إيران إذ تعاقب حماس بسبب سوريا
مؤخرا نقلت وكالة رويترز للأنباء عن دبلوماسيين غربيين في العاصمة الإيرانية طهران قولهم إن إيران أوقفت منذ شهرين دعمها لحركة حماس وحكومتها في قطاع غزة بسبب عدم تأييدها للنظام السوري في مواجهته مع الشعب، ورفضها تسيير مظاهرات لصالحه في المخيمات.
الأرجح أنّ توقُف الدعم الإيراني لحركة حماس لم يبدأ منذ شهرين فقط، وإنما توقف عمليا منذ ستة شهور كما تشير دلائل ومعلومات كثيرة، من بينها الأزمة المالية التي تعانيها الحكومة في قطاع غزة، الأمر الذي يرتبط من دون شك بموقف الحركة الرافض لتأييد النظام السوري في معركته ضد شعبه المطالب بالحرية.
بمفهوم المفارقة، فإن ذلك يعني أن إيران كان لها دورها في دعم المقاومة في فلسطين (فضلا عن لبنان والتبني الكامل لحزب الله)، وهو أمر يُذكر لها ويستحق التقدير حتى لو قيل إنه كان يتم لحسابات سياسية، أو حتى مذهبية، لا سيما أن ثمن ذلك ليس سهلا لجهة رد الغرب والكيان الصهيوني.
ولنا أن نقارن ذلك بمواقف عربية لم تقف عند حدود رفض الدعم لحماس وقوى المقاومة، بل مارست التحريض عليها، وصولا إلى استهدافها أمنيا وسياسيا.
عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية في سوريا كان من الطبيعي أن يطلب النظام تأييد حركة حماس كجزء مما يراه ردا للجميل على استضافتها في سوريا منذ عقد ونيف، تحديدا منذ إبعاد قادتها من عمان نهاية التسعينيات، لكن الحركة لم يكن بوسعها أن تفعل ذلك، ليس فقط لأن التحالف مع سوريا كان ضد الكيان الصهيوني وليس ضد الشعب السوري، بل أيضا لاعتبارات الوفاء للسوريين الذين منحوها الحاضنة الدافئة، ومعها الكثير من الدعم المالي السخي من دون حسابات سياسية غير حسابات المبادئ الدينية والقومية.
ليس هذا فقط، ذلك أن أي موقف للحركة لا ينسجم مع روح مبادئها، وبالضرورة مع الضمير الجمعي لجماهير الأمة، لم يكن ليمر مرور الكرام، بل سيكون ثمنه باهظا عليها، وربما على الحالة الإسلامية برمتها، تلك التي سجلت حضورا بارزا في الثورات العربية، ومن ضمنها الثورة السورية ذاتها التي تشكل المساجد عنوانها الأبرز.
لم يكن بوسع حماس أن تبدد رصيدها الكبير بين جماهير الأمة في مغامرة من هذا النوع، وهو رصيد تحقق بسبب خصوصية فلسطين كقضية مركزية للأمة من جهة، وبسبب هوية الحركة وروعة تضحياتها من جهة أخرى، ولو أخذت الحركة موقفا مؤيدا للنظام لخسرت خسارة رهيبة، ويكفي أن ندرك حجم خسارة حزب الله (رغم كونه شيعيا) في هذه المعركة لكي ندرك ما كان يمكن أن يترتب من خسائر على حركة حماس (السنية).
لا شك أن القرار (الحياد ورفض التدخل لصالح النظام) كان بالغ الصعوبة، لأن الثمن المترتب عليه ليس سهلا بحال، ولا يستبعد كثيرون أن يتورط الجناح المتطرف في مؤسسة النظام الأمنية في استهداف بعض رموز الحركة، سواءً مباشرة أم عبر تسريب معلومات عنهم للكيان الصهيوني كما حصل مع الشهيد عماد مغنية الذي يعتقد البعض أن جهات أمنية سورية هي التي سربت مكان إقامته للإسرائيليين، الأمر الذي تسبب باغتياله، وغالبا من أجل شطب الخيط (لعله الوحيد) الذي يشير إلى علاقة النظام السوري بعملية اغتيال رفيق الحريري.
هنا يذهب مزايدون، وهم غالبا من بعض (نكرر بعض) السوريين في الخارج حد مطالبة حماس بترك سوريا لكي يُنزع عن نظامها غطاء المقاومة والممانعة، مضيفين أن الموقف لم يعد يحتمل الحياد بعدما أراق النظام دماء شعبه.
والرد على ذلك يتعلق في المقام الأول بسؤال ما إذا كان وجود حماس في سوريا قد شكّل بالفعل غطاءً للنظام، الأمر الذي لا يبدو صحيحا، بدليل أن الغالبية الساحقة من جماهير الأمة (ربما باستثناء غالبية في الوسط الشيعي) تقف مع انتفاضة الشعب السوري دون تردد، في ذات الوقت الذي تتفهم فيه موقف حماس، بل تقدره أيضا تبعا لوضعها الحساس، وهو ما ينطبق على الغالبية الساحقة من الجماهير السورية في الداخل والخارج.
أما الجانب الثاني فيتعلق بالبدائل التي تمتلكها الحركة، وهي بدائل لا تبدو متيسرة أو معقولة إلى الحد الذي يتكلم عنه البعض، إذ ليس ثمة دولة عربية (لا قطر ولا سواها) تسمح بنقل وجود الحركة الكبير في سوريا إليها، وبعضه بالطبع من الفلسطينيين (السوريين).
يشير البعض طبعا إلى مصر بعد ثورة يناير، في وقت يعلم الجميع أن الوضع فيها لم يستقر إلى الآن، ومن الصعب أن تتورط الحركة في رهن نفسها لبلد لم تُحسم خيارات نظامه السياسي بعد. أما الحديث العبثي عن قطاع غزة كعنوان فلا يبدو ذا قيمة، ليس فقط بسبب الاعتبارات الأمنية (قتل أي قائد سياسي لا يحتاج لأكثر من قرار، اللهم إلا إذا نزل تحت الأرض بشكل كامل مثل القادة العسكريين)، ولكن أيضا بسبب الاعتبارات المتعلقة بالصلة مع الضفة الغربية، فضلا عن الشتات الذي يشكل نصف الشعب الفلسطيني، وهو ما لا يتوفر للقطاع.
ولنا أن نضيف بعد ذلك غموض مستقبله في ظل أسئلة المصالحة والانتخابات والموقف من المقاومة والدولة والمفاوضات.
على أي حال، ليس من اللائق تكثير النصائح، فضلا عن الأوامر والهجاء لحركة حماس، فهي أكثر من يحترق بتداعيات ما يجري، ولا شك أن قادتها يدرسون الأمر بشكل متواصل، لاسيما أن في القضية الكثير من التفاصيل والتعقيدات التي يتورط بعض قصار النظر (ومنهم إسلاميون مع الأسف) في تلخيصها على نحو تبسيطي بمصير حفنة من الناس يمكن أن يرحلوا بكل بساطة إلى أي مكان. كل ذلك لا ينفي إمكانية تغيير الموقف والرؤية بين لحظة وأخرى تبعا للتطورات على مختلف الأصعدة.
لقد وقفنا منذ اليوم الأول مع ثورة الشعب السوري، ولم نتردد لحظة واحدة، في ذات الوقت الذي قدرنا أيضا موقف حماس المحايد تبعا لوضعها الخاص، ورأيناه موقفا يستحق التقدير.
بالنسبة لإيران، يمكن القول إن موقفها من الثورة السورية كان سيئا بكل المقاييس، هي التي أقامت الدنيا من أجل البحرين (مطالب الناس الإصلاحية فيها محقة إلى حد كبير). ولا شك أن عقابها (أعني إيران) لحماس على موقفها سيكون أكثر إثارة للشارع العربي والإسلامي، وبالطبع لما يعنيه من حسم لموقفها المذهبي، وبالتالي الكف عن مساعي كسب تعاطف واحترام سائر أبناء الأمة، الأمر الذي قد ينطبق بقدر ما على حزب الله مع الأسف الشديد، مع فارق أن إيران هي المسؤولة عن الحزب ومواقفه من الناحية العملية.
يبقى القول إن على الذين كانوا يثيرون الزوابع بخصوص علاقة حماس مع إيران أن يتيقنوا الآن أن الحركة كانت مستقلة القرار وليست في جيب أحد، وأن عليهم في المقابل أن يطالبوا الدول العربية بتقديم المساعدة لحماس إذا كانت حريصة بالفعل على فلسطين وقضيتها (دعك من حديثها الإنشائي عن مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة)، مع أن واجب دعم فلسطين وقضيتها كعنوان لصراع الأمة مع أعدائها لا ينبغي أن يرتبط بالعلاقة المضطربة مع إيران، لاسيما أن فلسطين هي القضية الوحيدة التي تجمع عليها الأمة بأسرها من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا.
وإذا ما توازنت العلاقة بين محاور الأمة (تركيا، وإيران، ومصر ومن ورائها عموم العالم العربي) بعيدا عن الحساسيات المذهبية، فستكون فلسطين أهم القواسم المشتركة فيما بينها.
يبقى القول إن حماس وقوى المقاومة تنوب عن الأمة في الدفاع عن فلسطين، وقدمت وتقدم في المعركة خيرة قادتها وأبنائها، ومن شاء تبعا لذلك أن يدعمها فأهلا وسهلا، ومن تخلف فعليه الوزر، لكن جماهير الأمة لن تتخلى عنها ولا عن فلسطين، حتى لو انشغلت لبعض الوقت في معركتها لنيل حريتها واستعادة قرارها السياسي من أيدي الطغاة.
تعليق