"نجوم الظهر" ومشاهد التنسيق الأمني
مقال بقلم: مجدولين حسونة
كنتُ أسمع فيما مضى عما يسمونه " التنسيق الأمني " الذي تقوم به السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية مع الإحتلال الإسرائيلي، لم أصَدِق ولم أكَذِب ودائما كنتُ على الحياد كصحافية فلسطينية تقتضي وظيفتها الكثير من الموضوعية، وكمواطنة في الضفة الغربية يجب أن تصمت طويلا، وتتحدث قليلا، وتصفق للخطابات كي تستطيع الحصول على إحدى الوظائف في ظل مشروع دولتنا " المتآكلة الأطراف " ، تحصل على حسن السيرة والسلوك دون رؤية نجوم الظهر، وإن مرضت تجد واسطة قوية تحصل بها على تحويلة طبية للعلاج في الخارج على حساب الفقراء والمظلومين الذين يحلمون بوطن كامل، وطن ليس مبتور الأطراف ومنزوع السلاح، وطن لا تقتحمه ( الوطنجية ) .
لكن طالما أننا مبتوري الأيدي لا نصفق للخطابات الرنانة، ومنزوعي السلاح ينهال علينا السخط عندما نفكر بحقنا المشروع في المقاومة، وإذا مرضنا فوحده الله القادر على أن يشفي صدورنا دون الحاجة لاستعمال ظهور العباد كسلالم نصل بواسطتها لغاية ما، وطالما أننا لا نرى سوى نجوم الظهر في عز الظهيرة، فقد رأيتُ اليوم ما هو أكثر إهانة وأكثر ذلا من ويلات ما كنتُ أسمعه وأشاهده بين أبناء شعبي .
في طريقي إلى مخيم بلاطة في نابلس كانت هناك حركة غريبة ومكثفة لعناصر الأمن الفلسطيني، الطرقات مغلقة، حركة السير في الشوارع الرئيسية تحولت لشوارع فرعية والتفافية ذكرتني بأيام الإجتياحات لمدينة نابلس، إستنفار واضح لا أعتقد أنه يخفى على أحد، خمنت أن حادثا ما قد وقع، أو أنهم يودون إصلاح وتحسين الشوارع، وبقيت أفكر إلى أن وجدتُ نفسي بين مجموعة جنود صهاينة في بلاطة البلد بالقرب من مقام النبي يوسف في عز الظهيرة، في ذلك الحين عرفت أن أفراد الأمن الفلسطيني يقومون بتأمين الحماية للصهاينة والمتشددين اليهود وأعضاء من الكنيست الإسرائيلي، وقتها إنتابتني مشاعر مختلفة تساءلت إن كانت تنتاب أفراد الأمن الفلسطيني الذين يقومون بحامية اليهود والمستوطنين ويسهلون دخولهم وخروجهم إلى مدينة نابلس، بحجة عدم إرتكاب ما يدعون أنه " حماقة " من شباب المدينة يضايقون بها " أولاد العم "، لا أدري إن شعر أحدهم بالخزي جراء تأمين الحماية للعدو في الوقت الذي يسلبون الأمان من أبناء شعبهم عن طريق الاعتقالات السياسية.
في السابق كانوا يدخلون " المدينة النائمة " ليلا، بإذن أو دون إذن لا أدري، ولكن كنا نشاهد من قمة جبل جرزيم الجيبات العسكرية تدنس مدينتنا ، ومن فترة بسيطة قُتل أحد المستوطنين قرب النبي يوسف، وهذا يدل أن الشعب لا زال لا يستوعب فكرة هذا الإقتحام المستمر للمدينة، وأعتقد أن ارتياح الاحتلال لعدم وجود مقاومة في مدينة نابلس زاد من تماديهم وجرأتهم في ممارسة شعائرهم الزائفة في مقدساتنا، وهنا ندخل في جدلية أخرى وهي : شعور الصهيوني بالأمان داخل مدينة عربية يزيد من تماديه، لكن هل التخلص من مصدر الأمان بالنسبة لهم قادر على إنهاء المشكلة ؟
مصدر الأمن والحماية الذي يستند عليه الإحتلال في تماديه هذا إستنكرته كتائب شهداء الأقصى في بيان لها وصفت خلاله هذا العمل " بمسلسل خيانة ممنهج لخدمة الإحتلال الصهيوني، وحذروا السلطة فيه أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الممارسات الخارجة عن الصف الوطني وعن أخلاق شعبنا الفلسطيني المجاهد المناضل"، هذا الإستنكار قادر أن يحرك العصا في الطاحون بشرط أن تتحول الأقوال إلى أفعال نقطع من خلالها قدم من يحاول أن ينتهك أرضنا في وضح النهار .
لم ينتهِ المشهد عند هذا الكوكتيل من الغضب والتساؤلات والاستغراب الذي كاد أن يفقدني وجهتي، عدتُ إلى المدينة لصعوبة التحرك في تلك المنطقة بسبب الاحتلال و "حراس الاحتلال"، وفي وسط مدينة نابلس بالضبط تحت لافتة " مدينة نابلس ترحب بكم " لفت انتباهي جيب مخابرات إسرائيلية يتجاوز عني بسرعة الخائف ، راقبت إلى أين يتجه، ولكن الرامزون أُغلِقَ بأمر من شرطي المرور، ليتبع الجيب الإسرائيلي الذي يتجول بحرية سيارات من الأمن الفلسطيني وكأنها تؤمن له الحماية، وعلى ما يبدو أن الإشارة الحمراء قد جاءت في وقتها وحالت دون " جلطتي " .
لستُ بصدد إطلاق مسمى على ما حصل، ولا أدري أين يمكن أن يتقاطع الأمن مع الخيانة في مسالك التنسيق الأمني المتشعبة، مع أنني تربيت على أن الأمن والخيانة خطان متوازيان لا يلتقيان إلا عندما تصبح الخيانة وجهة نظر . ولستُ أنا فقط من راودها هذا التفكير أمام هذا المشهد، وأجزم أن كل فلسطيني يدرك قيمة شعب بيده بندقية يدافع عن أرضه وأطفاله وحرمته ومقدساته يفكر بهذه الطريقة، لا بل أيضا يتساءل: لو أن جبل النار لا زالت تحتفظ بالثوار هل كان تجرأ هؤلاء القتلة على دخولها ؟ سؤال أترك إجابته لشاببنا، بعد أن أيقنت أن نجوم الظهر التي نعاني من رؤيتها في الضفة الغربية أرحم من معايشة هذا المشهد.
مقال بقلم: مجدولين حسونة
كنتُ أسمع فيما مضى عما يسمونه " التنسيق الأمني " الذي تقوم به السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية مع الإحتلال الإسرائيلي، لم أصَدِق ولم أكَذِب ودائما كنتُ على الحياد كصحافية فلسطينية تقتضي وظيفتها الكثير من الموضوعية، وكمواطنة في الضفة الغربية يجب أن تصمت طويلا، وتتحدث قليلا، وتصفق للخطابات كي تستطيع الحصول على إحدى الوظائف في ظل مشروع دولتنا " المتآكلة الأطراف " ، تحصل على حسن السيرة والسلوك دون رؤية نجوم الظهر، وإن مرضت تجد واسطة قوية تحصل بها على تحويلة طبية للعلاج في الخارج على حساب الفقراء والمظلومين الذين يحلمون بوطن كامل، وطن ليس مبتور الأطراف ومنزوع السلاح، وطن لا تقتحمه ( الوطنجية ) .
لكن طالما أننا مبتوري الأيدي لا نصفق للخطابات الرنانة، ومنزوعي السلاح ينهال علينا السخط عندما نفكر بحقنا المشروع في المقاومة، وإذا مرضنا فوحده الله القادر على أن يشفي صدورنا دون الحاجة لاستعمال ظهور العباد كسلالم نصل بواسطتها لغاية ما، وطالما أننا لا نرى سوى نجوم الظهر في عز الظهيرة، فقد رأيتُ اليوم ما هو أكثر إهانة وأكثر ذلا من ويلات ما كنتُ أسمعه وأشاهده بين أبناء شعبي .
في طريقي إلى مخيم بلاطة في نابلس كانت هناك حركة غريبة ومكثفة لعناصر الأمن الفلسطيني، الطرقات مغلقة، حركة السير في الشوارع الرئيسية تحولت لشوارع فرعية والتفافية ذكرتني بأيام الإجتياحات لمدينة نابلس، إستنفار واضح لا أعتقد أنه يخفى على أحد، خمنت أن حادثا ما قد وقع، أو أنهم يودون إصلاح وتحسين الشوارع، وبقيت أفكر إلى أن وجدتُ نفسي بين مجموعة جنود صهاينة في بلاطة البلد بالقرب من مقام النبي يوسف في عز الظهيرة، في ذلك الحين عرفت أن أفراد الأمن الفلسطيني يقومون بتأمين الحماية للصهاينة والمتشددين اليهود وأعضاء من الكنيست الإسرائيلي، وقتها إنتابتني مشاعر مختلفة تساءلت إن كانت تنتاب أفراد الأمن الفلسطيني الذين يقومون بحامية اليهود والمستوطنين ويسهلون دخولهم وخروجهم إلى مدينة نابلس، بحجة عدم إرتكاب ما يدعون أنه " حماقة " من شباب المدينة يضايقون بها " أولاد العم "، لا أدري إن شعر أحدهم بالخزي جراء تأمين الحماية للعدو في الوقت الذي يسلبون الأمان من أبناء شعبهم عن طريق الاعتقالات السياسية.
في السابق كانوا يدخلون " المدينة النائمة " ليلا، بإذن أو دون إذن لا أدري، ولكن كنا نشاهد من قمة جبل جرزيم الجيبات العسكرية تدنس مدينتنا ، ومن فترة بسيطة قُتل أحد المستوطنين قرب النبي يوسف، وهذا يدل أن الشعب لا زال لا يستوعب فكرة هذا الإقتحام المستمر للمدينة، وأعتقد أن ارتياح الاحتلال لعدم وجود مقاومة في مدينة نابلس زاد من تماديهم وجرأتهم في ممارسة شعائرهم الزائفة في مقدساتنا، وهنا ندخل في جدلية أخرى وهي : شعور الصهيوني بالأمان داخل مدينة عربية يزيد من تماديه، لكن هل التخلص من مصدر الأمان بالنسبة لهم قادر على إنهاء المشكلة ؟
مصدر الأمن والحماية الذي يستند عليه الإحتلال في تماديه هذا إستنكرته كتائب شهداء الأقصى في بيان لها وصفت خلاله هذا العمل " بمسلسل خيانة ممنهج لخدمة الإحتلال الصهيوني، وحذروا السلطة فيه أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الممارسات الخارجة عن الصف الوطني وعن أخلاق شعبنا الفلسطيني المجاهد المناضل"، هذا الإستنكار قادر أن يحرك العصا في الطاحون بشرط أن تتحول الأقوال إلى أفعال نقطع من خلالها قدم من يحاول أن ينتهك أرضنا في وضح النهار .
لم ينتهِ المشهد عند هذا الكوكتيل من الغضب والتساؤلات والاستغراب الذي كاد أن يفقدني وجهتي، عدتُ إلى المدينة لصعوبة التحرك في تلك المنطقة بسبب الاحتلال و "حراس الاحتلال"، وفي وسط مدينة نابلس بالضبط تحت لافتة " مدينة نابلس ترحب بكم " لفت انتباهي جيب مخابرات إسرائيلية يتجاوز عني بسرعة الخائف ، راقبت إلى أين يتجه، ولكن الرامزون أُغلِقَ بأمر من شرطي المرور، ليتبع الجيب الإسرائيلي الذي يتجول بحرية سيارات من الأمن الفلسطيني وكأنها تؤمن له الحماية، وعلى ما يبدو أن الإشارة الحمراء قد جاءت في وقتها وحالت دون " جلطتي " .
لستُ بصدد إطلاق مسمى على ما حصل، ولا أدري أين يمكن أن يتقاطع الأمن مع الخيانة في مسالك التنسيق الأمني المتشعبة، مع أنني تربيت على أن الأمن والخيانة خطان متوازيان لا يلتقيان إلا عندما تصبح الخيانة وجهة نظر . ولستُ أنا فقط من راودها هذا التفكير أمام هذا المشهد، وأجزم أن كل فلسطيني يدرك قيمة شعب بيده بندقية يدافع عن أرضه وأطفاله وحرمته ومقدساته يفكر بهذه الطريقة، لا بل أيضا يتساءل: لو أن جبل النار لا زالت تحتفظ بالثوار هل كان تجرأ هؤلاء القتلة على دخولها ؟ سؤال أترك إجابته لشاببنا، بعد أن أيقنت أن نجوم الظهر التي نعاني من رؤيتها في الضفة الغربية أرحم من معايشة هذا المشهد.
تعليق