أقدم محمد بوعزيزي على حرق نفسه دفاعاً عن كرامته. برغم أنّ لا أحد كان شاهداً على إهانته، و لا كانت إحدى الفضائيات تصوّر لحظة صفعته الشرطيّة على وجهه، و شّتمت والده. فما كان أحد معنيّاً بشرف بوعزيزي، ولا الإهانة التي تلقّاها كانت تصلح خبراً تلفزيونيًّا. لكنّه أبى أن يصغر في عين نفسه، ضاق به الذلّ، و عزّ عليه أن يعيش بذكرى إهانة.ـ
كان بوعزيزي يملك عنفوان المفلسين. تلك الأنفة التي تمنح الفقراء قامة لا يغفرها لهم الجالسون على أرائك الثراء، أو كراسي السلطة، الدائمو الخوف أن يفقدوا شيئاً بل أن يفقدوا أنفسهم لو هم وقفوا ، لأنّهم لا يساوون سوى كراسيهم. محمد بوعزيزي فاجأ الجالسين على المبادئ، و الجاثمين على أقدار الشعوب. فما كانوا ليصدّقوا أنّ بإمكان بائعا متنقّلا يدفع عربة يدّ، أن يدفع بيديه الفارغتين تلك، عربة القدر، أن يطيح بكراسٍ و يهزّ عروشاً بوليسيّة، و يهدّ امبراطوريّات ماليّة، و يبعث بقطّاع طرق الأوطان إلى المحاكم، و يحقّق نبوءة شاعر بفتح بوابات تونس لأحرارها، و الهواء النظيف للحريّة.ـ
بوعزيزي الذي كان يبيع خضاراً لا يسدّد ثمنها إلّا بعد بيعها، لأنّ لا رأسمال له إلّا نزاهته، ترك لمن سرقوا قوته على مدى 26 سنة فاتورة رماده الطاهر، سيسدّدونها حفيداً عن جدّ، بلداً بعد آخر، عن ملايين الشباب العاطل عن الأحلام. ذلك أنّ فتيل حريقه يتقدّم قافزاً فوق الحدود.. كما هي عادة النار، مشعلاً حرائق العنفوان في هشيم شعوب ما كانت لتصدّق كم هي هشّة عروش الجبابرة و كم هم جبناء أولئك الطغاة.ـ
لم يرض بوعزيزي الشاب النكرة، المقيم في قرية نائية حتى عن ضواحي التاريخ، أن يهان في كرامته. ردّ على صفعة بإضرام النار في نفسه محرقاً الشيء الوحيد الذي يملكه’’ جسده’’. وظلّ الطغاة في تونس كما في القاهرة على مرأى من التاريخ، يرضون على مدى أسابيع بالإهانات والشتائم المنقولة على فضائيّات العالم. ضرب الناس بالجزمات صورهم على مرأى من الكاميرات، داسوا على أسمائهم التي كتبوها على إسمنت الشوارع، و لا هم استحوا و لا انتحروا. ظلّوا يدافعون مذعورين عن كراسٍ احترقت أرجلها ثمّ عندما كبر الحريق، جثوا على ركبهم يتوسّلون النجاة، بحثاً عن شبّاك يقفزون منه خارج التاريخ.ـ
من بعض فجائع هذه الأمّة فقدان حكّامها للحياء.!ـ
***
أحلام مستغانمي
كان بوعزيزي يملك عنفوان المفلسين. تلك الأنفة التي تمنح الفقراء قامة لا يغفرها لهم الجالسون على أرائك الثراء، أو كراسي السلطة، الدائمو الخوف أن يفقدوا شيئاً بل أن يفقدوا أنفسهم لو هم وقفوا ، لأنّهم لا يساوون سوى كراسيهم. محمد بوعزيزي فاجأ الجالسين على المبادئ، و الجاثمين على أقدار الشعوب. فما كانوا ليصدّقوا أنّ بإمكان بائعا متنقّلا يدفع عربة يدّ، أن يدفع بيديه الفارغتين تلك، عربة القدر، أن يطيح بكراسٍ و يهزّ عروشاً بوليسيّة، و يهدّ امبراطوريّات ماليّة، و يبعث بقطّاع طرق الأوطان إلى المحاكم، و يحقّق نبوءة شاعر بفتح بوابات تونس لأحرارها، و الهواء النظيف للحريّة.ـ
بوعزيزي الذي كان يبيع خضاراً لا يسدّد ثمنها إلّا بعد بيعها، لأنّ لا رأسمال له إلّا نزاهته، ترك لمن سرقوا قوته على مدى 26 سنة فاتورة رماده الطاهر، سيسدّدونها حفيداً عن جدّ، بلداً بعد آخر، عن ملايين الشباب العاطل عن الأحلام. ذلك أنّ فتيل حريقه يتقدّم قافزاً فوق الحدود.. كما هي عادة النار، مشعلاً حرائق العنفوان في هشيم شعوب ما كانت لتصدّق كم هي هشّة عروش الجبابرة و كم هم جبناء أولئك الطغاة.ـ
لم يرض بوعزيزي الشاب النكرة، المقيم في قرية نائية حتى عن ضواحي التاريخ، أن يهان في كرامته. ردّ على صفعة بإضرام النار في نفسه محرقاً الشيء الوحيد الذي يملكه’’ جسده’’. وظلّ الطغاة في تونس كما في القاهرة على مرأى من التاريخ، يرضون على مدى أسابيع بالإهانات والشتائم المنقولة على فضائيّات العالم. ضرب الناس بالجزمات صورهم على مرأى من الكاميرات، داسوا على أسمائهم التي كتبوها على إسمنت الشوارع، و لا هم استحوا و لا انتحروا. ظلّوا يدافعون مذعورين عن كراسٍ احترقت أرجلها ثمّ عندما كبر الحريق، جثوا على ركبهم يتوسّلون النجاة، بحثاً عن شبّاك يقفزون منه خارج التاريخ.ـ
من بعض فجائع هذه الأمّة فقدان حكّامها للحياء.!ـ
***
أحلام مستغانمي
تعليق