شكلت آلية اتخاذ القرار داخل حركة حماس لغزاً حقيقياً لم تستطع أجهزة المخابرات العالمية أن تفك رموزه بعد، وهو ما حافظ على درجة كبيرة جداً من الانضباط والتماسك على المستوى القيادي، والتزام ملحوظ يخفي خلافات داخلية هي طبيعية ولا شك بوجودها، تماماً كما هو حال إخوة البيت الواحد، فالخلافات ليست ضعفاً أو عيباً، بل هي إن بقيت في إطارها الصحيح ظاهرة صحية تساعد في بلورة القرار الصحيح.
لكن ومع توقيع اتفاق المصالحة وما سبقه من مشاورات ولقاءات، بدأت تطفو للسطح معالم خلافات على المستوى القيادي، بدأت بتصريحات وتسريبات، ووصلت اليوم لحد الانتقاد العلني والمباشر لشخصيات وأسماء بعينها.
محطات مفصلية• بعد جريمة اغتيال الشيخ الراحل أحمد ياسين واختيار الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمهما الله مسؤولاً أول للحركة ومن ثم اغتياله بعد أسابيع، اختباراً حقيقياً للحركة من الناحية القيادية، وكانت مناشدة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ومن على شاشات التلفاز لقيادة الحركة في الداخل بإخفاء أسماء القيادة، أول إشارة على خلل في عملية التواصل بين الداخل والخارج.
• ومع اختيار محمود عباس رئيساً للسلطة في بداية العام 2005 والدخول في حوارات القاهرة، برزت بعض التباينات في مواقف قيادات حركة حماس فيما يخص الهدنة والالتزام بها مع الاحتلال الذي لم يكن طرفاً فيها أساساً، إلا أن تلك التباينات لم تصل حد ما يمكن تسميته خلافات.
• لم يكن قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 سهلاً، وقد أخذ من وقت وجهد القيادات الكثير للوصول إليه، وسط معارضة من البعض، ليتم اتخاذ القرار ما بين الداخل والخارج والأسرى وبأغلبية ضئيلة، لكن الالتزام بالقرار رغم المعارضة الواضحة لبعض الأطراف أظهر وأثبت قوة الانضباط داخل أروقة الحركة، وأن القرار النهائي الجماعي ملزم للمعارض قبل المؤيد.
• جاءت وثيقة الأسرى والتي تطورت لتصبح وثيقة الوفاق الوطني في العام 2006 اختباراً سياسياً جديداً لحركة حماس، حيث سجلت مواقف سياسية جديدة كان أبرزها تفويض منظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض، والموافقة على تركيز –بدلاً من حصر– المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967، والإقرار بمبدأ الاستفتاء على أي اتفاق يتم التوصل إليه، وهو ما أثار معارضة البعض.
• المحطة الأبرز كانت قرار الحسم في قطاع غزة في شهر يونيو/حزيران من العام 2007، والذي اتخذته قيادة الداخل في قطاع غزة باستقلالية كاملة وبناء على قراءتها الميدانية، وبعيداً عن القرار الجماعي المعتاد، لكنه حظي لاحقاً بمباركة الجميع دون أن تكون له تبعات مباشرة على آليات اتخاذ القرار، لكنه بالتأكيد أوجد حالة من المسؤولية المباشرة عن تسيير قطاع غزة في ظل حصار خانق وعدوان مستمر.
• بعد العدوان الأخير على قطاع غزة أواخر العام 2008 والرحلات المكوكية لمسؤولين أوروبيين وكذلك الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، واللقاءات المتكررة معهم سواء في غزة أو دمشق، ظهرت للسطح مواقف جديدة اتسمت بالغموض وغلب عليه عدم الوضوح، وسط تساؤلات كثيرة من أبناء حركة حماس حول تلك المواقف، مما استدعى أحياناً توضيحات وتطمينات من أعلى الهرم القيادي، كما حدث في موضوع الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 مع عدم الاعتراف بـ"إسرائيل" والذي أُسقط أكثر من مرة في أكثر من تصريح.
ملف المصالحة الفلسطينيةكان ملف المصالحة العنوان الأبرز مؤخراً، وسط تجاذبات وأيضاً تباينات في المواقف، كانت تظهر للعلن في أوقات محددة ثم لا تلبث أن تختفي، مصحوبة بتغييرات في تشكيلة وقيادة الوفد المفاوض في القاهرة، وتصريحات متناقضة أحياناً بين قيادات قطاع غزة الذين كانت تتسم تصريحاتهم بالتفاؤل الشديد بقرب الوصول لاتفاق، وتصريحات أخرى من دمشق تتحدث عن عدم قرب التوصل للمصالحة.
ومع التقدم في هذا الملف، ومع ازدياد الضغوط والوعود، بات من الواضح أن خلافات ما بدأت تطفو على السطح، وهي خلافات حاول فريق السلطة الفلسطينية اللعب عليها أكثر من مرة دون جدوى، بدعوى أن على حماس توحيد موقفها وقرارها بشأن المصالحة، لكن الأهم هو كم التصريحات والمواقف السياسية التي صاحبت تلك الفترة وأثارت موجات من ردود الأفعال، منها ما جاء على لسان مسؤولين ليسوا في مراكز قيادية مثلما هو الحال مع تصريحات ومقالات أحمد يوسف أو غازي الحمد على سبيل المثال، أو مواقف من أعلى الهرم السياسي لحركة حماس، استتبعتها ردود من قياديين أيضاً، وهي حالة استمرت بشكل ملحوظ وصولاً إلى حد إصدار البيانات الرسمية حول تلك التصريحات والتصريحات المضادة.
وفي هذا الشأن نرصد بعضاً من هذه المواقف:
• رئيس الوزراء في غزة إسماعيل هنية وهو أحد أبرز قادة حركة حماس في لقاء مع ممثلي الصحافة الأجنبية في مكتبه بغزة بتاريخ 1/12/2010 أكّد أن "حركة حماس مستعدة للقبول بأي اتفاق سلام توقعه القيادة الفلسطينية مع إسرائيل شرط إقراره من قبل الشعب الفلسطيني باستفتاء شعبي حتى وإن خالفت سياستها".
• وفي رد على تلك التصريحات قال القيادي في حركة حماس محمود الزهار في لقاء مع الدستور الأردنية نشر بتاريخ 6/12/2010، على أن "حماس لا تقبل بأي استفتاء على الثوابت"، مؤكداً أن مصدر القرار داخل حركة حماس هو "جماعي" أي ما تتفق عليه القيادة في الداخل والخارج يصبح قراراً.
• أما أحدث تلك المواقف فجاءت من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والذي تحدث على هامش توقيع المصالحة الفلسطينية بالقاهرة في الرابع من مايو/أيار الجاري عن استعداد حماس "لمنح المفاوضات مع إسرائيل مهلة جديدة رغم فشلها على مدى عشرين عاما"، وهو ما قوبل برد وتعليق من محمود الزهار في لقاء مع صحيفة القدس الفلسطينية في 17/05/2011، شكّل انعطافة جديدة في العلاقة الإعلامية بين قيادات حركة حماس حيث قال وبشكل مباشر "هذا الكلام لم نتفق عليه، وفوجئنا به، المفاوضات ليس لها مظلة من حماس، والحديث أننا أعطينا فرصة للتفاوض كأننا راضون عنها غير صحيح، ولم يكن موقف الحركة، ونحن لم نقبل ببرنامج تفاوض سياسي مع الجانب الإسرائيلي".
• وفي سابقة هي أيضاً الأولى من نوعها في العلاقة الإعلامية بين قيادات حركة حماس، وفي تصريح للجزيرة نت بتاريخ 23/05/2011 انتقد عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس تصريحات القيادي محمود الزهار التي علق فيها على موقف رئيس المكتب خالد مشعل بشأن إعطاء فرصة للمفاوضات مع إسرائيل، واعتبر أن هذه التصريحات خاطئة ولا تعبر عن موقف حماس ومؤسساتها، وأكد الرشق أن ما صدر عن الزهار "يمثل خرقا للتقاليد التنظيمية المعمول بها في حركة حماس ولا يجوز أن يصدر عنه بحق رئيس الحركة وقائدها"، فضلا عن كون الزهار "غير مخول بالتعليق على كلمة رئيس الحركة أو الاستدراك عليها".
• وفيما يمكن اعتباره محاولة "لملة" لتداعيات تلك التراشقات الإعلامية قال القيادي في حركة حماس صلاح البردويل في بيان صحفي بتاريخ 23/5/2011 معلقاً بقوله إن "ما جاء في خطاب مشعل هو من قبيل تحميل الجانب الإسرائيلي وتحميل السلطة ونهجها في المفاوضات السبب عن عدم تحقيق الأهداف الفلسطينية حيث أثبتت تجربة عشرين عاما فشل هذا النهج"، مضيفاً "إذا افترضنا أن الأشهر القادمة هي الحاسمة، فإن مشعل قال (سننظر ما إذا كانت الشهور القادمة قادرة على تحقيق هذه الأهداف ولن نقف في طريقها)، وهو كلام افتراضي وليس تعبيرا عن قناعات حماس وقناعات رئيس مكتبها السياسي بجدوى نهج التفاوض".
• وأخيراً اضطرت حركة حماس لإصدار بيان رسمي في 24/5/2011 للتقليل من تداعيات ما ظهر للسطح من خلافات واضحة، وجاء في البيان "ما تناقلته وسائل الإعلام من تصريحات للزهار والرشق هو من قبيل التلون داخل إطار الجسم الحركي الواحد ولا يعكس على الإطلاق أي خلافات داخل قيادة حركة حماس التي هي قيادة موحدة في الداخل والخارج"، معتبراً أن "ما تروجه بعض وسائل الإعلام بالأكاذيب المدسوسة"، مجددا تأكيده على "حقيقة وحدة الحركة وقوتها وتماسكها ووحدة برنامجها المقاوم في وجه الاحتلال".
• لم ينه بيان حماس الخلاف، حيث كرر القيادي في حركة حماس محمود الزهار موقفه في لقاء مع صحيفة الأخبار اللبنانية نشر في 24/05/2011، وأضاف إليه موقفاً آخر حول مكان قيادة حركة حماس قائلاً "موقف خالد مشعل لم نكن نعلم به ولم يستشرنا فيه أحد. بالتالي هذا موقف غير صحيح. نحن لم نعطِ فتح في يوم من الأيام فرصة أو تفويضاً منا كي تفاوض عنّا أو عن الشعب الفلسطيني، برنامجنا ضد التفاوض بهذه الطريقة لأنه مضيعة للوقت.... من يقل إننا فوضناها أو نفوضها لمزيد من التفاوض فموقفه لا يمثل موقف الحركة"، مضيفاً "المركز الرئيسي لحركة حماس في الأرض المحتلة، وثقلها الحقيقي فيها، والدماء تسيل فيها، والقيادة هنا، وإن كان الجزء المكمل في الخارج، وهذا موضوع تحت المراجعة حقيقةً، هذه تجربة مزّقت قيادة الحركة في أكثر من مكان وتحتاج إلى مراجعة".
حماس والمتغيراتبغض النظر عن جدلية أن ما جرى ويجري هو من باب التلون داخل الإطار الحركي، لكن ظهور هذه الآراء على أقل تقدير، إن لم نقل الخلافات العلنية، يؤكد أن هناك ضغوطاً جلية على قيادات الحركة، سياسية وأمنية، ليس أقلها اتفاق المصالحة المفترض، والذي بدأ يؤتي ثماراً عكسية حتى اللحظة، مع تصاعد وتيرة الاعتقالات والاستدعاءات في الضفة الغربية، وتصريحات قادة حماس في الضفة الغربية التي أخذت بدورها منحاً تصعيدياً وصل حد المطالبة بتعليق الاتصالات مع فتح كما طالب عضو القيادة السياسية لحركة حماس القيادي الأسير رأفت ناصيف بتاريخ 21/5/2011.
لقد واجهت حركة حماس في السابق منعطفات حاسمة تجاوزتها بمشيئة الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً، لم تنهر الحركة قبل سبع سنوات عندما فقدت الشيخين ياسين والرنتيسي، وواجهت التآمر عليها والحصار عقب فوزها في انتخابات التشريعي، وخرجت ومعها الشعب الفلسطيني منتصرة على الاحتلال بعد العدوان على قطاع غزة، وواجهت الحملات الإعلامية في الخارج، لكنها اليوم في حاجة للمزيد للحفاظ على نفسها.
استطاعت حماس أن تقف في وجه من أراد بها سوءا، وأن تواجه أحلافاً شيطانية ومؤامرات للنيل منها، لكنها مؤامرات كانت دائماً تأتي من طرف آخر، لم تواجه حماس يوماً نفسها، وهذا هو الاختبار الأصعب.
حركة حماس اليوم ومن خلال الخطاب السياسي والإعلامي، والأداء الميداني، وبعض الممارسات في قطاع غزة، وحالة الجمود في مواجهة متغيرات المنطقة، تكون كمن يوجه سهامه لنفسه، ومن يعطي الخصم ما يحتاجه من مؤونة وسلاح ليواجهه به.
مراجعة شاملة وكاملة ودقيقة، تأخذ بالأسباب، وتقيّم المراحل السابقة، وتستعد للمستقبل بمتغيراته، تراعي نبض الشارع، تتعامل مع الحدث وتصنعه أيضاً، تتطور وتتماشى مع المتغيرات، دون انحراف عن المبادئ والقيم، هو المطلوب اليوم من الجميع دون استثناء، فصيل فصيل، وحزب حزب، وحركة حركة، وفرد فرد.
هنا الموضوع للنقاش وليس للتشهير
انا كفلسطيني اؤيد الدكتور محمود الزهار في كلامه
والدكتور الزهار لم يخرج للتصريح للاعلام الا لخطورة خطاب مشعل الذي يشكل انتكاسة كبيرة لخيار المقاومة هذا رأيى الخاص
لكن ومع توقيع اتفاق المصالحة وما سبقه من مشاورات ولقاءات، بدأت تطفو للسطح معالم خلافات على المستوى القيادي، بدأت بتصريحات وتسريبات، ووصلت اليوم لحد الانتقاد العلني والمباشر لشخصيات وأسماء بعينها.
محطات مفصلية• بعد جريمة اغتيال الشيخ الراحل أحمد ياسين واختيار الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمهما الله مسؤولاً أول للحركة ومن ثم اغتياله بعد أسابيع، اختباراً حقيقياً للحركة من الناحية القيادية، وكانت مناشدة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ومن على شاشات التلفاز لقيادة الحركة في الداخل بإخفاء أسماء القيادة، أول إشارة على خلل في عملية التواصل بين الداخل والخارج.
• ومع اختيار محمود عباس رئيساً للسلطة في بداية العام 2005 والدخول في حوارات القاهرة، برزت بعض التباينات في مواقف قيادات حركة حماس فيما يخص الهدنة والالتزام بها مع الاحتلال الذي لم يكن طرفاً فيها أساساً، إلا أن تلك التباينات لم تصل حد ما يمكن تسميته خلافات.
• لم يكن قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006 سهلاً، وقد أخذ من وقت وجهد القيادات الكثير للوصول إليه، وسط معارضة من البعض، ليتم اتخاذ القرار ما بين الداخل والخارج والأسرى وبأغلبية ضئيلة، لكن الالتزام بالقرار رغم المعارضة الواضحة لبعض الأطراف أظهر وأثبت قوة الانضباط داخل أروقة الحركة، وأن القرار النهائي الجماعي ملزم للمعارض قبل المؤيد.
• جاءت وثيقة الأسرى والتي تطورت لتصبح وثيقة الوفاق الوطني في العام 2006 اختباراً سياسياً جديداً لحركة حماس، حيث سجلت مواقف سياسية جديدة كان أبرزها تفويض منظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض، والموافقة على تركيز –بدلاً من حصر– المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967، والإقرار بمبدأ الاستفتاء على أي اتفاق يتم التوصل إليه، وهو ما أثار معارضة البعض.
• المحطة الأبرز كانت قرار الحسم في قطاع غزة في شهر يونيو/حزيران من العام 2007، والذي اتخذته قيادة الداخل في قطاع غزة باستقلالية كاملة وبناء على قراءتها الميدانية، وبعيداً عن القرار الجماعي المعتاد، لكنه حظي لاحقاً بمباركة الجميع دون أن تكون له تبعات مباشرة على آليات اتخاذ القرار، لكنه بالتأكيد أوجد حالة من المسؤولية المباشرة عن تسيير قطاع غزة في ظل حصار خانق وعدوان مستمر.
• بعد العدوان الأخير على قطاع غزة أواخر العام 2008 والرحلات المكوكية لمسؤولين أوروبيين وكذلك الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، واللقاءات المتكررة معهم سواء في غزة أو دمشق، ظهرت للسطح مواقف جديدة اتسمت بالغموض وغلب عليه عدم الوضوح، وسط تساؤلات كثيرة من أبناء حركة حماس حول تلك المواقف، مما استدعى أحياناً توضيحات وتطمينات من أعلى الهرم القيادي، كما حدث في موضوع الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 مع عدم الاعتراف بـ"إسرائيل" والذي أُسقط أكثر من مرة في أكثر من تصريح.
ملف المصالحة الفلسطينيةكان ملف المصالحة العنوان الأبرز مؤخراً، وسط تجاذبات وأيضاً تباينات في المواقف، كانت تظهر للعلن في أوقات محددة ثم لا تلبث أن تختفي، مصحوبة بتغييرات في تشكيلة وقيادة الوفد المفاوض في القاهرة، وتصريحات متناقضة أحياناً بين قيادات قطاع غزة الذين كانت تتسم تصريحاتهم بالتفاؤل الشديد بقرب الوصول لاتفاق، وتصريحات أخرى من دمشق تتحدث عن عدم قرب التوصل للمصالحة.
ومع التقدم في هذا الملف، ومع ازدياد الضغوط والوعود، بات من الواضح أن خلافات ما بدأت تطفو على السطح، وهي خلافات حاول فريق السلطة الفلسطينية اللعب عليها أكثر من مرة دون جدوى، بدعوى أن على حماس توحيد موقفها وقرارها بشأن المصالحة، لكن الأهم هو كم التصريحات والمواقف السياسية التي صاحبت تلك الفترة وأثارت موجات من ردود الأفعال، منها ما جاء على لسان مسؤولين ليسوا في مراكز قيادية مثلما هو الحال مع تصريحات ومقالات أحمد يوسف أو غازي الحمد على سبيل المثال، أو مواقف من أعلى الهرم السياسي لحركة حماس، استتبعتها ردود من قياديين أيضاً، وهي حالة استمرت بشكل ملحوظ وصولاً إلى حد إصدار البيانات الرسمية حول تلك التصريحات والتصريحات المضادة.
وفي هذا الشأن نرصد بعضاً من هذه المواقف:
• رئيس الوزراء في غزة إسماعيل هنية وهو أحد أبرز قادة حركة حماس في لقاء مع ممثلي الصحافة الأجنبية في مكتبه بغزة بتاريخ 1/12/2010 أكّد أن "حركة حماس مستعدة للقبول بأي اتفاق سلام توقعه القيادة الفلسطينية مع إسرائيل شرط إقراره من قبل الشعب الفلسطيني باستفتاء شعبي حتى وإن خالفت سياستها".
• وفي رد على تلك التصريحات قال القيادي في حركة حماس محمود الزهار في لقاء مع الدستور الأردنية نشر بتاريخ 6/12/2010، على أن "حماس لا تقبل بأي استفتاء على الثوابت"، مؤكداً أن مصدر القرار داخل حركة حماس هو "جماعي" أي ما تتفق عليه القيادة في الداخل والخارج يصبح قراراً.
• أما أحدث تلك المواقف فجاءت من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل والذي تحدث على هامش توقيع المصالحة الفلسطينية بالقاهرة في الرابع من مايو/أيار الجاري عن استعداد حماس "لمنح المفاوضات مع إسرائيل مهلة جديدة رغم فشلها على مدى عشرين عاما"، وهو ما قوبل برد وتعليق من محمود الزهار في لقاء مع صحيفة القدس الفلسطينية في 17/05/2011، شكّل انعطافة جديدة في العلاقة الإعلامية بين قيادات حركة حماس حيث قال وبشكل مباشر "هذا الكلام لم نتفق عليه، وفوجئنا به، المفاوضات ليس لها مظلة من حماس، والحديث أننا أعطينا فرصة للتفاوض كأننا راضون عنها غير صحيح، ولم يكن موقف الحركة، ونحن لم نقبل ببرنامج تفاوض سياسي مع الجانب الإسرائيلي".
• وفي سابقة هي أيضاً الأولى من نوعها في العلاقة الإعلامية بين قيادات حركة حماس، وفي تصريح للجزيرة نت بتاريخ 23/05/2011 انتقد عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس تصريحات القيادي محمود الزهار التي علق فيها على موقف رئيس المكتب خالد مشعل بشأن إعطاء فرصة للمفاوضات مع إسرائيل، واعتبر أن هذه التصريحات خاطئة ولا تعبر عن موقف حماس ومؤسساتها، وأكد الرشق أن ما صدر عن الزهار "يمثل خرقا للتقاليد التنظيمية المعمول بها في حركة حماس ولا يجوز أن يصدر عنه بحق رئيس الحركة وقائدها"، فضلا عن كون الزهار "غير مخول بالتعليق على كلمة رئيس الحركة أو الاستدراك عليها".
• وفيما يمكن اعتباره محاولة "لملة" لتداعيات تلك التراشقات الإعلامية قال القيادي في حركة حماس صلاح البردويل في بيان صحفي بتاريخ 23/5/2011 معلقاً بقوله إن "ما جاء في خطاب مشعل هو من قبيل تحميل الجانب الإسرائيلي وتحميل السلطة ونهجها في المفاوضات السبب عن عدم تحقيق الأهداف الفلسطينية حيث أثبتت تجربة عشرين عاما فشل هذا النهج"، مضيفاً "إذا افترضنا أن الأشهر القادمة هي الحاسمة، فإن مشعل قال (سننظر ما إذا كانت الشهور القادمة قادرة على تحقيق هذه الأهداف ولن نقف في طريقها)، وهو كلام افتراضي وليس تعبيرا عن قناعات حماس وقناعات رئيس مكتبها السياسي بجدوى نهج التفاوض".
• وأخيراً اضطرت حركة حماس لإصدار بيان رسمي في 24/5/2011 للتقليل من تداعيات ما ظهر للسطح من خلافات واضحة، وجاء في البيان "ما تناقلته وسائل الإعلام من تصريحات للزهار والرشق هو من قبيل التلون داخل إطار الجسم الحركي الواحد ولا يعكس على الإطلاق أي خلافات داخل قيادة حركة حماس التي هي قيادة موحدة في الداخل والخارج"، معتبراً أن "ما تروجه بعض وسائل الإعلام بالأكاذيب المدسوسة"، مجددا تأكيده على "حقيقة وحدة الحركة وقوتها وتماسكها ووحدة برنامجها المقاوم في وجه الاحتلال".
• لم ينه بيان حماس الخلاف، حيث كرر القيادي في حركة حماس محمود الزهار موقفه في لقاء مع صحيفة الأخبار اللبنانية نشر في 24/05/2011، وأضاف إليه موقفاً آخر حول مكان قيادة حركة حماس قائلاً "موقف خالد مشعل لم نكن نعلم به ولم يستشرنا فيه أحد. بالتالي هذا موقف غير صحيح. نحن لم نعطِ فتح في يوم من الأيام فرصة أو تفويضاً منا كي تفاوض عنّا أو عن الشعب الفلسطيني، برنامجنا ضد التفاوض بهذه الطريقة لأنه مضيعة للوقت.... من يقل إننا فوضناها أو نفوضها لمزيد من التفاوض فموقفه لا يمثل موقف الحركة"، مضيفاً "المركز الرئيسي لحركة حماس في الأرض المحتلة، وثقلها الحقيقي فيها، والدماء تسيل فيها، والقيادة هنا، وإن كان الجزء المكمل في الخارج، وهذا موضوع تحت المراجعة حقيقةً، هذه تجربة مزّقت قيادة الحركة في أكثر من مكان وتحتاج إلى مراجعة".
حماس والمتغيراتبغض النظر عن جدلية أن ما جرى ويجري هو من باب التلون داخل الإطار الحركي، لكن ظهور هذه الآراء على أقل تقدير، إن لم نقل الخلافات العلنية، يؤكد أن هناك ضغوطاً جلية على قيادات الحركة، سياسية وأمنية، ليس أقلها اتفاق المصالحة المفترض، والذي بدأ يؤتي ثماراً عكسية حتى اللحظة، مع تصاعد وتيرة الاعتقالات والاستدعاءات في الضفة الغربية، وتصريحات قادة حماس في الضفة الغربية التي أخذت بدورها منحاً تصعيدياً وصل حد المطالبة بتعليق الاتصالات مع فتح كما طالب عضو القيادة السياسية لحركة حماس القيادي الأسير رأفت ناصيف بتاريخ 21/5/2011.
لقد واجهت حركة حماس في السابق منعطفات حاسمة تجاوزتها بمشيئة الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً، لم تنهر الحركة قبل سبع سنوات عندما فقدت الشيخين ياسين والرنتيسي، وواجهت التآمر عليها والحصار عقب فوزها في انتخابات التشريعي، وخرجت ومعها الشعب الفلسطيني منتصرة على الاحتلال بعد العدوان على قطاع غزة، وواجهت الحملات الإعلامية في الخارج، لكنها اليوم في حاجة للمزيد للحفاظ على نفسها.
استطاعت حماس أن تقف في وجه من أراد بها سوءا، وأن تواجه أحلافاً شيطانية ومؤامرات للنيل منها، لكنها مؤامرات كانت دائماً تأتي من طرف آخر، لم تواجه حماس يوماً نفسها، وهذا هو الاختبار الأصعب.
حركة حماس اليوم ومن خلال الخطاب السياسي والإعلامي، والأداء الميداني، وبعض الممارسات في قطاع غزة، وحالة الجمود في مواجهة متغيرات المنطقة، تكون كمن يوجه سهامه لنفسه، ومن يعطي الخصم ما يحتاجه من مؤونة وسلاح ليواجهه به.
مراجعة شاملة وكاملة ودقيقة، تأخذ بالأسباب، وتقيّم المراحل السابقة، وتستعد للمستقبل بمتغيراته، تراعي نبض الشارع، تتعامل مع الحدث وتصنعه أيضاً، تتطور وتتماشى مع المتغيرات، دون انحراف عن المبادئ والقيم، هو المطلوب اليوم من الجميع دون استثناء، فصيل فصيل، وحزب حزب، وحركة حركة، وفرد فرد.
هنا الموضوع للنقاش وليس للتشهير
انا كفلسطيني اؤيد الدكتور محمود الزهار في كلامه
والدكتور الزهار لم يخرج للتصريح للاعلام الا لخطورة خطاب مشعل الذي يشكل انتكاسة كبيرة لخيار المقاومة هذا رأيى الخاص
تعليق