بسم الله الرحمن الرحيم
الثورات العربية بين التأييد والتشكيك / جميل عبد النبي
كثر الجدل في الآونة الأخيرة عن حقيقة الثورات العربية ، وحقيقة من يقف خلفها وأهدافها ، وهل هي جزء من الشرق الأوسط الجديد الذي خططت له الولايات المتحدة ولا زالت ؟ ، أم هي بالفعل تعبيراً عن حالة من الغضب المتراكم على الأنظمة التي يُقر حتى المشككين في الثورات العربية أنها أنظمة قمعية شمولية مارست القمع والإرهاب والإقصاء ضد شعوبها ، بل نستطيع القول أن معظم هذه الأنظمة إن لم تكن جميعها اختزلت الوطن في ذواتها الشخصية والعائلية وبات لسان حالها يردد : أنا الوطن والوطن أنا .... إذا كنت بخير فالوطن بخير ... وإذا أصابني سوء فليحترق كل شيء من أجلي ... فإما أن أكون أنا وأنا فقط وإما لن يكون بعدي أي شيء .
ورغم أن ما سبق يعرفه الجميع وهو بمثابة قاسم مشترك لمعظم أو جميع الأنظمة التي عرفتها منطقتنا طوال القرن الماضي ربما إلا أن هناك فيما يبدو مخاوف لدى البعض أن لا تكون هذه الثورات شعبية وبريئة ، وإنما جاءت وفق مخطط أمريكي لإعادة تقسيم المنطقة ، وعلى الأقل فهذا ما تردده الأنظمة ذاتها ، كما تعبر هذه المخاوف عن حالة من عدم الثقة في قدرات الشعوب على التغيير ، ويستطيع أصحاب هذا الرأي أن يأتوا بمجموعة من الشواهد والبراهين في محاولة لإثبات رؤيتهم وقراءتهم للثورات العربية .
وفيما يلي سنحاول أن نذكر أهم ما يردده المشككون .
1. إن حديث الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرق الأوسط الجديد ليس حديثاً سرياً ، فلقد أفصحت الولايات المتحدة في أكثر من موقف عن ذلك طوال العقدين الماضيين – خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن الماضي وتفردها بالسيطرة على العالم – وهناك كتب ودراسات وأبحاث كثيرة تناولت هذا الموضوع وليس آخرها ما كتبه شمعون بيرس الرئيس الحالي للكيان الصهيوني ، وبالتالي لا يمكن استبعاد الدور الأمريكي في هذه الثورات ، بل لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة لزمام الأمور أن تفلت من أيديها .
2. هناك شواهد كثيرة تدلل على أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقف خلف ما يسمى بالثورات العربية فأمريكا هي الداعم الأكبر لمؤسسات الأن جي أوز العاملة في المنطقة ، وكذلك العديد من جمعيات حقوق الإنسان ، كما أن أميركا أشرفت بالفعل من خلال دورات تدريبية عديدة على تخريج مجموعات شبابية ، وهذه المجموعات كان لها بالغ الأثر في الثورات العربية خاصة المصرية .
3. الدور القطري الداعم للثورات العربية المتمثل في الفضائية القطرية " الجزيرة " وقطر هي راعية الوجود الأمريكي في المنطقة وعرابة التطبيع وصاحبة العلاقات المجانية مع إسرائيل وحاضنة أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ، وبالتالي من غير المعقول أن يكون هذا الدور القطري نزيهاً ، كما أن لغة التحريض في قناة الجزيرة واضحة وطريقة عرضها للتقارير تظهر أنها ليست مجرد فضائية إخبارية وإنما هي جهة لها وجهة معينة تحاول تحريك الأحداث في اتجاه معين .
4. هذا إضافة إلى أن الثورات العربية لم تحدث تغييراً حقيقياً في اتجاه الجماهير ، ولا زال رجالات ما قبل الثورة حاضرة في المشهد السياسي والإداري لأنظمة ما بعد الثورة ، باستثناء التغيير الذي طال أعلى الهرم ، مما يشير إلى أن التغيير لم يكن جذرياً وإنما شكلياً بحيث أن بعض الرموز القديمة لم تعد تؤدي الغرض المطلوب أمريكياً كما أنها باتت تشكل عبئاً أخلاقياً على الولايات المتحدة خاصة بعد تفشي مظاهر فساد واستبداد هذه الأنظمة ، فكان لا بد من استبدالها بأشكال جديدة دون المساس بجوهر البني الداخلية المطلوب أمريكياً
5. خلت الثورات العربية من أي شعارات معادية لأمريكا وإسرائيل ، بل العكس فلقد أكد زعماء ما بعد الثورة في مصر على التزامهم بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل .
كل ذلك يؤكد من وجهة نظر المشككين في الثورات العربية أننا أمام مخطط أمريكي غربي يهدف إلى إعادة تقسيم المنطقة العربية ، وأننا أمام نموذج مكرر لما سمي في حينه بالثورة العربية الكبرى بزعامة الشريف حسين التي استعملتها بريطانيا العظمى للتخلص من الوجود العثماني في المنطقة ، ثم ما فتئت أن تخلت عنها بل وانقلبت عليها في عقر دارها من خلال دعم الأسرة السعودية .
بكلمة أخرى إن هذه الثورات ما هي إلا مخطط تآمري أمريكي غربي صهيوني يسعى إلى تقسيم المقسم أصلاً ، بما يضمن إطالة عمر السيطرة الأمريكية على المنطقة وضمان أمن إسرائيل وإلا فلماذا تستهدف أنظمة ثورية مثل النظام السوري ؟! وهو العمود الفقري لجبهة الممانعة .
لا أعرف إن كان هناك مبررات أو شواهد أخرى يمكن أن يسوقها أصحاب هذا الرأي فأنا شخصياً وفي حدود اطلاعي الشخصي المتواضع لم أستمع إلى ما يستحق ذكره من شواهد إضافية ، فكل ما سمعته عبر وسائل الإعلام أو في جلسات الحوار من الجهات المشككة في الثورات العربية لم يتجاوز حدود النقاط سابقة الذكر ومحاولات إثباتها .
من جهتنا سنحاول فيما يلي مناقشة ما تم ذكره من شواهد مشككة ، إيماناً منا بأن هذه الثورات التي نتمنى لها النجاح والاستمرار تمثل أملاً حقيقياً لأمة طال انتظارها للحرية .
أولاً : يتحرك أصحاب الرأي المشكك في الثورات العربية من منطلق خطير يعبر عن الحالة النفسية التي وصلت إليها شريحة واسعة من المثقفين والنخب العربية ، ويتمثل في أن الولايات المتحدة ودوام سيطرتها على المنطقة قدر لا يمكن الفكاك منه ، ولا شيء يمكنه التحرك في المنطقة بل وفي العالم حتى إلا وفق التعليمات والمخططات الأمريكية ، فأمريكا صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة وتحتكم إلى حد ما إلى منطق ديني يؤمن بالوجود اليهودي في المنطقة انتظاراً لمعركة هار مجدون ربما أو المسيح المنتظر ، وبالتالي فهي المحرك الأساسي في المنطقة .
يشير هذا المنطق إلى حالة الدونية التي وصلت إليها بعض النخب العربية والتي تفترض في الآخر العظمة والسمو والقدرة والفاعلية ، بينما تنعدم الثقة بالنفس ، نعم إن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ ، ونعم أنها تعتبر أن كل بقعة على وجه الأرض جزءٌ من أمنها القومي ، وبالتالي فإن من يتوقع أن أمريكا ستقف بعيداً عما يحدث في المنطقة وستعتبره شأناً عربياً داخلياً ، فإنه قطعاً لا يفهم ألف باء السياسة ، لكن هل هذا يعني أن كل ما تريده يجب أن يحدث ، وأن باقي العالم لا إرادة له ولا قدرة على التأثير ؟ وهل هذا قدر لا يمكن تغييره ؟ أليس هناك الآن قوى عالمية بدأت تعلن تمردها على التفرد الأمريكي وبدأت تنافس أمريكا بقوة ؟ مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا التي تسعى لاستعادة دور الاتحاد السوفييتي السابق واليابان وحتى الهند .... أمريكا قطعاً ستحاول بكل قوة أن تحرف مسار الثورات العربية بحيث لا تفرز أنماطاً معادية لها في المنطقة ، وستعمل على احتواء نتائج الثورات حتى تخرج بأقل الخسائر الممكنة ، أما القول أن الولايات المتحدة هي من حرك ملايين الشباب - الذين خرجوا إلى شوارع تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر والبحرين – ففيه تجاهل لطاقات وقدرات الشعوب واتهام لملايين العرب بالارتباط المباشر مع أمريكا .
ثانياً : واستكمالاً لما سبق فإن فرضية أن الولايات المتحدة هي من حركت الأحداث ، وبعودة إلى بداية الثورات العربية فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة هي التي دفعت الشرطية التونسية لإهانة الشاب محمد البوعزيزي ، وهي أيضاً التي أوحت للبوعزيزي أن يقوم بحرق نفسه حتى يشعل الشرارة الأولى ، وهي التي دفعت أقرباء وجيران البوعزيزي للتظاهر تعبيراً عن غضبهم على موته .
ثالثاً : ألم تراكم الأنظمة العربية على مدار عدة عقود غضباً شعبياً لدى الشعوب العربية ؟ هل كانت هذه الأنظمة ولو ليوم واحد قريبة من شعوبها ؟ ألم تمارس هذه النخب الحاكمة ظلماً وقهراً وسلباً ؟ ألم تختزل الوطن في ذواتها ؟
كل ذلك أدى إلى حالة من القطيعة بين النظام والشعب ، وما كان يمنع الشعوب من الانفجار في وجه هذه الأنظمة إلا حالة الخوف الشديد التي استطاعت الأنظمة زرعها في نفوس الناس ، هذا إضافة إلى الموروث الثقافي والديني الذي طالما حث على قبول ظلم الحاكم حتى ولو جلد ظهرك وسلب مالك ، وحرم الخروج على الحاكم الظالم خوفاً من الفتنة .
رابعاً ، لماذا يتجاهل المشككون حالة الانفتاح والتطور الهائل في وسائل الإعلام والاتصال التي ساهمت من جهة في كشف عورات الأنظمة وبات من المستحيل على الدكتاتوريات أن تخفي وجهها القبيح ، كما سهلت من جهة أخرى سبل التواصل الاجتماعي .
إن حالة الانفتاح على الآخر الديمقراطي زادت إلى حد كبير من حالة الاحتقان لدى الشعوب ، حيث بدأت تقارن بين سلوك حكامها وبين ما تسمعه وتشاهده عن سلوك الآخر ، وبين فضاء الحرية الواسع الذي توفره الأنظمة الديمقراطية وانعدام أي شكل من أشكال الحرية في ظل الحكام العرب ، لقد بدأت الشعوب تشعر أن مجرد وجود هذه الأنظمة يمثل اعتداءً على كرامتها وإنسانيتها وحقوقها .
خامساً : إن العمود الفقري للثورات العربية هم من الشباب الذين ولدوا وترعرعوا في زمن النت والفضائيات وثورة الاتصالات ، وبالتالي فهم أكثر اطلاعاً من الأجيال التي سبقتهم على البون الشاسع بين الآخر الديمقراطي وما تمارسه أنظمة الحكم في بلدانهم ، كما أن هؤلاء الشباب أكثر تحرراً من عقد الماضي الديني والتاريخي وأقل اهتماماً بالمحاذير التي يضعها كبار السن باسم العقلانية ، وبالتالي فهم أكثر جرأة وأسرع استجابة .
سادساً : ألا يشكل إسقاط هذه الأنظمة مصلحة شعبية كبرى ؟ ألم يكن هذا حلماً لعقود خلت ؟ إذا كانت الولايات المتحدة ترغب فعلاً في إزالة هذه الأنظمة – وهذا مشكوك فيه إلى حد كبير – حيث كانت أمريكا طوال الوقت داعماً رئيسياً لهؤلاء الحكام ، ولكن على فرض ، والتقت في ذلك مع مصلحة شعبية كبرى ، فإن هذه لا يجعل من هذا الهدف النبيل خيانة ولا يدعو للتنازل عنه عداءً لأمريكا ، فليس كل أعداء عدوي أصدقاء لي ولا كل أصدقائه أعداءً لي ، فنحن كشعوب نريد إسقاط هذه الأنظمة توافق ذلك مع ما تريده أمريكا أو لم يتوافق ، نحن شعوب تسعى للحرية والديمقراطية والكرامة .
سابعاً : من قال أن الثورات العربية لم ترفع شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي والتواجد الأمريكي في المنطقة ؟ لكن هل كان من المعقول وهي في خطواتها الأولى أن تجلب أعداءً آخرين ؟ ثم من الذي منع الشعوب أصلاً طوال عمر إسرائيل من التعبير عن آرائها المعارض لوجود إسرائيل ؟ هل الشعوب هي التي تواطأت وسهلت قيام إسرائيل ؟ هل الشعوب هي صاحبة العلاقة الوطيدة مع أمريكا ؟ حتى عن موقف مصر وهي بالتأكيد لا تستطيع التنكر مرة واحدة للاتفاقات السابقة ، ألا يلاحظ الجميع تحسناً في طبيعة العلاقة مع قطاع غزة مثلاً ، وفي المقابل تراجعاً في حميمية العلاقة مع إسرائيل ؟ مع أنني شخصياً أرى أن من حق المصريين أن ينتهوا من ترميم بيتهم الداخلي أولاً وقبل كل شيء قبل الدخول في أي مجابهة مع أي جهة خارجية .
ثامناً : الحديث عن دول ممانعة :- هل الممانعة تمنح الحق للنظام أن يختزل الوطن في شخصه وعائلته وطائفته يورثه من بعده لأبنائه وأحفاده ؟ المواطن يبحث عن حريته وحقوقه ، وشعارات الممانعة لا تسد رمقه ولا جوع أطفاله ، ومن المؤسف أن الأنظمة التي تسمي نفسها أنظمة ممانعة هي الأكثر عنفاً وقمعاً لشعوبها ، وفي النهاية الشعوب تبحث عن العدالة والحرية ، والممانعة الحقيقية تكمن في إرادة الشعوب ومن يغيّب الشعب ويقصيه لا يمكن أن يكون ممانعاً .
ما يلفت الانتباه في الحالة السورية هو إصرار النظام على أنه يواجه مسلحين ، ولا أعرف هل يصدق النظام ما يقول ؟ أم أنه يفترض في المراقبين غباءً وسذاجة إلى هذا الحد ؟ أليس لنا أن نسأل : من أين تسلل كل هؤلاء المسلحون ؟ وكيف استطاعوا إدخال هذا الكم من السلاح الذي مكنهم من قتل أكثر من خمس مئة جندي حسب رواية النظام ؟ ولا زال الجيش غير قادر على حسم المعركة نهائياً ، رغم أن نفس الجيش هو الذي استطاع إيلام إسرائيل عام 1973م ، مما يعني أن هناك أعداداً كبيرة جداً من المسلحين وكميات كبيرة من السلاح ، كيف استطاع كل ذلك التسرب إلى الأراضي السورية في ظل نظام أمني من الطراز الأول ؟
ليس المؤسف ما يقوله النظام فحسب ، لكن الأكثر أسفاً أن تتبنى جهات كان الناس يثقون بها رواية النظام كما هي .
سؤال أخير : إذا كان ما يقوله النظام في سوريا صحيحاً فلماذا لا يسمح لوسائل الإعلام العالمية أن تدخل لتنقل الصورة كما هي ؟!
تاسعاً : " قطر والجزيرة " لا يمكن إنكار عدم حيادية الجزيرة ولا عدم استقلاليتها في العديد من القضايا ، والجزيرة بالفعل ليست مجرد قناة فضائية ، فهي جهة وممثلة لجهة ، وهي لا تنقل كل شيء بحيادية ، لكنها في ذات الوقت أثبتت كفاءة عالية وقدرة كبيرة على منافسة أهم الفضائيات والمحطات الإعلامية العالمية ، وهي بذلك وكي تحافظ على تميزها لا يمكنها إلا أن تكون الأولى في نشر أخبار الثورات العربية لأنها قضية المشاهد العربي الأولى ، أما القول بأنها تمارس دوراً تحريضياً فهذا لا يعيب أصل المسألة وهي أن الشعوب تسعى للتخلص من كل الدكتاتوريات ، ربما تكون هناك أهواء ورغبات لدى المسئولين عن الجزيرة والتقت هذه الأهواء مع رغبة الجماهير في التغيير ، كل ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً ، أنها المحطة الأكثر قدرة على الوصول للحدث ، فلتتقدم وسائل أخرى أكثر نزاهة وأكثر حيادية .
ثم إن الجزيرة كانت الأولى أيضاً في تغطية الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان ، وكانت تمارس تحريضاً واضحاً ضد هذا العدوان ، فهل كانت المقاومة الفلسطينية واللبنانية عميلة لأمريكا وإسرائيل وكانت الجزيرة تسعى لمساعدتهم ؟ أم أن الحفاظ على التميز الإعلامي يستدعي التركيز أكثر على الأحداث الأكثر أهمية ؟
عاشراً : إذا كانت التغييرات لم تشطب كل شخوص النظام السابق ، إلا أنها قضت تماماً على التراكيب والآليات والسياسات ، ورسخت مفاهيم جديدة في آليات التعامل مع الجماهير .
إن هذا الزمن " زمن الانفتاح " وزمن الاتصالات هو زمن حضور الشعوب ، لن تستطيع الدكتاتوريات بعد اليوم إخفاء وجهها ، ويستطيع الآن أي طفل يحمل هاتفاً نقالاً أن يفضح ممارسات أكثر الأنظمة قمعاً وقهراً ، الدكتاتوريات الآن في أزمة ، حتى لو نجح بعضها في التغلب مؤقتاً على الاحتجاجات الشعبية ، إلا أنه سيظل في دائرة الاتهام وفي حالة دفاع عن النفس ، ليس أمام الدكتاتوريات أي فرصة للاستمرار إلا إذا استجابت بالفعل لمطالب الجماهير بالحرية والديمقراطية ، وأتاحت الفرصة لشعوبها أن تشارك في إدارة نفسها بنفسها .
كلمة أخيرة : المستقبل حتماً للشعوب وللحريات ، أتمنى لو لم يتورط أي شخص ممن نحبهم ونكن لهم تقديراً كبيراً في الانحياز إلى جانب هذه الأنظمة المتعفنة ، مهما كانت المبررات ومهما كانت الأسباب ، لن تقبل الشعوب أي مبررات من أحد ينحاز إلى جلاديها وبالتالي علينا الانحياز للشعوب وللشعوب فقط .
جميل عبد النبي 1/6/2001م
الثورات العربية بين التأييد والتشكيك / جميل عبد النبي
كثر الجدل في الآونة الأخيرة عن حقيقة الثورات العربية ، وحقيقة من يقف خلفها وأهدافها ، وهل هي جزء من الشرق الأوسط الجديد الذي خططت له الولايات المتحدة ولا زالت ؟ ، أم هي بالفعل تعبيراً عن حالة من الغضب المتراكم على الأنظمة التي يُقر حتى المشككين في الثورات العربية أنها أنظمة قمعية شمولية مارست القمع والإرهاب والإقصاء ضد شعوبها ، بل نستطيع القول أن معظم هذه الأنظمة إن لم تكن جميعها اختزلت الوطن في ذواتها الشخصية والعائلية وبات لسان حالها يردد : أنا الوطن والوطن أنا .... إذا كنت بخير فالوطن بخير ... وإذا أصابني سوء فليحترق كل شيء من أجلي ... فإما أن أكون أنا وأنا فقط وإما لن يكون بعدي أي شيء .
ورغم أن ما سبق يعرفه الجميع وهو بمثابة قاسم مشترك لمعظم أو جميع الأنظمة التي عرفتها منطقتنا طوال القرن الماضي ربما إلا أن هناك فيما يبدو مخاوف لدى البعض أن لا تكون هذه الثورات شعبية وبريئة ، وإنما جاءت وفق مخطط أمريكي لإعادة تقسيم المنطقة ، وعلى الأقل فهذا ما تردده الأنظمة ذاتها ، كما تعبر هذه المخاوف عن حالة من عدم الثقة في قدرات الشعوب على التغيير ، ويستطيع أصحاب هذا الرأي أن يأتوا بمجموعة من الشواهد والبراهين في محاولة لإثبات رؤيتهم وقراءتهم للثورات العربية .
وفيما يلي سنحاول أن نذكر أهم ما يردده المشككون .
1. إن حديث الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرق الأوسط الجديد ليس حديثاً سرياً ، فلقد أفصحت الولايات المتحدة في أكثر من موقف عن ذلك طوال العقدين الماضيين – خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن الماضي وتفردها بالسيطرة على العالم – وهناك كتب ودراسات وأبحاث كثيرة تناولت هذا الموضوع وليس آخرها ما كتبه شمعون بيرس الرئيس الحالي للكيان الصهيوني ، وبالتالي لا يمكن استبعاد الدور الأمريكي في هذه الثورات ، بل لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة لزمام الأمور أن تفلت من أيديها .
2. هناك شواهد كثيرة تدلل على أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقف خلف ما يسمى بالثورات العربية فأمريكا هي الداعم الأكبر لمؤسسات الأن جي أوز العاملة في المنطقة ، وكذلك العديد من جمعيات حقوق الإنسان ، كما أن أميركا أشرفت بالفعل من خلال دورات تدريبية عديدة على تخريج مجموعات شبابية ، وهذه المجموعات كان لها بالغ الأثر في الثورات العربية خاصة المصرية .
3. الدور القطري الداعم للثورات العربية المتمثل في الفضائية القطرية " الجزيرة " وقطر هي راعية الوجود الأمريكي في المنطقة وعرابة التطبيع وصاحبة العلاقات المجانية مع إسرائيل وحاضنة أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ، وبالتالي من غير المعقول أن يكون هذا الدور القطري نزيهاً ، كما أن لغة التحريض في قناة الجزيرة واضحة وطريقة عرضها للتقارير تظهر أنها ليست مجرد فضائية إخبارية وإنما هي جهة لها وجهة معينة تحاول تحريك الأحداث في اتجاه معين .
4. هذا إضافة إلى أن الثورات العربية لم تحدث تغييراً حقيقياً في اتجاه الجماهير ، ولا زال رجالات ما قبل الثورة حاضرة في المشهد السياسي والإداري لأنظمة ما بعد الثورة ، باستثناء التغيير الذي طال أعلى الهرم ، مما يشير إلى أن التغيير لم يكن جذرياً وإنما شكلياً بحيث أن بعض الرموز القديمة لم تعد تؤدي الغرض المطلوب أمريكياً كما أنها باتت تشكل عبئاً أخلاقياً على الولايات المتحدة خاصة بعد تفشي مظاهر فساد واستبداد هذه الأنظمة ، فكان لا بد من استبدالها بأشكال جديدة دون المساس بجوهر البني الداخلية المطلوب أمريكياً
5. خلت الثورات العربية من أي شعارات معادية لأمريكا وإسرائيل ، بل العكس فلقد أكد زعماء ما بعد الثورة في مصر على التزامهم بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل .
كل ذلك يؤكد من وجهة نظر المشككين في الثورات العربية أننا أمام مخطط أمريكي غربي يهدف إلى إعادة تقسيم المنطقة العربية ، وأننا أمام نموذج مكرر لما سمي في حينه بالثورة العربية الكبرى بزعامة الشريف حسين التي استعملتها بريطانيا العظمى للتخلص من الوجود العثماني في المنطقة ، ثم ما فتئت أن تخلت عنها بل وانقلبت عليها في عقر دارها من خلال دعم الأسرة السعودية .
بكلمة أخرى إن هذه الثورات ما هي إلا مخطط تآمري أمريكي غربي صهيوني يسعى إلى تقسيم المقسم أصلاً ، بما يضمن إطالة عمر السيطرة الأمريكية على المنطقة وضمان أمن إسرائيل وإلا فلماذا تستهدف أنظمة ثورية مثل النظام السوري ؟! وهو العمود الفقري لجبهة الممانعة .
لا أعرف إن كان هناك مبررات أو شواهد أخرى يمكن أن يسوقها أصحاب هذا الرأي فأنا شخصياً وفي حدود اطلاعي الشخصي المتواضع لم أستمع إلى ما يستحق ذكره من شواهد إضافية ، فكل ما سمعته عبر وسائل الإعلام أو في جلسات الحوار من الجهات المشككة في الثورات العربية لم يتجاوز حدود النقاط سابقة الذكر ومحاولات إثباتها .
من جهتنا سنحاول فيما يلي مناقشة ما تم ذكره من شواهد مشككة ، إيماناً منا بأن هذه الثورات التي نتمنى لها النجاح والاستمرار تمثل أملاً حقيقياً لأمة طال انتظارها للحرية .
أولاً : يتحرك أصحاب الرأي المشكك في الثورات العربية من منطلق خطير يعبر عن الحالة النفسية التي وصلت إليها شريحة واسعة من المثقفين والنخب العربية ، ويتمثل في أن الولايات المتحدة ودوام سيطرتها على المنطقة قدر لا يمكن الفكاك منه ، ولا شيء يمكنه التحرك في المنطقة بل وفي العالم حتى إلا وفق التعليمات والمخططات الأمريكية ، فأمريكا صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة وتحتكم إلى حد ما إلى منطق ديني يؤمن بالوجود اليهودي في المنطقة انتظاراً لمعركة هار مجدون ربما أو المسيح المنتظر ، وبالتالي فهي المحرك الأساسي في المنطقة .
يشير هذا المنطق إلى حالة الدونية التي وصلت إليها بعض النخب العربية والتي تفترض في الآخر العظمة والسمو والقدرة والفاعلية ، بينما تنعدم الثقة بالنفس ، نعم إن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ ، ونعم أنها تعتبر أن كل بقعة على وجه الأرض جزءٌ من أمنها القومي ، وبالتالي فإن من يتوقع أن أمريكا ستقف بعيداً عما يحدث في المنطقة وستعتبره شأناً عربياً داخلياً ، فإنه قطعاً لا يفهم ألف باء السياسة ، لكن هل هذا يعني أن كل ما تريده يجب أن يحدث ، وأن باقي العالم لا إرادة له ولا قدرة على التأثير ؟ وهل هذا قدر لا يمكن تغييره ؟ أليس هناك الآن قوى عالمية بدأت تعلن تمردها على التفرد الأمريكي وبدأت تنافس أمريكا بقوة ؟ مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا التي تسعى لاستعادة دور الاتحاد السوفييتي السابق واليابان وحتى الهند .... أمريكا قطعاً ستحاول بكل قوة أن تحرف مسار الثورات العربية بحيث لا تفرز أنماطاً معادية لها في المنطقة ، وستعمل على احتواء نتائج الثورات حتى تخرج بأقل الخسائر الممكنة ، أما القول أن الولايات المتحدة هي من حرك ملايين الشباب - الذين خرجوا إلى شوارع تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر والبحرين – ففيه تجاهل لطاقات وقدرات الشعوب واتهام لملايين العرب بالارتباط المباشر مع أمريكا .
ثانياً : واستكمالاً لما سبق فإن فرضية أن الولايات المتحدة هي من حركت الأحداث ، وبعودة إلى بداية الثورات العربية فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة هي التي دفعت الشرطية التونسية لإهانة الشاب محمد البوعزيزي ، وهي أيضاً التي أوحت للبوعزيزي أن يقوم بحرق نفسه حتى يشعل الشرارة الأولى ، وهي التي دفعت أقرباء وجيران البوعزيزي للتظاهر تعبيراً عن غضبهم على موته .
ثالثاً : ألم تراكم الأنظمة العربية على مدار عدة عقود غضباً شعبياً لدى الشعوب العربية ؟ هل كانت هذه الأنظمة ولو ليوم واحد قريبة من شعوبها ؟ ألم تمارس هذه النخب الحاكمة ظلماً وقهراً وسلباً ؟ ألم تختزل الوطن في ذواتها ؟
كل ذلك أدى إلى حالة من القطيعة بين النظام والشعب ، وما كان يمنع الشعوب من الانفجار في وجه هذه الأنظمة إلا حالة الخوف الشديد التي استطاعت الأنظمة زرعها في نفوس الناس ، هذا إضافة إلى الموروث الثقافي والديني الذي طالما حث على قبول ظلم الحاكم حتى ولو جلد ظهرك وسلب مالك ، وحرم الخروج على الحاكم الظالم خوفاً من الفتنة .
رابعاً ، لماذا يتجاهل المشككون حالة الانفتاح والتطور الهائل في وسائل الإعلام والاتصال التي ساهمت من جهة في كشف عورات الأنظمة وبات من المستحيل على الدكتاتوريات أن تخفي وجهها القبيح ، كما سهلت من جهة أخرى سبل التواصل الاجتماعي .
إن حالة الانفتاح على الآخر الديمقراطي زادت إلى حد كبير من حالة الاحتقان لدى الشعوب ، حيث بدأت تقارن بين سلوك حكامها وبين ما تسمعه وتشاهده عن سلوك الآخر ، وبين فضاء الحرية الواسع الذي توفره الأنظمة الديمقراطية وانعدام أي شكل من أشكال الحرية في ظل الحكام العرب ، لقد بدأت الشعوب تشعر أن مجرد وجود هذه الأنظمة يمثل اعتداءً على كرامتها وإنسانيتها وحقوقها .
خامساً : إن العمود الفقري للثورات العربية هم من الشباب الذين ولدوا وترعرعوا في زمن النت والفضائيات وثورة الاتصالات ، وبالتالي فهم أكثر اطلاعاً من الأجيال التي سبقتهم على البون الشاسع بين الآخر الديمقراطي وما تمارسه أنظمة الحكم في بلدانهم ، كما أن هؤلاء الشباب أكثر تحرراً من عقد الماضي الديني والتاريخي وأقل اهتماماً بالمحاذير التي يضعها كبار السن باسم العقلانية ، وبالتالي فهم أكثر جرأة وأسرع استجابة .
سادساً : ألا يشكل إسقاط هذه الأنظمة مصلحة شعبية كبرى ؟ ألم يكن هذا حلماً لعقود خلت ؟ إذا كانت الولايات المتحدة ترغب فعلاً في إزالة هذه الأنظمة – وهذا مشكوك فيه إلى حد كبير – حيث كانت أمريكا طوال الوقت داعماً رئيسياً لهؤلاء الحكام ، ولكن على فرض ، والتقت في ذلك مع مصلحة شعبية كبرى ، فإن هذه لا يجعل من هذا الهدف النبيل خيانة ولا يدعو للتنازل عنه عداءً لأمريكا ، فليس كل أعداء عدوي أصدقاء لي ولا كل أصدقائه أعداءً لي ، فنحن كشعوب نريد إسقاط هذه الأنظمة توافق ذلك مع ما تريده أمريكا أو لم يتوافق ، نحن شعوب تسعى للحرية والديمقراطية والكرامة .
سابعاً : من قال أن الثورات العربية لم ترفع شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي والتواجد الأمريكي في المنطقة ؟ لكن هل كان من المعقول وهي في خطواتها الأولى أن تجلب أعداءً آخرين ؟ ثم من الذي منع الشعوب أصلاً طوال عمر إسرائيل من التعبير عن آرائها المعارض لوجود إسرائيل ؟ هل الشعوب هي التي تواطأت وسهلت قيام إسرائيل ؟ هل الشعوب هي صاحبة العلاقة الوطيدة مع أمريكا ؟ حتى عن موقف مصر وهي بالتأكيد لا تستطيع التنكر مرة واحدة للاتفاقات السابقة ، ألا يلاحظ الجميع تحسناً في طبيعة العلاقة مع قطاع غزة مثلاً ، وفي المقابل تراجعاً في حميمية العلاقة مع إسرائيل ؟ مع أنني شخصياً أرى أن من حق المصريين أن ينتهوا من ترميم بيتهم الداخلي أولاً وقبل كل شيء قبل الدخول في أي مجابهة مع أي جهة خارجية .
ثامناً : الحديث عن دول ممانعة :- هل الممانعة تمنح الحق للنظام أن يختزل الوطن في شخصه وعائلته وطائفته يورثه من بعده لأبنائه وأحفاده ؟ المواطن يبحث عن حريته وحقوقه ، وشعارات الممانعة لا تسد رمقه ولا جوع أطفاله ، ومن المؤسف أن الأنظمة التي تسمي نفسها أنظمة ممانعة هي الأكثر عنفاً وقمعاً لشعوبها ، وفي النهاية الشعوب تبحث عن العدالة والحرية ، والممانعة الحقيقية تكمن في إرادة الشعوب ومن يغيّب الشعب ويقصيه لا يمكن أن يكون ممانعاً .
ما يلفت الانتباه في الحالة السورية هو إصرار النظام على أنه يواجه مسلحين ، ولا أعرف هل يصدق النظام ما يقول ؟ أم أنه يفترض في المراقبين غباءً وسذاجة إلى هذا الحد ؟ أليس لنا أن نسأل : من أين تسلل كل هؤلاء المسلحون ؟ وكيف استطاعوا إدخال هذا الكم من السلاح الذي مكنهم من قتل أكثر من خمس مئة جندي حسب رواية النظام ؟ ولا زال الجيش غير قادر على حسم المعركة نهائياً ، رغم أن نفس الجيش هو الذي استطاع إيلام إسرائيل عام 1973م ، مما يعني أن هناك أعداداً كبيرة جداً من المسلحين وكميات كبيرة من السلاح ، كيف استطاع كل ذلك التسرب إلى الأراضي السورية في ظل نظام أمني من الطراز الأول ؟
ليس المؤسف ما يقوله النظام فحسب ، لكن الأكثر أسفاً أن تتبنى جهات كان الناس يثقون بها رواية النظام كما هي .
سؤال أخير : إذا كان ما يقوله النظام في سوريا صحيحاً فلماذا لا يسمح لوسائل الإعلام العالمية أن تدخل لتنقل الصورة كما هي ؟!
تاسعاً : " قطر والجزيرة " لا يمكن إنكار عدم حيادية الجزيرة ولا عدم استقلاليتها في العديد من القضايا ، والجزيرة بالفعل ليست مجرد قناة فضائية ، فهي جهة وممثلة لجهة ، وهي لا تنقل كل شيء بحيادية ، لكنها في ذات الوقت أثبتت كفاءة عالية وقدرة كبيرة على منافسة أهم الفضائيات والمحطات الإعلامية العالمية ، وهي بذلك وكي تحافظ على تميزها لا يمكنها إلا أن تكون الأولى في نشر أخبار الثورات العربية لأنها قضية المشاهد العربي الأولى ، أما القول بأنها تمارس دوراً تحريضياً فهذا لا يعيب أصل المسألة وهي أن الشعوب تسعى للتخلص من كل الدكتاتوريات ، ربما تكون هناك أهواء ورغبات لدى المسئولين عن الجزيرة والتقت هذه الأهواء مع رغبة الجماهير في التغيير ، كل ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً ، أنها المحطة الأكثر قدرة على الوصول للحدث ، فلتتقدم وسائل أخرى أكثر نزاهة وأكثر حيادية .
ثم إن الجزيرة كانت الأولى أيضاً في تغطية الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان ، وكانت تمارس تحريضاً واضحاً ضد هذا العدوان ، فهل كانت المقاومة الفلسطينية واللبنانية عميلة لأمريكا وإسرائيل وكانت الجزيرة تسعى لمساعدتهم ؟ أم أن الحفاظ على التميز الإعلامي يستدعي التركيز أكثر على الأحداث الأكثر أهمية ؟
عاشراً : إذا كانت التغييرات لم تشطب كل شخوص النظام السابق ، إلا أنها قضت تماماً على التراكيب والآليات والسياسات ، ورسخت مفاهيم جديدة في آليات التعامل مع الجماهير .
إن هذا الزمن " زمن الانفتاح " وزمن الاتصالات هو زمن حضور الشعوب ، لن تستطيع الدكتاتوريات بعد اليوم إخفاء وجهها ، ويستطيع الآن أي طفل يحمل هاتفاً نقالاً أن يفضح ممارسات أكثر الأنظمة قمعاً وقهراً ، الدكتاتوريات الآن في أزمة ، حتى لو نجح بعضها في التغلب مؤقتاً على الاحتجاجات الشعبية ، إلا أنه سيظل في دائرة الاتهام وفي حالة دفاع عن النفس ، ليس أمام الدكتاتوريات أي فرصة للاستمرار إلا إذا استجابت بالفعل لمطالب الجماهير بالحرية والديمقراطية ، وأتاحت الفرصة لشعوبها أن تشارك في إدارة نفسها بنفسها .
كلمة أخيرة : المستقبل حتماً للشعوب وللحريات ، أتمنى لو لم يتورط أي شخص ممن نحبهم ونكن لهم تقديراً كبيراً في الانحياز إلى جانب هذه الأنظمة المتعفنة ، مهما كانت المبررات ومهما كانت الأسباب ، لن تقبل الشعوب أي مبررات من أحد ينحاز إلى جلاديها وبالتالي علينا الانحياز للشعوب وللشعوب فقط .
جميل عبد النبي 1/6/2001م
تعليق