هنالك شيء مشترك بين سيرة حياة محطة الجزيرة وسيرة حياة الربيع العربي وسيرة حياة الدبابة الاسرائيلية "ميركافا" ..
فهذه المكونات الثلاثة الاسرائيلية الصنع والمتفوقة اصطدمت كلها بمواجهة قاسية مع "النظام السوري" الذي يشرف عليه الرئيس بشار الأسد الذي يسميه الثورجيون بـ " السفاح وقاتل الأبرياء " لأن الرئيس السوري هو من قتل الميركافا البريئة وهو من سفك دم الجزيرة البريئة ..وهو من نحر الربيع العربي البريء على بوابات الشام ..
هذه المنازلة الطاحنة مع السوريين أصابت الأشقاء الثلاثة الاسرئيليين بأضرار فادحة بشكل جلي .. وبجراح قاتلة لاشفاء منها .. فالميركافا الدبابة الاسرائيلية التي كانت مخصصة لاذلال الجيوش العربية تم اذلالها اذلالا مابعده اذلال في وادي الحجير ومعارك 2006 التي خاضها حزب الله بسلاح ودعم لامحدود قدمه له السوريون .. وتوقفت معامل السلاح الاسرائيلية عن انتاج الميركافا بعد تلك الهزيمة المذلة .. فلا مستقبل للميركافا بعد اليوم ..بوجود حسن نصر الله والرئيس بشار الأسد .. الا في "نادي الميركافا الحزين" والصورة التذكارية لميركافا لاتنسى وهي تلبس كتلة من النيران وتنفث الدخان الكثيف من خواصرها المتفجرة .. وتئن في وادي الحجير وسط جثث عشرات الدبابات
ضحية أخرى انضمت الى نادي الميركافا هي محطة الجزيرة وهي أيضا صناعة اسرائيلية نازلت نفس الخصم والعدو السوري وهاهي الآن بعد قصف وغارات متواصلة تحوم لاجراء هبوط اضطراري لاطيران بعده .. ولاشفاء من رضوضها وكسورها .. فالجزيرة التي صوبت مدافعها الثقيلة الى العقل العربي واصابته اصابات مباشرة مدمرة عبر قذائف الربيع العربي تعرضت لصدمة اللقاء مع الأزمة السورية التي أذلّت الجزيرة اذلالا وهتكت عرضها .. فرغم هجوم الجزيرة الشرس وغاراتها الشرسة الليلية وفي وضح النهار فان النظام السوري لم يسقط ..بل ان الجزيرة بهيبتها ومكانتها بدأت تترنح وكانت بداية نهايتها كأسطورة اعلامية مع أول اشتباك مع الأزمة السورية التي جعلت الجزيرة لاتعي نفسها الا وهي تسير بين الناس من غير ثياب .. وبالرغم من اصرار البعض على الانكار فان قناة الجزيرة بعد اليوم لاتستطيع ان تقول انها ذات الجزيرة التي تعرّف اليها الناس قبل عقد من الزمان والتي غرزت أنيابها الاسرائيلية في جسد العقيد ملك الملوك .. فاذا بأسنانها سقطت في ساحة السبع بحرات وساحة الأمويين..
ونستطيع القول بثقة أن الجزيرة بقيت متماسكة حتى دخلت التحدي مع الأزمة السورية .. وكان الصدام على الجبهة السورية الحادث المروع الذي هشم وجهها وكسر أنفها وأضافها الى نادي الميركافا الحزين .. والمعضلة التي تواجهها الجزيرة على مستوى العالم لم تعد بالهينة حتى الصحف الغربية صارت تتحدث عن الهزيمة المهينة التي تعرضت لها الجزيرة في الأزمة السورية بكشف لامهنيتها وزوال لون الأسطورة الاعلامية عنها .. ومهما قيل عن ثباتها ودورها فان القائمين على مشروع الجزيرة أنفسهم من خلال مايصلنا من كواليسهم صاروا يعرفون أن الجزيرة دخلت نهاية حقبتها ودخلت سن اليأس المبكر .. وصار حتى أكبر متابعيها يستمع لها مشغول البال مشوشا بسؤال كبير عن أخلاقية وسلامة الاطمئنان اليها .. أن أزمتها في العقل الباطن العربي صارت تشبه فتاة شرقية يباهي بها والدها (حمد) وأمها (موزة) بجمالها وبحسبها وبمالها وبدينها فيتسابق الشبان والجمهور والاعلاميون لخطبة يدها ليظفر العشاق بذات الدين التي تربّت على يد القرضاوي .. ولايكاد يخلو بيتها من العشاق والراغبين بالقرب ...الى أن يشيع بين الناس أنها شوهدت في خلوة مع شخص سيء السمعة .. وتكثر الشائعات ويقسم البعض أنه رآها في سريره والبعض الآخر يقول انها أجهضت سرا .. وصار أكثر المتحمسين للزواج بها مترددا ومشككا بطهارتها.
الجزيرة تنضم الى صديقتها الميركافا وانضمت بذلك الى نادي الميركافا الحزين وقدمت أوراق اعتمادها في مشهد اذلال عزمي بشارة مع أخيه الصغير علي الظفيري وشهادة وفاة وضاح خنفر بعد اخفاقه في المهمة السورية .. وتنتظرالميركافا والجزيرة أن ينضم اليهما شقيقهما الربيع العربي بكامله الذي صار الضحية الثالثة للرئيس بشار الأسد والشعب السوري ..ويقدم الربيع العربي أوراق اعتماده الى نادي الميركافا بصورة شهيرة وهي وصول كوفي عنان الى دمشق معلنا بذلك الاعتراف باستحالة اسقاط سورية واستحالة تحرك الناتو عسكريا ..
فرغم الحماس الذي يبديه البعض للربيع العربي والاستماتة في الدفاع عن انجازاته فان هذا الربيع لم يعد نفس الربيع الذي وصل منذ عام منذ أن دخل الى جسر الشغور وحماة وحمص ورجمه السوريون كما يرجم الزناة والقوادون..وهاهو يندحر على أبواب الشام كما اندحر نابليون بونابرت عن أسوار عكا.. رغم دخوله مصر منتصرا .
انني صرت ألمس في عيون المتحمسين للربيع العربي تهربا من النظر في عيني عند مواجهتهم بالأسئلة الصعبة .. وصرت أعرف يقينا أن هذا الربيع يسبب لهم حرجا في ذواتهم وفي أعماق ادراكهم .. وأدرك أن دفاعهم عنه في جزء منه هو الخوف من الاعتراف بأنهم حمقى عندما اندفعوا خلفه ورددوا شعاراته ... بل ان هناك تراجعات على مستوى بعض الكتاب الذين كتبوا المدائح فيه واليوم يكتبون في انتقاده بشكل خجول تمهيدا للانسحاب من مهرجاناته ..وربما للانقضاض عليه .. كعادتهم بالانقضاض على من يعتقدونه خاسرا.
رغم حملة العلاقات العامة وحفلات الاستقبال التي أقيمت على شرف هذا الربيع لم يعد هناك شك أنه لم يعد يحظى بنفس المودة والاحترام والثقة التي حظي بها لدى وصوله فجأة على غير انتظار عندما ترجل من القطار يحمل محفظته الجلدية الضخمة "كغجري ضائع العنوان" وكشخص طارئ مثير للاعجاب برشاقته وشبابه وتمرده ونزقه .. يرتدي ثياب الثوار ويتلفع بالحرية .. ويقدم نفسه على أن اسمه الربيع العربي .. وأن في حقيبته صورا للحرية ولوحات لحقوق الانسان ودساتير للحب بين الناس الذين علمتهم الديكتاتوريات الكراهية ..وقد قال انه جاء ليعالج الانسان الشرقي المقهور ويمسح العفن النفسي ببعض عطور التراث .. وجاء يدهن جلد الشرق النازف المتشقق بمراهم الانتخابات ليداويه من آثار سياط الديكتاتويات .. وقال انه يحمل الينا صناديق الاقتراع التي ستكون بردا وسلاما على قلوبنا المحترقة بحرائق الفساد ...
الزائر الغامض لم يعد يثير الارتياح فيما تتابعه العيون والأسئلة والشكوك حتى من قبل أولئك الذين انحنوا له وقبلوا يده كما يقبل اسماعيل هنية يد القرضاوي ..
بعد اذلال الميركافا والجزيرة سيكتب للسوريين الفضل في مواجهة الزائر الغامض وكشف أوراقه السرية والكشف أنه ابن لعلاقة غير شرعية بين امرأة اسمها الجزيرة ..وعشيقها برنار هنري ليفي .. الذي وطأها مرارا في ايباك وفي الرياض والدوحة ..
الشعوب العربية صار مطلوبا منها الآن بعد الدرس السوري أن تتوجه بالأسئلة الصعبة للربيع وأهل الربيع لأن تجاهل هذه الخطوة الاستدراكية هو الذي أخذنا من كارثة الى أخرى ومن ديكتاتورية الى أخرى ....فالديكتاتوريات تبدأ من هنا حيث لامحاكمات ولامراجعات ولاتراجعات عن الاخطاء بل تمجيد أعمى بالحدث مهما كان كارثيا .. ومن يرفض الاعتراف بالخطأ ليس الديكتاتوريات وحدها التي تلون كل أخطائها بالانكار أو بالأعذار ..بل الشعوب نفسها أيضا عندما تتجاهل الحقائق فانها تمارس نوعا من الانكار والقمع على الأسئلة الصعبة التاريخية لتعيد تصنيع الديكتاتورية.. الشعوب التي لاتجري مراجعات سريعة عاجلة لمشاريعها ستبقى تدفع ثمنا لانكارها وستبقى تنتقل من ديكتاتورية الى أخرى .. ومن خسارة الى أخرى .. فنحن أجيال تحمل معها هزائم الأجيال التي تليها لأنها لاتراجع أحداثها الكبرى وهزائمها السابقة .. وهذه من العيوب التي نكتشفها في الشخصية الشرقية التي لاتعترف بالخطأ بسرعة.. فالرئيس الراحل صدام حسين احتفل بأم المعارك رغم هزيمته ولكن المعارضة العراقية التي انتقدته احتفلت مثله ولاتزال بانتصارها وبمذبحة التحرير ودفن مليوني عراقي من أجل عيون صندوق الاقتراع ..ثم أعادت انتاج صدام حسين بكثافة ..دون أن تعترف بخطئها والثمن الباهظ الذي دفعه ملايين العراقيين ثمنا لمشروعها .
وفي الماضي استفاق جيل عربي على أعتاب القرن العشرين على صوت سنابك خيل لورنس العرب والشريف حسين وصرير قلمي السيدين سايكس وبيكو وهما يقطعان كالسكاكين صدر الشرق الى قطع .. ذلك الجيل لم يقم بمحاكمة ذلك العهد الا متأخرا جدا وخسردولته ولم يحاول تصحيح المسار ...ثم جاء جيل حضر مأساة النكبة ولم يفعل سوى انتظار جيل قادم حمل معه آثام النكسة .. وبعده جاء جيل التفكك وكامب ديفيد .. ثم جيل عاصفة الصحراء ..ثم جيل أوسلو ..ثم جيل القاعدة .. وأخيرا جيل الربيع العربي ...كارثة تلحق كارثة ..وقبر جماعي يتلوه قبر جماعي ...وكل جيل يحمل معه كارثة ولايعترف .. وقطار الانتحار العربي يصل الى محطة جديدة ..
البعض يقول ان الصمود السوري أعطانا فرصة نادرة لنملك الجرأة بأنه قد آن الأوان لنجلس مع هذا الربيع العربي جلسة مصارحة ومكاشفة بدل تبادل المجاملات والنفاق أو الاتهامات وبدل الانغماس في ملذات الحرية والديمقراطية "الخليجية" وامضاء الوقت في قرع الكؤوس بالكؤوس والسكر والثمل أو تبادل اللكمات .. لاضير من البوح واطلاق الهواجس واطلاق سراح الأسئلة التي سجنها الانبهار بالشعارات البراقة.. واذا لم يأت الربيع العربي لجلسة المصارحة فان علينا احضاره عنوة الى محاكمة علنية !!.
فماالذي تغير أيها الربيع؟ لاكامب ديفيد ألغيت ولاالغاز المصري توقف عن اسرائيل ولاحصار غزة توقف ولا الاسلاميون أعلنوا الجهاد على اسرائيل رغم مذبحة غزة الأخيرة .. بل يتسابق الثورجيون الى طلب بركات اسرائيل ولايجرؤ ثورجي واحد على اهانة اسرائيل والربيع العربي حوّل شباب ليبيا الى مقاتلين مشردين في الصحراء وعلى حدود النزاعات يقفون ببلاهة ويرفعون شارات النصرأمام عدسات المصورين ..وعلى ماذا انتصروا؟؟ ...فيما شباب ادلب وبابا عمرو صاروا يركبون سيارات الدفع الرباعي وينصبون مدافع الدوشكا عليها ليعيشوا معاناة أفغانستان .. أما شباب تونس فتولاهم عطار أبله حوّل تونس الى مقهى وكازينو لقمار المعارضة السورية..
لا الغرب ارتعدت فرائصه من الربيع العربي ولا المصالح الأمريكية تعرضت لاهتزاز .. ولاايباك دعت لاجتماع طارئ بسبب قلقها ولااسرائيل دعت الاحتياط ولا نتنياهو أمر بتحريك الرؤوس النووية.. بل على العكس منح الضباط والجنود الاسرائيليون اجازات طويلة وبعضهم وصل الى تونس وقطر للاستجمام وآخرون الى ليبيا بحجة أنهم خبراء في مكافحة الارهاب .. ولم يكترث الغرب بكل مافي الربيع العربي من لحى بل يفرك هذا الغرب يديه غبطة ويربت على كتف الربيع ويمشط له لحيته الكبيرة مجانا ..ويجري له جلسات المساج ..ويقدم له النبيذ الحلال والسيجار .
لم يثر الربيع العربي الا خوف الاوطان من هذا الربيع الملتحي ابن برنار هنري ليفي .. ولم تدمع الا عيون السلام الأهلي والوئام .. ولكن رغم سطوة هذا الربيع فانه لايخشى الا أن يلقى المصير الذي لقيته الميركافا على يد محور المقاومة .. فمن غضبت عليه الشام لن يفلح حتى وان نال رضى العالمين ...والأيام بيننا يا أبناء الربيع ..واسألوا كوفي عنان .. أو اسألوا ساركوزي ان شئتم ..وان أردتم شهادة بني عثمان فاسألوا المهندس داود أوغلو .. لكن لاتسألوا حمد بن جاسم لأنه مصاب باحباط شديد ..شديد جدا .. لأنه هو نفسه سينضم الى نادي الميركافا الحزين .. أما أبو متعب فلا تسألوه لأنه سيرحل قريبا كما يقال فلا تثقلوا عليه مواجع الرحيل ....ولا تذيقوه ذل الميركافا ولاذل الجزيرة ...في أيامه الأخيرة .
فهذه المكونات الثلاثة الاسرائيلية الصنع والمتفوقة اصطدمت كلها بمواجهة قاسية مع "النظام السوري" الذي يشرف عليه الرئيس بشار الأسد الذي يسميه الثورجيون بـ " السفاح وقاتل الأبرياء " لأن الرئيس السوري هو من قتل الميركافا البريئة وهو من سفك دم الجزيرة البريئة ..وهو من نحر الربيع العربي البريء على بوابات الشام ..
هذه المنازلة الطاحنة مع السوريين أصابت الأشقاء الثلاثة الاسرئيليين بأضرار فادحة بشكل جلي .. وبجراح قاتلة لاشفاء منها .. فالميركافا الدبابة الاسرائيلية التي كانت مخصصة لاذلال الجيوش العربية تم اذلالها اذلالا مابعده اذلال في وادي الحجير ومعارك 2006 التي خاضها حزب الله بسلاح ودعم لامحدود قدمه له السوريون .. وتوقفت معامل السلاح الاسرائيلية عن انتاج الميركافا بعد تلك الهزيمة المذلة .. فلا مستقبل للميركافا بعد اليوم ..بوجود حسن نصر الله والرئيس بشار الأسد .. الا في "نادي الميركافا الحزين" والصورة التذكارية لميركافا لاتنسى وهي تلبس كتلة من النيران وتنفث الدخان الكثيف من خواصرها المتفجرة .. وتئن في وادي الحجير وسط جثث عشرات الدبابات
ضحية أخرى انضمت الى نادي الميركافا هي محطة الجزيرة وهي أيضا صناعة اسرائيلية نازلت نفس الخصم والعدو السوري وهاهي الآن بعد قصف وغارات متواصلة تحوم لاجراء هبوط اضطراري لاطيران بعده .. ولاشفاء من رضوضها وكسورها .. فالجزيرة التي صوبت مدافعها الثقيلة الى العقل العربي واصابته اصابات مباشرة مدمرة عبر قذائف الربيع العربي تعرضت لصدمة اللقاء مع الأزمة السورية التي أذلّت الجزيرة اذلالا وهتكت عرضها .. فرغم هجوم الجزيرة الشرس وغاراتها الشرسة الليلية وفي وضح النهار فان النظام السوري لم يسقط ..بل ان الجزيرة بهيبتها ومكانتها بدأت تترنح وكانت بداية نهايتها كأسطورة اعلامية مع أول اشتباك مع الأزمة السورية التي جعلت الجزيرة لاتعي نفسها الا وهي تسير بين الناس من غير ثياب .. وبالرغم من اصرار البعض على الانكار فان قناة الجزيرة بعد اليوم لاتستطيع ان تقول انها ذات الجزيرة التي تعرّف اليها الناس قبل عقد من الزمان والتي غرزت أنيابها الاسرائيلية في جسد العقيد ملك الملوك .. فاذا بأسنانها سقطت في ساحة السبع بحرات وساحة الأمويين..
ونستطيع القول بثقة أن الجزيرة بقيت متماسكة حتى دخلت التحدي مع الأزمة السورية .. وكان الصدام على الجبهة السورية الحادث المروع الذي هشم وجهها وكسر أنفها وأضافها الى نادي الميركافا الحزين .. والمعضلة التي تواجهها الجزيرة على مستوى العالم لم تعد بالهينة حتى الصحف الغربية صارت تتحدث عن الهزيمة المهينة التي تعرضت لها الجزيرة في الأزمة السورية بكشف لامهنيتها وزوال لون الأسطورة الاعلامية عنها .. ومهما قيل عن ثباتها ودورها فان القائمين على مشروع الجزيرة أنفسهم من خلال مايصلنا من كواليسهم صاروا يعرفون أن الجزيرة دخلت نهاية حقبتها ودخلت سن اليأس المبكر .. وصار حتى أكبر متابعيها يستمع لها مشغول البال مشوشا بسؤال كبير عن أخلاقية وسلامة الاطمئنان اليها .. أن أزمتها في العقل الباطن العربي صارت تشبه فتاة شرقية يباهي بها والدها (حمد) وأمها (موزة) بجمالها وبحسبها وبمالها وبدينها فيتسابق الشبان والجمهور والاعلاميون لخطبة يدها ليظفر العشاق بذات الدين التي تربّت على يد القرضاوي .. ولايكاد يخلو بيتها من العشاق والراغبين بالقرب ...الى أن يشيع بين الناس أنها شوهدت في خلوة مع شخص سيء السمعة .. وتكثر الشائعات ويقسم البعض أنه رآها في سريره والبعض الآخر يقول انها أجهضت سرا .. وصار أكثر المتحمسين للزواج بها مترددا ومشككا بطهارتها.
الجزيرة تنضم الى صديقتها الميركافا وانضمت بذلك الى نادي الميركافا الحزين وقدمت أوراق اعتمادها في مشهد اذلال عزمي بشارة مع أخيه الصغير علي الظفيري وشهادة وفاة وضاح خنفر بعد اخفاقه في المهمة السورية .. وتنتظرالميركافا والجزيرة أن ينضم اليهما شقيقهما الربيع العربي بكامله الذي صار الضحية الثالثة للرئيس بشار الأسد والشعب السوري ..ويقدم الربيع العربي أوراق اعتماده الى نادي الميركافا بصورة شهيرة وهي وصول كوفي عنان الى دمشق معلنا بذلك الاعتراف باستحالة اسقاط سورية واستحالة تحرك الناتو عسكريا ..
فرغم الحماس الذي يبديه البعض للربيع العربي والاستماتة في الدفاع عن انجازاته فان هذا الربيع لم يعد نفس الربيع الذي وصل منذ عام منذ أن دخل الى جسر الشغور وحماة وحمص ورجمه السوريون كما يرجم الزناة والقوادون..وهاهو يندحر على أبواب الشام كما اندحر نابليون بونابرت عن أسوار عكا.. رغم دخوله مصر منتصرا .
انني صرت ألمس في عيون المتحمسين للربيع العربي تهربا من النظر في عيني عند مواجهتهم بالأسئلة الصعبة .. وصرت أعرف يقينا أن هذا الربيع يسبب لهم حرجا في ذواتهم وفي أعماق ادراكهم .. وأدرك أن دفاعهم عنه في جزء منه هو الخوف من الاعتراف بأنهم حمقى عندما اندفعوا خلفه ورددوا شعاراته ... بل ان هناك تراجعات على مستوى بعض الكتاب الذين كتبوا المدائح فيه واليوم يكتبون في انتقاده بشكل خجول تمهيدا للانسحاب من مهرجاناته ..وربما للانقضاض عليه .. كعادتهم بالانقضاض على من يعتقدونه خاسرا.
رغم حملة العلاقات العامة وحفلات الاستقبال التي أقيمت على شرف هذا الربيع لم يعد هناك شك أنه لم يعد يحظى بنفس المودة والاحترام والثقة التي حظي بها لدى وصوله فجأة على غير انتظار عندما ترجل من القطار يحمل محفظته الجلدية الضخمة "كغجري ضائع العنوان" وكشخص طارئ مثير للاعجاب برشاقته وشبابه وتمرده ونزقه .. يرتدي ثياب الثوار ويتلفع بالحرية .. ويقدم نفسه على أن اسمه الربيع العربي .. وأن في حقيبته صورا للحرية ولوحات لحقوق الانسان ودساتير للحب بين الناس الذين علمتهم الديكتاتوريات الكراهية ..وقد قال انه جاء ليعالج الانسان الشرقي المقهور ويمسح العفن النفسي ببعض عطور التراث .. وجاء يدهن جلد الشرق النازف المتشقق بمراهم الانتخابات ليداويه من آثار سياط الديكتاتويات .. وقال انه يحمل الينا صناديق الاقتراع التي ستكون بردا وسلاما على قلوبنا المحترقة بحرائق الفساد ...
الزائر الغامض لم يعد يثير الارتياح فيما تتابعه العيون والأسئلة والشكوك حتى من قبل أولئك الذين انحنوا له وقبلوا يده كما يقبل اسماعيل هنية يد القرضاوي ..
بعد اذلال الميركافا والجزيرة سيكتب للسوريين الفضل في مواجهة الزائر الغامض وكشف أوراقه السرية والكشف أنه ابن لعلاقة غير شرعية بين امرأة اسمها الجزيرة ..وعشيقها برنار هنري ليفي .. الذي وطأها مرارا في ايباك وفي الرياض والدوحة ..
الشعوب العربية صار مطلوبا منها الآن بعد الدرس السوري أن تتوجه بالأسئلة الصعبة للربيع وأهل الربيع لأن تجاهل هذه الخطوة الاستدراكية هو الذي أخذنا من كارثة الى أخرى ومن ديكتاتورية الى أخرى ....فالديكتاتوريات تبدأ من هنا حيث لامحاكمات ولامراجعات ولاتراجعات عن الاخطاء بل تمجيد أعمى بالحدث مهما كان كارثيا .. ومن يرفض الاعتراف بالخطأ ليس الديكتاتوريات وحدها التي تلون كل أخطائها بالانكار أو بالأعذار ..بل الشعوب نفسها أيضا عندما تتجاهل الحقائق فانها تمارس نوعا من الانكار والقمع على الأسئلة الصعبة التاريخية لتعيد تصنيع الديكتاتورية.. الشعوب التي لاتجري مراجعات سريعة عاجلة لمشاريعها ستبقى تدفع ثمنا لانكارها وستبقى تنتقل من ديكتاتورية الى أخرى .. ومن خسارة الى أخرى .. فنحن أجيال تحمل معها هزائم الأجيال التي تليها لأنها لاتراجع أحداثها الكبرى وهزائمها السابقة .. وهذه من العيوب التي نكتشفها في الشخصية الشرقية التي لاتعترف بالخطأ بسرعة.. فالرئيس الراحل صدام حسين احتفل بأم المعارك رغم هزيمته ولكن المعارضة العراقية التي انتقدته احتفلت مثله ولاتزال بانتصارها وبمذبحة التحرير ودفن مليوني عراقي من أجل عيون صندوق الاقتراع ..ثم أعادت انتاج صدام حسين بكثافة ..دون أن تعترف بخطئها والثمن الباهظ الذي دفعه ملايين العراقيين ثمنا لمشروعها .
وفي الماضي استفاق جيل عربي على أعتاب القرن العشرين على صوت سنابك خيل لورنس العرب والشريف حسين وصرير قلمي السيدين سايكس وبيكو وهما يقطعان كالسكاكين صدر الشرق الى قطع .. ذلك الجيل لم يقم بمحاكمة ذلك العهد الا متأخرا جدا وخسردولته ولم يحاول تصحيح المسار ...ثم جاء جيل حضر مأساة النكبة ولم يفعل سوى انتظار جيل قادم حمل معه آثام النكسة .. وبعده جاء جيل التفكك وكامب ديفيد .. ثم جيل عاصفة الصحراء ..ثم جيل أوسلو ..ثم جيل القاعدة .. وأخيرا جيل الربيع العربي ...كارثة تلحق كارثة ..وقبر جماعي يتلوه قبر جماعي ...وكل جيل يحمل معه كارثة ولايعترف .. وقطار الانتحار العربي يصل الى محطة جديدة ..
البعض يقول ان الصمود السوري أعطانا فرصة نادرة لنملك الجرأة بأنه قد آن الأوان لنجلس مع هذا الربيع العربي جلسة مصارحة ومكاشفة بدل تبادل المجاملات والنفاق أو الاتهامات وبدل الانغماس في ملذات الحرية والديمقراطية "الخليجية" وامضاء الوقت في قرع الكؤوس بالكؤوس والسكر والثمل أو تبادل اللكمات .. لاضير من البوح واطلاق الهواجس واطلاق سراح الأسئلة التي سجنها الانبهار بالشعارات البراقة.. واذا لم يأت الربيع العربي لجلسة المصارحة فان علينا احضاره عنوة الى محاكمة علنية !!.
فماالذي تغير أيها الربيع؟ لاكامب ديفيد ألغيت ولاالغاز المصري توقف عن اسرائيل ولاحصار غزة توقف ولا الاسلاميون أعلنوا الجهاد على اسرائيل رغم مذبحة غزة الأخيرة .. بل يتسابق الثورجيون الى طلب بركات اسرائيل ولايجرؤ ثورجي واحد على اهانة اسرائيل والربيع العربي حوّل شباب ليبيا الى مقاتلين مشردين في الصحراء وعلى حدود النزاعات يقفون ببلاهة ويرفعون شارات النصرأمام عدسات المصورين ..وعلى ماذا انتصروا؟؟ ...فيما شباب ادلب وبابا عمرو صاروا يركبون سيارات الدفع الرباعي وينصبون مدافع الدوشكا عليها ليعيشوا معاناة أفغانستان .. أما شباب تونس فتولاهم عطار أبله حوّل تونس الى مقهى وكازينو لقمار المعارضة السورية..
لا الغرب ارتعدت فرائصه من الربيع العربي ولا المصالح الأمريكية تعرضت لاهتزاز .. ولاايباك دعت لاجتماع طارئ بسبب قلقها ولااسرائيل دعت الاحتياط ولا نتنياهو أمر بتحريك الرؤوس النووية.. بل على العكس منح الضباط والجنود الاسرائيليون اجازات طويلة وبعضهم وصل الى تونس وقطر للاستجمام وآخرون الى ليبيا بحجة أنهم خبراء في مكافحة الارهاب .. ولم يكترث الغرب بكل مافي الربيع العربي من لحى بل يفرك هذا الغرب يديه غبطة ويربت على كتف الربيع ويمشط له لحيته الكبيرة مجانا ..ويجري له جلسات المساج ..ويقدم له النبيذ الحلال والسيجار .
لم يثر الربيع العربي الا خوف الاوطان من هذا الربيع الملتحي ابن برنار هنري ليفي .. ولم تدمع الا عيون السلام الأهلي والوئام .. ولكن رغم سطوة هذا الربيع فانه لايخشى الا أن يلقى المصير الذي لقيته الميركافا على يد محور المقاومة .. فمن غضبت عليه الشام لن يفلح حتى وان نال رضى العالمين ...والأيام بيننا يا أبناء الربيع ..واسألوا كوفي عنان .. أو اسألوا ساركوزي ان شئتم ..وان أردتم شهادة بني عثمان فاسألوا المهندس داود أوغلو .. لكن لاتسألوا حمد بن جاسم لأنه مصاب باحباط شديد ..شديد جدا .. لأنه هو نفسه سينضم الى نادي الميركافا الحزين .. أما أبو متعب فلا تسألوه لأنه سيرحل قريبا كما يقال فلا تثقلوا عليه مواجع الرحيل ....ولا تذيقوه ذل الميركافا ولاذل الجزيرة ...في أيامه الأخيرة .
تعليق