إن جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين، وواجهتها السياسِية "حزب جبهة العمل الإسلامي"، تمثل الحركة الإسلامية الكبرى والرئيسة في الأردن، إلا أن ذلك لا ينفي وجود حركات إسلامية أخرى تنافس جماعة الإخوان في عمليات تقاسم النفوذ، ومشروعية تمثيل الاتجاه الإسلامي في الحياة العامة.
لقد بدأ النشاط الإسلامي في وقتٍ مبكرٍ من تاريخ الأردن المعاصر، وذلك عقب الاستقلال العام 1946، فقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين في العام نفسه، برعاية الملك عبدالله الأول، وبعد سنوات قليلة أسس الشيخ تقي الدين النبهاني "حزب التحرير الإسلامي"، إلا أن هذا الحزب فشل في الحصول على ترخيصٍ رسمي نظراً لإيديولوجيته المتشددة تجاه النظم السياسِية القائمة، وقد شارك كلا الحزبين في الانتخابات النيابية التي جرت العام 1956، وقد حصلا على عدد محدود من المقاعد في ظل المد اليساري والقومي.
أما الجماعات السلفية فقد بدأت بالظهور في بداية الثمانينيات عقب استقرار الشيخ ناصر الدين الألباني في الأردن، وتتميز السلفية الألبانية بالابتعاد عن العمل السياسي وما يترتب عليه من مبادئ ومفاهيم كالأحزاب، وقد شهدت العلاقة بين السلفية والإخوان تنافساً وصل إلى حد الصراع، في محاولةٍ لكسب الأنصار من خلال السيطرة على المساجد. فقد بدأت الدولة بإفساح المجال للسلفية من أجل إضعاف الإخوان.
بينما أخذت "السلفية الجِهادية" بالتنامي والانتشار منذ عقد التسعينيات، وذلك عقب عودة الجهاديين من أفغانستان، الذين بدأوا تنظيم صفوفهم، وباشروا بتنفيذ عدة عمليات مسلحة، وبدأ هذا الاتجاه الراديكالي يتبلور بصورةٍ أكثر وضوحاً مع بداية عام 1994 على يد أبو محمد المقدسي، وأبو مصعب الزرقاوي.
ولعل ما يميز هذه السلفية عن نظيرتها التقليدية ـ الألبانية ـ هو تكفير النظام السياسي، والعمل على الانقلاب عليه عن طريق العمل المسلح، وقد وصلت السلفية الجِهادية أوجها من خلال التحالف مع تنظيم القاعدة عقب احتلال العراق وبروز "الزرقاوي" كأميرٍ لفرع القاعدة في بلاد الرافدين، والذي تمكن من تنفيذ تفجيرات الفنادق في عمَّان بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وتمكنت هذه السلفية من استقطاب عددٍ من الذين كانوا يناصرون جماعة الإخوان.
ومن الجماعات التي عملت على منافسة الإخوان، مجموعة انشقت عن الجماعة 2001، وعملت على تأسيس حزب جديد باسم "حزب الوسط الإسلامي"، وتتميز العلاقة بين حزب الوسط والدولة بالثقة والتعاون، إلا أن هذا الحزب لا يتمتع في الوقت الراهن بشعبيةٍ تؤهلُه لمنافسة الإخوان، سواء على الصعيد الانتخابي، أو الأنشطة السياسِية المختلفة في النقابات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
لقد مرت علاقة الإخوان بمؤسسة الحكم بمراحل تاريخية متعددة، بدءاً من العلاقة الدافئة التي تميزت بالقرب والتحالف ضد مصادر التهديد المشتركة، والتي تمثلت بالقوى السياسِية اليسارية والقومية، وصولاً إلى مرحلة الافتراق والعداء منذ منتصف عقد التسعينيات، إذ يُشار إلى العلاقة المميزة التي ربطت بين النظام والإخوان في مرحلة التأسيس العام 1946، إلا أن ذلك لا ينفي وجود بعض الحذر في العلاقة بين الطرفين، خصوصاً عندما عارضت الجماعة دخول الأردن إلى "حلف بغداد" العام 1955.
ومن الجدير بالذكر أن الإخوان خلال مرحلة الخمسينيات والستينيات، لم يشكلوا خطراً وخصماً للنظام، وكانت القواسم المشتركة تجمع بين الطرفين في مواجهة الأخطار والتحديات المشتركة، وكانت الجماعة خلال هذه المرحلة تركزُ على العمل الاجتماعي والتربوي، والذي مكنَها من بناء مؤسسات أسهمت لاحقاً في تعزيز وجودهم وانتشارهم. إن فترة الخمسينيات والستينيات كانت بمثابة مرحلة التعريف والتأسيس والصعود الهادئ المتدرج لجماعة الإخوان في الأوساط الاجتماعية.
إن موقف الجماعة من الصراع والمواجهة العسكرية العنيفة بين النظام والفصائل الفلسطينية المسلحة، والتي حدثت السنة 1970، كان له دورٌ في تنامي الجماعة وصعودها؛ فقد اتخذت موقفاً حياديا تجاه الصراع، كان بمحصلته النهائية لمصلحة النظام، والذي عمل على توثيق العلاقة معها؛ حيث بدأ الإخوان بتوسيع دائرة نشاطهم لتشمل النقابات واتحادات الطلبة، وقاموا باستثمار الأموال المتدفقة من الخليج عقب الطفرة النفطية بشكلٍ مطردٍ، بإنشاء عددٍ من المؤسسات المتعددة الغايات، والتي أسهمت في زيادة الرصيد الشعبي للجماعة.
إلا أن العلاقةَ الدافئةَ بين الإخوانِ والنظام، شهدتْ تراجعاً في منتصف الثمانينيات، بسبب الأزمة بين الإخوان في سوريا ونظام البعث. وكان الأردن قد دعم الإخوان في البداية، إلا أن الأمور سرعان ما انقلبت عقب المصالحة بين النظامين الأردني والسوري، والتي جاءت على حساب الإخوان، فقد وجه الملك حسين العام 1985 رسالةً إلى رئيس وزرائه آنذاك، زيد الرفاعي، أظهرت بروز إرهاصات شرخٍ في العلاقة، و يبدو أن النظام بدأ ينظر إلى الإخوان كقوة سياسية تهدده.
في عام 1989 عادت الحياة النيابية إلى البلاد بعد انقطاع كبير، وقد أظهرت هذه الانتخابات قوة جماعة الإخوان المسلمين، فقد نجحت في الحصول على (22) مقعداً من أصل (80)، كما حصل عددٌ من الإسلاميين المستقلين على أربعة مقاعد أخرى، في مقابل فشل الجماعات اليسارية والقومية، التي لم تتمكن من الحصول سوى على مقاعد معدودة.
اتسمت العلاقة بين النظام والإخوان في عهد الملك عبدالله الثاني بتحولات بنيوية عميقة، ودفعت مرحلة انتقال الحكم إلى منح المقاربة الأمنية الدور الرئيسي في إدارة تفاصيل الشأن الداخلي، مما نقل "الملف الإخواني" من ملف سياسي يتولاه الملك شخصيا إلى ملف بيد الموظفين المسؤولين.
ولعل التحولَ الاستراتيجي جاء بقرار إخراج قادة حماس من الأردن العام 1999، وهي إشارةٌ واضحةٌ إلى أن الملك الجديد لا ينوي القيام بدورٍ استراتيجي في الضفة الغربية، ويؤشر على إيلاء الشأن الأردني الداخلي أهميةً قصوى.
وخلال الحكم الجديد تم تعطيل الحياة النيابية عامين كاملين: 2001 و2002، حيث أجلت الانتخابات بعد نهاية فترة المجلس النيابي الثالث عشر، وبدأت أزمات عديدة تظهر بين الإخوان والنظام على خلفية عددٍ من القضايا، تتعلق بالتضييق على الجماعة في المساجد والجامعات والنقابات وغيرها من المؤسسات السياسِية والمدنية والدينية.
وفرضتِ الظروفُ الدوليةُ والإقليميةُ وقائعَ جديدةً وأنماطَ علاقةٍ متغيرةٍ بين النظام والإخوان، فقد عملت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 على الدفع بعملية الإصلاح إلى الأمام، إلا أن احتلال العراق وتداعياته فرضت صفقةً ضمنيةً بين الطرفين، حيث شارك الإخوان في الانتخابات النيابية التي جرت العام 2003، وتمكنوا من الحصول على 17 مقعداً، واتجهت العلاقة إلى نوع من التهدئة، إلا أن فوز حركة حماس الكاسح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية العام 2006 فجرَ سؤالَ العلاقة والنوايا المتبادلة بصورةٍ سافِرَةٍ، ودفع بالعلاقة إلى حدودٍ غير مسبوقةٍ، وسيناريوهات وصلتْ إلى "خيار الطلاق".
وزاد من توتر العلاقة وصول زكي بني ارشيد إلى رئاسة جبهة العمل الإسلامي، والذي يعتبر مقرباً من "حماس"، كما أن تطورات الأزمة ـ لاحقاً بقرار الحكومة ـ وضع يدها على "جمعية المركز الإسلامي التابعة لجماعة الإخوان المسلمين" بذريعة وجود فسادٍ مالي وإداري، إلا أن الأبعاد السياسِية كانت واضحَةً؛ فالنظام كان يرى أن الجمعية تمثلُ مصدراً أساسيا لقوة الإخوان المالية، ومصدراً حيويا للتجنيد الحركي واكتساب القاعدة الجماهيرية.
بلغت مستوياتِ الأزمةِ ذروتها بين الإخوان والنظام من خلال اتهاماتٍ متبادلةٍ، كانت الانتخابات البلدية في أيلول/سبتمبر 2007 أبرز نقاط الاختلاف والنزاع، فقد سحب الإخوان مرشحيهم بعد ساعات من بدء الاقتراع، احتجاجاً على ما اعتبره الإخوان "تزويراً تجاوزَ الحدود"، بلغ ذروتَه مع "تصويت أفرادٍ من القوات المسلحة بصورةٍ علنية، أما المؤسسة الرسمية فقد باتت تنظر إلى الإخوان كخطرٍ حقيقي على الاستقرار السياسي، يشبه الظاهرة الخُمينية"، بل إن الرواية الرسمية بدأت تعتبر الإخوان "دولة داخل دولة"، وتضعهم في سياق المحور الإيراني السوري، وقد تعززت هذه الرؤية عقب سيطرة حماس على قطاع غزة، واتهام حماس باختراق جماعة الإخوان في الأردن.
إِن عملياتِ الفرزِ داخلَ الجماعة بين التيارين، أفرزت مقالتين: الأولى حملها تيار "الصقور"، الذي يرى أن الحكومات العربية جاهليةٌ ولا تمثل الإسلام، ولا تؤمن بالديموقراطية. بينما كان تيار "الحمائم" يرفع راية المشاركة السياسِية، ويؤمن بالنظام الديموقراطي، ومن أبرز الشخصيات الإخوانية الممثلة لتيار الصقور: محمد أبو فارس، ود.همام سعيد، وعبدالله عزام، وأحمد الكوفحي، وعلي العتوم، وعبدالمنعم أبو زنط. أما شخصيات الحمائم؛ فهي: د.إسحاق الفرحان، ود.عبداللطيف عربيات، ود.عبدالله العكايلة، ود.بسام العموش، وأحمد قطيش الأزايدة، وعبدالمجيد ذنيبات.
وعلى الرغم من هيمنة هذين التيارين لفترة طويلة، إلا أن فترة التسعينيات شهدت بروز تيارٍ ثالث، عُرِفَ بتيار الوسط، يتبنى موقفاً وسطاً، وتتلخص رؤية هذا التيار بالقبول بالديموقراطية، والإيمان بالمشاركة السياسِية كـ"الحمائم"، إلا أنه يرفض التماهي مع مؤسسة الحكم، ويعطي الأولوية للشأن الأردني الداخلي، ويعتبر كل من عماد أبو دية، وسالم الفلاحات، وجميل أبو بكر أبرز ممثلي هذا التيار.
لقد بدأ النشاط الإسلامي في وقتٍ مبكرٍ من تاريخ الأردن المعاصر، وذلك عقب الاستقلال العام 1946، فقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين في العام نفسه، برعاية الملك عبدالله الأول، وبعد سنوات قليلة أسس الشيخ تقي الدين النبهاني "حزب التحرير الإسلامي"، إلا أن هذا الحزب فشل في الحصول على ترخيصٍ رسمي نظراً لإيديولوجيته المتشددة تجاه النظم السياسِية القائمة، وقد شارك كلا الحزبين في الانتخابات النيابية التي جرت العام 1956، وقد حصلا على عدد محدود من المقاعد في ظل المد اليساري والقومي.
أما الجماعات السلفية فقد بدأت بالظهور في بداية الثمانينيات عقب استقرار الشيخ ناصر الدين الألباني في الأردن، وتتميز السلفية الألبانية بالابتعاد عن العمل السياسي وما يترتب عليه من مبادئ ومفاهيم كالأحزاب، وقد شهدت العلاقة بين السلفية والإخوان تنافساً وصل إلى حد الصراع، في محاولةٍ لكسب الأنصار من خلال السيطرة على المساجد. فقد بدأت الدولة بإفساح المجال للسلفية من أجل إضعاف الإخوان.
بينما أخذت "السلفية الجِهادية" بالتنامي والانتشار منذ عقد التسعينيات، وذلك عقب عودة الجهاديين من أفغانستان، الذين بدأوا تنظيم صفوفهم، وباشروا بتنفيذ عدة عمليات مسلحة، وبدأ هذا الاتجاه الراديكالي يتبلور بصورةٍ أكثر وضوحاً مع بداية عام 1994 على يد أبو محمد المقدسي، وأبو مصعب الزرقاوي.
ولعل ما يميز هذه السلفية عن نظيرتها التقليدية ـ الألبانية ـ هو تكفير النظام السياسي، والعمل على الانقلاب عليه عن طريق العمل المسلح، وقد وصلت السلفية الجِهادية أوجها من خلال التحالف مع تنظيم القاعدة عقب احتلال العراق وبروز "الزرقاوي" كأميرٍ لفرع القاعدة في بلاد الرافدين، والذي تمكن من تنفيذ تفجيرات الفنادق في عمَّان بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وتمكنت هذه السلفية من استقطاب عددٍ من الذين كانوا يناصرون جماعة الإخوان.
ومن الجماعات التي عملت على منافسة الإخوان، مجموعة انشقت عن الجماعة 2001، وعملت على تأسيس حزب جديد باسم "حزب الوسط الإسلامي"، وتتميز العلاقة بين حزب الوسط والدولة بالثقة والتعاون، إلا أن هذا الحزب لا يتمتع في الوقت الراهن بشعبيةٍ تؤهلُه لمنافسة الإخوان، سواء على الصعيد الانتخابي، أو الأنشطة السياسِية المختلفة في النقابات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
لقد مرت علاقة الإخوان بمؤسسة الحكم بمراحل تاريخية متعددة، بدءاً من العلاقة الدافئة التي تميزت بالقرب والتحالف ضد مصادر التهديد المشتركة، والتي تمثلت بالقوى السياسِية اليسارية والقومية، وصولاً إلى مرحلة الافتراق والعداء منذ منتصف عقد التسعينيات، إذ يُشار إلى العلاقة المميزة التي ربطت بين النظام والإخوان في مرحلة التأسيس العام 1946، إلا أن ذلك لا ينفي وجود بعض الحذر في العلاقة بين الطرفين، خصوصاً عندما عارضت الجماعة دخول الأردن إلى "حلف بغداد" العام 1955.
ومن الجدير بالذكر أن الإخوان خلال مرحلة الخمسينيات والستينيات، لم يشكلوا خطراً وخصماً للنظام، وكانت القواسم المشتركة تجمع بين الطرفين في مواجهة الأخطار والتحديات المشتركة، وكانت الجماعة خلال هذه المرحلة تركزُ على العمل الاجتماعي والتربوي، والذي مكنَها من بناء مؤسسات أسهمت لاحقاً في تعزيز وجودهم وانتشارهم. إن فترة الخمسينيات والستينيات كانت بمثابة مرحلة التعريف والتأسيس والصعود الهادئ المتدرج لجماعة الإخوان في الأوساط الاجتماعية.
إن موقف الجماعة من الصراع والمواجهة العسكرية العنيفة بين النظام والفصائل الفلسطينية المسلحة، والتي حدثت السنة 1970، كان له دورٌ في تنامي الجماعة وصعودها؛ فقد اتخذت موقفاً حياديا تجاه الصراع، كان بمحصلته النهائية لمصلحة النظام، والذي عمل على توثيق العلاقة معها؛ حيث بدأ الإخوان بتوسيع دائرة نشاطهم لتشمل النقابات واتحادات الطلبة، وقاموا باستثمار الأموال المتدفقة من الخليج عقب الطفرة النفطية بشكلٍ مطردٍ، بإنشاء عددٍ من المؤسسات المتعددة الغايات، والتي أسهمت في زيادة الرصيد الشعبي للجماعة.
إلا أن العلاقةَ الدافئةَ بين الإخوانِ والنظام، شهدتْ تراجعاً في منتصف الثمانينيات، بسبب الأزمة بين الإخوان في سوريا ونظام البعث. وكان الأردن قد دعم الإخوان في البداية، إلا أن الأمور سرعان ما انقلبت عقب المصالحة بين النظامين الأردني والسوري، والتي جاءت على حساب الإخوان، فقد وجه الملك حسين العام 1985 رسالةً إلى رئيس وزرائه آنذاك، زيد الرفاعي، أظهرت بروز إرهاصات شرخٍ في العلاقة، و يبدو أن النظام بدأ ينظر إلى الإخوان كقوة سياسية تهدده.
في عام 1989 عادت الحياة النيابية إلى البلاد بعد انقطاع كبير، وقد أظهرت هذه الانتخابات قوة جماعة الإخوان المسلمين، فقد نجحت في الحصول على (22) مقعداً من أصل (80)، كما حصل عددٌ من الإسلاميين المستقلين على أربعة مقاعد أخرى، في مقابل فشل الجماعات اليسارية والقومية، التي لم تتمكن من الحصول سوى على مقاعد معدودة.
اتسمت العلاقة بين النظام والإخوان في عهد الملك عبدالله الثاني بتحولات بنيوية عميقة، ودفعت مرحلة انتقال الحكم إلى منح المقاربة الأمنية الدور الرئيسي في إدارة تفاصيل الشأن الداخلي، مما نقل "الملف الإخواني" من ملف سياسي يتولاه الملك شخصيا إلى ملف بيد الموظفين المسؤولين.
ولعل التحولَ الاستراتيجي جاء بقرار إخراج قادة حماس من الأردن العام 1999، وهي إشارةٌ واضحةٌ إلى أن الملك الجديد لا ينوي القيام بدورٍ استراتيجي في الضفة الغربية، ويؤشر على إيلاء الشأن الأردني الداخلي أهميةً قصوى.
وخلال الحكم الجديد تم تعطيل الحياة النيابية عامين كاملين: 2001 و2002، حيث أجلت الانتخابات بعد نهاية فترة المجلس النيابي الثالث عشر، وبدأت أزمات عديدة تظهر بين الإخوان والنظام على خلفية عددٍ من القضايا، تتعلق بالتضييق على الجماعة في المساجد والجامعات والنقابات وغيرها من المؤسسات السياسِية والمدنية والدينية.
وفرضتِ الظروفُ الدوليةُ والإقليميةُ وقائعَ جديدةً وأنماطَ علاقةٍ متغيرةٍ بين النظام والإخوان، فقد عملت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 على الدفع بعملية الإصلاح إلى الأمام، إلا أن احتلال العراق وتداعياته فرضت صفقةً ضمنيةً بين الطرفين، حيث شارك الإخوان في الانتخابات النيابية التي جرت العام 2003، وتمكنوا من الحصول على 17 مقعداً، واتجهت العلاقة إلى نوع من التهدئة، إلا أن فوز حركة حماس الكاسح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية العام 2006 فجرَ سؤالَ العلاقة والنوايا المتبادلة بصورةٍ سافِرَةٍ، ودفع بالعلاقة إلى حدودٍ غير مسبوقةٍ، وسيناريوهات وصلتْ إلى "خيار الطلاق".
وزاد من توتر العلاقة وصول زكي بني ارشيد إلى رئاسة جبهة العمل الإسلامي، والذي يعتبر مقرباً من "حماس"، كما أن تطورات الأزمة ـ لاحقاً بقرار الحكومة ـ وضع يدها على "جمعية المركز الإسلامي التابعة لجماعة الإخوان المسلمين" بذريعة وجود فسادٍ مالي وإداري، إلا أن الأبعاد السياسِية كانت واضحَةً؛ فالنظام كان يرى أن الجمعية تمثلُ مصدراً أساسيا لقوة الإخوان المالية، ومصدراً حيويا للتجنيد الحركي واكتساب القاعدة الجماهيرية.
بلغت مستوياتِ الأزمةِ ذروتها بين الإخوان والنظام من خلال اتهاماتٍ متبادلةٍ، كانت الانتخابات البلدية في أيلول/سبتمبر 2007 أبرز نقاط الاختلاف والنزاع، فقد سحب الإخوان مرشحيهم بعد ساعات من بدء الاقتراع، احتجاجاً على ما اعتبره الإخوان "تزويراً تجاوزَ الحدود"، بلغ ذروتَه مع "تصويت أفرادٍ من القوات المسلحة بصورةٍ علنية، أما المؤسسة الرسمية فقد باتت تنظر إلى الإخوان كخطرٍ حقيقي على الاستقرار السياسي، يشبه الظاهرة الخُمينية"، بل إن الرواية الرسمية بدأت تعتبر الإخوان "دولة داخل دولة"، وتضعهم في سياق المحور الإيراني السوري، وقد تعززت هذه الرؤية عقب سيطرة حماس على قطاع غزة، واتهام حماس باختراق جماعة الإخوان في الأردن.
إِن عملياتِ الفرزِ داخلَ الجماعة بين التيارين، أفرزت مقالتين: الأولى حملها تيار "الصقور"، الذي يرى أن الحكومات العربية جاهليةٌ ولا تمثل الإسلام، ولا تؤمن بالديموقراطية. بينما كان تيار "الحمائم" يرفع راية المشاركة السياسِية، ويؤمن بالنظام الديموقراطي، ومن أبرز الشخصيات الإخوانية الممثلة لتيار الصقور: محمد أبو فارس، ود.همام سعيد، وعبدالله عزام، وأحمد الكوفحي، وعلي العتوم، وعبدالمنعم أبو زنط. أما شخصيات الحمائم؛ فهي: د.إسحاق الفرحان، ود.عبداللطيف عربيات، ود.عبدالله العكايلة، ود.بسام العموش، وأحمد قطيش الأزايدة، وعبدالمجيد ذنيبات.
وعلى الرغم من هيمنة هذين التيارين لفترة طويلة، إلا أن فترة التسعينيات شهدت بروز تيارٍ ثالث، عُرِفَ بتيار الوسط، يتبنى موقفاً وسطاً، وتتلخص رؤية هذا التيار بالقبول بالديموقراطية، والإيمان بالمشاركة السياسِية كـ"الحمائم"، إلا أنه يرفض التماهي مع مؤسسة الحكم، ويعطي الأولوية للشأن الأردني الداخلي، ويعتبر كل من عماد أبو دية، وسالم الفلاحات، وجميل أبو بكر أبرز ممثلي هذا التيار.