تفاصيل عملية البطل / عبد الهادي غنيم – أبو ثائر – وهو يدخل عامه ال20في السجون الإسرائيلية / بقلم :رأفت حمدونة
حقاً إنه لعلم، علم في التضحية، علمّ في الفداء، وعلم في الوفاء، وعلم في الإخلاص وحب الله ورسوله والوطن، عبد الهادي، هذا الفارس الذي عشق فلسفة الجهاد والاستشهاد، هذا الأسد الذي استجاب لقانون اطلب الموت توهب لك الحياة.
ذلك القائد الذي علَم الأجيال معنى الدم قانون المرحلة، فكان المعلم والقائد والمثل. وتوّجه الشعب بتاج الفخار، ذلك التاج الذي يستحق وقفة إجلال واحترام. أبو ثائر، ثار على الظلم، وثار على العنجهية، وثار على قوى الغدر الصهيونية، وثار على الاستعباد والفاشستية، وثار وانتقم لدم الشهداء والجرحى والمعتقلين.
إنه لنجمة فوق الجبين
خرج أبو ثائر من بيته في معسكر النصيرات، وتوجه إلى بئر السبع، وودع زوجته وطفله لم يره، لغيابه في غرفة الحضانة، وذهب ليزور أخوه رضوان في مستشفى المقاصد بالقدس بعد أن أصيب في الانتفاضة برصاصة أدت إلى شلله.
وكان الثائر في الرابعة والعشرين من عمره، وصل إلى مركز الحافلات في تل الربيع، ونزل ليترقبها، وذلك في يوم الأحد 6/7/89، دخل الثائر العلم باص 405 المتوجه إلى القدس بعد أن اطمأن لعدم وجود ركاب عرب فيه. وامتلأ الباص وكان فيه 9 جنود.
وركب البطل في المقعد الثاني المجاور للسائق، قريباً منه، وسار الباص يحمل البطل يتقدم بخطواته نحو الجنة، ونظر البطل من حوله مودعاً سفوح جبال فلسطين وسماء الوطن الحبيب وخطرة الأرض، وهبت نسائم رقيقة لامس عبيرها قبة الصخرة وقبّلت محيا البطل، مرسلة له ألحان الرضا وعبرات الخلود.
وكان أبو ثائر، مطمئن القلب، مرتاح النفس. وحتى لا يلفت نظر الآخرين في الباص، سبل عيونه متظاهراً في النوم، وأخذ يردد سورة من كتاب الله عز وجل وكرر سورة الإخلاص. فأخلص النية لله، وأخلص روحه فداءاً له، وأخلص العهد مع الوطن، وأخلص لشهداء الانتفاضة والجرحى والمعتقلين.
واقترب الثائر العلم من منطقة الواد من منطقة أبو غوش، وكان ركاب الباص تغمرهم الفرحة والبهجة، وموجات عارمة من الضحك بعد أن أمضوا فترات الخدمة في الجيش. دنا الباص من الواد أكثر فأكثر، ولم يبق له سوى أمتار، وفتح البطل عينيه، وألقى تذكرة الباص بجانب السائق متعمداً، وكانت خطوته للتمويه ليصل إلى السائق، وذكر الله في نفسه بنية الشهادة، وقام ليأخذ التذكرة التي ألقاها، فوصل مقعد السائق وصرخ صرخات الثأر مكبراً، الله أكبر الله أكبر.
وأمسك بمقود الباص ولفه بقوة نحو الواد فهوى الباص من أعلى الشارع، وتقلب مع سلاسل الجبل السحيق وتناثرت حطيمات الحديد وأجساد اليهود، ووصل الباص بما فيه إلى القاع قطعاً متناثرة. وبعد تلك الثورة. ساد الهدوء، وسكنت كائنات الحياة، وهدأت تلك النفس وتلك الثورة المشتعلة.
أيتها النسائم، مري علينا وابعثي بترياقك الشافي وهبي على الجبال والأودية طيبة رقيقة، واحملي في ثناياك للناس في البطولة ومجد العز وصفحات التضحية والخلود، وسكن النغم.
وفي بقعة ممتدة، حيث انتشار أشجار مفرعة الأغصان وشجيرات الجبال الطيبة وقع الفارس الثائر وكتب الله له الحياة بعد أن استقر بهم ما يقارب 120 متر أسفل الطريق.
وكان بوعيه فأراد القيام والسير، ولكنه لم يستطع، وبعدها، فقد الوعي ونام، ومر، ثانية، عليه النسيم يردد في جمال الطبيعة أنشودة القوة المنبعثة اللامحدودة التي تخطت الحدود، وغنت للبطل كلمات البطولة ومجد الخلود.
ووصلت طائرات العدو وقوات من الشرطة والجيش والإسعافات، وقاموا بتمشيط المنطقة وتفقدها، وكان السائق من ضمن الأحياء، وعاد الثائر إلى وعيه، فدل السائق على عبد الهادي، واعترف أبو ثائر بتنفيذ العملية وكانت النتيجة موت ستة عشر شخصاً، وإصابة 24 شخصاً بجروح متنوعة، معظمهم فقدوا أعضاء من جسمهم.
ونقلوا الثائر العلم إلى التحقيق، واعترف بالعملية أنها انتقاماً لشهداء الانتفاضة والجرحى والمعتقلين وانتقاماً لصديقه المشلول رضوان. وحكم على عبد الهادي بالسجن الفعلي مدى الحياة ستة عشر مرة، وأربعمائة وثمانون عاماً، وعادت صحة الثائر كما كانت والىن يتمتع بكامل قواه، أمضى جزء من حكمه مع إخوانه في عزل الرملة تحت الأرض ابتداءً من 30/8/1989 م . ومن ثم في معظم سجون الاحتلال حتى اللحظة .
ندعو الله له بالفرج العاجل
تعليق