رسالة قصيرة إلى عبد الناصر
نجم عبد الكريم
إذ أجابهم شعب مصر: (يا خالد بلغ أبوك.. كل الناس بيحبوك)، هتفت بها حناجر أبناء مصر في تشييع جنازة نجلك الراحل. وأما أبناء العروبة الذين يتَّمهم رحيلك، فقد عبَّر عنها الشاعر الجواهري في يوم ذكراك حيث قال:
أكبرت يومك أن يكون رثاءا الخالدون عهدتهم أحياءا
وأنت والله كنتَ وستبقى نقي الذكر في نفوس الشرفاء من أبناء هذا الوطن. لأنك عشتَ نظيف اليد، وشريف المقاصد والأهداف، فأحبتك الشعوب، وعشقت الزعامة في شخصك.
المجتهدون الكارثيون الذين جاءوا بعدك ساروا على نهجٍ كان يهدف أول ما يهدف الى طمس انجازاتك العظيمة. فقاهرة عهدك التي كانت عاصمةً لثوار الشعوب كانت تناضل من أجل عزتها وكرامتها، قد جعلوا منها عزبةً لحفنةٍ لمن لا ضمير لهم. لقد عبث الذين جاءوا بعدك بأعظم الحضارات الإنسانية.. وإليك القليل القليل مما فعلوا:
إنجازك في بناء السد العالي زعموا أنه مضرٌّ للشعب المصري، إنما، ولولا بناء السد الذي شُيّد بسواعد المصريين لكان مصير مصر مثل بقية الدول الافريقية التي أصابها الجفاف. ونجحوا في الاجهاز على أهم الانجازات الاقتصادية التي تمّت في عهدك، فخصخصوا القطاع العام بحجج الانفتاح الاقتصادي، فكان ذلك الأمر بمثابة أُم الكوارث التي جعلتهم يسرقون شرعاً ما كان يمكن أن يضع مصر على خارطة الدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً. واقتسموا جهود الغالبية العظمى من مقدرات الانسان المصري.. حيث قصروها على حفنة من اللصوص تحت حماية كبار المسؤولين في الدولة لتتخم خزائنهم بالمليارات، بينما غالبية أبناء الشعب تعيش دون الكفاف.
كم كنتَ رائعاً يوم استجبت لنداء المفكر الكبير الدكتور طه حسين، حينما أعلنتَ مجانية التعليم في مصر لتشمل كافة مراحل الحياة الدراسية، ولم يقتصر ذلك القرار على المصريين فحسب، وإنما شمل جميع أبناء الدول العربية وغيرهم من أبناء الدول الأخرى، ومنها دول شديدة الثراء، كان أبناؤها يتلقون العلم مجاناً على حساب شعب مصر وأنا أحدهم.. ولكن من جاءوا بعدك من ذوي الاجتهادات الكارثية، أخذوا يظهرون عيوباً في قرار مجانية التعليم، ويزعمون: أن ذلك القرار قد أفسد الحياة الأكاديمية في مصر، إذ أنه أتاح فرصاً للعوام من السوقة والدهماء في حمل الشهادات العليا.
وكم كنتَ صادقاً يوم أعلنت شعارك: «إن ما أُخذ بالقوة، لا يُسترد إلا بالقوة».
ويوم توليت بنفسك إعادة بناء القوات المسلحة بعد أن تم تطهيرها واستئصال كافة عوامل الضعف منها، حيث كرَّست لها كل جهدك في سنوات ما بعد النكسة.. انتظاراً الى قطف ثمار يوم النصر العظيم الذي كنتَ واثقاً من حدوثه لا محالة.. ولم يمهلك القدر لمشاهدة تنفيذ مشروعك الذي أوصلته الى مرحلة كبيرة من النضج، بحيث تم تنفيذه بعد سنتين من رحيلك على أيدي أبناء مصر الأبطال، وكان نصراً عظيماً شهده العالم كله عندما قام الجندي المصري بإنزال العلم الصهيوني من على الحدود المصرية.
فنم أبا خالد قرير العين في مثواك، فشباب مصر الآن يسطرون ملامح تاريخ جديد لمصر الجميلة، بحيث لا يحكمها بعد الآن مغامر يعيش جُلَّ وقته في حالة من التمثيل المفتعل، متوهماً أن مصافحته للشيطان ستدخله التاريخ، فسعى إليه في عُقر داره في الكنيست، فنكب الأمة العربية تحت مسمى السلام في اجتهاده الكارثي.
ولن يحكمها بعد الآن لص زائف يحيط نفسه بلصوص يقبعون الآن في مكانهم الطبيعي.
إن التجربة الناصرية، ليست تجربة شخص اسمه جمال عبد الناصر، وإنما هي تجربة أمة آمنت بقيادة رجل جاء حاملاً مشروعاً عنوانه وحدة العرب، وعزتهم، وكرامتهم، واجتهد في تجسيد ذلك المشروع عملياً.
تعليق