قسم كبير من جثث الضحايا يخص جنودا سوريين وموظفين حكوميين اختطفوا سابقا، وبعض الأهالي يؤكدون للصحيفة أن المجزرة حصلت قبل دخول الجيش إلى المدينة
لندن، الحقيقة (خاص): في تقرير حصري بصحيفة "الاندبندنت" نشرته اليوم، ونقلا عن شهود عيان من الأهالي تحدثوا دون معرفة السلطة بهم، قدم مراسل الصحيفة في الشرق الأسوط روبرت فيسك رواية مختلفة عما هو متداول في وسائل الإعلام حول وقائع ما جرى يوم المجزرة، أو ما يسميه "يوم العار" في بلدة "داريا" بريف دمشق. فقد أكد المتحدثون لفيسك وجود إرهابيين أجانب في البلدة قاموا بعمليات قتل "قبل دخول الجيش السوري إلى البلدة"، وأن قسما كبيرا من الشهداء هم "جنود سوريون" و موظفون حكوميون خطفهم المسلحون في وقت سابق. وما يؤكد تقرير فيسك،هو الشريط الذي حصلت عليه"الحقيقة" من "تنسيقية داريا" قبل حذفه، حيث يشير الشريط (المنشور جانبا) إلى أن إحدى الجثث كتب عليها "المخفر"، في إشارة إلى أنها تخص أحد عناصر الشرطة في البلدة، بينما يسمع صوت أحد المسلحين وهو يقول للمصور "هذه (الجثث) لا تصورها"، تماما كما حصل في مجازر سابقة! وفيما يلي ترجمة كاملة لتقرير فيسك أعدها الصديق "أنور الكوكو" ، وهو بالغ الأهمية رغم حجمه الصغير نسبيا:
روبرت فيسك: داخل داريا – كيف تحولت صفقة لتبادل الأسرى إلى مذبحة
حصري: أول صحفي غربي يدخل المدينة التي ذاقت غضب الأسد ويستمع إلى روايات الشهود عن الفصل الأكثر دموية في سوريا
مدينة المجزرة داريا هي مكان للأشباح والأسئلة. في الأمس ترددت فيها أصوات انفجارات قذائف الهاون ونيران الأسلحة الرشاشة. المواطنون القلائل العائدون يتحدثون عن الموت والاعتداءات و"الإرهابيين" الأجانب، ومقبرتها المسكونة بالقناصة تتحدث عنالذبح.
الرجال والنساء الذين تحدثنا إليهم، فقد اثنان منهم أحبة لهم في يوم العار في داريا قبل أربعة أيام، وهؤلاء أخبرونا قصة مختلفة عن تلك التي جرى تداولها حول العالم: كانت هناك حكاية عن رهائن احتجزهم "الجيش السوري الحر" ومفاوضات حثيثة لتبادل الأسرى بين الخصوم المسلحين للنظام والجيش السوري النظامي، وذلك قبل أن تجتاح القوات الحكومية التابعة للرئيس بشار الأسد المدينة وتستعيد السيطرة عليها من المتمردين.
رسمياً، لم يكن هناك أي ذكر لتلك المحادثات بين الأعداء. ولكن مسؤولا سوريا كبيرا أخبر "الاندبندنت" كيف أنهم "استنفذوا جميع إمكانيات التفاهم" مع الذين يسيطرون على المدينة الصغيرة، بينما قال سكان دارياً إنه كانت هناك محاولة من قبل الجانبين لترتيب مبادلة للمدنيين وجنود خارج الخدمة، واضح أنهم اختطفوا من قبل المتمردين بسبب علاقات عائلاتهم مع الجيش الحكومي، مع سجناء موجودين لدى الجيش. عندما انهارت هذه المحادثات، تقدم الجيش إلى داخل داريا التي تبعد ستة أميال عن دمشق.
كوني أول شاهد غربي يدخل المدينة البارحة كان أمراً محبطاً وخطيراً في ذات الوقت. جثث الرجال والنساء والأطفال كانت قد نقلت من المقبرة حيث تم العثور على العديد منها هناك. وعندما وصلنا برفقة القوات السورية إلى مقبرة المسلمين السنّة، التي يشقها الشارع الرئيسي في داريا، فتح قناصون النار على الجنود وأصابوا مؤخرة المدرعة القديمة التي استخدمناها للهروب من المكان. على الرغم من ذلك استطعنا التحدث إلى المدنيين بعيداً عن مسامع المسؤولين السوريين، وفي حالتين منها كنا لوحدنا معهم في بيوتهم. روايتهم عن القتل الجماعي الذي حصل يوم السبت وأودى بحياة ما لا يقل عن 245 رجلاً وامرأة وطفلاً تشير إلى أن الفظائع كانت منتشرة على نحو يفوق ما كان متوقعاً.
إحدى النساء، قالت إن اسمها لينا، قالت إنها كانت تستقل سيارة عبر المدينة ورأت جثثاً لعشرة رجال على الأقل كانت ملقاة على الطريق قرب بيتها. قالت:"تابعنا السير بسرعة، لم نجرؤ على التوقف، رأينا فقط تلك الجثث في الشارع". وأضافت بأن قوات الجيش السوري لم تكن قد دخلت داريا حينها.
رجل آخر قال إنه، على الرغم من أنه لم ير القتلى في المقبرة، فإنه يعتقد أن أغلبها كانت للجيش السوري الحكومي ، وتتضمن جثث العديد من المجندين خارج الخدمة. وقال أيضاً: "أحد القتلى كان عامل بريد، قتلوه لأنه كان موظفاً لدى الحكومة". إذا كانت هذه القصص صحيحة، فإن الرجال المسلحين - الذين يضعون أغطية للرأس (حطاطة) بحسب امرأة أخرى وصفت كيف اقتحموا منزلها وقامت بتقبيلهم في محاولة منها لمنعهم من إطلاق النار على عائلتها – هؤلاء الرجال كانوا متمردين مسلحين وليس من الجيش السوري.
قال عامر شيخ رجب، وهو سائق رافعة شوكية، إن منزله تم الاستيلاء عليه من قبل مسلحين كقاعدة لقوات "الجيش الحر"، وهي التسمية التي يطلقها المدنيون على المتمردين. حطموا ممتلكات العائلة وأحرقوا السجادات والأسرّة – العائلة أرتنا هذا الدمار – وكذلك قاموا بنزع الرقاقات الداخلية للحاسوب المحمول وجهاز التلفزيون، ربما ليستخدموها في صنع القنابل؟
خالد يحيى زكاري، سائق شاحنة، غادر المدينة يوم السبت عبر شارع في أطراف داريا بواسطة ميكروباص مع زوجته ابنة الرابعة والثلاثين وطفلتهما بعمر سبعة أشهر.
قال: "كنا في الطريق إلى صحنايا المجاورة وفجأة تعرضنا لإطلاق نار كثيف علينا. طلبت من زوجتي أن تنبطح أرضاً، ولكن طلقة اخترقت طفلتنا وأصابت زوجتي. كانت نفس الطلقة، وقتلت الاثنتين. إطلاق النار أتى من بين الأشجار، من منطقة خضراء. ربما كانوا من رجال الميليشيات المختبئين بين الأشجار واعتقدوا أننا ميكروباص عسكري ينقل الجنود".
إجراء تحقيقات شاملة لمأساة بهذا الحجم وفي هذه الظروف كان أمراً مستحيلاً البارحة. في الفترات التي كنا فيها برفقة القوات المسلحة السورية كان علينا أن نركض في شوارع خالية مع وجود قناصين معارضين للحكومة عند تقاطعات الطرق؛ عائلات كثيرة تحصنت في منازلها.
قبل أن ننطلق إلى داريا من القاعدة الجوية العسكرية الكبيرة في دمشق – والتي تحتوي مروحيات "هند – مي 24" الهجومية الروسية ودبابات تي 72 - رشقة من قذائف الهاون، قد تكون أطلقت من داريا نفسها، أصابت المدرج على بعد 300 متر من مكان وجودنا مرسلة أعمدة من الدخان الأسود في السماء. وعلى الرغم من أن أفراد القوات السورية تابعوا بدون مبالاة الاستحمام في الهواء الطلق، بدأت أشعر ببعض التعاطف مع مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للأمم المتحدة والذين غادروا سوريا الأسبوع الماضي.
ربما الرواية الأكثر حزناً من يوم البارحة أتت من حمدي خريطم (27 سنة) الذي جلس في منزل عائلته مع أخيه وأخته، وأخبرنا كيف أن والديه، سليم وعائشة، خرجا لشراء الخبز يوم السبت. "رأينا صور المجزرة في التلفزيون - القنوات الغربية قالت إنه الجيش السوري النظامي، والتلفزيون الحكومي قال إنه "الجيش الحر" - لكن لم يكن لدينا طعام وذهب والدي ووالدتي إلى المدينة. ثم تلقينا اتصالاً من هاتفهما النقال، وكانت أمي التي قالت:"نحن ميتون". لكنها لم تكن كذلك.
"كانت مصابة في صدرها وذراعها. كان والدي ميتاً، ولكنني لم أعرف أين أصيب أو من قتله. أخذناه من المستشفى وهو مغطى وقمنا بدفنه البارحة".
لندن، الحقيقة (خاص): في تقرير حصري بصحيفة "الاندبندنت" نشرته اليوم، ونقلا عن شهود عيان من الأهالي تحدثوا دون معرفة السلطة بهم، قدم مراسل الصحيفة في الشرق الأسوط روبرت فيسك رواية مختلفة عما هو متداول في وسائل الإعلام حول وقائع ما جرى يوم المجزرة، أو ما يسميه "يوم العار" في بلدة "داريا" بريف دمشق. فقد أكد المتحدثون لفيسك وجود إرهابيين أجانب في البلدة قاموا بعمليات قتل "قبل دخول الجيش السوري إلى البلدة"، وأن قسما كبيرا من الشهداء هم "جنود سوريون" و موظفون حكوميون خطفهم المسلحون في وقت سابق. وما يؤكد تقرير فيسك،هو الشريط الذي حصلت عليه"الحقيقة" من "تنسيقية داريا" قبل حذفه، حيث يشير الشريط (المنشور جانبا) إلى أن إحدى الجثث كتب عليها "المخفر"، في إشارة إلى أنها تخص أحد عناصر الشرطة في البلدة، بينما يسمع صوت أحد المسلحين وهو يقول للمصور "هذه (الجثث) لا تصورها"، تماما كما حصل في مجازر سابقة! وفيما يلي ترجمة كاملة لتقرير فيسك أعدها الصديق "أنور الكوكو" ، وهو بالغ الأهمية رغم حجمه الصغير نسبيا:
روبرت فيسك: داخل داريا – كيف تحولت صفقة لتبادل الأسرى إلى مذبحة
حصري: أول صحفي غربي يدخل المدينة التي ذاقت غضب الأسد ويستمع إلى روايات الشهود عن الفصل الأكثر دموية في سوريا
مدينة المجزرة داريا هي مكان للأشباح والأسئلة. في الأمس ترددت فيها أصوات انفجارات قذائف الهاون ونيران الأسلحة الرشاشة. المواطنون القلائل العائدون يتحدثون عن الموت والاعتداءات و"الإرهابيين" الأجانب، ومقبرتها المسكونة بالقناصة تتحدث عنالذبح.
الرجال والنساء الذين تحدثنا إليهم، فقد اثنان منهم أحبة لهم في يوم العار في داريا قبل أربعة أيام، وهؤلاء أخبرونا قصة مختلفة عن تلك التي جرى تداولها حول العالم: كانت هناك حكاية عن رهائن احتجزهم "الجيش السوري الحر" ومفاوضات حثيثة لتبادل الأسرى بين الخصوم المسلحين للنظام والجيش السوري النظامي، وذلك قبل أن تجتاح القوات الحكومية التابعة للرئيس بشار الأسد المدينة وتستعيد السيطرة عليها من المتمردين.
رسمياً، لم يكن هناك أي ذكر لتلك المحادثات بين الأعداء. ولكن مسؤولا سوريا كبيرا أخبر "الاندبندنت" كيف أنهم "استنفذوا جميع إمكانيات التفاهم" مع الذين يسيطرون على المدينة الصغيرة، بينما قال سكان دارياً إنه كانت هناك محاولة من قبل الجانبين لترتيب مبادلة للمدنيين وجنود خارج الخدمة، واضح أنهم اختطفوا من قبل المتمردين بسبب علاقات عائلاتهم مع الجيش الحكومي، مع سجناء موجودين لدى الجيش. عندما انهارت هذه المحادثات، تقدم الجيش إلى داخل داريا التي تبعد ستة أميال عن دمشق.
كوني أول شاهد غربي يدخل المدينة البارحة كان أمراً محبطاً وخطيراً في ذات الوقت. جثث الرجال والنساء والأطفال كانت قد نقلت من المقبرة حيث تم العثور على العديد منها هناك. وعندما وصلنا برفقة القوات السورية إلى مقبرة المسلمين السنّة، التي يشقها الشارع الرئيسي في داريا، فتح قناصون النار على الجنود وأصابوا مؤخرة المدرعة القديمة التي استخدمناها للهروب من المكان. على الرغم من ذلك استطعنا التحدث إلى المدنيين بعيداً عن مسامع المسؤولين السوريين، وفي حالتين منها كنا لوحدنا معهم في بيوتهم. روايتهم عن القتل الجماعي الذي حصل يوم السبت وأودى بحياة ما لا يقل عن 245 رجلاً وامرأة وطفلاً تشير إلى أن الفظائع كانت منتشرة على نحو يفوق ما كان متوقعاً.
إحدى النساء، قالت إن اسمها لينا، قالت إنها كانت تستقل سيارة عبر المدينة ورأت جثثاً لعشرة رجال على الأقل كانت ملقاة على الطريق قرب بيتها. قالت:"تابعنا السير بسرعة، لم نجرؤ على التوقف، رأينا فقط تلك الجثث في الشارع". وأضافت بأن قوات الجيش السوري لم تكن قد دخلت داريا حينها.
رجل آخر قال إنه، على الرغم من أنه لم ير القتلى في المقبرة، فإنه يعتقد أن أغلبها كانت للجيش السوري الحكومي ، وتتضمن جثث العديد من المجندين خارج الخدمة. وقال أيضاً: "أحد القتلى كان عامل بريد، قتلوه لأنه كان موظفاً لدى الحكومة". إذا كانت هذه القصص صحيحة، فإن الرجال المسلحين - الذين يضعون أغطية للرأس (حطاطة) بحسب امرأة أخرى وصفت كيف اقتحموا منزلها وقامت بتقبيلهم في محاولة منها لمنعهم من إطلاق النار على عائلتها – هؤلاء الرجال كانوا متمردين مسلحين وليس من الجيش السوري.
قال عامر شيخ رجب، وهو سائق رافعة شوكية، إن منزله تم الاستيلاء عليه من قبل مسلحين كقاعدة لقوات "الجيش الحر"، وهي التسمية التي يطلقها المدنيون على المتمردين. حطموا ممتلكات العائلة وأحرقوا السجادات والأسرّة – العائلة أرتنا هذا الدمار – وكذلك قاموا بنزع الرقاقات الداخلية للحاسوب المحمول وجهاز التلفزيون، ربما ليستخدموها في صنع القنابل؟
خالد يحيى زكاري، سائق شاحنة، غادر المدينة يوم السبت عبر شارع في أطراف داريا بواسطة ميكروباص مع زوجته ابنة الرابعة والثلاثين وطفلتهما بعمر سبعة أشهر.
قال: "كنا في الطريق إلى صحنايا المجاورة وفجأة تعرضنا لإطلاق نار كثيف علينا. طلبت من زوجتي أن تنبطح أرضاً، ولكن طلقة اخترقت طفلتنا وأصابت زوجتي. كانت نفس الطلقة، وقتلت الاثنتين. إطلاق النار أتى من بين الأشجار، من منطقة خضراء. ربما كانوا من رجال الميليشيات المختبئين بين الأشجار واعتقدوا أننا ميكروباص عسكري ينقل الجنود".
إجراء تحقيقات شاملة لمأساة بهذا الحجم وفي هذه الظروف كان أمراً مستحيلاً البارحة. في الفترات التي كنا فيها برفقة القوات المسلحة السورية كان علينا أن نركض في شوارع خالية مع وجود قناصين معارضين للحكومة عند تقاطعات الطرق؛ عائلات كثيرة تحصنت في منازلها.
قبل أن ننطلق إلى داريا من القاعدة الجوية العسكرية الكبيرة في دمشق – والتي تحتوي مروحيات "هند – مي 24" الهجومية الروسية ودبابات تي 72 - رشقة من قذائف الهاون، قد تكون أطلقت من داريا نفسها، أصابت المدرج على بعد 300 متر من مكان وجودنا مرسلة أعمدة من الدخان الأسود في السماء. وعلى الرغم من أن أفراد القوات السورية تابعوا بدون مبالاة الاستحمام في الهواء الطلق، بدأت أشعر ببعض التعاطف مع مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للأمم المتحدة والذين غادروا سوريا الأسبوع الماضي.
ربما الرواية الأكثر حزناً من يوم البارحة أتت من حمدي خريطم (27 سنة) الذي جلس في منزل عائلته مع أخيه وأخته، وأخبرنا كيف أن والديه، سليم وعائشة، خرجا لشراء الخبز يوم السبت. "رأينا صور المجزرة في التلفزيون - القنوات الغربية قالت إنه الجيش السوري النظامي، والتلفزيون الحكومي قال إنه "الجيش الحر" - لكن لم يكن لدينا طعام وذهب والدي ووالدتي إلى المدينة. ثم تلقينا اتصالاً من هاتفهما النقال، وكانت أمي التي قالت:"نحن ميتون". لكنها لم تكن كذلك.
"كانت مصابة في صدرها وذراعها. كان والدي ميتاً، ولكنني لم أعرف أين أصيب أو من قتله. أخذناه من المستشفى وهو مغطى وقمنا بدفنه البارحة".
تعليق