حزب الله والثورة السورية.. السياسة أولاً والأيديولوجيا دائماً
--------------------------------------------------------------------------------
تحوّل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة إلى ناطق إعلامي رسمي باسم النظام السوري، إذ كان خروجه الإعلامي أكثر من المسؤولين السوريين أنفسهم!! وحاول في خطاباته الترويج لوجهة النظر الرسمية، بِحثِّه السوريين على التمسك بالنظام المقاوم والممانع كما يزعم، والصبر على الإصلاحات الجدية التي أكدها له الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا!!
وهذا الموقف المتناقض مع المواقف السابقة من الثورات في تونس ومصر التي أيدها بشكل كامل دفع بعض الكتاب إلى مراجعة موقفهم من الحزب، بدليل أن الكثيرين منهم لم يستهجنوا اتهام أعضاء من الحزب باغتيال رفيق الحريري، بل أصبح ذلك أمرا ممكنا بعد مواقف الحزب الأخيرة ضد الشعب السوري، ووجد البعض الآخر في أهمية النظام السوري بالنسبة للحزب مبرراً لما تبناه من مواقف، غير أن الإشكال الأخلاقي أصاب مصداقية الحزب في الصميم باستمرار الأمين العام للحزب في التهويل من أحداث البحرين في اصطفاف طائفي لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي طرح تساؤلات عديدة عن حقيقة تمسك الحزب بأيديولوجيته وذلك لتعارض هذه المواقف مع أهم ركيزة أيديولوجية بني عليها التشيع بشكل عام وعقيدة حزب الله ونظام الولي الفقيه الذي أسسه الخميني بشكل خاص والمتمثلة في نصرة المظلومين وحرب الظالمين مهما كانوا، ولذلك فإن حسن نصر الله يكرر في خطبه كثيراً عبارة "هيهات منا الذلة" المنسوبة للحسين رضي الله عنه باعتبارها دعوة للثورة على الظلم والطغيان!!
السياسة أولا
نظرا لأهمية النظام السوري كممر للدعم الإيراني لحزب الله وبسبب التحالف الإستراتيجي بين النظامين في دمشق وطهران منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن العلاقة بين ما بات يصطلح عليه إعلاميا بمحور الممانعة -باستثناء حركة المقاومة حماس- أصبحت علاقة وجودية إلى حد كبير، ورغم محاولة نصر الله التقليل من أهمية تداعيات سقوط نظام بشار الأسد على مستقبل حزبه فإن ذلك لا ينفي حقيقة التأثيرات السلبية عليه خاصة بعد موقفه المناهض للشعب السوري الذي من دون شك سيعيد ترتيب علاقاته مع الحزب خاصة وأن الشارع السوري هاجم بشدة ووضوح كلاً من إيران وحزب الله وحرق أعلامهما، ولا يعنى هذا بالضرورة أن ينتقل الشعب السوري إلى صف إسرائيل والولايات المتحدة كما يحاول ترويجه النظام السوري وحزب الله، فبين الموقفين هناك العديد من الخيارات السياسية بل لن يقل موقف الشارع السوري من إسرائيل عن موقف الشارع المصري بعد الثورة.
ويمكن أن نلخّص الأهداف السياسية من خطابات نصر الله وموقفه من الثورة السورية فيما يلي:
1 – بحكم الشعبية الكبيرة التي اكتسبها حسن نصر الله في السنوات الأخيرة وخاصة بعد حرب 2006 مع إسرائيل فإن النظام السوري حاول الاستنجاد بها والاستثمار فيها لإجهاض الثورة وخلط أوراقها، وهذا ما يفسر الخروج المبكر لحسن نصر الله وتوجيهه خطاباً مباشراً للشعب السوري يحثه فيه على المحافظة على النظام المقاوم الممانع والصبر على الإصلاحات كما سبقت الإشارة، غير أنه لم يوفق في ذلك نظراً لاستمرار الأجهزة الأمنية السورية في قمع المظاهرات مما كان له أثر عكسي على النظام وحزب الله نفسه.
2 –تمثل المواقف السياسية الخارجية المصدر الأهم المتبقي لشرعية النظامين الإيراني والسوري نظرا لتآكل المصادر الأخرى لشرعيتهما لأسباب عديدة في مقدمتها فشل كل المشاريع التنموية والفساد المستشري فيهما والقمع الأمني للمعارضة، لذلك حاول النظام السوري التركيز على الجانب الخارجي لتصوير الثورة الشعبية على أنها مؤامرة أمريكية إسرائيلية لضرب النظام المقاوم والممانع، وأفضل من يجيد هذا الدور ويتمتع بقبول شعبي عربي هو حسن نصر الله الذي لم يتردد في رد الجميل.
وتجدر بنا الإشارة في هذا السياق إلى تركيز الإعلام السوري الرسمي وغير الرسمي بما في ذلك إعلام حزب الله على موقف الغرب من القضايا الأخرى كتقسيم السودان وأطماع حلف النيتو في ليبيا واستمرار دعم الحصار الإسرائيلي على غزة ومنع أسطول الحرية الثاني من الانطلاق ومحاولة إسقاط هذه المواقف على الوضع السوري، ومع استبعاد الكثير من المراقبين فتح الحزب لمعركة مع إسرائيل لاعتبارات تتعلق بموازين القوى ورد الفعل الإسرائيلي، ومع فشل المحاولات الاستعراضية لتنظيم مظاهرات في الجولان الذي ظل هادئا طوال أربعة عقود من حكم نظام الأسد، واستمرار الجنوب اللبناني في حالة الهدوء منذ خمس سنوات فيرجح أن يحاول نصر الله التركيز على موضوع المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الرئيس الحريري لصرف الأنظار وتشتيت الانتباه وخلط الحسابات الدولية من أجل تخفيف الضغط على حليفه السوري، ويستبعد أن يستمر في توجيه رسائل مباشرة للشعب السوري التي أثبتت فشلها.
3 – منذ الأيام الأولى للثورة السورية تناقلت وسائل الإعلام خبر مشاركة عناصر من حزب الله في قمع المتظاهرين، الأمر الذي سارع الحزب إلى تفنيده ولكن الحقيقة التي لا يستطيع إنكارها هي مشاركة خبراء من الحرس الثوري في التخطيط لقمع المظاهرات كما تردد في وسائل الإعلام أيضا، وهذا الأمر غير مستبعد على الإطلاق فعناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي شملت العقوبات الغربية بعض قياداته متواجدون في كل مكان لزرع الخلايا النائمة والحية في العديد من الدول.
وبعد دعم النظام الإيراني رسمياً وعلنياً لنظام الأسد البعثي لا يستبعد أن يشاركه في قمع الثورة أيضاً، بعدما هدد تركيا باستهداف القواعد الأمريكية المتواجدة على أراضيها إذا ما تعرضت سوريا لأي هجوم، ونصر الله بكثافة خطاباته يحاول بشكل أو آخر توفير غطاء إعلامي إن صح التعبير للآلة الأمنية القمعية المشتركة لإجهاض الثورة.
4- خطاب نصر الله كان موجها أيضا إلى جمهور طائفته وما تبقى من رأي عام عربي لازال متعاطفا معه ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من شعبية ومشاريع تبشيرية وسياسية ارتبطت به، خاصة مع تركيز الإعلام على المواقف المتناقضة للحزب من سوريا والبحرين، وقد حاول تبرير ذلك التناقض لكنه لم ينجح حيث بدت عليه علامات الارتباك عند تطرقه إلى موضوع البحرين في أحد خطاباته كما أن حججه لم ترتقِ إلى المستوى الذي اكتسب به قلوب الشعوب العربية ليخرج منها بنفس الطريقة.
الأيديولوجيا دائماً
يخطئ من يتصور أن الحزب يتحرك وفق أجندة سياسية بحتة وأن الأيديولوجيا تراجعت أمام الأجندة السياسية في هذه المرحلة الهامة التي يمر بها الحزب، وذلك لأن هذه الفرضية ستوجب على الأقل أن يهدئ من موقفه تجاه البحرين التي عاد الاستقرار إليها وقام النظام فيها بفتح حوار سياسي شمل كل أطراف المشهد السياسي دون أي شروط مسبقة على غرار إصلاحات الأسد الموعودة والتي لا تأتي أبداً!!
والحزب الذي يستطيع أن يحصي ويتابع ما يزعم أنها جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين في المقابل لا يرى ولا يسمع بالجرائم التي يرتكبها النظام السوري في كل دقيقة، وهي جرائم لا يمكن مقارنتها إطلاقاً بما جرى في البحرين، إذ أن ما يجري في سوريا هو حركة احتجاجية شملت معظم مدنها ومحافظاتها وعدد المتظاهرين في تزايد مستمر ولا تقتصر على طائفة أو عرقية بعكس ما جرى في البحرين، فاستمرار الحزب بقياداته وإعلامه بترديد أسطوانة اتهام عناصر إرهابية باستهداف المتظاهرين واغتيال عناصر الأمن يؤكد أن الحزب يتحرك وفق مبادئ أيديولوجية ثابتة لم يحِد عنها خلال مسيرته إطلاقاً، وهو الوجه الخفي لنصر الله عند كثير من المحللين.
ومن يتابع خطابات حسن نصر الله في مناسبة عاشوراء على قناة المنار يجدها خطاباً يتمحور حول استشهاد الحسين وروح الثورة الحسينية التي يعمل على بثها بين الشيعة ولذلك لا تحظى بأية تغطية إعلامية من القنوات الإخبارية، لإدراكها أنه خطاب تعبوي موجه لطائفته الشيعية تحديداً ولكن قد يتم نقل بعض الفقرات السياسية منه لذلك قد يستشكل على الكثيرين فهم حقيقة أيديولوجيا الحزب.
ومن يلقي نظرة عامة على مبادئ الحزب وثنائية المستضعفين والمستكبرين التي يستلهمها من مرشده الأول الخميني يتصور أن المستضعفين هم كل الشعوب المضطهدة من قبل أنظمتها المستبدة والعميلة للولايات المتحدة الشيطان الأكبر، فالحاكم الظالم في أيديولوجيا الحزب يرمز له بالأمويين وفي مقابله المستضعفين (الشعوب) الذين يرمز لهم بآل البيت ومظلومية الحسين رضي الله عنه وثورته هي طريق الخلاص في نظره.
و بناءً على هذه الثلاثية، وعندما اندلعت الثورة في تونس ومصر وقف الحزب إلى جانبها واحتفى بها، وجرى تصنيفها على هذا الأساس، ولكن لما انتقلت الثورة إلى سوريا وكان قبلها الحزب قد تبنى مواقف مبالغ فيها من أحداث البحرين ظهر التناقض والخلل والارتباك في هذه الثلاثية، فأصبح الحاكم رغم كل جرائمه السابقة واللاحقة رمزاً للمقاومة والممانعة والحكمة والرشد الباحث عن الإصلاح لسبب وحيد أنه حليف للولي الفقيه، وتحول الشعب المظلوم الثائر إلى متآمر وعميل للولايات المتحدة وإسرائيل لأنه لا يقبل بالخضوع لرغبات وكيل الولي الفقيه، وأصبح نهج الشهادة والفداء سبيل الشيطان والغواية!!.
نصر الله حين يتحدث في خطاباته عن المستضعفين والمستكبرين فله معنيان:
عام وخاص، العام يرمز للمستضعفين كلهم أمام المستكبرين والمتلقي من الرأي العام العربي يفهم أن المستضعفين هم الشعوب العربية، والمستكبرين هم الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة العربية كما حددها الخميني.
أما المعنى الخاص الذي يفهمه الشيعي من خطابات الأمين العام للحزب فالمقصود بالمستضعفين فيه الشيعة أتباع آل البيت، أما المستكبرون فهم أعداؤهم الذين يحاربونهم. وعند تحليل هذه الجزئية فإن أهم عدو لهم هم الوهابيون خصوصا وأهل السنة عموما ومن ورائهم جميع الأنظمة العربية التي لا تتبع إيران.
والمتلقي لخطابات نصر الله من الشيعة يفهم هذا بيسر، أما غير الشيعة من الذين لا يتابعون خطاباته الدينية أو غير المطلعين على الفكر الشيعي لا يدركون هذا الفرق الكبير بين المعنى الخاص والمعنى العام، وأبرز مثال على ذلك طريقة تناول الإعلام الإيراني وقناة المنار لتمرد الحوثيين، فقد أصبح الحوثيون المستضعفين، والجيش اليمني هو المستكبر والثورة المسلحة هي الطريق والنهج.
وبهذا يتضح أن نصرة المستضعفين وخلاصهم ليسا غاية حزب الله، بل مقصد حزب الله هو إخضاع المستضعفين لسلطة الولي الفقيه، وبناء على قبول الخضوع يتم التعاون والنصرة لهم!! و بهذا لا نستغرب أن يكون موقف الحزب الشيعي اللبناني ضد الشعب السوري بل والمشاركة في قتل المتظاهرين ضد النظام لأنه يتعارض مع سياسة الولي الفقيه.
--------------------------------------------------------------------------------
تحوّل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة إلى ناطق إعلامي رسمي باسم النظام السوري، إذ كان خروجه الإعلامي أكثر من المسؤولين السوريين أنفسهم!! وحاول في خطاباته الترويج لوجهة النظر الرسمية، بِحثِّه السوريين على التمسك بالنظام المقاوم والممانع كما يزعم، والصبر على الإصلاحات الجدية التي أكدها له الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا!!
وهذا الموقف المتناقض مع المواقف السابقة من الثورات في تونس ومصر التي أيدها بشكل كامل دفع بعض الكتاب إلى مراجعة موقفهم من الحزب، بدليل أن الكثيرين منهم لم يستهجنوا اتهام أعضاء من الحزب باغتيال رفيق الحريري، بل أصبح ذلك أمرا ممكنا بعد مواقف الحزب الأخيرة ضد الشعب السوري، ووجد البعض الآخر في أهمية النظام السوري بالنسبة للحزب مبرراً لما تبناه من مواقف، غير أن الإشكال الأخلاقي أصاب مصداقية الحزب في الصميم باستمرار الأمين العام للحزب في التهويل من أحداث البحرين في اصطفاف طائفي لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي طرح تساؤلات عديدة عن حقيقة تمسك الحزب بأيديولوجيته وذلك لتعارض هذه المواقف مع أهم ركيزة أيديولوجية بني عليها التشيع بشكل عام وعقيدة حزب الله ونظام الولي الفقيه الذي أسسه الخميني بشكل خاص والمتمثلة في نصرة المظلومين وحرب الظالمين مهما كانوا، ولذلك فإن حسن نصر الله يكرر في خطبه كثيراً عبارة "هيهات منا الذلة" المنسوبة للحسين رضي الله عنه باعتبارها دعوة للثورة على الظلم والطغيان!!
السياسة أولا
نظرا لأهمية النظام السوري كممر للدعم الإيراني لحزب الله وبسبب التحالف الإستراتيجي بين النظامين في دمشق وطهران منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن العلاقة بين ما بات يصطلح عليه إعلاميا بمحور الممانعة -باستثناء حركة المقاومة حماس- أصبحت علاقة وجودية إلى حد كبير، ورغم محاولة نصر الله التقليل من أهمية تداعيات سقوط نظام بشار الأسد على مستقبل حزبه فإن ذلك لا ينفي حقيقة التأثيرات السلبية عليه خاصة بعد موقفه المناهض للشعب السوري الذي من دون شك سيعيد ترتيب علاقاته مع الحزب خاصة وأن الشارع السوري هاجم بشدة ووضوح كلاً من إيران وحزب الله وحرق أعلامهما، ولا يعنى هذا بالضرورة أن ينتقل الشعب السوري إلى صف إسرائيل والولايات المتحدة كما يحاول ترويجه النظام السوري وحزب الله، فبين الموقفين هناك العديد من الخيارات السياسية بل لن يقل موقف الشارع السوري من إسرائيل عن موقف الشارع المصري بعد الثورة.
ويمكن أن نلخّص الأهداف السياسية من خطابات نصر الله وموقفه من الثورة السورية فيما يلي:
1 – بحكم الشعبية الكبيرة التي اكتسبها حسن نصر الله في السنوات الأخيرة وخاصة بعد حرب 2006 مع إسرائيل فإن النظام السوري حاول الاستنجاد بها والاستثمار فيها لإجهاض الثورة وخلط أوراقها، وهذا ما يفسر الخروج المبكر لحسن نصر الله وتوجيهه خطاباً مباشراً للشعب السوري يحثه فيه على المحافظة على النظام المقاوم الممانع والصبر على الإصلاحات كما سبقت الإشارة، غير أنه لم يوفق في ذلك نظراً لاستمرار الأجهزة الأمنية السورية في قمع المظاهرات مما كان له أثر عكسي على النظام وحزب الله نفسه.
2 –تمثل المواقف السياسية الخارجية المصدر الأهم المتبقي لشرعية النظامين الإيراني والسوري نظرا لتآكل المصادر الأخرى لشرعيتهما لأسباب عديدة في مقدمتها فشل كل المشاريع التنموية والفساد المستشري فيهما والقمع الأمني للمعارضة، لذلك حاول النظام السوري التركيز على الجانب الخارجي لتصوير الثورة الشعبية على أنها مؤامرة أمريكية إسرائيلية لضرب النظام المقاوم والممانع، وأفضل من يجيد هذا الدور ويتمتع بقبول شعبي عربي هو حسن نصر الله الذي لم يتردد في رد الجميل.
وتجدر بنا الإشارة في هذا السياق إلى تركيز الإعلام السوري الرسمي وغير الرسمي بما في ذلك إعلام حزب الله على موقف الغرب من القضايا الأخرى كتقسيم السودان وأطماع حلف النيتو في ليبيا واستمرار دعم الحصار الإسرائيلي على غزة ومنع أسطول الحرية الثاني من الانطلاق ومحاولة إسقاط هذه المواقف على الوضع السوري، ومع استبعاد الكثير من المراقبين فتح الحزب لمعركة مع إسرائيل لاعتبارات تتعلق بموازين القوى ورد الفعل الإسرائيلي، ومع فشل المحاولات الاستعراضية لتنظيم مظاهرات في الجولان الذي ظل هادئا طوال أربعة عقود من حكم نظام الأسد، واستمرار الجنوب اللبناني في حالة الهدوء منذ خمس سنوات فيرجح أن يحاول نصر الله التركيز على موضوع المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الرئيس الحريري لصرف الأنظار وتشتيت الانتباه وخلط الحسابات الدولية من أجل تخفيف الضغط على حليفه السوري، ويستبعد أن يستمر في توجيه رسائل مباشرة للشعب السوري التي أثبتت فشلها.
3 – منذ الأيام الأولى للثورة السورية تناقلت وسائل الإعلام خبر مشاركة عناصر من حزب الله في قمع المتظاهرين، الأمر الذي سارع الحزب إلى تفنيده ولكن الحقيقة التي لا يستطيع إنكارها هي مشاركة خبراء من الحرس الثوري في التخطيط لقمع المظاهرات كما تردد في وسائل الإعلام أيضا، وهذا الأمر غير مستبعد على الإطلاق فعناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي شملت العقوبات الغربية بعض قياداته متواجدون في كل مكان لزرع الخلايا النائمة والحية في العديد من الدول.
وبعد دعم النظام الإيراني رسمياً وعلنياً لنظام الأسد البعثي لا يستبعد أن يشاركه في قمع الثورة أيضاً، بعدما هدد تركيا باستهداف القواعد الأمريكية المتواجدة على أراضيها إذا ما تعرضت سوريا لأي هجوم، ونصر الله بكثافة خطاباته يحاول بشكل أو آخر توفير غطاء إعلامي إن صح التعبير للآلة الأمنية القمعية المشتركة لإجهاض الثورة.
4- خطاب نصر الله كان موجها أيضا إلى جمهور طائفته وما تبقى من رأي عام عربي لازال متعاطفا معه ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من شعبية ومشاريع تبشيرية وسياسية ارتبطت به، خاصة مع تركيز الإعلام على المواقف المتناقضة للحزب من سوريا والبحرين، وقد حاول تبرير ذلك التناقض لكنه لم ينجح حيث بدت عليه علامات الارتباك عند تطرقه إلى موضوع البحرين في أحد خطاباته كما أن حججه لم ترتقِ إلى المستوى الذي اكتسب به قلوب الشعوب العربية ليخرج منها بنفس الطريقة.
الأيديولوجيا دائماً
يخطئ من يتصور أن الحزب يتحرك وفق أجندة سياسية بحتة وأن الأيديولوجيا تراجعت أمام الأجندة السياسية في هذه المرحلة الهامة التي يمر بها الحزب، وذلك لأن هذه الفرضية ستوجب على الأقل أن يهدئ من موقفه تجاه البحرين التي عاد الاستقرار إليها وقام النظام فيها بفتح حوار سياسي شمل كل أطراف المشهد السياسي دون أي شروط مسبقة على غرار إصلاحات الأسد الموعودة والتي لا تأتي أبداً!!
والحزب الذي يستطيع أن يحصي ويتابع ما يزعم أنها جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين في المقابل لا يرى ولا يسمع بالجرائم التي يرتكبها النظام السوري في كل دقيقة، وهي جرائم لا يمكن مقارنتها إطلاقاً بما جرى في البحرين، إذ أن ما يجري في سوريا هو حركة احتجاجية شملت معظم مدنها ومحافظاتها وعدد المتظاهرين في تزايد مستمر ولا تقتصر على طائفة أو عرقية بعكس ما جرى في البحرين، فاستمرار الحزب بقياداته وإعلامه بترديد أسطوانة اتهام عناصر إرهابية باستهداف المتظاهرين واغتيال عناصر الأمن يؤكد أن الحزب يتحرك وفق مبادئ أيديولوجية ثابتة لم يحِد عنها خلال مسيرته إطلاقاً، وهو الوجه الخفي لنصر الله عند كثير من المحللين.
ومن يتابع خطابات حسن نصر الله في مناسبة عاشوراء على قناة المنار يجدها خطاباً يتمحور حول استشهاد الحسين وروح الثورة الحسينية التي يعمل على بثها بين الشيعة ولذلك لا تحظى بأية تغطية إعلامية من القنوات الإخبارية، لإدراكها أنه خطاب تعبوي موجه لطائفته الشيعية تحديداً ولكن قد يتم نقل بعض الفقرات السياسية منه لذلك قد يستشكل على الكثيرين فهم حقيقة أيديولوجيا الحزب.
ومن يلقي نظرة عامة على مبادئ الحزب وثنائية المستضعفين والمستكبرين التي يستلهمها من مرشده الأول الخميني يتصور أن المستضعفين هم كل الشعوب المضطهدة من قبل أنظمتها المستبدة والعميلة للولايات المتحدة الشيطان الأكبر، فالحاكم الظالم في أيديولوجيا الحزب يرمز له بالأمويين وفي مقابله المستضعفين (الشعوب) الذين يرمز لهم بآل البيت ومظلومية الحسين رضي الله عنه وثورته هي طريق الخلاص في نظره.
و بناءً على هذه الثلاثية، وعندما اندلعت الثورة في تونس ومصر وقف الحزب إلى جانبها واحتفى بها، وجرى تصنيفها على هذا الأساس، ولكن لما انتقلت الثورة إلى سوريا وكان قبلها الحزب قد تبنى مواقف مبالغ فيها من أحداث البحرين ظهر التناقض والخلل والارتباك في هذه الثلاثية، فأصبح الحاكم رغم كل جرائمه السابقة واللاحقة رمزاً للمقاومة والممانعة والحكمة والرشد الباحث عن الإصلاح لسبب وحيد أنه حليف للولي الفقيه، وتحول الشعب المظلوم الثائر إلى متآمر وعميل للولايات المتحدة وإسرائيل لأنه لا يقبل بالخضوع لرغبات وكيل الولي الفقيه، وأصبح نهج الشهادة والفداء سبيل الشيطان والغواية!!.
نصر الله حين يتحدث في خطاباته عن المستضعفين والمستكبرين فله معنيان:
عام وخاص، العام يرمز للمستضعفين كلهم أمام المستكبرين والمتلقي من الرأي العام العربي يفهم أن المستضعفين هم الشعوب العربية، والمستكبرين هم الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة العربية كما حددها الخميني.
أما المعنى الخاص الذي يفهمه الشيعي من خطابات الأمين العام للحزب فالمقصود بالمستضعفين فيه الشيعة أتباع آل البيت، أما المستكبرون فهم أعداؤهم الذين يحاربونهم. وعند تحليل هذه الجزئية فإن أهم عدو لهم هم الوهابيون خصوصا وأهل السنة عموما ومن ورائهم جميع الأنظمة العربية التي لا تتبع إيران.
والمتلقي لخطابات نصر الله من الشيعة يفهم هذا بيسر، أما غير الشيعة من الذين لا يتابعون خطاباته الدينية أو غير المطلعين على الفكر الشيعي لا يدركون هذا الفرق الكبير بين المعنى الخاص والمعنى العام، وأبرز مثال على ذلك طريقة تناول الإعلام الإيراني وقناة المنار لتمرد الحوثيين، فقد أصبح الحوثيون المستضعفين، والجيش اليمني هو المستكبر والثورة المسلحة هي الطريق والنهج.
وبهذا يتضح أن نصرة المستضعفين وخلاصهم ليسا غاية حزب الله، بل مقصد حزب الله هو إخضاع المستضعفين لسلطة الولي الفقيه، وبناء على قبول الخضوع يتم التعاون والنصرة لهم!! و بهذا لا نستغرب أن يكون موقف الحزب الشيعي اللبناني ضد الشعب السوري بل والمشاركة في قتل المتظاهرين ضد النظام لأنه يتعارض مع سياسة الولي الفقيه.