إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذكريات قذافية / بقلم د. خالد صافي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكريات قذافية / بقلم د. خالد صافي

    بعد مشاهد اعتقال وقتل الرئيس الليبي معمر القذافي مر شريط الذكريات المرتبط بفترة حكم العقيد التي بلغت الأثنين وأربعين عاماً والتي تجعل العقيد من الحكام المعمرين ليس في تاريخ ليبيا وحسب بل في التاريخ العربي الحديث والمعاصر. وكانت أولى محطات الارتباط بتاريخ القذافي هو خروجي في المسيرات ومشاركتي في المهرجانات التضامنية التي نظمتها الكتل الطلابية في جامعة بيرزيت سنة 1986م استنكاراً للغارات الأمريكية على الشقيقة ليبيا، حيث كنا نقف إلى جانب العقيد الليبي ضد الإمبريالية الأمريكية ولاسيما وأن العقيد كان يملأ العالم زعيقاً ونعيقاً بخطبه القومية الثائرة ضد الاستعمار، محاولاً البروز كزعيم عربي وأممي ثائر ضد الاستكبار والعنجهية والهيمنة الأمريكية. فتلاقت أحلام شبابنا الثائرة وقوفاً مع كل من يناصب الولايات المتحدة الأمريكية العداء على اعتبار أنها تدعم الكيان الصهيوني الاستيطاني الذي يذيق شعبنا صنوف العذاب، يحطم الإنسان وينهب الأرض. فكان التعاطف والدعم للعقيد القذافي واجباً ثورياً تفرضه أحلام الشباب بغد مشرق بلا استيطان أو احتلال أو امبريالية أو رأسمالية. وواجباً قومياً تفرضه رابطة الدم ووحدة التاريخ واللغة والهدف. لم نكن ننظر للعقيد كحاكم بل كثائر ضد قوى الاستعمار، ولم تكن تعنينا سياسته الداخلية تجاه شعبه بقدر ما يعنينا سياسته الخارجية المناوئة للاستعمار. فصرخت حناجرنا "بالروح بالدم نفديك يا عقيد". وأذكر هنا أنني كتبت آنذاك مقالي الأول في صحيفة القدس هاجمت فيه الجامعة العربية وتقاعسها عن نصرة القضايا العربية.

    ومرت الأيام ونضج الشباب، وتتطور الوعي مفرقاً بين لغة الخطابة الهوجاء وسياسة الواقع المرير. وأصبح النظر للسياسة الخارجية بنفس النظرة للسياسة الداخلية. وكانت زيارتنا لمعرض الكتاب الدولي الذي أقيم في أرض المعارض في خريف 1995م قرب الجامعة الأردنية الذي التحقت بها طالباً في برنامج الماجستير في التاريخ. حيث شد انتباهي للوهلة الأولى الجناح الليبي في المعرض بلونه الأخضر. فذهب لهذا الجناح الذي تغطي الستائر الخضراء (اللون الرسمي لنظام الحكم الليبي بعد صدور الكتاب الأخضر سنة 1976م) جدرانه الخشبية، والطاولات التي تعلوها الكتب. وكانت المفاجأة أن الكتب المعروضة كانت نسخاً مكررة من نحو عشرة كتب فقط تتعلق بالكتاب الأخضر، وتفسيرات للكتاب الأخضر، وتعليقات على الكتاب الأخضر. فاستفزني ذلك كثيراً، وشكل ذلك بالنسبة لي نقطة تحول في النظر للعقيد وحكمه. فكيف يغيب الإنتاج الفكري والأدبي لشعب ليبرز إنتاج شخص واحد. كيف يغيب الشعب بنخبه ومثقفيه. وهنا بدا الفارق واضحاً بين الأقوال والأفعال. فالمجد للشعوب وليس للأفراد. وأذكر أنني رفضت أخذ نسخة من الكتاب الأخضر قدمه لي الشخص الواقف وراء الطاولة في المعرض الليبي، واكتفيت برمقه بنظرة امتزجت بين الاحتقار والشفقة لا أدري. وأكملت طريقي بين الأجنحة الأخرى للمعرض. واتخذت منذ ذلك الوقت موقفاً معارضاً للعقيد الليبي ونظامه. وقررت قراءة الكتاب الأخضر بنظرة جديدة، فاستلفت نسخة منه من مكتبة الجامعة الأردنية، وقرأتها بتمعن، فأدركت حقيقة العقلية القذافية، وتتبعت البعد الشعاراتي والديماغوجي التي تحويها عبارات وفقرات الكتاب. وأدركت مدى الإسفاف الفكري الذي يتمتع به العقيد.

    وبدأت أتابع الأوضاع السياسية وطبيعة نظام الحكم في ليبيا، وطبيعة اللجان الثورية التي يعتمد عليها النظام الليبي في قمعه للشعب، وبدأت أسمع عن جولاته في الجامعات الليبية شارحاً ومفسراً الكتاب الأخضر. وحدث أن كنت في زيارة بحثية قادماً من ألمانيا إلى مكتبة الجامعة الأردنية والمكتبات الأخرى في عمان في الفترة بين فبراير وإبريل 2001م من أجل تحضير مادة أطروحتي للدكتوراه التي كنت أعدها في مدينة برلين. وتصادف ذلك مع مؤتمراً للقمة العربية هناك. وكم كانت دهشتي من متابعة التلفزيون الأردني والصحف الأردنية التي أفردت مساحة شاسعة لتصرفات العقيد أثناء مؤتمر القمة، وكيف رفض أن ينزل في المكان المخصص للرؤساء ونصب خيمته في مكان آخر. وكيف أربك ذلك قوى الأمن الأردنية في خططها لتوفير الأمن والحماية للوفود المشاركة. وبدلاً من حضور جلسات القمة قضى القذافي وقته في التسكع في شوارع عمان يتناول الحلوى في المحلات، وأبرز له التلفزيون الأردني شريطاً وهو يلعب كرة مع شبان صغار في الشارع. حيث حاول القذافي أن يبرز من خلال جولاته أنه شعبوياً، وأنه مع الشعوب ضد الحكام. وأنه لا يقيم وزناً للقمة ولا جلساتها. ومع اتفاقي مع القذافي على عدم نجاعة القمة في عقدها وقراراتها الجوفاء التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به فإنني لا اتفق مع القذافي على أنه يحاول أن يبرز البعد الشعبوي في شخصيته، فمن رأى اختزال الشعب الليبي في شخصه، ومن رأي استبعاد الشعب الليبي من جناح معرض الكتاب لا يمكن أن يؤمن بشعبوية القذافي. وهكذا قابلت سلوك القذافي الشعبوي بالاستهجان والاستخفاف. ولا تزال مقولة للصحفي عبد الباري عطوان تتردد في أذني عندما رد على تهديد القذافي بالانسحاب من جامعة الدول العربية حيث كتب عطوان "صفر_ صفر= صفر" كناية عن أن جامعة الدول العربية تساوي صفراً، وإذا نقصت صفراً وهو ليبيا فهي لا تزال تساوي صفراً.

    وأثناء دراستي في ألمانيا اتصل بي صديقاً مصرياً وأعلمني أن معرضاً فنياً سوف يقام للفنان سيف الإسلام القذافي في مبنى وزارة الخارجية الألمانية السابق، وهو مبناً فخماً، وأعلمني أنه بجانب حفل افتتاح المعرض الذي سيكون يوم 15 مايو 2002م سيكون بوفيه فاخر للطعام على حساب شركات البترول الممولة للمعرض. وعرض علي الذهاب مع بعض الأصدقاء الآخرين، فاعتذرت وقلت له "إنني لا أحب القذافي ولا أولاده". فاتصل بي صديقي المصري في اليوم التالي واصفاً البذخ الذي تضمنه حفل الافتتاح، ووصف لى مشاركة الآلاف في حفل الافتتاح. وبعد عدة أيام اتصل بي صديقاً ألمانياً من أصدقائي المقربين، وأبدى لي رغبته في زيارة المعرض، وأنه لديه فضول لمعرفة ما يحتويه المعرض من لوحات، وألح علي بمرافقته، وأنه لن يزور المعرض إن لم أذهب معه. واحتراماً لرغبته الملحة وافقت على الذهاب معه مشترطاً عليه مرافقتي لزيارة حديقة حيوان قريبة من المكان بها سلالة قديمة من الدببة التي سميت مدينة برلين على أسمها. والقينا في محطة القطارات القريبة من مكان المعرض الذي استمر حتى 9 يونيو.

    وهناك شاهدنا المعرض الذي اشتمل على قسمين: القسم الأول يضم آثاراً رومانية تم العثور عليها في ليبيا، وتشتمل على رؤوس رخامية، وتماثيل تعود للعهد الروماني في ليبيا. أم القسم الثاني فضم نحو ثلاثين لوحة وقعت بتوقيع سيف الإسلام القذافي منها لوحات زيتية، ولوحات استخدم بها أوراق صحف وخامات أخرى مثل الخيش حيث رسم في إحدى اللوحات ثور، وفي لوحة أخرى وردة حمراء. والحقيقة لقد أعجبتني لوحتين فقط في المعرض، وهي لوحة لكومة من ثمار التفاح، ولوحة لعروس ليبية مزينة بكمية كبيرة من الذهب. وعندما دققت في توقيع اللوحتين وجدت أنهما ليس لسيف الإسلام القذافي وإنما لفنانين آخرين (يبدو احضرهما سيف الإسلام لإكمال معرضه). فحمدت الله أن من أعجبتني من اللوحات هي ليس لسيف الإسلام التي اعتبرت لوحاته "خرابيش). وبعد أن غادرنا القاعة أخذنا معنا "بطاقات مصورة للوحات مقاس 20×15 (لا زلت احتفظ بعدد منها في غزة بعد جلبها من ألمانيا عند إنهاء دراستي هناك)، وعلمت من المشرفين على المعرض أنه تم في الأيام الأولى للمعرض توزيع ألبومات كبيرة (50×40) لجميع اللوحات في المعرض للحضور، وحيث أننا أتينا للمعرض متأخرا فلم يبق سوى هذه البطاقات ، وأن هذه الألبومات التي وزعت مجاناً كنت آلافاً فتأكدت حينا مدى ما انفق على هذه "الشخبطات". وأذكر أن صديقي سألني أثناء خروجنا من المعرض عن رأئي فيه فقلت له ما هو عنوان المعرض؟ فقال مستغرباً: ألم تقرأ ذلك؟ قلت بلى ولكن قل لي أنت. فقال: "الصحراء ليست صامتة". فقلت له بالنسبة لي كان عنوان المعرض "النقود ليست صامتة". وضحت من قهري وألمي وقلت: "في حيينا وحارتنا عشرات يرسمون أفضل منه، ولكنهم فقراء لا يرى أحد انتاجهم"، ولكن كما تعلم ملايين القذافي وشركات البترول هي من أتت بهذه الشخبطات إلى قلب برلين واوروبا". فضحك موافقاً وغادرنا المكان.

    ومرت السنين وقرأت خبراً في أحدى الصحف فحواه أن الساعدي القذافي يريد أن يدخل سينما هوليود، وأن ينتج أفلاماً كرتونية، ورومانسية، وأن من المتوقع أن يكون رأس مال الشركة المنتجة التي سيرأسها مليارات الدولارات. فجن جنوني على هذا العبث بمقدرات الأمة، وأن هذا الكروي الفاشل سيجرب فشله في مكان أخر. وأنه سينتج ليس افلاماً سياسية تتناول القضايا العربية والقضية الفلسطينية بل أفلاماً رومانسية أغرقتنا بها السينما المصرية منذ أربعينات القرن الماضي. وانبرى قلمي عن مقال ناقد لخطوة الساعدي القذافي. وقد نشر المقال في العديد من المواقع الألكترونية. وقد نقلته بعض صحف المعارضة الليبية (دون اذن بالطبع) باعتباره ينتقد أسرة القذافي أي أنه جاء على مزاجهم. فقلت لأصدقائي لقد تحولت الآن إلى معارض رسمي للقذافي دون أن أدري، وعليه سأحرم مستقبلاً من دخول ليبيا جواً وبحراً وبراً. وقلت مازحاً: "لست نادماً فلا يشرفني دخولها والقذافي وعصابته تجلس على رأسها".

    وعندما قامت ثورات الربيع العربي أيدت الثورة في ليبيا منذ قيامها، واعتبرت أن الشعب الليبي من خلال ذلك سوف يستعيد كرامته وحريته ووجوده الذي طمسه القذافي، وأن الشعب الليبي سوف يتمتع بثروته التي بعثرها القذافي هنا وهناك في مغامرات طائشة. وتابعت مجريات الثورة وأحداثها اليومية عبر الفضائيات بشغف، واستمعت إلى خطابات القذافي العنترية لاسيما خطابه "زنقة زنقة". وبالرغم من تأييد الثورة فقد رفضت الاستعانة بحلف الناتو بالرغم من إدراكي بعدم وجود ثورة نقية مائة بالمائة. وكنت أرغب بشدة بأن يعتمد الليبيين على أنفسهم في إسقاط النظام والقضاء عليه من أجل إقامة دولة ديموقراطية تعددية في ليبيا، دولة الشعب وليس الفرد. دولة الجميع وليس أسرة بعينها تتحكم في الثروات والرقاب. وها هو القذافي يغادر الدنيا، ويغادر معه كتابه الأخضر، تغادر معه دكتاتوريته وطغمته الفاسدة بعد أن دمر ليبيا، وزهق عشرات الآلاف من الأرواح. يغادر بعد أن لاحقه الثوار إلى آخر "زنقة" دخل فيها. ومع ذلك اثبت الشعب الليبي أنه شعب حي لا يموت وإن طالت سنين القهر.

    تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

  • #2
    رد: ذكريات قذافية / بقلم د. خالد صافي

    حسب علمي أن الدكتور خالد صافي يعمل محاضراَ في جامعة الأقصى - قسم الإعلام -

    تركت فيكم حروفاَ، أعيدوا بها رسم الحكاية، ولا تذكروني

    تعليق


    • #3
      رد: ذكريات قذافية / بقلم د. خالد صافي

      حسب علمي أن الدكتور خالد صافي يعمل محاضراَ في جامعة الأقصى - قسم الإعلام -

      صحيح هو أكاديمي فـِ جامعة الأقصى .. ولكن حسب علمي يدرس فـِ قسم الإجتماعيات وخصوصاً مواد التاريخ وما شابه من ذلك ..

      تعليق


      • #4
        رد: ذكريات قذافية / بقلم د. خالد صافي

        غداً سنرى هل يكتمل الربيع أم ستعود أرضاً قاحلة .. تشرب بكأس الذل نفسه وقد تغيّر الساقي !

        والله يبو مالك .. صِــجّ إحنا بالزمن الحزين !

        تعليق

        يعمل...
        X