ليلة العيد كنت أسير في شارع عمر المختار، وهو الشارع التجاري الأكبر بمدينة غزة، لفت نظري رجل في منتصف الأربعينات يفترش أحد الأرصفة يبيع بعض ألعاب الأطفال إلى جانبه ابنة صغيرة لا تتجاوز الثمانية أعوام، حزينة، رثة الثياب يعكس مظهرها فقراً وصل حد العظم لتلك الأسرة، ولو تمكن الرجل من بيع كل ما يعرضه على ذلك الرصيف فظنّي أنه لن يكفي ثياباً لتلك الفتاة التي تكسر القلب.
كيف الحال بإخوتها وكيف أمضوا رمضان؟ ومن أين تدبروا ملابس المدرسة؟ وألف سؤال وسؤال ربما يفرضها وضع مئات آلاف العائلات التي استسلمت لقدر يزداد قسوةً انهال عليها في حالة ترف سياسي وصراع سلطة لم يكتمل بعد، وترف لقاءات متباعدة بعد توقيع اتفاق المصالحة يعكس هوّةً كبيرةً بين آلام الناس وبين معرفة ووعي القيادات.
جولة العيد كانت أكثر كآبةً من مشهد تلك الفتاة، بيوت الأهل والإخوة الذين يعيشون البطالة، والأخوات اللواتي لا يعمل أزواجهن وبقية الأقارب بسطاء معدمون لا حول لهم ولا عمل، رأيت البؤس في عيون الجميع، الأمر في غاية الصعوبة، ولأنك رئيس وزارة غزة فأنت مسؤول عنهم، كما مسؤولية ذلك الخليفة عن تعثر الدابة، ولأن أغلب مواطني قطاع غزة يتعثرون، علي أن أترجم نظراتهم الحزينة لأقول لك على لسانهم ولساني أرجوك ارحل.
أنتم تقودون غزة منذ سنوات، ومنذ سنوات ووضعها في تراجع على معظم المستويات، فالفقر والبطالة هما المهنة الأكثر رواجاً في غزة، والفقر يا سيدي هو الأب الروحي لكل الانهيارات الاجتماعية، هكذا تقول كل نظريات علم الاجتماع، ولا يمكن لبيئة الفقر أن تنتج مجتمعاً سليماً، فازدادت الأمراض الاجتماعية، وأجهزتكم قادرة على تقديم تقارير بذلك، فماذا يعني أن يهرب أب من عيون أبنائه خوفاً من سؤال المصروف اليومي؟ وكيف يمكن لأب عاطل عن العمل أن يستطيع تربية أبنائه حين يفقد سطوة الدخل وإعالة الأسرة حين يصاب بعجز البطالة؟
أما الصحة، فتكفي شهادات المواطنين على التراجع الهائل في مستوى خدماتها، ومن الواضح أن الحكومة لا تتمكن من شراء حتى الأدوية لنسمع مع نهاية كل شهر الشكوى المتكررة بأن أحداً ما عليه أن يشتري لغزة أدويتها وإلا فإن الموت ينتظر المرضى ونزلاء المستشفيات، أما التعليم فالأرقام وحدها كفيلة بإعطاء النتائج التي تحتاج إلى من يقرؤها والتي تكفي وحدها لإسقاط حكومة، وبالأرقام التي تعكس انهيار التعليم، فقد تقدم هذا العام لامتحان الثانوية العامة 36,400 طالب، كان عدد الذين لم تبلغ نسبتهم 60% أي الذين لا يستطيعون الالتحاق بالجامعة حوالي 24 ألف طالب، أي أن عدد الذين نجحوا بالوصول للجامعة حوالي 12,500 طالب، وهذا الرقم يستحق التوقف، أما خريجو الجامعات فهم منذ سنوات يحجزون أدواراً في طوابير البطالة تحطمت آمالهم بالزواج وأنتم تعرفون ماذا يعني أن يعجز شاب عن الزواج ويفقد الأمل... هذا تحت حكمكم.
أما الاقتصاد والذي حاصرته إسرائيل، فبعد أحداث سفينة (مرمرة) وفتح المعابر اكتشف التجار أن ما كان لديهم من أمل في عودة مصالحهم قد وأدته الأنفاق التي تغرق غزة ببضائعها وهم لا يستطيعون منافستها، فانهارت النخبة الاقتصادية الحقيقية لتنشأ نخبة جديدة من الاقتصاديين أصحاب الأنفاق سيكون لهم دور بإدارة المجتمع والسياسة لاحقاً كما النخب الاقتصادية في العالم، وهم ليسوا مؤهلين لأنهم نتاج حالة تشوه اقتصادي ستترك آثارها لاحقاً بعد أن يستكمل تدمير ما تبقى من اقتصاد كان يعتقد أنه سيقف على قدميه يوماً ما.
أما معبر رفح والذي يشكل وحده مأساة، والطوابير التي تنتظر لساعات تحت الشمس لتأخذ دورها حين يشاء الله أو تشاء ورقة مصالحة معلقة بانتظار مصلحة حزب تأكل يومياً من رصيد مصلحة شعب بأكمله يصرخ دون أن يلقى استجابة من أحد حيث تحولت غزة إلى سجن كبير لا يعرف سكانه موعد إفراجهم بالضبط كما يجهلون مواعيد الكهرباء وتلك مأساة المآسي منذ سنوات حكمكم، حيث صيف غزة اللاهب حين تنقطع عن تشغيل مروحة تحرك بعض الهواء الساخن ليستعيض الناس عنها بمولدات تعوي في كل مكان نظراً لازدحام البيوت وتلاصقها فيصبح في الدونم الواحد سبعة مولدات والمشكلة الأكبر قادمة حين نكتشف بعد سنوات ما فعلته عوادمها وأبخرتها من سرطان سيغزو أجساد أطفالنا.. نحن بانتظار الكارثة يا سيدي.
لماذا يذهب حزب الله إلى طرابلس لاستدعاء نجيب ميقاتي رئيساً لوزراء لبنان؟ هل هناك فقر قيادة لدى الحزب إلى هذه الدرجة لإدارة الدولة والذي أثبت على مدى السنوات الماضية كفاءة عالية في إدارة كل شيء آخرها المعركة المشرفة ضد الجيش الإسرائيلي بصمود مذهل؟ ولكن حتى لا يخضع لحصار ويخضع لبنان معه، وحتى لا يشكو لشعبه عجزه الصحي وأزمة كهرباء ومطاره وشلل اقتصاده وحتى لا ينشغل بإحصاء طوابير البطالة، وحتى يسير في بيروت معفياً نفسه من رؤية شعبه متسولاً على الأرصفة وأطفال بملابس رثة عجز آباؤهم عن توفير ملبس، وحتى لا يمتهن الشكاوى التي جنبنا سماعها على شاشة تلفزيون المنار فقد تصرف بمسؤولية أعلى بعيداً عن مصالح الحزب، كان بإمكانه السيطرة عسكرياً على لبنان، فهو القوة الوحيدة بغير منازع، ولبنان بلد أكثر استقلالاً من غزة وربما تكون الآثار السلبية لسيطرته عليه وحكمه أقل وطأةً ولكن حسابات السياسة بعقل بارد دفعته للذهاب نحو طرابلس باحثاً عن قائد ربما أقل كفاءة من العشرات من كوادره.
منذ سيطرتكم تعرضتم لحصار قاس أفقدكم إمكانية تجربة قدرتكم في الإدارة وحال دون تمكنكم من تقديم نموذج، ولكن النتيجة أن غزة تنهار تحت حكمكم وتنفلت منظومتها الاجتماعية، ربما أنكم لم تسمعوا تفاصيل الشكاوى الهائلة والتي يفصلكم عنها موكب مصفح وجيش من الشرطة والأمن، ولكن يا سيدي هذه هي الحقيقة أن لديك في غزة بقايا شعب محطم، وربما أن لدينا الجرأة لنطالبك بالرحيل بعد أن فقدت كل المؤسسات وعلى رأسها الرئاسة والتشريعي شرعية وجودها ولم تعرض نفسها على الشعب في الموعد المحدد وبقيت تحكم بقوة العسكر منذ أن انتهت ولاية السنوات الأربع ولم تجر بعدها انتخابات توفي خلالها كثيرون ودخل العمر الانتخابي كثيرون أيضاً أصبح من حقهم أن ينتخبوا قيادتهم، وترعبهم قوة الأمن في غزة والضفة أيضاً من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية بحجة الانقسام الذي أطاح بثقة الشعب بطرفيه العاجزين عن إنهائه.
غزة تعيش أزمة مزمنة ومتدحرجة وتسير بخط بياني هابط، انتظر الناس عاماً وعامين وأربعة، لكن أن تمضي بقية أعمارهم بلا عمل في وقت ينظرون لموظفي الحكومتين في غزة ورام الله دون أن تتمكن أي منهما من توفير فرصة عمل للخريجين والعاطلين فهذا وضع لا يمكن احتماله لسنوات أكثر ودون أمل أضاعته اللقاءات العبثية في القاهرة، فالمسؤولية تعني القدرة على توفير ممكنات الحياة للبشر، ولأن حكومة غزة لم تستطع وبصرف النظر عن الأسباب فلترحل، وليمارس الناس حقهم في اختيار من يعتقدون أنه قادر على إدارة حياتهم.
كيف الحال بإخوتها وكيف أمضوا رمضان؟ ومن أين تدبروا ملابس المدرسة؟ وألف سؤال وسؤال ربما يفرضها وضع مئات آلاف العائلات التي استسلمت لقدر يزداد قسوةً انهال عليها في حالة ترف سياسي وصراع سلطة لم يكتمل بعد، وترف لقاءات متباعدة بعد توقيع اتفاق المصالحة يعكس هوّةً كبيرةً بين آلام الناس وبين معرفة ووعي القيادات.
جولة العيد كانت أكثر كآبةً من مشهد تلك الفتاة، بيوت الأهل والإخوة الذين يعيشون البطالة، والأخوات اللواتي لا يعمل أزواجهن وبقية الأقارب بسطاء معدمون لا حول لهم ولا عمل، رأيت البؤس في عيون الجميع، الأمر في غاية الصعوبة، ولأنك رئيس وزارة غزة فأنت مسؤول عنهم، كما مسؤولية ذلك الخليفة عن تعثر الدابة، ولأن أغلب مواطني قطاع غزة يتعثرون، علي أن أترجم نظراتهم الحزينة لأقول لك على لسانهم ولساني أرجوك ارحل.
أنتم تقودون غزة منذ سنوات، ومنذ سنوات ووضعها في تراجع على معظم المستويات، فالفقر والبطالة هما المهنة الأكثر رواجاً في غزة، والفقر يا سيدي هو الأب الروحي لكل الانهيارات الاجتماعية، هكذا تقول كل نظريات علم الاجتماع، ولا يمكن لبيئة الفقر أن تنتج مجتمعاً سليماً، فازدادت الأمراض الاجتماعية، وأجهزتكم قادرة على تقديم تقارير بذلك، فماذا يعني أن يهرب أب من عيون أبنائه خوفاً من سؤال المصروف اليومي؟ وكيف يمكن لأب عاطل عن العمل أن يستطيع تربية أبنائه حين يفقد سطوة الدخل وإعالة الأسرة حين يصاب بعجز البطالة؟
أما الصحة، فتكفي شهادات المواطنين على التراجع الهائل في مستوى خدماتها، ومن الواضح أن الحكومة لا تتمكن من شراء حتى الأدوية لنسمع مع نهاية كل شهر الشكوى المتكررة بأن أحداً ما عليه أن يشتري لغزة أدويتها وإلا فإن الموت ينتظر المرضى ونزلاء المستشفيات، أما التعليم فالأرقام وحدها كفيلة بإعطاء النتائج التي تحتاج إلى من يقرؤها والتي تكفي وحدها لإسقاط حكومة، وبالأرقام التي تعكس انهيار التعليم، فقد تقدم هذا العام لامتحان الثانوية العامة 36,400 طالب، كان عدد الذين لم تبلغ نسبتهم 60% أي الذين لا يستطيعون الالتحاق بالجامعة حوالي 24 ألف طالب، أي أن عدد الذين نجحوا بالوصول للجامعة حوالي 12,500 طالب، وهذا الرقم يستحق التوقف، أما خريجو الجامعات فهم منذ سنوات يحجزون أدواراً في طوابير البطالة تحطمت آمالهم بالزواج وأنتم تعرفون ماذا يعني أن يعجز شاب عن الزواج ويفقد الأمل... هذا تحت حكمكم.
أما الاقتصاد والذي حاصرته إسرائيل، فبعد أحداث سفينة (مرمرة) وفتح المعابر اكتشف التجار أن ما كان لديهم من أمل في عودة مصالحهم قد وأدته الأنفاق التي تغرق غزة ببضائعها وهم لا يستطيعون منافستها، فانهارت النخبة الاقتصادية الحقيقية لتنشأ نخبة جديدة من الاقتصاديين أصحاب الأنفاق سيكون لهم دور بإدارة المجتمع والسياسة لاحقاً كما النخب الاقتصادية في العالم، وهم ليسوا مؤهلين لأنهم نتاج حالة تشوه اقتصادي ستترك آثارها لاحقاً بعد أن يستكمل تدمير ما تبقى من اقتصاد كان يعتقد أنه سيقف على قدميه يوماً ما.
أما معبر رفح والذي يشكل وحده مأساة، والطوابير التي تنتظر لساعات تحت الشمس لتأخذ دورها حين يشاء الله أو تشاء ورقة مصالحة معلقة بانتظار مصلحة حزب تأكل يومياً من رصيد مصلحة شعب بأكمله يصرخ دون أن يلقى استجابة من أحد حيث تحولت غزة إلى سجن كبير لا يعرف سكانه موعد إفراجهم بالضبط كما يجهلون مواعيد الكهرباء وتلك مأساة المآسي منذ سنوات حكمكم، حيث صيف غزة اللاهب حين تنقطع عن تشغيل مروحة تحرك بعض الهواء الساخن ليستعيض الناس عنها بمولدات تعوي في كل مكان نظراً لازدحام البيوت وتلاصقها فيصبح في الدونم الواحد سبعة مولدات والمشكلة الأكبر قادمة حين نكتشف بعد سنوات ما فعلته عوادمها وأبخرتها من سرطان سيغزو أجساد أطفالنا.. نحن بانتظار الكارثة يا سيدي.
لماذا يذهب حزب الله إلى طرابلس لاستدعاء نجيب ميقاتي رئيساً لوزراء لبنان؟ هل هناك فقر قيادة لدى الحزب إلى هذه الدرجة لإدارة الدولة والذي أثبت على مدى السنوات الماضية كفاءة عالية في إدارة كل شيء آخرها المعركة المشرفة ضد الجيش الإسرائيلي بصمود مذهل؟ ولكن حتى لا يخضع لحصار ويخضع لبنان معه، وحتى لا يشكو لشعبه عجزه الصحي وأزمة كهرباء ومطاره وشلل اقتصاده وحتى لا ينشغل بإحصاء طوابير البطالة، وحتى يسير في بيروت معفياً نفسه من رؤية شعبه متسولاً على الأرصفة وأطفال بملابس رثة عجز آباؤهم عن توفير ملبس، وحتى لا يمتهن الشكاوى التي جنبنا سماعها على شاشة تلفزيون المنار فقد تصرف بمسؤولية أعلى بعيداً عن مصالح الحزب، كان بإمكانه السيطرة عسكرياً على لبنان، فهو القوة الوحيدة بغير منازع، ولبنان بلد أكثر استقلالاً من غزة وربما تكون الآثار السلبية لسيطرته عليه وحكمه أقل وطأةً ولكن حسابات السياسة بعقل بارد دفعته للذهاب نحو طرابلس باحثاً عن قائد ربما أقل كفاءة من العشرات من كوادره.
منذ سيطرتكم تعرضتم لحصار قاس أفقدكم إمكانية تجربة قدرتكم في الإدارة وحال دون تمكنكم من تقديم نموذج، ولكن النتيجة أن غزة تنهار تحت حكمكم وتنفلت منظومتها الاجتماعية، ربما أنكم لم تسمعوا تفاصيل الشكاوى الهائلة والتي يفصلكم عنها موكب مصفح وجيش من الشرطة والأمن، ولكن يا سيدي هذه هي الحقيقة أن لديك في غزة بقايا شعب محطم، وربما أن لدينا الجرأة لنطالبك بالرحيل بعد أن فقدت كل المؤسسات وعلى رأسها الرئاسة والتشريعي شرعية وجودها ولم تعرض نفسها على الشعب في الموعد المحدد وبقيت تحكم بقوة العسكر منذ أن انتهت ولاية السنوات الأربع ولم تجر بعدها انتخابات توفي خلالها كثيرون ودخل العمر الانتخابي كثيرون أيضاً أصبح من حقهم أن ينتخبوا قيادتهم، وترعبهم قوة الأمن في غزة والضفة أيضاً من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية بحجة الانقسام الذي أطاح بثقة الشعب بطرفيه العاجزين عن إنهائه.
غزة تعيش أزمة مزمنة ومتدحرجة وتسير بخط بياني هابط، انتظر الناس عاماً وعامين وأربعة، لكن أن تمضي بقية أعمارهم بلا عمل في وقت ينظرون لموظفي الحكومتين في غزة ورام الله دون أن تتمكن أي منهما من توفير فرصة عمل للخريجين والعاطلين فهذا وضع لا يمكن احتماله لسنوات أكثر ودون أمل أضاعته اللقاءات العبثية في القاهرة، فالمسؤولية تعني القدرة على توفير ممكنات الحياة للبشر، ولأن حكومة غزة لم تستطع وبصرف النظر عن الأسباب فلترحل، وليمارس الناس حقهم في اختيار من يعتقدون أنه قادر على إدارة حياتهم.
تعليق