بقلم/ أيمن دلول
تصعيد جديد بدأه العدو الصهيوني هذه المرة بحق غزة، وكانت شرارة انطلاقه بحسبه يوم الاثنين الماضي الموافق 19-6-2012م، غير أن شرارة هذا التصعيد لم تكن بدأت لدى كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في ذات التاريخ، بل سبقت على ذلك بأوقات طويلة، غير أنها اختارت هذا التوقيت بعناية فائقة وبعد دراسة وتجهيز وتطوير.
"حماس" ومنذ أن تربعت على سدة الحُكم وباستمرار يطعنها الرافضون لسياستها بالتخلي عن المقاومة كأسلوب في تحرير الأرض والإنسان، لكنها باستمرار رفضت حديثهم وأكدت أنها تجهز وتستعد، وتعمل بصمت، وبين الفينة والأخرى تصيب العدو الصهيوني في مقتل.
لا أحد يختلف بأن الجولة الحالية من التصعيد كانت لصالح المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام على حساب المُحتل الصهيوني الذي وجد نفسه في مفاجأة من العيار الثقيل هذه المرة، فقد اعتبر "تال إفرام" مراسل إذاعة جيش الاحتلال للشئون العسكرية والأمنية في تعليقه على تطورات الوضع بغزة، أن المنظومة الأمنية للعدو الصهيوني وقعت في فخ نصبته لها كتائب القسام، مؤكدا أن الكيان الصهيوني من ناحية ليس معنيا في الوقت الحالي بتوسيع نطاق التصعيد، ومن ناحية أخرى لا يمكنه غض الطرف عما أسماه بتغيير حماس لسياستها بشكل جذري، فهي تحاول أن تخلق لنفسها معادلات جديدة في آلية ردها العسكري.
ويسرد المراسل مجموعة من الملاحظات على العمل العسكري الميداني لحماس خلال جولة التصعيد الحالية، ويحصرها في النقاط التالية:
1- لم تدخل حماس في مواجهة مع منظومة القبة الحديدية، ووجهت نيرانها على البلدات المتاخمة لحدود قطاع غزة، من منطلق مهاجمة أهداف عسكرية. وهذا يعني أنها كانت تريد مواجهة المنظومة العسكرية للعدو وليست المدنية (التي تستطيع الوصول إليها) بواسطة صواريخ الغراد.
2- قدرة "حماس" على إدارة العمليات العسكرية بانضباط وتنسيق عالي؛ مقارنةً بباقي المنظمات الفلسطينية.
3- قدرة مجموعات "حماس" العسكرية على القيام بعمليات إطلاق الصواريخ والقذائف، دون وقوع ضرر أو خسائر في صفوفها. فالصواريخ القسامية انطلقت باستمرار وزادت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، وطائرات الزنانة لم تغادر أجواء غزة، غير أن الزنانة كانت تُشاهد الصواريخ وهي تنطلق ولكنها لم ترصد أحدا ممن يُطلقها، وهذا أمر شكل ضربة معنوية كبيرة لمن يتحكم بتلك الزنانات، فهو وإن امتلك هذه التكنولوجيا التي يُفاخر بها العدو عواصم عالمية إلا أنه لم يستطع أن يستخدمها ضد مقاتلي "حماس" في جولة التصعيد الأخيرة.
إدارة القسام للميدان
بالعودة إلى الوراء قليلا نجد أن العدو الصهيوني وفي الوقت الذي يريده كان يقوم بعمليات تصعيد يقتل من خلالها من يشاء، ثم يدخل في تهدئة، وقبل أيام اتجه لسلوك جديد يتمثل في استهداف الفلسطينيين داخل أراضيهم الحدودية على بُعد مئات الأمتار، في محاولة منه لتشكيل حزام يحمي نفسه من خلاله. كانت المفاجأة قبل أيام حينما فجرت كتائب القسام عبوة في إحدى دباباته شرق خانيونس وأصابتها في مقتل، ويضاف إليها "قناص الرُعب" الذي بات باستمرار يستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وبالمحصلة، فقد انهزم العدو في خانيونس فأراد نقل المعركة إلى محافظات أخرى من قطاع غزة للعودة بمكاسب إلى جمهوره، ولكن لم يكن في حسبانه أن كتائب القسام بمقاتليها ستكون له بالمرصاد، فما الذي حدث؟؟.
استنفرت كتائب القسام مقاتليها ورفعت درجة التأهب إلى الدرجة الأولى في صفوفهم وبدأ كل منهم يأخذ مكانه بناء على التدريبات التي تلقاها على مدار سنوات ماضية "بينما طعنته فصائل أخرى في ظهره واتهمته بمغادرة ميدان الجهاد والمقاومة". بدأت ردود القسام وهجماته بشكل مُركز وبثبات منقطع النظير، بينما ساحة العدو شهدت مثالب كبيرة تمثلت في التالي:
1- عاش المغتصبون الصهاينة خلال الأيام الثلاثة للتصعيد رعبا كبيرا، وبدأت الانتقادات الداخلية لحكومة العدو بتقصيرها وفشلها في وقف صواريخ المقاومة الفلسطينية، فقد قالت صحيفة "معاريف" العبرية: "إن الحكومة تتجاهل سكان المناطق التي تقع في مدى 4.5 – 7 كلم عن حدود قطاع غزة التي تلقت معظم الضربات في جولة التصعيد ومن بينها كيبوتس (ريعيم)". ونقلت الصحيفة مشاهد مختلفة لمغتصبين صهاينة قضوا الأيام الثلاثة في غرف محصنة، حيث قالت إحدى المغتصبات التي قدمت إلى الغرفة المحصنة: "صحيح أن النوم هنا غير مريح كالمنزل, ولكن ليس بيدنا شيء نفعله فالحياة أكثر أهمية".
2- وبعنوان "الجنوب يشتعل.."، كتبت تحت هذا العنوان صحيفة "معاريف" العبرية في موقعها الالكتروني صباح الأربعاء: "إن الجيش (الإسرائيلي) قرر نشر أربعة بطاريات من منظومة القبة الحديدية خلال الليل لحماية مناطق الجنوب من الهجمات الصاروخية المنطلقة من قطاع غزة"، مشيرة إلى أن قرار نشر المنظومة جاء بعد النقاشات الأمنية التي جرت بمشاركة وزير جيش العدو "إيهود باراك" ورئيس هيئة أركانه الجنرال "بيني غانتس"، موضحة أن هذه المرة الأولى التي يتم فيها نشر أربع بطاريات من المنظومة في مناطق الجنوب. فقد اجتمعت قيادة العدو وقررت الاستعداد لاحتمالات التصعيد وفي مناطق مختلفة عن المرات السابقة.
3- وفي سياق الارتباك الذي أصاب الحياة العامة للكيان الصهيوني، فقد أعلنت بلدية عسقلان صباح الخميس عن تعطيل الدراسة في جميع مؤسسات التعليم بالمدينة على خلفية استمرار سقوط الصواريخ.
معادلة القسام تنجح
خلال أيام التصعيد المختلفة وبفضل الله تعالى لم تفقد كتائب القسام أيا من مقاتليها الذين أطلقوا خلال ثلاث أيام أكثر من مائة صاروخ وقذيفة، فالحفاظ على أرواح عناصرها نابع بالإضافة إلى العناية الربانية، من تدريب وتطوير للعناصر استمر لسنوات طويلة، وبالمحصلة، فالقسام لم تكن نائمة خلال الفترة الماضية وهذا هو البذر الذي زرعته يؤتي أُكله.
استمرت المحاولات من أطراف مختلفة أبرزها مصرية خلال أيام التصعيد لانتزاع تهدئة تُلبي طموح ورغبات العدو كما في المرات الماضية، وماطل العدو أكثر من مرة في محاولة للعودة إلى جمهوره بأي انجازات من خلال قتل قادة وعناصر أطلقوا الصواريخ، ولكن باءت محاولاته بالفشل، فالتهدئة جاءت هذه المرة بشروط آخر دفعة من الصواريخ أطلقت تمام الساعة 11:25 دقيقة من مساء الأربعاء بأيدي مجاهدي كتائب القسام.
وجاء بيان القسام في نهاية اليوم الثالث للمواجهة ليوجه رسائل في اتجاهات مختلفة تتمثل في التالي:
1- إخراس الألسُن الطويلة التي ترمي الناس بعيوبها هي، وبخاصة بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية التي لُوحظ عليها عدم الاتزان في التعامل بعدما وجدت القسام وحيدا في الساحة، وأرادت القسام إيصال رسالتها "إن المقاومة في طريقها الطويل تبقى في حالة من القتال أو الإعداد، وإن توقّف المعركة لا يعني سوى الاستعداد للمعركة القادمة لأن العدو غادر لا يعرف سوى لغة القوة".
2- أكدت القسام بأن مواجهتها للعدو الصهيوني في هذه الجولة كانت بالحد الأدنى من النيران والردود، وهي رسالة ينبغي على قادة الاحتلال أن يفهموها جيداً. والعدو يُدرك جيدا أن القسام لو أراد توسيع عملياته لكان ذلك سهلا عليه وما "بقعة الزيت" إلا خير برهان على ذلك.
3- أكدت القسام في بيانها أنها تعمل وفق خطط مدرسة وليس بشكل عشوائي، ففي التصعيد الذي سبق هذه المرة لم تتواجد على الساحة بالمستوى المطلوب وتركت باقي الفصائل تقول كلمتها، واليوم انفردت هي بالمواجهة، فخططتها تؤكد أن تنسيقا بات يصل لمستويات متقدمة بين القسام وباقي الفصائل الفلسطينية.
4- أكدت كتائب القسام على أنها تمتلك مقدرة على التفاوض والحوار حتى مع العدو، ولكن ذلك بوسائل إما بوسائط كالجانب المصري أو عبر "فوهة البندقية" وربما بالمزاوجة بين الأمرين.
المصدر: فلسطين الآن
تعليق