د. احمد يوسف : ارحموا غزة من "انطلاقات" الفصائل.. بدلا من البذخ قدموا الأموال للبلديات التي تعاني من ضيق ذات اليد
لماذا كل هذه الجلبة والمبالغة في مظاهر البذخ والقوة كلما أطلت علينا انطلاقة فصيل.؟! وهل نحن حقيقة بحاجة لكل هذه الزحوف التي يريد لها أصحابها إيصال رسالة للآخرين بأن لهم جمعاً أو أنهم هم الأكثر جمعا..!! أليس من الأجدى ونحن نعاني من التآمر والحصار أن نتخفف من أشكال الزهو واحتفالات ليس لها مرجعية وقرار؟!
أسئلة تجري على ألسنة الكثيرين ولا يبدو أن أحداً – من ملوك الفصائل - يملك الجرأة للإجابة عليها.
في أغسطس 2006 كتب د. غازي حمد مقالاً بعنوان "ارحموا غزة"، معلقاً على ظواهر الفوضى والتسيب والفلتان الأمني بلغة مليئة بمشاعر الألم والحرص على الوطن.. أثار المقال حينها ردود فعل متعددة الاتجاهات، وطال الكاتب الكثير من المدح والقدح، ولكن المقال ظل يتفاعل داخل الساحة الفلسطينية، وأصبح حديث المجالس، وكتبت عنه الصحافة الأجنبية وعن الجدل الدائر حوله.. وبعد ثلاث سنوات، كتب حسام الدجني مقالاً تحت نفس العنوان، ولكن بالإشارة إلى ظواهر سلبية أخرى استشرت داخل الشارع الفلسطيني.. واليوم أجدني أعاود النداء الذي أطلقه - قبل عدة سنوات - الأخوان غازي وحسام، وإن كان مضمونه يتعرض لظاهرة سلبية آخذة في التوسع والانتشار، وتتحمل مسئوليتها كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي، ألا وهي تفشي ظاهرة "الانطلاقات" الفصائلية، والتي غدت حالة مزعجة لاستعراض "الأنا" الحزبية على الآخر، باعتبار أن فزعة الانطلاقة هي بمثابة الشهادة للفصيل بحقه في القول: "أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا"..!!
المطلوب تضحيات وليس "انطلاقات"
غطت انطلاقات الفصائل على مناسباتنا الوطنية وذكرى مآسينا الكبرى، حتى غدت ذكريات المجازر والنكبات تمر فلا يتوقف عندها أحد ولا يلتفت لها فصيل، لأن الميزانيات يتم ادخارها لليلة عرس الفصائل ولقياداتها وكوادرها وللتجهيزات التي تتطلبها الزفة في يوم الانطلاقة "المجيدة"؛ أعلام وشعارات وبوسترات وكتابات تملأ الجدران تشيد بالانجازات "الكلامية" الفارغة لقيادات الفصيل والتي لا تتجاوز ظهور إعلامي وكلمات منمقة ولعنات على المحتل الغاصب على شاكلة مقولة ذلك الإعرابي والتي ذهبت مثلاً: "أوسعته شتماً وأودى بالإبل".
لقد ناشدنا إخواننا في فصائل العمل الوطني والإسلامي أن يرحمونا ويرحموا غزة التي تئن تحت وطأة الاحتلال والحصار والفقر والبطالة وشح المياه والقطع المتواصل للكهرباء، وتتوجع بنيتها التحتية من تفجر أحشائها التي تزكم الأنوف، وتسيل أنهاراً عكرة تأبى حتى القطط "الجربانة" الاقتراب منها.
نهتف في هذه "الانطلاقات" بحناجر تهتز لها الساحات وترتج معها جدران الملاعب، ونتغنى بالبطولات والأمجاد ونصدح بماضينا التليد، ويتصدر رؤساء الفصائل منصات الاحتفال، وكأن الواحد منهم الظاهر بيبرس أو القائد صلاح الدين جاءنا بالفتح المبين، وهو في حقيقته ليس إلا حنجرة تصدح بكلمات تدغدغ مشاعر الناس وتتلاعب بعواطفهم، يأتي الواحد منهم منتصب القامة يمشي ملكاً وقد زينت له البطانة الشوارع والساحات باليافطات التي تحمل صوره وشعارات حزبه، وينسى في لحظات التجلي والانتشاء أن المحتل الغاصب للوطن بالمرصاد، وأن كل يوم يمر يتوسع فيه الاستيطان، كما أن إجراءات التهويد في المدينة المقدسة تمضي على قدم وساق.
أوجاع وصرخات ألم
ارحموا غزة وقدموا هذه الأموال للبلديات التي تعاني من ضيق ذات اليد، وتشكو من عجز الإمكانيات وقفر الميزانيات، وتتحمل لعنات الناس الذين تحاصرهم أكوام النفايات والمجاري السائبة بمشاهدها المقززة ورائحتها الكريهة.
ارحموا غزة وأهلها من جلجلة "ميكروفونات" الحشد للانطلاقة والنفير لساحات "شوفيني يا بنت خال..."، حيث تتعطل الحياة ليظهر الفصيل في "يوم مشهود" يباهي الآخرين بجمعه الذي يحجب عين الشمس براياته وبالوناته وفرقعات ألعابه النارية.
ارحموا غزة وعائلاتها المكلومة بشهدائها وجرحاها وآلاف المعاقين من أبنائها.
ارحموا غزة التي أنهكت البطالة جيوب أهلها، وعشرات الآلاف من الخريجين لا يجدون فرصة عمل تحفظ لهم كرامتهم وتمنح مستقبلهم بصيص أمل.
أرحموا غزة التي لا تنقطع شكوى مستشفياتها من نقص الدواء وتعطل الأجهزة والمعدات وقلة المختصين وأصحاب الخبرات.
أرحموا غزة وتذكروا أن من منحوكم ثقتهم وأدلوا بأصواتهم لكم هي مقابل أن تحفظوا لهم ثغور الوطن وحدوده، وأن تجمعوا الشمل وأن تكونوا عند حسن ظنهم بكم، فلا تحرفوا البوصلة وسددوا وقاربوا.
ارحمونا وارحموا شباب غزة من صنميّة الانطلاقات والرايات والأهازيج الفصائلية لأن هناك من غدا يتعبّدها، ويطلب الموت على مذبحها..!!
وأخيراً؛ ارحمونا وارحموا غزة من عبثية الانطلاقات، فإن "من لا يرحم الناس لا يرحم".
نحن لا ننكر على الفصائل أن تحتفل بانطلاقاتها ولكن كل شيء بقدر، فنحن وضعيتنا أشبه ببيت عزاء، وهذا يتطلب أن نُراعي مشاعر شعبنا المحاصر، والذي لا يجد بعض أهله خشاش الأرض لإسكات جوعة أحشائه.
غزة: تناكر الألوان والنشيد
ارحموا غزة وحرروا سماءها من تلك الأعلام التي غطّت فضائها وعكّرت زُرقتها، أعيدوا لجدران غزة صدقها وطهارتها، فقد ملأتها الشعارات المفرطة والادعاءات الكاذبة بعد أن كانت لوحات شرف تحكي بطولات المقاومة ومآثر الشهداء.. كفى تهريجاً واستغفالاً لهذا الشعب، ومن أراد أن يُظهر عدده وعدته فهذه هي الحدود وأرض الجدود وجنود الاحتلال تقف منا جميعاً على مرمى حجر.
أتمنى أن يكون يوم انطلاقة الفصيل يوم عمل من أجل الوطن والقضية.. يا حبذا لو قام كل فصيل بحملة للنظافة العامة في ذلك اليوم، وخرجت كوادره وقياداته تجوب الشوارع بمعدات النظافة لخلق مشهدٍ للوطن خالٍ من القمامة ومسطحات المياه السائبة.
أتمنى أن تكون الانطلاقة القادمة لفصائلنا العشرين مناسبة ليس للهتافات والشعارات، بل يوم عمل وطني تتشابك فيه الأيادي، ونعيش معهم في مشهد يوم جميل للوطن، ونقول: "بوركت هذه السواعد، وبورك هذا العطاء".
أتمنى في الانطلاقات القادمة أن نرى د. زكريا الأغا والأخ محمد الهندي والرفيق جميل المجدلاوي يقودون حشودهم ليس لساحات الكتيبة أو ملعب اليرموك بل إلى وقفات على الحدود لممارسة بعض فعاليات المقاومة الشعبية، التي أصبحت أحد قناعاتنا وأساليبنا النضالية.
وختاماً؛ أقول لإخوتي في فتح وحماس أنتم الأوعى سياسياً والأوسع انتشاراً على ساحة العمل الوطني، فعليكما تقع المسئولية في توجيه طاقات شعبنا وشبابنا؛ فالمعركة مع المحتل لم تنته بعد، فنحن ما نزال في أول الطريق وإن بدت ملامح النصر تلوح في الأفق وتتلألأ ثقة في الوجدان.
نأمل أن تكون انطلاقات الفصائل القادمة تحركات سلمية باتجاه الحدود مع المحتل الغاصب تطالب بحق العودة في سياق ما نتحدث عنه من أفعال المقاومة الشعبية.
آمل أن تفهمونا الآن، حتى لا تخطئوا ويأتي الفهم بعد فوات الأوان.
لماذا كل هذه الجلبة والمبالغة في مظاهر البذخ والقوة كلما أطلت علينا انطلاقة فصيل.؟! وهل نحن حقيقة بحاجة لكل هذه الزحوف التي يريد لها أصحابها إيصال رسالة للآخرين بأن لهم جمعاً أو أنهم هم الأكثر جمعا..!! أليس من الأجدى ونحن نعاني من التآمر والحصار أن نتخفف من أشكال الزهو واحتفالات ليس لها مرجعية وقرار؟!
أسئلة تجري على ألسنة الكثيرين ولا يبدو أن أحداً – من ملوك الفصائل - يملك الجرأة للإجابة عليها.
في أغسطس 2006 كتب د. غازي حمد مقالاً بعنوان "ارحموا غزة"، معلقاً على ظواهر الفوضى والتسيب والفلتان الأمني بلغة مليئة بمشاعر الألم والحرص على الوطن.. أثار المقال حينها ردود فعل متعددة الاتجاهات، وطال الكاتب الكثير من المدح والقدح، ولكن المقال ظل يتفاعل داخل الساحة الفلسطينية، وأصبح حديث المجالس، وكتبت عنه الصحافة الأجنبية وعن الجدل الدائر حوله.. وبعد ثلاث سنوات، كتب حسام الدجني مقالاً تحت نفس العنوان، ولكن بالإشارة إلى ظواهر سلبية أخرى استشرت داخل الشارع الفلسطيني.. واليوم أجدني أعاود النداء الذي أطلقه - قبل عدة سنوات - الأخوان غازي وحسام، وإن كان مضمونه يتعرض لظاهرة سلبية آخذة في التوسع والانتشار، وتتحمل مسئوليتها كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي، ألا وهي تفشي ظاهرة "الانطلاقات" الفصائلية، والتي غدت حالة مزعجة لاستعراض "الأنا" الحزبية على الآخر، باعتبار أن فزعة الانطلاقة هي بمثابة الشهادة للفصيل بحقه في القول: "أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا"..!!
المطلوب تضحيات وليس "انطلاقات"
غطت انطلاقات الفصائل على مناسباتنا الوطنية وذكرى مآسينا الكبرى، حتى غدت ذكريات المجازر والنكبات تمر فلا يتوقف عندها أحد ولا يلتفت لها فصيل، لأن الميزانيات يتم ادخارها لليلة عرس الفصائل ولقياداتها وكوادرها وللتجهيزات التي تتطلبها الزفة في يوم الانطلاقة "المجيدة"؛ أعلام وشعارات وبوسترات وكتابات تملأ الجدران تشيد بالانجازات "الكلامية" الفارغة لقيادات الفصيل والتي لا تتجاوز ظهور إعلامي وكلمات منمقة ولعنات على المحتل الغاصب على شاكلة مقولة ذلك الإعرابي والتي ذهبت مثلاً: "أوسعته شتماً وأودى بالإبل".
لقد ناشدنا إخواننا في فصائل العمل الوطني والإسلامي أن يرحمونا ويرحموا غزة التي تئن تحت وطأة الاحتلال والحصار والفقر والبطالة وشح المياه والقطع المتواصل للكهرباء، وتتوجع بنيتها التحتية من تفجر أحشائها التي تزكم الأنوف، وتسيل أنهاراً عكرة تأبى حتى القطط "الجربانة" الاقتراب منها.
نهتف في هذه "الانطلاقات" بحناجر تهتز لها الساحات وترتج معها جدران الملاعب، ونتغنى بالبطولات والأمجاد ونصدح بماضينا التليد، ويتصدر رؤساء الفصائل منصات الاحتفال، وكأن الواحد منهم الظاهر بيبرس أو القائد صلاح الدين جاءنا بالفتح المبين، وهو في حقيقته ليس إلا حنجرة تصدح بكلمات تدغدغ مشاعر الناس وتتلاعب بعواطفهم، يأتي الواحد منهم منتصب القامة يمشي ملكاً وقد زينت له البطانة الشوارع والساحات باليافطات التي تحمل صوره وشعارات حزبه، وينسى في لحظات التجلي والانتشاء أن المحتل الغاصب للوطن بالمرصاد، وأن كل يوم يمر يتوسع فيه الاستيطان، كما أن إجراءات التهويد في المدينة المقدسة تمضي على قدم وساق.
أوجاع وصرخات ألم
ارحموا غزة وقدموا هذه الأموال للبلديات التي تعاني من ضيق ذات اليد، وتشكو من عجز الإمكانيات وقفر الميزانيات، وتتحمل لعنات الناس الذين تحاصرهم أكوام النفايات والمجاري السائبة بمشاهدها المقززة ورائحتها الكريهة.
ارحموا غزة وأهلها من جلجلة "ميكروفونات" الحشد للانطلاقة والنفير لساحات "شوفيني يا بنت خال..."، حيث تتعطل الحياة ليظهر الفصيل في "يوم مشهود" يباهي الآخرين بجمعه الذي يحجب عين الشمس براياته وبالوناته وفرقعات ألعابه النارية.
ارحموا غزة وعائلاتها المكلومة بشهدائها وجرحاها وآلاف المعاقين من أبنائها.
ارحموا غزة التي أنهكت البطالة جيوب أهلها، وعشرات الآلاف من الخريجين لا يجدون فرصة عمل تحفظ لهم كرامتهم وتمنح مستقبلهم بصيص أمل.
أرحموا غزة التي لا تنقطع شكوى مستشفياتها من نقص الدواء وتعطل الأجهزة والمعدات وقلة المختصين وأصحاب الخبرات.
أرحموا غزة وتذكروا أن من منحوكم ثقتهم وأدلوا بأصواتهم لكم هي مقابل أن تحفظوا لهم ثغور الوطن وحدوده، وأن تجمعوا الشمل وأن تكونوا عند حسن ظنهم بكم، فلا تحرفوا البوصلة وسددوا وقاربوا.
ارحمونا وارحموا شباب غزة من صنميّة الانطلاقات والرايات والأهازيج الفصائلية لأن هناك من غدا يتعبّدها، ويطلب الموت على مذبحها..!!
وأخيراً؛ ارحمونا وارحموا غزة من عبثية الانطلاقات، فإن "من لا يرحم الناس لا يرحم".
نحن لا ننكر على الفصائل أن تحتفل بانطلاقاتها ولكن كل شيء بقدر، فنحن وضعيتنا أشبه ببيت عزاء، وهذا يتطلب أن نُراعي مشاعر شعبنا المحاصر، والذي لا يجد بعض أهله خشاش الأرض لإسكات جوعة أحشائه.
غزة: تناكر الألوان والنشيد
ارحموا غزة وحرروا سماءها من تلك الأعلام التي غطّت فضائها وعكّرت زُرقتها، أعيدوا لجدران غزة صدقها وطهارتها، فقد ملأتها الشعارات المفرطة والادعاءات الكاذبة بعد أن كانت لوحات شرف تحكي بطولات المقاومة ومآثر الشهداء.. كفى تهريجاً واستغفالاً لهذا الشعب، ومن أراد أن يُظهر عدده وعدته فهذه هي الحدود وأرض الجدود وجنود الاحتلال تقف منا جميعاً على مرمى حجر.
أتمنى أن يكون يوم انطلاقة الفصيل يوم عمل من أجل الوطن والقضية.. يا حبذا لو قام كل فصيل بحملة للنظافة العامة في ذلك اليوم، وخرجت كوادره وقياداته تجوب الشوارع بمعدات النظافة لخلق مشهدٍ للوطن خالٍ من القمامة ومسطحات المياه السائبة.
أتمنى أن تكون الانطلاقة القادمة لفصائلنا العشرين مناسبة ليس للهتافات والشعارات، بل يوم عمل وطني تتشابك فيه الأيادي، ونعيش معهم في مشهد يوم جميل للوطن، ونقول: "بوركت هذه السواعد، وبورك هذا العطاء".
أتمنى في الانطلاقات القادمة أن نرى د. زكريا الأغا والأخ محمد الهندي والرفيق جميل المجدلاوي يقودون حشودهم ليس لساحات الكتيبة أو ملعب اليرموك بل إلى وقفات على الحدود لممارسة بعض فعاليات المقاومة الشعبية، التي أصبحت أحد قناعاتنا وأساليبنا النضالية.
وختاماً؛ أقول لإخوتي في فتح وحماس أنتم الأوعى سياسياً والأوسع انتشاراً على ساحة العمل الوطني، فعليكما تقع المسئولية في توجيه طاقات شعبنا وشبابنا؛ فالمعركة مع المحتل لم تنته بعد، فنحن ما نزال في أول الطريق وإن بدت ملامح النصر تلوح في الأفق وتتلألأ ثقة في الوجدان.
نأمل أن تكون انطلاقات الفصائل القادمة تحركات سلمية باتجاه الحدود مع المحتل الغاصب تطالب بحق العودة في سياق ما نتحدث عنه من أفعال المقاومة الشعبية.
آمل أن تفهمونا الآن، حتى لا تخطئوا ويأتي الفهم بعد فوات الأوان.
تعليق