني الفلسطيني الذي تم تعريفه واختزاله في إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 67، عبر خيار التسوية والمفاوضات، وصل إلى طريق مسدود، بل انتهى، وفشلت التسوية فشلاً ذريعاً لا يجادل فيه أحد).
لقد أسهب الدكتور رمضان في تفصيل هذه الفكرة وحدد موقف حركة الجهاد الإسلامي من هذه القضية مشيرا إلى كيفية الحل والخروج من هذه الأزمة قائلا: (نحن جميعا، وبكل مسؤولية، مطالبون بمراجعة هذه السياسة.. أما أن تذهب ريح المقاومة بين التنسيق الأمني في الضفة، والالتزام الطوعي بوقف المقاومة بغزة، فهذا ليس من المصلحة الوطنية في شيء!).
بلا شك كانت هذه الكلمات ذات وقع مطمئن ومريح للكثيرين من أبناء الجهاد الإسلامي فكانت هذه الكلمات أشبه بالبلسم الشافي الذي أزال كثيرا من اللبس والغشاوة وأعطى رافعة جديدة للشعب الفلسطيني جددت فيه الأمل وأزالت شيئا من الإحباط الذي أصابه بسبب تبعات أوسلو وحالة الانقسام, وأعطى هذا الخطاب عموما مزيدا من الثقة والأمل لأبناء الجهاد الإسلامي بحركتهم وقيادتهم.
ومن خلال استطلاعات مع كوادر كثيرة من أبناء الحركة عقب المهرجان كان هناك شبه إجماع أن خطاب الدكتور رمضان كان (قلادة المهرجان وتاجه) ,وان هذا الخطاب اثبت أن الدكتور رمضان شلح حفظه الله هو الوجه الآخر لفتحي الشقاقي وفكره ومنهجه.
وبينما أنا في طريقي إلى المهرجان وكان برفقتي الإخوة الدكتور رياض أبو رأس والأخ محمد الهسي والأخ جهاد الدلو دار بيننا نقاش مفاده أن هذه الجماهير الغفيرة إنما جاءت لتسمع شيئا جديدا ولتعرف رؤية الجهاد الإسلامي في ما استحدث من قضايا, وبالفعل بعد نهاية المهرجان كان لنا لقاء وكانت الكلمة الأولى هي أن هذا المهرجان هو من أفضل مهرجانات الحركة رغم بعض الانتقادات للجانب الفني الذي ارتآه الإخوة انه من الممكن أن يكون أفضل من ذلك لو تم الإعداد له جيدا ,إلا أن خطاب الدكتور رمضان شلح جعل من هذا النقص وغيره ثانويا, فما كان ينتظره الحضور هو فكرة ورؤية تنير ظلام اليأس والإحباط, واستطاع الأمين العام أن يعطي استجابة كاملة بامتياز, وبينما نحن نتناقش في رسائل المهرجان إذا باتصال يأتي من الأخ عبد الله الزق يؤكد لنا فيه أن هذا المهرجان هو من أفضل مهرجانات الحركة وانه قدم رؤية ومنهج وموقف بامتياز لتتوافق رؤية أبناء وكوادر الحركة مع بعضها البعض في سياق تشابه أدوات التحليل.
وأخير رسالة ثالثة هامة للأمة الإسلامية والعربية لاتخاذ موقف مسئول تجاه فلسطين التي هي لكل الأمة(يجب أن يكون الشعار هو "كل فلسطين لكل الأمة"، وهو شعار مهرجاننا هذا. إننا بذلك نضع الجميع، الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم أمام مسؤولياتهم), وفي هذا السياق ركز على القدس التي تتعرض للتهويد والمسجد الأقصى الذي يتعرض للحفريات بغرض الإزالة والهدم بإمكانكم خوض معركة سياسية من أجل القدس والمسجد الأقصى، الذي يوشك على السقوط بسبب الحفريات من تحته ليبنوا مكانه الهيكل المزعوم!
لا يجوز لحاكم عربي أو مسلم ولا للشعوب أن يصمتوا أمام اقتحام الجماعات اليهودية المسجد الأقصى للصلاة فيه، إنهم يخططون لقسمته للصلاة فيه، كما فعلوا بالمسجد الإبراهيمي بالخليل)0
وفي هذا السياق أشار الأمين إلى ضرورة الاهتمام بقضية الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عن كرامة الإسلام ورسول البشرية محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة واتم التسليم لأنه لا ينفك عن قضية فلسطين والقدس ولمسجد الأقصى:( وهنا نستحضر قصة الفيلم المسيء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولديننا. لقد قيل الكثير عن هذا الفيلم، لكن من أهم أهداف من أنتجوا هذا العمل الدنيء هو أن يكون بالون اختبار، أو من أجل أن يتعود المسلمون على تقبل إهانة رموزهم الدينية ومقدساتهم دون أن يغضبوا أو يثوروا، وذلك استعداداً لجريمة هدم المسجد الأقصى التي يبيتون النية لها. فإذا مرت جريمة إهانة النبي فمن الطبيعي أن تمر جريمة هدم الأقصى، هنا تحضر الأيدي الخفية والأصابع الصهيونية في فيلم الإساءة للنبي عليه السلام).
كما تضمنت الرسالة موقفا متميزا عبر فعلا عن منهج وثقافة الجهاد الإسلامي في التعامل مع القضايا السياسية العربية والإسلامية ,هذا الموقف يتعلق بأحداث سوريا ولم يكن هذا الموقف نابعا من ردة فعل سريعة أو موقف عاطفي أو برجماتي, وإنما موقف متوازن يحلل المشكلة السورية بدقة وعقلانية وتمثل هذا الموقف بكلمات حاسمة, (وفي الوضع العربي تبقى مأساة سورية اليوم هي الحدث الأبرز. لذا لا بد من كلمة، فأقول بإيجاز، إن ما يجري في سورية يدمي القلب. لكن أي مراقب لهذا النزيف المؤلم والجرح المفتوح، يدرك أن طريق الحسم العسكري في أي اتجاه مغلق), وهذا الموقف اوجد ارتياحا لدى الكثيرين خصوصا أبناء حركة الجهاد الإسلامي إذ شعروا أن موقف حركتهم هو الأكثر توزنا وعقلانية من هذه القضية, وانه يتماشى مع فلسفة ومنهج وفكر الحركة في النظر لقضايا الأمة.
إن مهرجان الجهاد الإسلامي جاء في لحظة حاسمة تمر بها المنطقة بمتغيرات هامة نجم عنها حالة من الإحباط واليأس والخوف من المجهول ليبرز الجهاد الإسلامي ليكون الخيار الأمل الذي يصحح المسيرة ويكون صمام الأمان لكل التناقضات التي تزخر بها الساحة العربية والفلسطينية, وما من شك أن خطاب الأمين الذي يحتاج إلى دراسة معمقة ومستفيضة جدا تبنى في ضوئها إستراتيجية جديدة للفعل الفلسطيني والعربي.
تعليق