ليس للفلسطينيين علاقة بالمجزرة البشعة التي ارتكبت في رفح وراح ضحيتها ستة عشر جندياً عربياً - مصرياً، حتى وإن تبيّن أن هناك من بين القتلة "فلسطينيون"، ففي كل البلاد العربية ـ وبلا استثناء ـ مجرمون ينتمون فكرياً إلى تنظيم القاعدة، وغزة ليست استثناءً.
الثابت في جريمة سيناء، أن "الجهاديين" قد وجدوا في سيناء ملاذاً آمناً بسبب غياب سلطة الدولة المصرية عليها بعد اتفاقات (كامب ديفيد) التي منعت الجيش المصري من التواجد بالعدد والمعدات الكافية على حدود بلاده الشمالية - الشرقية، وهذا ما سهّل على "المجرمين" القيام بجريمتهم.
الثورة المصرية كان عليها أن تنتصر لغزة بفتح معبر رفح على مدار الساعة لإسقاط الحصار ولخلق مناخ يسمح بإغلاق الأنفاق التي لا تمر عبرها فقط مواد الحياة الضرورية لسكان غزة، ولكن أيضاً، مجموعات "جهادية" متطرفة لا ترى فرقاً بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي، "فجميعهم" كافر بحسب "الشيخ" الذي أصدر الفتوى.
على أن تبرئة الشعب الفلسطيني في غزة من مجزرة سيناء، وتبرئة "حماس" تقنياً منها أيضاً، لا يعني قطعاً أن الإخوان المسلمون لا يتحملون قسطاً مهماً مما جرى.
في مطلع ثمانينات القرن الماضي تخلّى الإخوان المسلمون عن القضية الفلسطينية لحساب معركة كانت قد بدأت بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في أفغانستان، وتحالفوا مع الأنظمة العربية والخليجية على وجه الخصوص لتصدير المجموعات "الجهادية" لأفغانستان لقتال "الكفار" السوفييت. وكانت المساجد تحشد المقاتلين برعاية شيوخ الإخوان في جميع الأقطار العربية، وكانت دول الخليج تموّل، والمخابرات الأميركية تدرب وتسلح.
لم يغير من هذا المشهد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى العام 1987 ولم يتم إرسال "الجهاديين" إلى حدود فلسطين التاريخية أو إلى لبنان لقتال الاحتلال الإسرائيلي الذي كان "جاثماً" على جنوبه، وبقي الإخوان مشغولين في حربهم "المقدسة" في أفغانستان.. وعندما كان البعض يذكّرهم بحقيقة أن فلسطين ولبنان أولى بالجهاد من أفغانستان، وأن الدولتين على بعد أمتار منهم، كان ردهم أن لا فرق بين أرض إسلامية وأرض إسلامية، وأن الأولوية لأفغانستان حيث "ظروف" الجهاد أكثر نضجاً.
اليوم يتكرر المشهد نفسه في سورية. الجهاديون يتم إرسالهم من كل بقاع العالم العربي للإطاحة بنظام الأسد، وبرعاية وتحريض من شيوخ الدين الإخوان وبتمويل خليجي وبتدريب أطلسي.
المسألة المحيرة حقاً، هي هذا التناقض العجيب في موقف الإخوان. من جهة هناك تحالف معلن بين الجهاديين والإخوان في سورية للإطاحة بنظام الأسد. ومن جهة أخرى يرغب الإخوان في مصر بتصفية الجهاديين في سيناء. كيف يمكن فهم هذا التناقض؟
هناك احتمالان. إما أن يكون الإخوان في مصر مختلفين عن الإخوان في المشرق العربي، وبالتالي ليسوا جزءاً من الحرب الطائفية الدموية التي يخوضها "جهاديو" سورية برعاية خليجية - أطلسية. وفي هذه الحالة لا يمكن الحديث عن تناقض في موقف إخوان مصر، ومثلما هو "حرام" وغير "مباح" قتل الجنود المصريين في سيناء، يصبح أيضاً "حرام" وغير "مباح" قتل الجنود السوريين. وهذا موقف لم نسمعه للأسف من إخوان مصر حتى الآن، ولم نسمعه من الإخوان بشكل عام.
أما الاحتمال الآخر، فهو أن الإخوان في مصر لديهم معايير مزدوجة. في سيناء يجب القضاء على "الجهاديين القتلة" ليس فقط لتعرضهم للجيش العربي - المصري، وإنما لمحاولتهم أيضاً توريط مصر في صراع مع إسرائيل. بينما في سورية، من المسموح به دعم "المجاهدين" والتحالف معهم، ليس فقط لأنهم يقاتلون للإطاحة بالنظام الدموي السوري، وإنما أيضاً، لأنهم ملتزمون بعدم إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل!.
إذا كان الاحتمال الثاني صحيحاً، فإن المقايضة الكبرى بين الإخوان والولايات المتحدة تصبح واضحة. مقابل عدم اعتراض الولايات المتحدة على استلام الإخوان للحكم في بلدان العالم العربي، بل وتسهيل ذلك لهم بمنع الجيوش العربية الموالية لأميركا من التدخل ضد الإخوان، يقوم الإخوان بمهمة محاصرة إيران عبر تدمير الدولة السورية أولاً ومن ثم حصار وتصفية حزب الله بافتعال حرب سنية - شيعية في لبنان. هذا هو المدخل لهزيمة إيران عسكرياً من قبل الولايات المتحدة وحلفائها دون أن تتعرض إسرائيل لطلقة واحدة.
يرعبنا أن يكون هذا الاحتمال صحيحاً. ونرغب في أن نصدق أن إخوان مصر مختلفون عن إخوان سورية الذين يخوضون حرباً مفتوحةً ضد الجيش والدولة السورية، ولا يمانعون ـ مثلما كتب مؤخراً ديفيد بولوك، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ـ في الحصول على السلاح من أي كان بما فيما ذلك إسرائيل. ويرعبنا هذا التجييش ضد الشيعة وحزب الله الذي يقوم به إخوان الأردن على الرغم من أن الأردن خالية من الشيعة.
قتل الجنود المصريين في سيناء جريمة بشعة، وما يجري في سورية جريمة أبشع لأن نتيجتها ستكون كارثة على العرب جميعاً. إنهم يحولون سورية إلى عراق كسيح آخر. يقول البعض إن ما يجري في سورية هو ثورة ضد نظام الأسد الدموي.. ربما كان ذلك صحيحاً في البداية، لكننا اليوم أمام مشهد مختلف. الذين يدربون "المجاهدين" معروفون، والذين يقومون بعملية التسليح معروفون، و"المجاهدون" في سورية: ليبيون، وتونسيون، ومصريون، وأردنيون، وكويتيون، وسعوديون، وفلسطينيون وآخرون أيضاً. هؤلاء لا يصنعون ثورة، بل فوضى.. هؤلاء لا يبنون دولة، ولكن يدمرونها.
ما جرى في سيناء جريمة تستحق العقاب والثأر مثلما تحدث الرئيس مرسي.. في المقابل، تدمير الجيش السوري وقتل قادته وأفراده، جريمة، وجريمة أكبر.
الثابت في جريمة سيناء، أن "الجهاديين" قد وجدوا في سيناء ملاذاً آمناً بسبب غياب سلطة الدولة المصرية عليها بعد اتفاقات (كامب ديفيد) التي منعت الجيش المصري من التواجد بالعدد والمعدات الكافية على حدود بلاده الشمالية - الشرقية، وهذا ما سهّل على "المجرمين" القيام بجريمتهم.
الثورة المصرية كان عليها أن تنتصر لغزة بفتح معبر رفح على مدار الساعة لإسقاط الحصار ولخلق مناخ يسمح بإغلاق الأنفاق التي لا تمر عبرها فقط مواد الحياة الضرورية لسكان غزة، ولكن أيضاً، مجموعات "جهادية" متطرفة لا ترى فرقاً بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي، "فجميعهم" كافر بحسب "الشيخ" الذي أصدر الفتوى.
على أن تبرئة الشعب الفلسطيني في غزة من مجزرة سيناء، وتبرئة "حماس" تقنياً منها أيضاً، لا يعني قطعاً أن الإخوان المسلمون لا يتحملون قسطاً مهماً مما جرى.
في مطلع ثمانينات القرن الماضي تخلّى الإخوان المسلمون عن القضية الفلسطينية لحساب معركة كانت قد بدأت بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في أفغانستان، وتحالفوا مع الأنظمة العربية والخليجية على وجه الخصوص لتصدير المجموعات "الجهادية" لأفغانستان لقتال "الكفار" السوفييت. وكانت المساجد تحشد المقاتلين برعاية شيوخ الإخوان في جميع الأقطار العربية، وكانت دول الخليج تموّل، والمخابرات الأميركية تدرب وتسلح.
لم يغير من هذا المشهد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى العام 1987 ولم يتم إرسال "الجهاديين" إلى حدود فلسطين التاريخية أو إلى لبنان لقتال الاحتلال الإسرائيلي الذي كان "جاثماً" على جنوبه، وبقي الإخوان مشغولين في حربهم "المقدسة" في أفغانستان.. وعندما كان البعض يذكّرهم بحقيقة أن فلسطين ولبنان أولى بالجهاد من أفغانستان، وأن الدولتين على بعد أمتار منهم، كان ردهم أن لا فرق بين أرض إسلامية وأرض إسلامية، وأن الأولوية لأفغانستان حيث "ظروف" الجهاد أكثر نضجاً.
اليوم يتكرر المشهد نفسه في سورية. الجهاديون يتم إرسالهم من كل بقاع العالم العربي للإطاحة بنظام الأسد، وبرعاية وتحريض من شيوخ الدين الإخوان وبتمويل خليجي وبتدريب أطلسي.
المسألة المحيرة حقاً، هي هذا التناقض العجيب في موقف الإخوان. من جهة هناك تحالف معلن بين الجهاديين والإخوان في سورية للإطاحة بنظام الأسد. ومن جهة أخرى يرغب الإخوان في مصر بتصفية الجهاديين في سيناء. كيف يمكن فهم هذا التناقض؟
هناك احتمالان. إما أن يكون الإخوان في مصر مختلفين عن الإخوان في المشرق العربي، وبالتالي ليسوا جزءاً من الحرب الطائفية الدموية التي يخوضها "جهاديو" سورية برعاية خليجية - أطلسية. وفي هذه الحالة لا يمكن الحديث عن تناقض في موقف إخوان مصر، ومثلما هو "حرام" وغير "مباح" قتل الجنود المصريين في سيناء، يصبح أيضاً "حرام" وغير "مباح" قتل الجنود السوريين. وهذا موقف لم نسمعه للأسف من إخوان مصر حتى الآن، ولم نسمعه من الإخوان بشكل عام.
أما الاحتمال الآخر، فهو أن الإخوان في مصر لديهم معايير مزدوجة. في سيناء يجب القضاء على "الجهاديين القتلة" ليس فقط لتعرضهم للجيش العربي - المصري، وإنما لمحاولتهم أيضاً توريط مصر في صراع مع إسرائيل. بينما في سورية، من المسموح به دعم "المجاهدين" والتحالف معهم، ليس فقط لأنهم يقاتلون للإطاحة بالنظام الدموي السوري، وإنما أيضاً، لأنهم ملتزمون بعدم إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل!.
إذا كان الاحتمال الثاني صحيحاً، فإن المقايضة الكبرى بين الإخوان والولايات المتحدة تصبح واضحة. مقابل عدم اعتراض الولايات المتحدة على استلام الإخوان للحكم في بلدان العالم العربي، بل وتسهيل ذلك لهم بمنع الجيوش العربية الموالية لأميركا من التدخل ضد الإخوان، يقوم الإخوان بمهمة محاصرة إيران عبر تدمير الدولة السورية أولاً ومن ثم حصار وتصفية حزب الله بافتعال حرب سنية - شيعية في لبنان. هذا هو المدخل لهزيمة إيران عسكرياً من قبل الولايات المتحدة وحلفائها دون أن تتعرض إسرائيل لطلقة واحدة.
يرعبنا أن يكون هذا الاحتمال صحيحاً. ونرغب في أن نصدق أن إخوان مصر مختلفون عن إخوان سورية الذين يخوضون حرباً مفتوحةً ضد الجيش والدولة السورية، ولا يمانعون ـ مثلما كتب مؤخراً ديفيد بولوك، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ـ في الحصول على السلاح من أي كان بما فيما ذلك إسرائيل. ويرعبنا هذا التجييش ضد الشيعة وحزب الله الذي يقوم به إخوان الأردن على الرغم من أن الأردن خالية من الشيعة.
قتل الجنود المصريين في سيناء جريمة بشعة، وما يجري في سورية جريمة أبشع لأن نتيجتها ستكون كارثة على العرب جميعاً. إنهم يحولون سورية إلى عراق كسيح آخر. يقول البعض إن ما يجري في سورية هو ثورة ضد نظام الأسد الدموي.. ربما كان ذلك صحيحاً في البداية، لكننا اليوم أمام مشهد مختلف. الذين يدربون "المجاهدين" معروفون، والذين يقومون بعملية التسليح معروفون، و"المجاهدون" في سورية: ليبيون، وتونسيون، ومصريون، وأردنيون، وكويتيون، وسعوديون، وفلسطينيون وآخرون أيضاً. هؤلاء لا يصنعون ثورة، بل فوضى.. هؤلاء لا يبنون دولة، ولكن يدمرونها.
ما جرى في سيناء جريمة تستحق العقاب والثأر مثلما تحدث الرئيس مرسي.. في المقابل، تدمير الجيش السوري وقتل قادته وأفراده، جريمة، وجريمة أكبر.
تعليق