الممكن سأل المستحيل: أين تسكن؟
فأجاب: في أحلام العاجزين
(طاغور)
أن تشرب أنت السم وتنتظر أن يموت خصمك به، هذا هو طعم الطبق الرئيسي في اجتماعات المناضلين المتقاعدين في هذا الزمن الرديء في اجترار الذكريات الجميلة في ذلك الزمن الجميل .
كثيرة هي ملفات المتقاعدين طوعاً، والمتقاعدين قسراً، والمتقاعدين سناً، والمتقاعدين سقوطاً لعدم الصلاحية، الاستنتاج المتفق عليه هو أن غربال الثورة الفلسطينية كان واسع الثقوب، بحيث يسمح بنفاد المناضل الحقيقي والمناصر المخلص والنفعي والانتهازي والجاسوس، إنه غربال فاقد الصلاحية وليس مثل غربال الثورتين الفيتنامية والجزائرية، هناك كان الشرط الأول لكي تكون مناضلاً هو أنه تعطي الثورة لا أن تأخذ منها .
تتوالى ذكريات الزمن الجميل (1950-1971) عنفوان الشباب، شعارات الخلاص الجماعي، المشروع القومي الوحداوي، استسهال تقليد نموذج التوحيد القسري: إيطاليا غاريبالدي وألمانيا بسمارك . إيطاليا توحدت بالقوة العسكرية البحتة، ألمانيا توحدت بالقوة والاقتصاد والتعليم، مدحوا بسمارك بقولهم: “أنت وحدت ألمانيا”، فقال “الذي وحدها هو السكك الحديدية (الاقتصاد)، وبمعلم مدرسة هزمنا فرنسا (التربية والتعليم)” .
كانت أحلام العنفوان تطغى على كل الذكريات، وتنتهي بشتم الزمن الرديء ورموزه .
كل مرة تتكر نفس الأحاديث وتجري رشوة الذات بأن الانتقادات هي بديل العمل اليومي .
سأل أحدهم مرة: يا جماعة، كل جلساتنا متشابهة فلنجرب أن نبدأ بأحاديث جديدة . . ما العمل الآن؟ ماذا نستطيع أن نفعل، لقد سقطت الأحزاب وتشرذمت، وتغولت أجهزة الدولة فاخترقت الاتحادات والجمعيات الأهلية والنقابات وأفسدتها .
لقد استشرست أجهزة الأمن في الدولة القطرية، وغيرت طبيعة عملها من مراقبة العدو، إلى ملاحقة المناضلين والتجسس عليهم ومحاربتهم في أرزاقهم، انتقل عملها من مراقبة الخارج إلى مراقبة الداخل .
أحدهم اقترح بهدوء: يجب أن لا نسترسل كثيراً في الشكوى والنقد السافر للأوضاع الداخلية في الوطن أمام أولادنا وبناتنا، فكأننا نقول لهم: هاجروا . . أوطانكم طاردة فابحثوا عن أوطان جاذبة .
اقترح أحدهم: على الأقل فلنبحث عن اقتراحات إيجابية نعطيها للآخرين إن كنا عاجزين عن تنفيذها بأنفسنا، لا أن نتكلم كثيراً ولا نقول شيئاً، فكثرة الكلام دليل على قلة معناه .
حلقات الانتهازيين شعارها: (أفضل أن أكون انتهازياً وأعوم، على أن أغرق ومبادئي ملتفة حول عنقي) .
حلقات نقد العسكر شعارها: (لا تشتر كلباً إذا كنت ستقوم بالنباح)، لقد تسرعنا كثيراً عندما استدعينا العسكر ليقوموا بانقلابهم لاستلام السلطة لصالحنا، ولكن العسكر تذوقوا طعم الحكم فالتصقوا بالكرسي واستخدموا أحزابهم كمطايا أيديولوجية للبقاء في الحكم والتمسك بضنائمه بأسنانهم، وقاموا بعسكرة الحكم المدني وإرهاب الجماهير، وقد دفع صلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث العربي في سوريا حياته ثمناً لذلك، إذ أعلن أنه سيكتب سلسلة مقالات عن عسكرة المدينة في صحيفته التي أنشأها في باريس، فتم اغتياله (88 سنة) هناك قبل أن يباشر الكتابة .
وفي مصر، عندما قتل الرئيس السادات، نصح دبلوماسي أمريكي قائلاً: “على حاكم مصر أن يكون عسكرياً يرتدي عباءة دينية . . الجزمة العسكرية للحكم، والعباءة للتمويه” .
حلقات الساقطين الانتهازيين كانت تتغنى بالواقعية، حيث مدوا أياديهم للجهات العربية “الرجعية” التي كانوا يشتمونها، والآن أصبحوا من حملة مباخرها، فعندما عُوتب أحدهم بأنه أصبح عميلاً مفضوحاً أجاب: “إن الدولار في جيبي لا يقرصني) .
العراق وفلسطين هدفان “طريان” للنقد الجارح والمرارة ذات العلقم ضد أمريكا التي مزقت العراق، ودمرته وحققت هدفيها الكبيرين: “النفط وإسرائيل” .
“في فلسطين حفرتان كبيرتان: الضفة وغزة، في الضفة سياسة من دون أظافر، وفي غزة أظافر من دون سياسة”، كلتاهما في سلة واحدة، وحماس الممانعة تنزلق من دون أن تدري لكي تصبح “فتح تحت التمرين” .
محزنة تلك الأحلام الممكنة عندما تتحول إلى أحلام يقظة، ومريرة أحلام اليقظة عندما تتحول إلى أحلام ممنوعة . . لأن الأحلام الممنوعة هي أسوأ أنواع المخدرات .
فأجاب: في أحلام العاجزين
(طاغور)
أن تشرب أنت السم وتنتظر أن يموت خصمك به، هذا هو طعم الطبق الرئيسي في اجتماعات المناضلين المتقاعدين في هذا الزمن الرديء في اجترار الذكريات الجميلة في ذلك الزمن الجميل .
كثيرة هي ملفات المتقاعدين طوعاً، والمتقاعدين قسراً، والمتقاعدين سناً، والمتقاعدين سقوطاً لعدم الصلاحية، الاستنتاج المتفق عليه هو أن غربال الثورة الفلسطينية كان واسع الثقوب، بحيث يسمح بنفاد المناضل الحقيقي والمناصر المخلص والنفعي والانتهازي والجاسوس، إنه غربال فاقد الصلاحية وليس مثل غربال الثورتين الفيتنامية والجزائرية، هناك كان الشرط الأول لكي تكون مناضلاً هو أنه تعطي الثورة لا أن تأخذ منها .
تتوالى ذكريات الزمن الجميل (1950-1971) عنفوان الشباب، شعارات الخلاص الجماعي، المشروع القومي الوحداوي، استسهال تقليد نموذج التوحيد القسري: إيطاليا غاريبالدي وألمانيا بسمارك . إيطاليا توحدت بالقوة العسكرية البحتة، ألمانيا توحدت بالقوة والاقتصاد والتعليم، مدحوا بسمارك بقولهم: “أنت وحدت ألمانيا”، فقال “الذي وحدها هو السكك الحديدية (الاقتصاد)، وبمعلم مدرسة هزمنا فرنسا (التربية والتعليم)” .
كانت أحلام العنفوان تطغى على كل الذكريات، وتنتهي بشتم الزمن الرديء ورموزه .
كل مرة تتكر نفس الأحاديث وتجري رشوة الذات بأن الانتقادات هي بديل العمل اليومي .
سأل أحدهم مرة: يا جماعة، كل جلساتنا متشابهة فلنجرب أن نبدأ بأحاديث جديدة . . ما العمل الآن؟ ماذا نستطيع أن نفعل، لقد سقطت الأحزاب وتشرذمت، وتغولت أجهزة الدولة فاخترقت الاتحادات والجمعيات الأهلية والنقابات وأفسدتها .
لقد استشرست أجهزة الأمن في الدولة القطرية، وغيرت طبيعة عملها من مراقبة العدو، إلى ملاحقة المناضلين والتجسس عليهم ومحاربتهم في أرزاقهم، انتقل عملها من مراقبة الخارج إلى مراقبة الداخل .
أحدهم اقترح بهدوء: يجب أن لا نسترسل كثيراً في الشكوى والنقد السافر للأوضاع الداخلية في الوطن أمام أولادنا وبناتنا، فكأننا نقول لهم: هاجروا . . أوطانكم طاردة فابحثوا عن أوطان جاذبة .
اقترح أحدهم: على الأقل فلنبحث عن اقتراحات إيجابية نعطيها للآخرين إن كنا عاجزين عن تنفيذها بأنفسنا، لا أن نتكلم كثيراً ولا نقول شيئاً، فكثرة الكلام دليل على قلة معناه .
حلقات الانتهازيين شعارها: (أفضل أن أكون انتهازياً وأعوم، على أن أغرق ومبادئي ملتفة حول عنقي) .
حلقات نقد العسكر شعارها: (لا تشتر كلباً إذا كنت ستقوم بالنباح)، لقد تسرعنا كثيراً عندما استدعينا العسكر ليقوموا بانقلابهم لاستلام السلطة لصالحنا، ولكن العسكر تذوقوا طعم الحكم فالتصقوا بالكرسي واستخدموا أحزابهم كمطايا أيديولوجية للبقاء في الحكم والتمسك بضنائمه بأسنانهم، وقاموا بعسكرة الحكم المدني وإرهاب الجماهير، وقد دفع صلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث العربي في سوريا حياته ثمناً لذلك، إذ أعلن أنه سيكتب سلسلة مقالات عن عسكرة المدينة في صحيفته التي أنشأها في باريس، فتم اغتياله (88 سنة) هناك قبل أن يباشر الكتابة .
وفي مصر، عندما قتل الرئيس السادات، نصح دبلوماسي أمريكي قائلاً: “على حاكم مصر أن يكون عسكرياً يرتدي عباءة دينية . . الجزمة العسكرية للحكم، والعباءة للتمويه” .
حلقات الساقطين الانتهازيين كانت تتغنى بالواقعية، حيث مدوا أياديهم للجهات العربية “الرجعية” التي كانوا يشتمونها، والآن أصبحوا من حملة مباخرها، فعندما عُوتب أحدهم بأنه أصبح عميلاً مفضوحاً أجاب: “إن الدولار في جيبي لا يقرصني) .
العراق وفلسطين هدفان “طريان” للنقد الجارح والمرارة ذات العلقم ضد أمريكا التي مزقت العراق، ودمرته وحققت هدفيها الكبيرين: “النفط وإسرائيل” .
“في فلسطين حفرتان كبيرتان: الضفة وغزة، في الضفة سياسة من دون أظافر، وفي غزة أظافر من دون سياسة”، كلتاهما في سلة واحدة، وحماس الممانعة تنزلق من دون أن تدري لكي تصبح “فتح تحت التمرين” .
محزنة تلك الأحلام الممكنة عندما تتحول إلى أحلام يقظة، ومريرة أحلام اليقظة عندما تتحول إلى أحلام ممنوعة . . لأن الأحلام الممنوعة هي أسوأ أنواع المخدرات .
تعليق