البلدية تُحَمِّل "المواطن" المسئولية
"الصراصير" تغزو بيوت غزَّة!
غزة- حنان مطير
كانت تسعلُ سعلةً شعرْتُ بها تجرحُ حنجرتي لشدة قُوَّتِها، وعندما سألتُها عن المشكلة كانت الإجابة:"مبيد الصراصير هو السبب".. لكنها لم تحتمل أن تَذكر تلك الحشرة بدون أن تسبَّ عليها وكأنها عدوٌّ مغضوب عليه!.
فأمام وفدٍ لا يُطاقُ من الصراصير؛ لم يكن من بُدٍّ أمام "أم فراس" إلا أن تُفرِّغَ كل خزانات مطبخِها ومن ثمَّ ترشّها بالمبيد الحشري "k300"، لتبدو في هيئتِها كمن تقول:"يا أنا يا هم في هالبيت..".. لكنَّ هذا الأمر أثَّر على صحتها لكثرة ما استنشقت هذا المبيد، وبطرافةٍ تقول:"كدتُ أموتُ، أما هي فتتكاثر ولا تموت!".
الغريب أن الصراصير وبيضها تتكاثران في بيت "أم فراس" رغم أنها حريصةٌ على نظافته دوماً، فلا تمرُّ ساعةٌ إلا وتجدها تمسح أو تكنس أو "ترشّ" حسب ما أوضحت.
ويتكرَّر الحال نفسُه مع أم علي التي تنتظر قدوم فصل الشتاء على أحرِّ من الجمر حتى يقضي بطبيعتِه على الصراصير، وتقول:"لم أترك مبيداً ولا مادةً للتنظيف إلا واستخدمتها، حتى "الكاز" و"الفونيك" و"الديتول" استخدمتُها بكثرة رغم أني لا أطيق رائحتها لكني أراها تتكاثر بلا توقُّف حتى بِت أشكُّ في أن بيتي منبع لها!".
بين المواطن والبلدية
وبكل الأحوال، فإن الأمر لا يخرج عن نطاق البلديات، فلنرَ إذاً رأي مدير الصحة والبيئة في بلدية جباليا، الدكتور عيسى القرعاوي، حيث أرجع المسئولية في انتشار الحشرات بشتى أنواعها سواء الفئران أو الصراصير أو غيرها إلى المواطن وقلة وعيه وعدم تعاونه مع البلدية.
وللتوضيح أكثر، فإن انتشار الحشرات له علاقة قوية بتكدُّس القمامة والنفايات حسب د. القرعاوي، والذي قال:"المواطن يترك أكياس القمامة بدون إغلاقٍ مُحكَم وكثير من الأحيان يتركها مفتوحة، وربما لا يضعها بكيسٍ من الأصل، الأمر الذي يجعلها مرتعاً خصباً للحشرات على اختلاف أنواعِها".
ناهيك عن قلة الوعي الاقتصادي لدى ربة البيت التي لا تصنع طعاماً قدر طاقة العائلة، ما يضطرها لأن تلقي بالبواقي في سلة القمامة فيكون ذلك طعاماً جاهزاً للحشرات، حسب د. القرعاوي.
وأضاف:"ليس هذا فحسب، فالأمرُ يزداد سوءاً حين ترسل ربةُ البيتِ ابنها الصغير فيلقي بالقمامة في أقرب مكان يصادفه ولا يضعها في مكانها المناسب، ومن المعروف أن عامل النظافة يجمع القمامة ما بين الساعة السابعة والثامنة صباحاً".
الحشرات ليست أولوية!
تلك الأخيرةُ تدفعنا للتساؤل:" هل تلك الساعة التي يعمل فيها عامل النظافة وقتٌ مقدَّس له ولا يجوز أن يعمل بعده؟!، وماذا إن تكوَّمت القمامة في البيتِ ما بعد تلك الساعة؟!.
وأوضح د. القرعاوي أن البلدية تقوم برشّ المبيد الحشري الخاص بالبعوض بشكل دوريٍّ، بينما المبيد الخاص بباقي الحشرات ومنها الصراصير والجرذان التي يعاني منها المواطنون بشكلٍ أكبر فأمرُهُ لا يتَّبع الدورية لظروفٍ اقتصاديةٍ وأزمات مالية غير مواتية، وأتبَع:" لكن هناك بعض المناطق الحارة يتمّ رشها بشكل دوري"، ونوَّه القرعاوي إلى أن هناك أولويات وقضايا أكبر من قضايا تلك الحشرات.
وبيَّن د. القرعاوي أن البلدية تقوم بتوزيع سموم خاصة بالجرذان لكثيرٍ من المواطنين، ومن يأتِ طالباً الحصول عليها يستلم على الفور، حسب قولِه.
لكن هناك من المواطنين من أخذ على عاتقه أن يحدَّ من أمر انتشار الصراصير في بيتِه بطريقته الخاصة، وذلك باستبدال الأبوابٍ الخشبية بأبواب من الألمنيوم، على اعتبار أن الأخشاب (وخاصة الرطبة) تعد أماكن إستراتيجية لتكاثر الصراصير، والأمر لم يقتصر على أبواب الحمامات والمطابخ فقط على اعتبار أنها الأكثر تعرضاً للرطوبة بل امتدّ عندهم إلى أبواب البيت جميعها.
مفارقة مع الصين
الغريب أنه في الوقت الذي يطالب فيه الفلسطينيون بقضاءٍ جذري على الصراصير.. تقوم الصين العظيمةُ بطبخها وشيِّها وقليها والتفنن في طرق أكلِها، وبلا شكٍّ فإنها تخصص لها "فقاسات" خاصة، ولن تبحث عنها ما بين أبواب الحمامات والمطابخ، وذلك على اعتبار أن كل ما يمشي على الأرض يمكن أكلُه.
وحول هذا يستحضرني سؤال أحدِهم حين قال مازحاً:"ولِم لا نقوم بتصدير الصراصير للصين؟!"..
وفي مقالٍ للكاتب فهد الأحمدي أخبَرَ أنَّ الصراصير هي المخلوقات الوحيدة التي تثير الاشمئزاز والإعجاب في نفس الوقت، الاشمئزاز بسبب شكلها وعيشها في أماكن الصرف الصحي بالغالب والإعجاب بسبب تفوقها وقدرتها على البقاء، فالصراصير من أقدم الكائنات الحية على وجه الأرض. ويقدر عمرها بـ "250" مليون عام في حين لا يتجاوز عمر الإنسان "40" ألف عام فقط!، وهذا يعني أنها من أوائل المخلوقات التي وجدت على سطح الأرض.. واليوم أصبح مؤكداً أن الأرض تعرضت إلى خمس موجات انقراض (على الأقل) تسببت كل موجة في إبادة 90% من مخلوقات البر والبحر، وفي آخر موجة هلكت الديناصورات والثدييات العملاقة فيما نجت الصراصير لخامس مرة!.
البقاء للأكثر مرونة!
ويقدر أن الصراصير ستبقى بعد كل مرة تتعرض فيها الأرض لأسوأ كارثة يمكن تصورها. فلو نشبت حرب نووية شاملة- حسب الأحمدي- فلن يتحمل الإشعاع ويبقى سليماً غير الصراصير، ولو شحت موارد الأرض واختفى الطعام فلن يتحمل الجوع غير الصراصير (ناهيك عن قدرتها على أكل كل شيء من التراب إلى الكعك ومن الخشب إلى البلاستيك). ولو انتشر مرض فتاك وقتل كل الكائنات الحية فستتأقلم الصراصير بسرعة وتنتج مضادات مناعية خاصة.. ولو انطلقت غازات سامة تستطيع الصراصير أن تحبس أنفاسها لمدة "40" دقيقة حتى تهرب لموقع أفضل.. وحين تقرر الهرب تملك وسائل ممتازة لتنفيذ ذلك، فهي تركض بسرعة كبيرة تقدر بخمسة كلم في الساعة. وتستطيع ضغط حجمها والدخول من فجوة لا تزيد عن "15" ملم والجري في أنبوب لا يتجاوز قطره خمسة ملم.
مزايا كثيرة تجعل الإنسان هشاً وعُرضةً للانقراض أمام أي كارثة كبيرة، وعذراً لعلماء الأحياء الذين قالوا :" إن البقاء للأقوى"، فقد أثبت الصرصور أن البقاء للأكثر مرونةً وقدرةً على التكيف.
وقد تستغرب حين تجد أناساً يحبون أن يستمعوا لصوت الصراصير في الليالي الصيفية، لكني أعدك أنَّ تعجُّبك سينتهي حين تعرف أن ما "عرير" الصرصور هذا إلا تسبيحٌ لله تعالى.
"الصراصير" تغزو بيوت غزَّة!
غزة- حنان مطير
كانت تسعلُ سعلةً شعرْتُ بها تجرحُ حنجرتي لشدة قُوَّتِها، وعندما سألتُها عن المشكلة كانت الإجابة:"مبيد الصراصير هو السبب".. لكنها لم تحتمل أن تَذكر تلك الحشرة بدون أن تسبَّ عليها وكأنها عدوٌّ مغضوب عليه!.
فأمام وفدٍ لا يُطاقُ من الصراصير؛ لم يكن من بُدٍّ أمام "أم فراس" إلا أن تُفرِّغَ كل خزانات مطبخِها ومن ثمَّ ترشّها بالمبيد الحشري "k300"، لتبدو في هيئتِها كمن تقول:"يا أنا يا هم في هالبيت..".. لكنَّ هذا الأمر أثَّر على صحتها لكثرة ما استنشقت هذا المبيد، وبطرافةٍ تقول:"كدتُ أموتُ، أما هي فتتكاثر ولا تموت!".
الغريب أن الصراصير وبيضها تتكاثران في بيت "أم فراس" رغم أنها حريصةٌ على نظافته دوماً، فلا تمرُّ ساعةٌ إلا وتجدها تمسح أو تكنس أو "ترشّ" حسب ما أوضحت.
ويتكرَّر الحال نفسُه مع أم علي التي تنتظر قدوم فصل الشتاء على أحرِّ من الجمر حتى يقضي بطبيعتِه على الصراصير، وتقول:"لم أترك مبيداً ولا مادةً للتنظيف إلا واستخدمتها، حتى "الكاز" و"الفونيك" و"الديتول" استخدمتُها بكثرة رغم أني لا أطيق رائحتها لكني أراها تتكاثر بلا توقُّف حتى بِت أشكُّ في أن بيتي منبع لها!".
بين المواطن والبلدية
وبكل الأحوال، فإن الأمر لا يخرج عن نطاق البلديات، فلنرَ إذاً رأي مدير الصحة والبيئة في بلدية جباليا، الدكتور عيسى القرعاوي، حيث أرجع المسئولية في انتشار الحشرات بشتى أنواعها سواء الفئران أو الصراصير أو غيرها إلى المواطن وقلة وعيه وعدم تعاونه مع البلدية.
وللتوضيح أكثر، فإن انتشار الحشرات له علاقة قوية بتكدُّس القمامة والنفايات حسب د. القرعاوي، والذي قال:"المواطن يترك أكياس القمامة بدون إغلاقٍ مُحكَم وكثير من الأحيان يتركها مفتوحة، وربما لا يضعها بكيسٍ من الأصل، الأمر الذي يجعلها مرتعاً خصباً للحشرات على اختلاف أنواعِها".
ناهيك عن قلة الوعي الاقتصادي لدى ربة البيت التي لا تصنع طعاماً قدر طاقة العائلة، ما يضطرها لأن تلقي بالبواقي في سلة القمامة فيكون ذلك طعاماً جاهزاً للحشرات، حسب د. القرعاوي.
وأضاف:"ليس هذا فحسب، فالأمرُ يزداد سوءاً حين ترسل ربةُ البيتِ ابنها الصغير فيلقي بالقمامة في أقرب مكان يصادفه ولا يضعها في مكانها المناسب، ومن المعروف أن عامل النظافة يجمع القمامة ما بين الساعة السابعة والثامنة صباحاً".
الحشرات ليست أولوية!
تلك الأخيرةُ تدفعنا للتساؤل:" هل تلك الساعة التي يعمل فيها عامل النظافة وقتٌ مقدَّس له ولا يجوز أن يعمل بعده؟!، وماذا إن تكوَّمت القمامة في البيتِ ما بعد تلك الساعة؟!.
وأوضح د. القرعاوي أن البلدية تقوم برشّ المبيد الحشري الخاص بالبعوض بشكل دوريٍّ، بينما المبيد الخاص بباقي الحشرات ومنها الصراصير والجرذان التي يعاني منها المواطنون بشكلٍ أكبر فأمرُهُ لا يتَّبع الدورية لظروفٍ اقتصاديةٍ وأزمات مالية غير مواتية، وأتبَع:" لكن هناك بعض المناطق الحارة يتمّ رشها بشكل دوري"، ونوَّه القرعاوي إلى أن هناك أولويات وقضايا أكبر من قضايا تلك الحشرات.
وبيَّن د. القرعاوي أن البلدية تقوم بتوزيع سموم خاصة بالجرذان لكثيرٍ من المواطنين، ومن يأتِ طالباً الحصول عليها يستلم على الفور، حسب قولِه.
لكن هناك من المواطنين من أخذ على عاتقه أن يحدَّ من أمر انتشار الصراصير في بيتِه بطريقته الخاصة، وذلك باستبدال الأبوابٍ الخشبية بأبواب من الألمنيوم، على اعتبار أن الأخشاب (وخاصة الرطبة) تعد أماكن إستراتيجية لتكاثر الصراصير، والأمر لم يقتصر على أبواب الحمامات والمطابخ فقط على اعتبار أنها الأكثر تعرضاً للرطوبة بل امتدّ عندهم إلى أبواب البيت جميعها.
مفارقة مع الصين
الغريب أنه في الوقت الذي يطالب فيه الفلسطينيون بقضاءٍ جذري على الصراصير.. تقوم الصين العظيمةُ بطبخها وشيِّها وقليها والتفنن في طرق أكلِها، وبلا شكٍّ فإنها تخصص لها "فقاسات" خاصة، ولن تبحث عنها ما بين أبواب الحمامات والمطابخ، وذلك على اعتبار أن كل ما يمشي على الأرض يمكن أكلُه.
وحول هذا يستحضرني سؤال أحدِهم حين قال مازحاً:"ولِم لا نقوم بتصدير الصراصير للصين؟!"..
وفي مقالٍ للكاتب فهد الأحمدي أخبَرَ أنَّ الصراصير هي المخلوقات الوحيدة التي تثير الاشمئزاز والإعجاب في نفس الوقت، الاشمئزاز بسبب شكلها وعيشها في أماكن الصرف الصحي بالغالب والإعجاب بسبب تفوقها وقدرتها على البقاء، فالصراصير من أقدم الكائنات الحية على وجه الأرض. ويقدر عمرها بـ "250" مليون عام في حين لا يتجاوز عمر الإنسان "40" ألف عام فقط!، وهذا يعني أنها من أوائل المخلوقات التي وجدت على سطح الأرض.. واليوم أصبح مؤكداً أن الأرض تعرضت إلى خمس موجات انقراض (على الأقل) تسببت كل موجة في إبادة 90% من مخلوقات البر والبحر، وفي آخر موجة هلكت الديناصورات والثدييات العملاقة فيما نجت الصراصير لخامس مرة!.
البقاء للأكثر مرونة!
ويقدر أن الصراصير ستبقى بعد كل مرة تتعرض فيها الأرض لأسوأ كارثة يمكن تصورها. فلو نشبت حرب نووية شاملة- حسب الأحمدي- فلن يتحمل الإشعاع ويبقى سليماً غير الصراصير، ولو شحت موارد الأرض واختفى الطعام فلن يتحمل الجوع غير الصراصير (ناهيك عن قدرتها على أكل كل شيء من التراب إلى الكعك ومن الخشب إلى البلاستيك). ولو انتشر مرض فتاك وقتل كل الكائنات الحية فستتأقلم الصراصير بسرعة وتنتج مضادات مناعية خاصة.. ولو انطلقت غازات سامة تستطيع الصراصير أن تحبس أنفاسها لمدة "40" دقيقة حتى تهرب لموقع أفضل.. وحين تقرر الهرب تملك وسائل ممتازة لتنفيذ ذلك، فهي تركض بسرعة كبيرة تقدر بخمسة كلم في الساعة. وتستطيع ضغط حجمها والدخول من فجوة لا تزيد عن "15" ملم والجري في أنبوب لا يتجاوز قطره خمسة ملم.
مزايا كثيرة تجعل الإنسان هشاً وعُرضةً للانقراض أمام أي كارثة كبيرة، وعذراً لعلماء الأحياء الذين قالوا :" إن البقاء للأقوى"، فقد أثبت الصرصور أن البقاء للأكثر مرونةً وقدرةً على التكيف.
وقد تستغرب حين تجد أناساً يحبون أن يستمعوا لصوت الصراصير في الليالي الصيفية، لكني أعدك أنَّ تعجُّبك سينتهي حين تعرف أن ما "عرير" الصرصور هذا إلا تسبيحٌ لله تعالى.
تعليق