تعالت صيحات الأطفال بفرحٍ تُعلن عن قدوم والدتهم من السوق, التف الجميع حول أكياس الملابس الجديدة والكل في انتظار معانقة الجميل الجديد، وقبل أن تستريح الأم من عناء الطريق شرعت بحبٍ تُوزع على كل طفل من أطفالها ما اشترته له.
ضحكاتٌ تتوالى وشهقاتٌ إعجاب تملأ المكان وفجأة صدح في المكان صوت بكاء وتذمر.. اقتربت الأم من الصوت الصادر عن طفلها أحمد ذي السبعة أعوام وقبل أن تبادره بالسؤال عما أصابه صرخ بأعلى درجات تأففه: 'لا أريد هذا القميص.. ولن ألبسه.. أبدليه بآخر'.
وبرغم محاولات إقناع والدته وإخـوته بأن القميص جميل ومقاسه مُلائم وأن السوق بعيد فإن الدموع والتنهدات كانت سيدة الموقف..
سألته الأم بأسى 'لماذا يا حبيبي لا تريده؟!' رفع أحمد بصره إليها وتمتم بامتعاض: 'لأن لـونه أصفـر.. أصفــر يا ماما'.
لم تكن الأم بحاجة إلى مزيدٍ من التفسير فكلمة 'أصفر' اختصرت كل الإجابات، فطفلها لا يريد لونا يُطابق لون راية حركة 'فتح'.. وهو القاطن في بيتٍ يكسوه اللون الأخضر عن اليمين والشمال وهو لون راية حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
أم أحمد قالت: 'بت ألحظ على أطفالي في الأيام القليلة الماضية، خاصة بعد الاقتتال الأخير بين فتح وحماس، أنهم يُكثرون من الحديث في مسألة الألوان وتصنيفها.. غير أنني لم أتصور أن تصل الدرجة إلى رفض ابني أن يرتدي ما هو أصفر'.
وأحمد هو حالة من بين عشرات الأطفال باتوا يعيشون أزمة ألوان ما بين الأخضر وهو لون راية حماس المُزينة بعبارة التوحيد والأصفر لون راية حركة فتح المُزينة بشعار العاصفة.
حلوى خضراء ودمى فتحاوية
داخل إحدى محلات بيع الأطفال رفض الطفل سامي 10 سنوات اقتناء لعبة صغيرة الحجم برغم اعترافه بجمال شكلها وأدائها وعلل عدم قبوله قائلا: 'لا أحب اللون الأخضر، أريدها صفراء، الأخضر حماس والأصفر فتح وأنا لست حمساويا'.
صاحب المحل لفت إلى أن أغلب الأطفال باتوا يختارون ألعابهم وفق اللون وقال: 'الطفل الذي تناصر أسرته حماس وتنتمي إليها يُسارع إلى شراء الألعاب ذات اللون الأخضر ويرفض الصفراء والعكس، فالطفل الذي تنتمي وتناصر أسرته حركة فتح يتلهف لاقتناء الألعاب ذات اللون الأصفر ويرفض الخضراء'.
ويروي ضاحكا: 'طفلة لم تتجاوز الخامسة كانت بصحبة والدها نظرت بالأمس إلى الألعاب وصرخت هيا نخرج.. كل الدمى فتحاوية'.
'عامان' فقط ما يبلغه الطفل مصطفى نظر إلى قطع وحبيبات الحلوى التي قدمتها إليه ابنة عمه بازدراء رغم شغفه بطعمها وهز رأسه: 'هادي أصفرا (أصفر) أنا بدي (أريد) أخضرا'.
ولم تتمالك ابنة العم نفسها من التبسم بدهشة ضاربة كفا بكف وقالت: 'حتى أنت تعرف قصة الأصفر والأخضر'.
سألون الشجر
وتشترط سلمى ثمانية أعوام على والدتها بعدم إدخال اللون الأخضر إلى البيت وأن تقتني أدواتها القرطاسية (المدرسية) واحتياجات البيت ذات اللون الأصفر أو مشتقاته فقط..
وعن السبب تقول سلمى: 'أصحاب اللون الأخضر (حماس) لا يحبون لوننا الأصفر، وبالتالي نحن لا نحب لونهم ولا نحبهم.. وأتمنى دوما أن أقتني الأصفر فقط'.
أما شقيقها ياسر فكان أكثر حدة في تمنياته وقال: 'الشجر في بيتنا وفي الشارع وفي كل مكان أود لو ألونه بالأصفر'.
وبسخرية علت نبرات صوته سأل عدي (10 سنوات) عمته المؤيدة وبشدة لحماس: 'يا للهول؟! أتستخدمين لشعرك شامبو (سائل منظف للشعر) أصفر، لونيه بالأخضر'.
وبرغم مكوثها أربع سنوات في بلدٍ أوروبية بعيدا عما يجري في فلسطين فإن عدوى أزمة الألوان انتقلت إلى الطفلة نورا (6 أعوام) بل ذهبت إلى ما هو أبعد لرفضها للون الأصفر، حيث اقترحت تبديل 'تنوين الفتح' إلى تنوين 'حماس'.
ثقافة خطيرة
ومحذرا من هذه الظاهرة وتناميها في نفوس الأطفال وداخل المجتمع الفلسطيني رأى الدكتور 'فضل أبو هين'، مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة، أن السياسة انتقلت إلى عقر دار الفلسطينيين وأن الأحداث الأخيرة الدامية والاشتباكات الداخلية التي شهدها قطاع غزة سيطرت على عقول الأطفال وباتت تنام وتصحو معهم، بحد قوله.
وأوضح أبو هين أن الطفل جزء من الواقع لا ينفصل عنه إطلاقا وقال: 'الأسرة والبيئة المحيطة بالطفل هي من تغرس حب أو كره الألوان.. فالبيت عندما يكره الفصيل يمقت كل صلة به، اسمه ولونه، وبالتالي ينعكس هذا على نفسية الطفل ويبدأ في التمييز بين ما يحب ويكره'.
وأشار إلى أن الأسرة لا ينفك حديثها عن فتح وحماس، خاصة الآباء، واعتبر أن هذا التمييز يدق ناقوس الخطر ويؤسس لثقافة التعصب والتناحر، وتابع: 'بدلا من أن تتوحد شخصيتنا وهويتنا خلف علمنا الفلسطيني أخذنا نقسمه إلى ألوان يُخاصم كل لون الآخر'.
ورفض أبو هين ما يُقال: إن الأطفال لا يميزون، وإنهم يُرددون كلاما وحسب، وقال: 'الطفل يدرك جيدا على أية أرضية يقف.. ويعي ما يرمز إليه اللون الأخضر واللون الأصفر ويتعامل مع الاتجاهات السياسية التي تُرمى إليه، فالطفل الذي يعيش في بيئة (حماس) يرفض طفل (فتح) والعكس...'.
وحذر من تداعيات رفض الألوان، وقال: 'كارثة ألا يتقبل الأطفال في سن الروضة بعضهم البعض لأن هذا من أصحاب اللون الأخضر وذاك من أصحاب اللون الأصفر.. هذه ثقافة تؤسس لتعصب شديد ولكراهية تمهد لحرب أهلية، فالحرب لا تأتي جملة واحدة، هي تراكمات وتنفجر.. وطفل اليوم رجل الغد'.
وطالب أبو هين بضرورة أن تلعب الأسرة والإعلام دورا هاما في إهداء الأطفال خطابا وحدويا وأن يرحموا براءتهم وينأوا بهم بعيدا عن التجاذبات السياسية، حسب قوله
بدكم مصائب اكثر من هيك
حسبنا الله ونعم الوكيل
اخوكم
ابو مالك
ضحكاتٌ تتوالى وشهقاتٌ إعجاب تملأ المكان وفجأة صدح في المكان صوت بكاء وتذمر.. اقتربت الأم من الصوت الصادر عن طفلها أحمد ذي السبعة أعوام وقبل أن تبادره بالسؤال عما أصابه صرخ بأعلى درجات تأففه: 'لا أريد هذا القميص.. ولن ألبسه.. أبدليه بآخر'.
وبرغم محاولات إقناع والدته وإخـوته بأن القميص جميل ومقاسه مُلائم وأن السوق بعيد فإن الدموع والتنهدات كانت سيدة الموقف..
سألته الأم بأسى 'لماذا يا حبيبي لا تريده؟!' رفع أحمد بصره إليها وتمتم بامتعاض: 'لأن لـونه أصفـر.. أصفــر يا ماما'.
لم تكن الأم بحاجة إلى مزيدٍ من التفسير فكلمة 'أصفر' اختصرت كل الإجابات، فطفلها لا يريد لونا يُطابق لون راية حركة 'فتح'.. وهو القاطن في بيتٍ يكسوه اللون الأخضر عن اليمين والشمال وهو لون راية حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
أم أحمد قالت: 'بت ألحظ على أطفالي في الأيام القليلة الماضية، خاصة بعد الاقتتال الأخير بين فتح وحماس، أنهم يُكثرون من الحديث في مسألة الألوان وتصنيفها.. غير أنني لم أتصور أن تصل الدرجة إلى رفض ابني أن يرتدي ما هو أصفر'.
وأحمد هو حالة من بين عشرات الأطفال باتوا يعيشون أزمة ألوان ما بين الأخضر وهو لون راية حماس المُزينة بعبارة التوحيد والأصفر لون راية حركة فتح المُزينة بشعار العاصفة.
حلوى خضراء ودمى فتحاوية
داخل إحدى محلات بيع الأطفال رفض الطفل سامي 10 سنوات اقتناء لعبة صغيرة الحجم برغم اعترافه بجمال شكلها وأدائها وعلل عدم قبوله قائلا: 'لا أحب اللون الأخضر، أريدها صفراء، الأخضر حماس والأصفر فتح وأنا لست حمساويا'.
صاحب المحل لفت إلى أن أغلب الأطفال باتوا يختارون ألعابهم وفق اللون وقال: 'الطفل الذي تناصر أسرته حماس وتنتمي إليها يُسارع إلى شراء الألعاب ذات اللون الأخضر ويرفض الصفراء والعكس، فالطفل الذي تنتمي وتناصر أسرته حركة فتح يتلهف لاقتناء الألعاب ذات اللون الأصفر ويرفض الخضراء'.
ويروي ضاحكا: 'طفلة لم تتجاوز الخامسة كانت بصحبة والدها نظرت بالأمس إلى الألعاب وصرخت هيا نخرج.. كل الدمى فتحاوية'.
'عامان' فقط ما يبلغه الطفل مصطفى نظر إلى قطع وحبيبات الحلوى التي قدمتها إليه ابنة عمه بازدراء رغم شغفه بطعمها وهز رأسه: 'هادي أصفرا (أصفر) أنا بدي (أريد) أخضرا'.
ولم تتمالك ابنة العم نفسها من التبسم بدهشة ضاربة كفا بكف وقالت: 'حتى أنت تعرف قصة الأصفر والأخضر'.
سألون الشجر
وتشترط سلمى ثمانية أعوام على والدتها بعدم إدخال اللون الأخضر إلى البيت وأن تقتني أدواتها القرطاسية (المدرسية) واحتياجات البيت ذات اللون الأصفر أو مشتقاته فقط..
وعن السبب تقول سلمى: 'أصحاب اللون الأخضر (حماس) لا يحبون لوننا الأصفر، وبالتالي نحن لا نحب لونهم ولا نحبهم.. وأتمنى دوما أن أقتني الأصفر فقط'.
أما شقيقها ياسر فكان أكثر حدة في تمنياته وقال: 'الشجر في بيتنا وفي الشارع وفي كل مكان أود لو ألونه بالأصفر'.
وبسخرية علت نبرات صوته سأل عدي (10 سنوات) عمته المؤيدة وبشدة لحماس: 'يا للهول؟! أتستخدمين لشعرك شامبو (سائل منظف للشعر) أصفر، لونيه بالأخضر'.
وبرغم مكوثها أربع سنوات في بلدٍ أوروبية بعيدا عما يجري في فلسطين فإن عدوى أزمة الألوان انتقلت إلى الطفلة نورا (6 أعوام) بل ذهبت إلى ما هو أبعد لرفضها للون الأصفر، حيث اقترحت تبديل 'تنوين الفتح' إلى تنوين 'حماس'.
ثقافة خطيرة
ومحذرا من هذه الظاهرة وتناميها في نفوس الأطفال وداخل المجتمع الفلسطيني رأى الدكتور 'فضل أبو هين'، مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة، أن السياسة انتقلت إلى عقر دار الفلسطينيين وأن الأحداث الأخيرة الدامية والاشتباكات الداخلية التي شهدها قطاع غزة سيطرت على عقول الأطفال وباتت تنام وتصحو معهم، بحد قوله.
وأوضح أبو هين أن الطفل جزء من الواقع لا ينفصل عنه إطلاقا وقال: 'الأسرة والبيئة المحيطة بالطفل هي من تغرس حب أو كره الألوان.. فالبيت عندما يكره الفصيل يمقت كل صلة به، اسمه ولونه، وبالتالي ينعكس هذا على نفسية الطفل ويبدأ في التمييز بين ما يحب ويكره'.
وأشار إلى أن الأسرة لا ينفك حديثها عن فتح وحماس، خاصة الآباء، واعتبر أن هذا التمييز يدق ناقوس الخطر ويؤسس لثقافة التعصب والتناحر، وتابع: 'بدلا من أن تتوحد شخصيتنا وهويتنا خلف علمنا الفلسطيني أخذنا نقسمه إلى ألوان يُخاصم كل لون الآخر'.
ورفض أبو هين ما يُقال: إن الأطفال لا يميزون، وإنهم يُرددون كلاما وحسب، وقال: 'الطفل يدرك جيدا على أية أرضية يقف.. ويعي ما يرمز إليه اللون الأخضر واللون الأصفر ويتعامل مع الاتجاهات السياسية التي تُرمى إليه، فالطفل الذي يعيش في بيئة (حماس) يرفض طفل (فتح) والعكس...'.
وحذر من تداعيات رفض الألوان، وقال: 'كارثة ألا يتقبل الأطفال في سن الروضة بعضهم البعض لأن هذا من أصحاب اللون الأخضر وذاك من أصحاب اللون الأصفر.. هذه ثقافة تؤسس لتعصب شديد ولكراهية تمهد لحرب أهلية، فالحرب لا تأتي جملة واحدة، هي تراكمات وتنفجر.. وطفل اليوم رجل الغد'.
وطالب أبو هين بضرورة أن تلعب الأسرة والإعلام دورا هاما في إهداء الأطفال خطابا وحدويا وأن يرحموا براءتهم وينأوا بهم بعيدا عن التجاذبات السياسية، حسب قوله
بدكم مصائب اكثر من هيك
حسبنا الله ونعم الوكيل
اخوكم
ابو مالك
تعليق