إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    [IMG]http://australiansforpalestine.com/wp-*********************/uploads/2010/02/201002261156072.jpg[/IMG]

    يا قُدسُ جِئْتُكَ هَذَا اليَوم مُعتَذِرًا
    وَمُسْتَعِيذًا .. فَانَّ الظُلْمَ كَالظُلَمِ
    وَبَعْدَ أَنْ وَجَّهَ الأَعْرَابُ قِبْلَتَهُمْ
    إِلَى المُحِيطِ كَأَتبَاعٍ مِنَ الحَشَمِ
    وَبَعْدَمَا اسْتُفْحِلَتْ أَمْرَاضُ أُمَّتِنَا
    بين التَّقَاعُسِ وَالتَّرمِيلِ وَاليَتَمِ
    أَشْكُوكِ َقومِي وَقَد بَاعُوا قَضِيَّتهمْ
    وَجَرَدُونَا مِن الأَنْسَابَ والقِيَّمِ
    مَنْكَ السَّلامُ وَمِنْكَ الحَربُ قَادِمَةً
    يَا قُدسُ يا حرمًا يَا ثَالِثَ الحَرَم





    سَخِيَّةٌ حَظِيَّ الفِرْدَوْس حَظْوَتهََا
    فَهَاجَ من حولها رَهْطٌ من الغُشُمِ
    لِيَرْكَبَ الغَلَتُ المغرور صَهْوَتَهُ
    على الغِطَمِّ وَأَسْدَاف منَ الغَسَمِ
    فابتاعَ مُرجفنا أنفًا ومَكرَمَةً
    وَغَاصَ عَاقلنا بحرًا من السَّدَمِ
    للهِ أشكوكَ من قَوَّضْتَ غفوتنا
    ومن زرعت بذور الرِّيبِ كَالغِيَّمِ
    تَدُولُ كَالأَرَمِ المغبر من زمنٍ
    إِنْ عاجلاً ، آجِلاً قُبِحْتَ من زَلَمِ
    ولا يزال لنا فيكم مقارعةٌ
    فاخرج كما جئت مدسوسا من العدم
    هذا الأَدِيمُ ، اِلَهُ العرشِ قَدَّسَهُ
    لمن يُقَدِسُهُ ، لا عَابِدِ الصَّنَمِ

  • #2
    رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

    أَقُولُ والقَلبُ شَاخَ اليَومَ في الأَلَمِ
    ثلاثة و سِتُونَ عَامًا وَلَا شَيءٌ منَ النَّدَمِ
    ثلاثة و ستون ما عرفت أشعارنا وَهَجًا
    وباتَ يسبحُ شعر اليوم في الأَلَمِ
    لا الشعرُ شعرٌ ولا الأفكارُ رَائِدَةٌ
    وزاد من همّنا رقص بلا نغم
    وَلَوْ رَأَى المتنبي سُوءَ حالتنا
    لَجنَّ من حَزَنٍ أو مات من سَقَمِ
    وبات يندب ما يجرى بقولته :
    (وا حر قلباه ما في القلب من شَبِمِ)
    وقال يا قومُ لا أفق سيجمعنا
    (إذا استوت عندنا الأنوارُ بالظُّلَمِ )
    فلا تزال على هجر قبائلنا
    وقد تناست غباء حرمة الرحم
    شاب الغراب وما شابت قبائلنا
    أحزانها مُزِجَتْ بالهَمِ والبَسَمِ
    والغاصب اليوم يمشي بيننا وَلَهُ
    من مثلنا قَزَمٌ ، والكلُ كالقَزَمِ
    عُدْنَا إلى الجهلِ نَرْضَاهُ مَطِيَّتَنَا
    ولا نبالي بِبَلْوَانَا منَ النِّقَمِ

    تعليق


    • #3
      رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

      ثلاثة و سِتُونَ عَامًا وفيروس يلازمنا
      ثلاثة و ستون عاما وشكل الحب كالألم
      ثلاثة و ستون عاما وأحلام تضاجعنا

      ولم نزل نعرف الظلماءَ كالظُلَمِ

      تاهت بنا سفنُ الإبحار في لُجَجٍ
      وَاختَارَ قَائِدُهَا ربًا من الصنمِ
      ضاعت فلسطين ما عادت بها قدم
      نمشي عليه ولا اسمٌ منَ القِدَمِ
      ثلاثة او ستون عاما وهذا الماء نحمله
      كالعِيرِ في سَغَبٍ والمَاءُ في السَّنَمِ
      حَلَّ الجَفَافُ وَمُزْنُ الغَيثِ وَدَّعَنَا
      وَوُّحِدَ الملكُ في خَصمٍ وفي حَكَمِ
      ثلاثة و ستون عاما وأجيالٌ نُدَجِنُهَا
      حتى غَدَتْ تَعْرِفُ اللَّذَاتِ في الأَلَمِ
      فَاخْتَارَ أغلبها بَحرًا لِيَأْكُلَهُ
      فالبَحرُ أَفضَلُ من عَيشٍ عَلَى سَقَمِ
      ثلاثة و ستون عاما يهود الأَرْضِ نَصْحَبُهَا
      وَلاَ نُفَرِقُ بَينَ السُّمِ والدَّسِمِ
      حتى هزمنا وما عادت لنا ذمم
      وَشَاخَ منا سِنُونَ العُمْرِ والعَظَمِ

      تعليق


      • #4
        رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

        ثلاثة و ستون والأرضُ تَغْفُو في زلازلها
        ثلاثة و ستونَ والمُلْكُ للمعتُوهِ والهَرِمِ
        ثلاثة و ستون ننتظر الأمطار تغسلنا
        ليغسلونا بماء الموتِ والحِمَمِ
        غسيلنا في بقاع الأرض مُنْتَشِرٌ
        فيه الفضائحُ والإِسرَافُ في اللَّمَمِ
        أرض تنام على البترول جائعة
        والدين يقبر عندَ القَصْرِ والحَرَمِ
        والمذنبون بلا ذنب ومجرمةٍ
        والغرب يحكمنا في الدين والشِّيَمِ
        عُرْسٌ بـ(طنجة) والمقتول في( يَمَنٍ)
        رقص بـ(لبنان) والمصلوب في (شَأَمِ)
        ثلاثة و ستون عاما ولا عادت سفينتنا
        وضاع (طارق) بين الرِّقِ والعَجَمِ
        وَهُوِّدَ ( القدسُ) صمتا والهوان غدا
        شعارنا فاستبيحَ العُرْبُ كَالغَنَمِ
        فمارسوا قتلنا جهرا بِثَالِثَةٍ
        (بَغْدَادُ) فاغتيل فيها أَهْلُ مُعْتَصَمِ
        ثلاثة ستون عاما وما زالت قضيتنا
        في مجلسِ الغَمِ أو في مَجلِسِ العَدَمِ

        تعليق


        • #5
          رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

          ثلاثة و ستون عاما وهذا الغرب يحسدنا
          لأننا فوق فردوس من النعم
          لاح الشياطين فينا ألف قاصمة
          ولقح الناس أمصالا من العقم
          ثلاثة و ستون عاما وعجز دون معجزةٍ
          شعارنا الهَمُ مشتقٌ مِنَ الهِمَمِ
          ثلاثة و ستون عاما وهذا الغرب يملكنا
          هم سادة وجميع العرب كالخَدَمِ
          ثلاثة و ستون عاما وكالأعمى بلا نظرٍ
          وزاد سامعنا صَمًّا على صمم.
          ثلاثة و سِتُونَ عَامًا بِعُمْرِ الأُمِ عَاربَةً
          وَلاَ فِطَامٌ وَلاَ فَطْمٌ لِتَنْفَطِمِ
          وبعد ثلاثة و ستين هذا الكهف يجمعنا
          فلا نفرقُ بين الحُلْمِ وَالحِمَمِ
          إن قيل (غزة) باتت شبه محرقة
          تنديدنا مُخْجِلٌ في هيئةِ الأُمَمِ
          وبعدَ عامٍ تُقِيْمُ العُرْبُ قِمَّتَهَا
          ومثلُ ثلاثة و سِتِينَ عَامًا،نَاتِجُ القِمَمِ
          تَعَولَمَتْ أَرْضُنَا وَاستَورَدَتْ عَجَمًا
          وَخُوصَصَتْ وَتَسَاوَى العُربُ بِالعَجَمِ

          تعليق


          • #6
            رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

            ثلاثة و ستون تُدبِرُ, لاَ رَأْس مُدبَّرَةٌ
            والقَوْمُ مُدْبِرَةٌ خَوْفًا منَ التُهَمِ
            من العجيب على الأخدود (غزتنا)
            صهيون أمس وعاد اليوم بالجُرُمِ
            ماذا تبقى لنا من عيش فانية
            ماذا تبقى وخير العرب في الخِيَّمِ ؟
            دماؤُنَا مثلُ ماءٍ عِنْدَ قَاتِلِنَا
            وَمَاتَ مِنَا جَمِيْلُ الطَبْعِ والشِيَّمِ
            من الهوان شذوذ الغرب يشتمنا
            في ديننا وبنا صمت من البُكُمِ
            ولم تعد غيرة في الدين تُوخِزُنَا
            عَلَى رَسُولٍ كريمٍ بالغ الكَرَمِ
            ثلاثة و ستون عاما وفي التهميش مركزنا
            من فيئةٍ عُرِفَتْ بِالصُّمِ وَالبُكُمِ
            وأنها سُلِّمَتْ أَمْسٍ لقاتلها
            فاستسلمت ورضت بالسِّلْمِ والسَّقَمِ
            في ظنها أن هذا الغَرْبَ مَدْرَسَة ٌ
            لولاه ما خط في القِرطَاسِ بالقَلَمِ
            ونحن لولاه ما كنا تَلاَمِذَةً
            وَلاَ عَرَفنَا بُلوغ الرُّشْد والحُلُمِ

            تعليق


            • #7
              رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

              ثلاثة و سِتُوْنَ عَامًا إِلَى السِتِينِ رَاحِلَتيِ
              وَمَا مَضَى مِن سِنِين العُمرِ كَالعَدَمِ
              في سيرة الحب مثل البُهْمِ شهوتنا
              وقد تساوى محبُ اليوم بِالنَّعمِ
              لجاهل اليوم أموال يقدسها
              كجاهل الأمس ميالٌ إلى الصَّنَمِ
              يُصَادَرُ الحَقُ مَا للنَّاسِ أَغْلَبُهَا ؟
              تَغفُو وَتَصْحُو بلاَ حِسٍّ وَلاَ ذِّمَمِ
              زَعَامة عمرها السِتِين لاهثة
              تلك المصيبة جَرَّتْ قِلَّةَ الفَهَمِ

              يا قُدسُ جِئْتُكَ هَذَا اليَوم مُعتَذِرًا
              وَمُسْتَعِيذًا .. فَانَّ الظُلْمَ كَالظُلَمِ
              وَبَعْدَ أَنْ وَجَّهَ الأَعْرَابُ قِبْلَتَهُمْ
              إِلَى المُحِيطِ كَأَتبَاعٍ مِنَ الحَشَمِ
              وَبَعْدَمَا اسْتُفْحِلَتْ أَمْرَاضُ أُمَّتِنَا
              بين التَّقَاعُسِ وَالتَّرمِيلِ وَاليَتَمِ
              أَشْكُوكِ َقومِي وَقَد بَاعُوا قَضِيَّتهمْ
              وَجَرَدُونَا مِن الأَنْسَاب والقِيَّمِ
              مَنْكَ السَّلامُ وَمِنْكَ الحَربُ قَادِمَةً
              يَا قُدسُ يا حرمًا يَا ثَالِثَ الحَرَم

              ملحمة فلسطين
              للشاعر :- ابن الاصيل المسيلي الجزائري

              تعليق


              • #8
                رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..



                من تصميمي للنكبة

                http://www.alaqsagate.org/vb/showthread.php?t=63952

                تعليق


                • #9
                  رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..



                  تصميم للأخ المبدع محاور

                  http://www.alaqsagate.org/vb/showthread.php?t=63949

                  تعليق


                  • #10
                    رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

                    النكبة الأشـدّ خطراً من نكبـة 5/6/1967م
                    نبيل شبيب *
                    السياسات الحالية تُمهّد لنكبات أوسع وأخطر ممّا سببته هزيمة 1967م.

                    لا نُهوّن إطلاقاً من شأن الهزيمة العسكرية الكبرى في تاريخ العرب الحديث في 5/6/1967م، ولا نُهوّن إطلاقاً من شأن مسؤولية من صنعوا تلك الهزيمة وبقوا في السلطة إلى ما بعد ظهور نتائجها البعيدة لا القريبة فقط، فحملوا واقعياً المسؤولية عن ترسيخ "آثار العدوان" التي انطوت عليها، وعجزوا عن إزالتها كما كانوا يزعمون من أجل بقائهم في السلطة، لا نُهوّن من شأن ذلك، فما صنعوه لا تزال المنطقة بأسرها أسيرة عواقبه إلى يومنا هذا. رغم ذلك يُمكن التأكيد دون تردّد أنّه سيبقى في حكم التاريخ أقل خطراً ممّا يصنعه المسؤولون هذه الأيام على صعيد قضية فلسطين، القضية المصيرية المشتركة بنشأتها ومجراها ونتائجها القريبة والبعيدة.

                    إنّ ما يصنعونه في الوقت الحاضر يُمكن ـ إذا لم تتحوّل يقظة الشعوب إلى حركة ـ أن يُسفر عن عواقب أشدّ وطأة وأبعد مدى، وأن يفرض من القيود والأغلال على إمكانات التحرّك والنهوض في المستقبل أيضاً، ما لا يسهل التخلّص منه على أجيال المستقبل، أي على أولادنا وأحفادنا..!

                    نكبة 1967م:

                    1 ـ في نكبة عام 1967م أطلق المسؤولون عن صنع تلك الهزيمة التي دمّرت عدّة جيوش عربية، ومكّنت من استكمال اغتصاب الأرض الفلسطينية واحتلال أجزاء من أراضي دولتين عربيتين، ورمت بالمنطقة عشرات السنين إلى الوراء على طريق الضعف والتخلّف والتشرذم.. أطلقوا على تلك الهزيمة المذهلة المرعبة وصف "النكسة" تهويناً من شأنها وشأن مسؤوليتهم عن صنعها.

                    2 ـ آنذاك اعتبروا الانتصار متحقّقاً لمجرّد عدم سقوط أنظمتهم التي صنعت الهزيمة، وليس صحيحاً القول إنّ قوات الكيان الصهيوني لم تستطع إسقاطها، فقد كانت الأبواب إلى ذلك مفتوحة بدعم دولي، ولكن لم تكن توجد مصلحة للصهاينة ومَن وراءهم في إسقاطها، إنّما كانت تلك الأنظمة نفسها متشبّثة بكراسي الحكم، لا أكثر ولا أقل، فلم تنفع حتى تلك الهزيمة الكبرى في إثارة ما يكفي من الكرامة السياسية لإعلان التنحّي الفعلي عن كراسي المسؤولية الفاشلة، حتى بعد ظهور الأدلّة القطعية على الإخفاق في تحقيق الأهداف المزعومة.

                    3 ـ آنذاك.. استخدموا العمل الفدائي في بداية نشأته من قبل فجعلوه في الواجهة لامتصاص الغضبة الشعبية.

                    4 ـ آنذاك.. تابعوا حكمهم الاستبدادي الفردي والحزبي؛ فتابعوا تعطيل طاقات الشعوب عن صناعة مستقبلها بنفسها.

                    5 ـ آنذاك.. رفعوا شعار "إزالة آثار العدوان" عام 1967م، وأعلنوا "لاءات الخرطوم الثلاثة" تجاه الاعتراف والمفاوضات والصلح، ولكن ساروا في الوقت نفسه على درب التسليم بنتائج عدوان 1948م، وبدأت الاتصالات الفعلية الأولى للصلح.

                    6 ـ آنذاك.. بدأت أعماق البلاد تُفتح بعد الأبواب أمام تغلغل الهيمنة الأمريكية إلى أعماق آلية صناعة القرار الوطني والعربي.

                    ويُمكن تعداد المزيد، إنّما يكفي ما سبق للمقارنة، وقد حفلت المكتبة العربية على كل حال لمن يُريد بما يكفي من الكتب التي طرحت نكبة 1967م من مختلف وجوهها، بدءاً بجانب الحضارة والفكر، مروراً بانهيار الأمن العسكري العربي خارجياً وعربدة المخابرات والميليشيات المسلحة الرسمية داخلياً، وانتهاء بالضياع السياسي ما بين هزيمة تيارات تشبّثت بمواقع مَن لا يُريد التخلّي عن صنع المزيد من الهزائم عبر تلك المواقع، وما بين تقييد تيارات أخرى أو بقائها من نفسها دون مستوى النهوض بالمهمّة الجليلة في المرحلة التاريخية التي نعيش فيها..!

                    رغم ذلك كلّه نقول إنّ الأخطر ممّا كان بعد وقوع نكبة 1967م هو ما نُعاصره هذه الأيام، ولا ينبغي هنا بالذات متابعة الأسلوب الذي كان عام 1967م هو السائد في كل مكان، أي لا ينبغي الآن التمويه عبر مجاملات مزيّفة أو مخاوف قاتلة على حقيقة بسيطة وخطيرة، وهي أنّ "المسؤولين" هم بالذات الذين يحملون قبل سواهم "المسؤولية" عمّا يجري، تماماً وفق المعنى اللغوي لوصفهم، ووفق ما يقوله واقع حالهم وحال الأوضاع الراهنة، وهم عبر متابعة ما يصنعون مسؤولون أيضاً عمّا يُمكن أن يوقع نكبة أكبر وأشدّ وأنكى، سواء رفعنا فوق ذلك الواقع المحتّم عَلَم سلام مزيف أم لم نرفع، وزعمنا له غطاء شرعية دولية كاذبة أم لم نزعم..!

                    ولا يعني ما سبق تبرئة أحدٍ آخر من المسؤولية، كلّ على حسب طاقاته وموقعه..!

                    النكبة الأخطر:

                    فلنقارن أولاً: إذا سمّى الجيل السابق من المسؤولين الهزيمة "نكسة"، فإننا نُعاصر هذه الأيام ومنذ سنوات ممارسة عملية ـ لا إطلاق التسميات فقط ـ لِما هو أشدّ من ذلك أضعافاً مضاعفة من ممارسة أساليب تسمية السمّ بالدسم، في محاولات لا تنقطع للتضليل فيما يستحق وصف عملية غسيل الدماغ الجماعي، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

                    1 ـ يُطلقون على التسليم بنتائج اغتصاب عام 1948م على الأقلّ "سلاماً عادلاً".

                    2 ـ ويُطلقون على ما يُخضعون له الشعوب إخضاعاً وما يَخضعون له هم من أسباب القوّة والهيمنة الأجنبية "شرعية دولية".

                    3 ـ ويُطلقون على رفض الإعداد للحرب دفاعاً عن الأرض والعرض ضدّ من لم ينقطع عن ممارسة الحرب "موقفاً حضارياً"، وعلى كل دعوة لمواجهة القوّة العدوانية بالقوّة تهوّراً وغوغائية.

                    4 ـ ويُطلقون على المقاومة المشروعة "إرهاباً" وعلى من يعتبرون أنفسهم استشهاديين "انتحاريين".

                    5 ـ ويُطلقون على التخلّي العلني عن أرض لا يملكونها، وعقد العقود الباطلة لتثبيت اغتصابها وإعطائه صبغة زائفة من المشروعية، "خياراً استراتيجياً" وحيداً لا ثاني له ولا بديل عنه.

                    6 ـ ويُطلقون على مصادرة طاقات الأمة والتحكّم فيها، ونخر الفساد في الأجهزة المتحكمة فيها "عجزاً".

                    7 ـ ويُطلقون على الغضبة الشعبية الشاملة لفئات الشعب ومثقفيه ومفكريه وطلبته وعماله وخاصّته وعامّته "صوت الشارع".

                    ولنقارن النقاط الأخرى من مواصفات كل من المرحلتين باختصار:

                    1 ـ كانوا يعتبرون بقاء الأنظمة بعد الهزيمة العسكرية "انتصاراً"، ويرفضون شفوياً التسليم لعدوٍ غاصب للأرض، وهم يُصوّرون الآن مجرّد التفاوض مع العدوّ هدفاً، والصلح معه مُدخلاً للتقدّم والرخاء، والقصد مجرّد البقاء.

                    2 ـ وكانوا يستغلّون "العمل الفدائي" لامتصاص الغضبة الشعبية، وهم الآن يدعمون توظيف فريق ممّن كانوا في العمل الفدائي لضرب من قام يُمارس المقاومة المشروعة من أجل تحرير الأرض والإرادة.

                    3 ـ كانوا عبر الاستبداد يُعطّلون طاقات الشعب، والآن يتحرّكون لتنفيذ مشاريع "شرق أوسطية" كما يُسمّونها في اتجاه يضع طاقات الشعب في خدمة ترسيخ وجود الغاصبين لأرض فلسطين، وتثبيت قدرتهم على الهيمنة الاقتصادية، ليس بقدرتهم الذاتية وإنما من خلال ما يوضع بين أيديهم من قدرات.

                    4 ـ كانوا يغطّون مساعي "الصلح" السرية بشعار من قبيل رفع آثار العدوان، وهم الآن يصوّرون الصلح مع "التطبيع" هدفاً يسعون إليه سعياً حثيثاً ويرفضه العدو، ويَضربون من أجله من يرفضه ويُقاومه من الشعوب، فيبطشون ويُنفقون في البطش أضعاف ما قد يحتاجون إليه للإعداد والتعبئة.

                    5 ـ ولئن كانت نكبة 1967م فتحت أبواب الهيمنة الأمريكية، فهم الآن لا يستحيون من الإعلان عن خضوعهم لها، ويمتنعون عن التنحي لمن لا يخضع لتلك الهيمنة كما يخضعون.

                    الآن فقط وبعد 40 سنة يتحدّث الجميع بوضوح عن جيل سابق من المسؤولين "صنع هزيمة 1967م"، فهل يُراد لنا تمرير ما يجري، ثم أن ننتظر ليتحدّث الأبناء والأحفاد عن جيل سابق صنع النكبات التالية..؟

                    كان على الشعب بجميع فئاته التصفيق عندما اعتبر الجيل السابق من المسؤولين بقاءه في السلطة انتصاراً، والترنّح ما بين شرق وغرب سياسة، والاستبداد الداخلي حكماً رشيداً، فهل علينا التصفيق اليوم ونحن نرى التشبّث بالسلطة لم يتبدّل، بل ازداد وبات ينتقل من الآباء إلى الأبناء في الأنظمة "شبه الجمهورية" وليس في الملكية فقط، أو نشهد كيف يجري تبديل ولاية العهد حتى أثناء فترة الاحتضار تلبية لرغبة أمريكية..؟

                    كان علينا تصديق من يُمارسون التبعية الأجنبية وهم يزعمون أنها تهمة مشينة، وربما اعتقلوا مَن يكيلها لهم وربما وصموه بفكر المؤامرة، فهل علينا الآن الانصياع لمن يُباركون تلك "التبعية الأجنبية" ويُعطونها مواصفات "الواقعية" أو "العقلانية" أو ما شابه ذاك فيجعلون من الإعلان والتبجح ما يحمل من معالم فضيحة سياسية أكبر من ممارسة التبعية نفسها..؟

                    ومتى ينبغي تسمية الاستبداد الداخلي استبداداً إذن، وقد تجاوز مرحلة حماية كراسي السلطة نفسها، إلى درجة توظيف بعض الأجهزة الأمنية ـ وما أفرادها إلا قطعة من أبناء الشعب نفسه في الأصل ـ لضرب فئات من الشعب، ليس لحماية السلطة فقط، بل لحماية "العدوّ" أيضاً، للقيام بمهمّة "أجهزة حراسة" العدوّ الغاصب واستمرار اغتصابه، وتوسّعه، وتوجيه الضربات لخصومه، ضرباً واعتقالاً وحصاراً ونفياً وتعذيباً، حتى لو اقتصر أمرهم على "رفض التطبيع" مع كيان شاذ يستحيل أن يُصبح "طبيعياً" أو على ممارسة مقاطعة شعبية في غياب الجرأة الرسمية على المقاطعة..!

                    ويُمكن تعداد المزيد للتأكيد أنّنا نعايش الآن النكبات الأكبر مفعولاً هذا إذا بقيت الأحداث والتطورات تسير في الاتجاه المرسوم لها، أو الذي اتخذته نتيجة ممارسة سياسة خبط عشواء بلا تخطيط قويم ولا هدف كريم.

                    جيل المستقبل:

                    كان يُقال في ظلّ نكبات الماضي على الأقل، إنّ علينا أن نُقاوم، وأن ندعم من يُقاوم، وأن نفسح المجال لمن يُقاوم، فهذا ـ وإن مارست السياسات على أرض الواقع غير ذلك الذي كانت تقول به ـ يدلّ على أنّها كانت "تخشى" على الأقل من الإعلان المباشر عن توجيه الضربات لإمكانات المقاومة الذاتية وأهلها والداعين لها والعاملين من أجلها. أمّا الآن فتخلّت السياسات "الواقعية" المعاصرة عن حقّ الكلام لا حقّ الأفعال وممارستها فحسب، فكأنّ حقّ المقاومة المسلّحة بالوسائل الممكنة المتاحة ليس فرضاً أوجبه ديننا الذي هو مصدر تشريعنا وعزتنا، أو ليس شرعة دولية ثابتة في المواثيق بكل وضوح فلا يُنكرها على قوم دون قوم إلا مكابر أو عدوّ، أو كأنّ من يُمارسون هذه المقاومة المشروعة المفروضة المطلوبة من الأبطال الشرفاء، يُمارسونها ضدّ أُناس أبرياء، ليس فيهم مهاجر روسي أو حبشي أو بولندي أو سوى ذلك من أجناس الأرض، أتى فاغتصب أرضَ إنسانٍ فلسطيني منفيّ في صقع ما من أصقاع الأرض، أو كأنّه ليس فيهم مستوطن نشأ هو وأهله، على الزيتون الذي اغتصب، والحقول التي اغتصب، والماشية التي اغتصب، والمياه التي اغتصب!

                    أليس من وجوه النكبة محاولة بعض المنكوبين أن يُشكّكوا في حقيقة أنّ هذا الكيان كيان باطل من الجذور، قام على العدوان، واستمر بالعدوان، وتوسّع بالعدوان ولا ينقطع عن ممارسة العدوان حتى الآن، وهذا منذ الموجات الأولى للهجرة التي أقامت مستعمرة تل أبيب، حتى الموجات الحالية للهجرة التي تُقيم المستعمرات حول القدس الشريف، ومن عهد (هرتسل) و(جابوتنسكي) إلى عهد آخر وليد في مستعمرة قديمة أو جديدة..!؟

                    إن من أسوأ مظاهر النكبة التي نُعايش، والتي أصبحنا منكوبين بها جميعاً، شعوباً وحكومات، تيارات وأحزاباً، "متشدّدين ومعتدلين" بمقاييس الغرب أو الشرق.. من أسوأ مظاهرها أن نجد داخل صفوف المنكوبين بذلك الباطل، مَن يُدين عمليات المقاومة، أو يعمل على منعها، أو يُندّد بها، أو يُشكّك في مشروعيتها، كل على حسب المكان الموضوع فيه، فإذا به يُساهم في صنع النكبات، من حيث يُريد أو لا يُريد.. سيّان فالحصيلة واحدة..!

                    نحن الآن في نكبة أكبر من نكبة 1967م، لأننا الآن نصنع عبر النكبة السياسية بأيدينا الأسباب لكل نكبة عسكرية وغير عسكرية في حاضرنا ومستقبلنا المنظور، بينما كانت آنذاك في الأصل "مجرّد" هزيمة عسكرية نحمل في بلادنا المسؤولية عن تحويلها إلى نكبة شاملة، وكانت آنذاك هزيمة عسكرية محتّمة، نتيجة لما مارسته غطرسة غوغائية حاكمة، وقد أغرت آنذاك كثيرين، فكانت النكبة صدمة كبرى، أصابت الشعوب في أوج تأثّرها بما رُفع من الرايات الوطنية والقومية، فنالت منها في الصميم، وطوّحت بالآمال العريضة التي كانت تنسجها وسائل إعلام جعلت مهمّتها تزيين الاستبداد بذريعة العمل لتحرير فلسطين من الغاصبين.

                    كانت تلك النكبة صدمة كبرى، نزفت منها الإرادة الشعبية، فبدا كما لو أنّها أصابت الأمة بطعنة لا تقوم منها إلا بعد أجيال عديدة، ولكنّ ما نُعايشه الآن، ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى على الأقل، يؤكّد أن لدى الأمّة طاقات مخلصة كبرى للعطاء بلا حدود، وللنهوض من منحدرات التنازل ووهدة التخلّف والهزائم، أمّة لا تصنع الضحايا الأطفال من أمثال محمد الدرّة وإيمان حجو فحسب، بل تصنع الفدائيين الأبطال أيضاً، ممّن باتوا يقضّون مضجع صغار الغاصبين وكبارهم، ما بين تل أبيب وواشنطون.

                    هنا يبرز أبشع وجه من وجوه النكبة المعاصرة التي نُعايشها، فنحن الطرف الضحيّـة، سواء في ذلك الأقرب أو الأبعد جغرافياً من فلسطين، في عصرٍ لا يعرف المسـافات ولا الفروق، نحن الذين نُواجـه العدوّ وإمكاناتـه، ثمّ يحوّل فريق منّا جزءاً من إمكاناتنا وطاقاتنا إلى أسلحة نضرب بها أنفسنا إذ نضرب بها بعضناً، فكأننا بذلك ننتحر، إذ حاول منع انتشار صحوة عمّت أبناءنا وبناتنا، وإذ نطعن إرادة شعوبنا في الصميم، أو نُزيّن لجيل المستقبل أنّ يترك ميدان العمل والبناء والجهاد ويمضي في سُـبل العربدة المتشعبة التي لم توصل من قبل إلا إلى الهزائم والنكبات، فماذا يريد ذلك الفريق..؟

                    إنّ نكبة الأمس نكبة عسكرية، وكم من الجيوش انتهى أمرها بهزيمـة، دون أن ينتهي أمر الأمّـة التي تصنع الجيوش لا العكس، أمّا نكبتنا اليوم فنكبة حضارية عندما يتولّى فريق منا العمل على أن تُصبح صناعة مستقبل أمّتنا وفق ما تُريده الوحشـية الإجرامية العدوانية التي يُمارسها عدوّنا بقوّاته العسكرية، وهذا في ظلّ حماية "خيار السلام الاستراتيجي الأوحد"..!

                    نحن في نكبة أعظم.. لولا الأمل الكبير في العزائم التي بدأت تظهر من قلب الهزيمة، وتؤكّد مسيرة الجيل الجديد على طريق آخر، يُنهي عصر الهزائم والنكبات بمختلف أشكالها وفي مختلف الميادين، ويُجدّد عهد البناء والتقدّم، وما ذلك على الله بعزيز.


                    مركز الشرق العربي

                    تعليق


                    • #11
                      رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

                      يومُ نكبةِ فلسطين عيدُ استقلال إسرائيل!
                      آمال عوّاد رضوان
                      مِن مفارقاتِ الحياةِ أن يجتمعَ نقيضا القطبيْن في نفس اللحظة، بإبادةِ دولةِ فلسطين العربيّة المنكوبة وتهجيرِ أهلِها لكلّ بقاع العالم، ليصيرَ عيدَ استقلال إسرائيل اليهوديّة، وفرحها بشعبها المتباكي المُلملَمِ مِن أرجاءِ العالم!

                      "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"؟!

                      الأمّهاتُ الغربيّات احتضنَّ إسرائيل، وتلقفنَها بمنتهى الحنان والرّعاية والتكفير عن ذنوب لم يقترفنها، في حين أوى الفلسطينيّون إلى انكسارِهم مُشتّتين، كسائرِ بلدانِ شرقِنا اليتيم اللّطيم، تُلاطمُهُ وشعوبَنا نكباتٌ تلوَ نكبات، وثوراتٌ إثر ثورات، وبراكين ثائرةٌ مِنَ ملايين الضّحايا الأحياء الأموات، فتتبدّلُ الأسماءُ والهُويّاتُ والسّياسات، ويُداس جوهرُ القضايا البشريّة، ويتسلقُ مَن يتسلّق شجرة الحرّيّة ويتعربشها ليخنقها ويغتالَ ثمارَها، وتغدو لغة الدّم خلاّبة توسوسُ النفسَ، وتُسوسحُ العينَ بمزيدٍ مِن الخياناتِ الإنسانيّة!

                      15 مايو مِن كلّ عامٍ هو ذكرى يوم النكبة الفلسطينيّة، الذي هُجّر فيه مئاتُ القرى الفلسطينيّة العربيّةِ وصارت في خبَرِ الأطلال، أكثرُها التهمتها جرّافات الاحتلال، وأخرى استُنسِخت باستيطانِ أقدامٍ أجنبيّةٍ استُقطِبت وأُغوِيَت، لتخطّ فصولاً جديدةً لحكاياتِ شعب الله المختار، وأسطورةِ عودتِهِ إلى أرضِ الميعاد حيثُ السّمن والعسل، والتين والرّمّان والزّيتون، ولتطأ وتفترشَ بيوتَها العربيّة متجذرة العقود الشّامخة، وتتعرّشَ قممَ تلالِها وجبالِها المُستباحة، وتتّكئَ على عكاكيزِ عظامِ جدودِنا، ويبقى تاريخُ أوجاعِنا مضرجًا بدماءِ وحكايا المنكوبين الفلسطينيّين، بنهاياتِهِ مُشرّعةِ النّوافذ والأبواب والألبابِ على خلاءٍ دجّالٍ وخواءٍ نوّاح!

                      ملايين الفلسطينيّين تهرسُهم طواحينُ الغربة، وتبكيهم نواعيرُ التشرّد، ولا تتشفّعُ لهم طوابيرُ اللّجوء، منذ اعتلت القصّةُ الصّهيونيّةُ متنَ موجةٍ شرسةٍ منذ أكثرَ من ستةِ عقودٍ، وما انفكّ فؤادُ الحقيقةِ يشتعلُ ألمًا، والذّكرياتُ الملتهبةُ تستنهضُها الجِراحُ النّازفةُ كرامتَها ووجدانَها، فتتناسلُ آمالاً في صرّة الحياة، وتنبعثُ أحلامًا في سهوةِ الموت!

                      التقيتُها قبلَ أيّامٍ معدودةٍ، تلكَ الطفلةُ التي لقّمَها ثديُ أمِّها الميّتة الصّمتَ مدّة ثلاثةِ أيّام أثناءَ القصفِ والعصفِ على حيفا، كي لا تبكي ويستدلَّ الاحتلالُ إلى أطفالٍ نجًوْا من بقايا عائلةٍ تحت الرّدم، يأكلهم الجوعُ والعطشُ ويُغطيهم الخوف، فكانت لهم الحياةُ بمراراتِها وعذاباتِها أتونَ موتٍ يتلظى، والأخت الكبرى ابنة الـ 15 في حضرةِ التّمنّع والتّعفف، تغدو أمًّا لطفلةٍ وخمسةِ إخوةٍ يصغرونها بهمسٍ يحترق!

                      طفلةٌ يتيمةٌ؛ تتهاوى فريسة احتضارٍ قطفها مِن بستانِ الحياةِ، تجاوزت السّتينَ مِن عُمرِ النكبة، وما أسعفها القدَرُ المهشّمُ بوِصالِ أهلِها المشرّدين، فأقعدَتها الأمراضُ مجتمعةً على كرسيّ متنقل يحتفلُ بمآسيها، وما أقعدَتها الدّموعُ المقدّسةُ عن بوحِ ذكرياتِها تراتيلَ أوجاع، لا يُنازعُها فيهِ لا موتٌ ولا وداع!

                      منذ موْلدِها تأهّبت للموتِ قسْريًّا كأهلها وأقربائِها، لكنّهُ ما استساغ وجعَها، فظلت تتشبّثُ بالحياةِ وجوبًا لا استحقاقا.. سُحقا.. سُحقا.. كلماتٌ تطفو كطوقِ نجاةٍ على شُعيْراتِ لسانِها تدعو بالخلاصِ على ضفافِ الوطن!

                      كيف يكونُ الخلاصُ لهذهِ الطّفلةِ السّتينيّةِ ولأبناءِ جلدتِها؟

                      العالمُ بأسْرِهِ يُعاينُ شرقنا المتراقصَ على فوّهةِ بركانٍ يتحفّزُ للانفجارِ في أيّةِ لحظة، فهل الوقوفُ على أعتابِ النّكبةِ هذا العام مسكونٌ بالصّمود، أم محفوفٌ بمخاطرِ المبايعةِ ومؤامراتِ المقايضة بشكلٍ سافرٍ مكشوف؟

                      وهل ستقومُ دولة فلسطين على أنقاضِ فلسطين، فقط بشرط يهوديّةِ الدّولةِ العبريّة؟

                      تعْمدُ خطة رئيس حكومةِ إسرائيل إلى احتواءِ الاعتراف الدّوليّ بالدّولةِ الفلسطينيّة فقط على 0.050 مِن مساحة فلسطين التّاريخيّة، وذلكَ مقابلَ الاعترافِ بإسرائيل كدولةٍ يهوديّةٍ وأحاديّةِ القوميّة!

                      ألم يكن الرئيس الرّاحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير قد أعلنوا الدّولة عام 1988، وما زالوا يحتفلونَ بهذا الإعلان، رغمَ أنّه لم يخرجْ عن إطار الحبر الذي جفّ على الورق؟

                      وإن كنّا افترضْنا إعلانَ الدّولةِ الجديد باعترافٍ عالميٍّ بيهوديّةِ الدّولةِ العبريّة على أنقاضِ فلسطين العربيّة، فما مصيرُ هؤلاء العرب المتجذرين في أرض الوطن؛ مَن تبقّوْا متمسّكينَ بحيفا ويافا والنّاصرة وعكّا والجليل والمثلث والنقب وغيرها؟

                      اليومَ ونحن على مشارفِ ذكرى نكبتِنا الفلسطينية، ينشرُ جهازُ الإحصاء المركزيّ الإسرائيليّ إحصائيّةً رسميّة في عشيّة ذكرى إقامة دولتهم، عن عددِ السّكان في إسرائيل، تبيّنُ هذه الإحصائيّة أنّ عددَ السّكّان العرب الفلسطينيّين قد بلغ مليون و587 ألفا، ممّا يُشكّل ما نسبته 20.5% من مجموع سكّان إسرائيل البالغ 7 مليون و746 ألف نسمة!

                      فإذا كانت إسرائيل تطالبُ بدولةٍ عبريّةٍ أحاديّةِ القوميّة، فأين ستمضي بخُمس سكّانها العَرَب؟

                      هل ستعودُ مجدّدًا إلى فكرةِ ضمّ منطقةِ المثلث العربيّةِ إلى مناطقِ نفوذِ السّلطةِ الفلسطينيّةِ، لتخلُصَ منها ومِن ازديادِ سكّانِها الفاحش، الذي يُهدّدُ الكيانَ الصّهيونيّ؟

                      هل ستمارسُ ضغوطاتِها وتخنيقاتِها على العرب أكثر ممّا هم فيه، فتجعلهم يَجْرونَ ليلَ نهار وراءَ لقمةِ العيش الكريمة، وحين تصلُ أفواههم تخطفها مِن أمامِ أنظارهم المحترقة؟

                      وهل تشدّدُ عليهم الخناقَ، فتُصعّبُ عليهم امتلاكَ الأراضي المتبقية والبيوت، بفرْض ضرائبَ باهظةٍ تُكلّفهم أكثرَ من أثمانِها؟

                      هل ستُعجّز الطّلاّب الجامعيّين العرب بامتحاناتِ تعجيز، وتلاحقهم وتمنعُهم مِنَ الاستمرارِ في جامعاتِها، ليلجؤوا إلى دولٍ مجاورةٍ وأوروبيّة للتعلّم، وحينَ عودتِهم لا يجدونَ عملاً يُحقّقُ نجاحَهم؟

                      هل ستزيدُ البطالة، وتقلّصُ فرصَ العملِ أمامَ العرب، لتتفاقم الأوضاعُ الاقتصاديّةُ والاجتماعيّةُ سوءًا وتضطرُّهم للهجرة؟

                      هل ستُسهّلُ للعرب الهجرة بتذكرةٍ مجّانيّةٍ في اتجاهٍ واحدٍ لا عودةِ فيهِ ومنه؟

                      هل ستطالبهم بالتجنيدِ الإجباري في صفوفِ جيشِها لإثبات الولاء والانتماء؟

                      هل ستسمحُ بتفشّي المُخدّراتِ والأسلحةِ المُهرّبةِ فيما بينهم، فيقتلونَ بعضُهم بعضًا بتصفياتِ عصاباتٍ، وصراعاتٍ طائفيّة ونزاعاتٍ حمائليّة؟

                      أم ستطالبُهم بالتهوّدِ والالتحاق بالعقيدة اليهوديّة والصهيونية، للسّماحِ لهم بالبقاءِ على أرضِهم المسلوبة؟

                      هل وهل وهل....؟ جبالٌ من التساؤلاتِ تقفُ عوائقَ أمامَ الفلسطينيّين العرب، لكنّهم يدأبون على المثابرةِ في النّضال والتمسّك بما تبقّى لهم مِن وطنٍ على أرضٍ الوطن!

                      تعليق


                      • #12
                        رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

                        موجز عن نكبة فلسطين

                        --------------------------------------------------------------------------------

                        - 4 ملايين فلسطيني أقاموا في فلسطين التاريخية قبل نكبة فلسطين في العام ,1948

                        - "000,605 يهودي أقاموا في نفس الفترة وشكلوا %30 من مجمل سكان فلسطين.

                        - "90% من مساحة فلسطين التاريخية تبعت للفلسطينيين مع بداية حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين.

                        - "7% من مساحة فلسطين التاريخية مُنحت "للدولة اليهودية" بموجب قرار التقسيم في تشرين ثاني ,1947

                        - "56% من مساحة فلسطين التاريخية خضعت للصهاينة عند صدور قرار التقسيم في تشرين ثاني ,1947

                        - "50% تقريباً (نحو 000,497 عربي فلسطيني) من سكان "الدولة اليهودية" المقترحة كانوا من العرب الفلسطينيين.

                        - "90% تقريباً من ملكية الأراضي في "الدولة اليهودية" المقترحة كانت تتبع للفلسطينيين.

                        - 725000" عربي فلسطيني مقابل 10000 يهودي هم سكان "الدولة العربية" المقترحة بموجب قرار التقسيم.

                        - 531" قرية ومدينة فلسطينية هُجرت خلال نكبة فلسطين وتم تدميرها.

                        - "85% من سكان المناطق الفلسطينية التي قامت عليها اسرائيل (أكثر من 840000 نسمة) هُجروا خلال النكبة. "92% من مجمل مساحة (اسرائيل) تعود الى اللاجئين الفلسطينيين.

                        - "78% من مجمل مساحة فلسطين التاريخية قامت عليها اسرائيل في العام ,1948

                        - "71,871,000 دونما صادرتها اسرائيل من الفلسطينيين في العام ,1948

                        - 150000" فلسطيني فقط بقوا في المناطق التي قامت عليها اسرائيل.

                        - "000,30 - 000,40 فلسطيني هُجروا داخليا خلال نكبة فلسطين. "000,400 فلسطيني أو ثلث تعداد الشعب الفلسطيني هُجر من دياره حتى ربيع ,1948

                        - 199" قرية فلسطينية ممتدة على 3363964 دونم هُجرت حتى ربيع ,1948

                        - "000,15 فلسطيني استشهدوا خلال النكبة.

                        - "أكثر من 30 مذبحة "موثقة" حدثت بحق الفلسطينيين في العام ,1948 " 000,700 دونم صادرتها اسرائيل من الفلسطينيين بين أعوام 1948 - ,1967

                        - "70% من الأراضي التابعة للسكان الفلسطينيين تحولت للأيدي الصهيونية بين 1948 وأوائل الخمسينيات.

                        - "50% من الأراضي التابعة للفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم داخل اسرائيل تحولت للأيدي الصهيونية بين الأعوام 1948 و,2000

                        - "75% تقريبا من مجمل الفلسطينيين اليوم هم لاجئون ومهجرون.

                        - "50% تقريبا من مجمل تعداد الفلسطينيين يقيمون قسرا خارج حدود فلسطين التاريخية

                        تعليق


                        • #13
                          رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

                          في معنى النكبة ودلالاتهابقلم: تيسير محيسنفي الخامس عشر من أيار 48، كما في كل خامس عشر من أيار بلادنا: امتلأت رئتا العالم برائحة ربيع فلسطين المشبعة بالدم والدموع والبارود. مع الخامس عشر من أيار ولج العالم دهاليز سردية مطولة، رواية متعددة الفصول، حكاية مفتوحة على الاحتمال والتكهنات. تستمر أحداثها، منذ اثنين وستين عاماً، لاهثةً ساخنةً ومؤلمة، تستمر بقوة العادة أو بفعل المؤامرة والعجز، أو لأن إرادة الله نافذة.


                          في ذاك اليوم فُتح جرحٌ وأُعلنت بدايةُ النزيف. يسألنا الأطفال أحياناً: ولكن، كيف وقعت النكبة؟ ولماذا؟ فلا نجيبهم، نشيح بوجوهنا عنهم (الإحساس بالحزن يملأ قلوبنا والغضب يكاد يعمي عقولنا) ونفشل في ترتيب أفكارنا: التاريخ لا يتكرر، وإن فعلها، فتارة بصورة هزلية وتارة أخرى على شكل مأساة: ولكنه في كل الأحوال يقدم دروساً وعبر (عدم الأخذ بها والتعلم منها يجعلنا نعتقد أن ثمة نكبة أخرى محتملة).

                          في ذكرى النكبة يجدر بنا أن نتوقف برهة لتأمل ذاتنا ونجيب على عديد الأسئلة التي تثيرها هذه الذكرى بما يعين على تقييم اللحظة الراهنة وفحص مدى قدرتنا على الاستجابة للتحديات التي لازالت تطرحها تلك النكبة التي ألمت بشعبنا في غفلة من الزمن، لعلنا ندرأ فرصة محتملة لتكرارها بصورة أو أخرى (ولم لا إذا كان شارون أعلن مع مطلع الألفية سعيه لاستكمال المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني)

                          (1)
                          من هو العدو الذي أوقع بنا كل هذه النكبة؟ وما هي العوامل التي مكنته من تحقيق أهدافه وغاياته؟ يقول روحي الخالدي أن الصهيونية نهلت من ينابيع فكرية، وحددت غايات سياسية، وامتلكت أدوات عملية نقلت مشروعها من حيز الفكرة إلى مجال التطبيق: وظفت النخبة اليهودية المثقفة والفضاء الإعلامي (أي ذلك المزيج من الثقافة والمراوغة واليوتوبيا المختلفة والقدرة المالية المبهرة). تكاملت في مشروعها عناصر المعرفة والقدرة وسطوة الثروة اليهودية، وامتلاك ذاكرة تاريخية وظفتها بطريقة عقلانية وديناميكية لخدمة أهدافها ومصالحها، كما حظيت بعطف أوروبا ورعايتها (في الخلفية نزعة صليبية قديمة، وعنصرية طاغية، وسعي محموم وراء مصالح استعمارية). غير أن العامل الأهم ربما، تمثل في ضعف خصمها، ذلك الفلاح الفلسطيني البسيط الذي لم يرث من إدارات سابقة سوى الكثير من الخراب. ويلخص الخالدي سبب الفجيعة في جملة واحدة: العطالة العربية مقابل الفاعلية الصهيونية، والتبعثر على مستوى المنظور والرؤية.

                          (2)
                          إذن، لا يصعب الاستنتاج أن هذا الشرط التاريخي للنكبة الأولى يعاد إنتاجه في هذه الآونة: عطالة عربية مقابل فاعلية إسرائيلية وانقسام عميق على مستوى المنظور والرؤية فلسطينياً وعربياً. علاوة على شروط ومحددات أخرى شديدة الشبه بالأمس (الإفراط في تقدير القوة الذاتية، وراثة الكثير من الخراب والفساد، الرعاية الأمريكية منقطعة النظير، القدرات الإسرائيلية الهائلة،...). وليس، سوى إرادة الفلسطيني الذي لازال يساوي بين الأرض وشروط البقاء، باقية ومؤهلة لإحباط أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ المعاصر (ولذلك، يجري العمل على كسر هذه الإرادة بشتى السبل والوسائل).

                          (3)
                          مع استمرار النكبة، لا يكف الفلسطيني عن محاولات إزالة آثارها حتى بعد عقود طويلة من المعاناة واليأس والإحباط والانتظار. ومع استمرار النكبة تتبدل المواقف وتتغير المواقع: فالعالم الذي ساهم بقوة في إنتاج نكبتنا وغض الطرف طويلاً عن مأساتنا بدا يعيد حساباته ويغير من نظرته وتجهر بعض قواه الفاعلة بمواقف أكثر إنصافاً واتزاناً، غير أنه لازال في الواقع يكتفي بترميم خرائب أنتجتها عقليةٌ عنصرية مجنونة، ويريح ضميره بمداواة جراح أثخنتها آلةٌ حربية منفلتة من القانون والعقل والضمير. هذا العالم بات يقف على مسافة بين الجلاد والضحية خالطاً أحياناً بين أَنفة الضحية وعنف الجلاد، حائراً بين لغة سلام مأمول لا يأتي ومصالح حقيقية تدفعه إلى طأطأة الرأس والإذعان لطواغيت المال والإعلام وأيديولوجيات التفوق السائدة في عواصم القرار الدولي.

                          (4)
                          وفي مواجهة واقع الشطب الدامي عمل الفلسطيني على إنعاش ذاكرته: بالرموز والاستعارات والطقوس وبالمخيلة الحبلى بالصور. ولا يضيره أن صور الأمكنة التي يحتفظ بها معلقة على جدران الذاكرة لم تعد هي الصور ذاتها اليوم في الواقع.

                          خلال سنوات البعد الإكراهي احتلت الأمكنة حيزاً مهماً من قلوب اللاجئين وعقولهم وذاكرتهم، وارتسمت في أذهانهم صور تزداد وضوحاً مع الأيام: خارطة لأزقة المدن وحاراتها وشوارعها وطرز بناياتها ولأنواع أشجارها وللجبال المحيطة بها. تنشيط الذاكرة يعادل غياب الأرض، وإعمال الخيال في إعادة إنتاج صور الأمكنة يوازي عملية التفاعل مع الأرض وتعزيز فكرة الانتماء ورفض أي حالة تكيف أو نسيان.

                          لعبت الذاكرة دور المحفز على الكفاح وضمان استمراريته. يقول حسن خضر أن جده، الذي عاد بعد سنوات من النكبة إلى قريته الممسوحة عن وجه الأرض، بدا يمشي محاذراً الاصطدام بجدران لم تعد قائمة سوى في خياله. ولهذا السبب، يقول إبراهيم أبو لغد، نحيي ذكرى النكبة: لتنشيط الذاكرة بما يعيننا على تجاوز أثارها "عندما تعجز الأرض تحت ظروف القهر والاحتلال والاغتصاب عن أداء مهمتها كوعاء للوطن، يحتضن أثاره وقيمه ويشهد على هويته وتاريخه، يتلقف المواطن هذه المهمة، ويصبح الوعاء الحاضن الشاهد، وتصبح الذاكرة بديل الأرض وما من قوة بقادرة على قهر الذاكرة أو دحر الوجدان، فالذاكرة بطبعها عدوة القهر".

                          وذاكرة الفلسطيني ذاكرة وطنية شاملة، يحافظ على نقلها بأمانة لأجيال قادمة، لعلها تتمكن ذات يوم من إزالة أثار نكبته، فيواصل ما كان قد بدأ به: عمران الأرض وتوسيع خيارات الحرية والسعادة للبشر بغض النظر عن أصولهم العرقية أو تفاوت دياناتهم واختلاف ألوانهم. تنطوي العملية الكفاحية الفلسطينية من حيث الجوهر على أولوية تعزيز قدرة الفلسطيني على إعادة إنتاج علاقته التاريخية بالأرض والصمود فوقها على مستوى الفعل والذاكرة، أي ضد دينامية تحويلنا إلى فائضين عن الحاجة (وهنا يمكن اكتشاف مكامن الخلل والعلة: الإفراط في الخيال على حساب الواقع، الأقدام المعلقة في الفراغ، تخصيص موارد هائلة للسلاح والأمن بينما تهمل الزراعة-على سبيل المثال- بالرغم من أنها بمثابة الرابط الأقوى بين الإنسان والأرض،..)

                          (5)
                          ربما لا يوجد في قاموس لغة العرب الحديثة كلمة تضاهي النكبة من حيث المعاني التي تحملها والدلالات التي تشير إليها. كلمة من أربعة حروف مشحونة بالآلام والأوهام، بمشاعر الغضب والخوف، بتفاصيل إنسانية مرعبة، وتقسيمات ألم غير معهود، النكبة بوصفها عملية مباغتة للتاريخ وهدوء الجغرافيا، مجهضة لأحلام الصبايا والفتيان اليافعين، قدر يسقط دفعة واحدة من السماء على رؤوس الفلاحين وقت الحصاد، لا يستطيع البشر أن يفعلوا إزاءه شيئاً، كأن النكبة قادمة إلى التاريخ من خارجه، أو كأنها شيئاً يحدث بفعل الطبيعة. النكبة أكبر عملية سطو مسلح عرفها التاريخ في قرن العرب الملئ بالأحلام والأوهام.

                          النكبة بوصفها جرح مفتوح لم يندمل بعد، بدايتها مفتوحة على الأساطير وعبث الأقدار وجنون قوى إمبريالية لا تعرف إلا التوسع والتمدد والتهام البشر، ونهاياتها مفتوحة على الاحتمال: ففي كل 15 أيار يقف الفلسطيني على أطلال حلمه ويظن أنه بات يعرف أين هو الآن، ليكتشف في اليوم التالي تماماً، على صوت هدير الدبابات وأزيز الطائرات وثغاء جنود الحواجز ونظرات موظفي الجمارك في المطارات الباردة، أن نكبته لازالت مشروعاً قابلاً للاستمرار ومرشحاً لمزيد من الدم والدموع والخسارات والجنازات وشعارات الإذاعات المخبولة في زمن الانقسام الرديء.

                          النكبة، يقول إدوارد سعيد، تعني أننا جميعاً فقدنا كل شيء بطريقة غير عادلة وغير شريفة وغير نزيهة على الإطلاق. لكنها، أيضاً الدرس الذي لم نحسن التعلم منه كما يجب فلا معنى للنظر إلى الوراء، يقول محمود درويش، إلا لمعرفة أين نحن الآن؟ لمحاولة تجاوز سؤال البقاء إلى سؤال الوجود الحر الذي تحقق فيه الذات حرية محاكمة ذاتها.

                          وذكرى النكبة في كل عام منذ ستين عاماً، هي تجربة فريدة ومريرة في استعادة ذكرى أمكنة يتقلص عدد من يعرفها كل عام، ويزداد عدد من لا يعرفها فيعاد إنتاج اللوعة والأم ويجري توريثهما جيلاً بعد جيل. ينقسم الفلسطيني في قراءته لتاريخه بين روايتين: الأولى تتبنى سرد تاريخنا بمفردات الهزيمة وتميل الثانية إلى السرد بمفردات التضحية والبطولة (ترجمت الروايتين إلى اتجاهين أساسيين في الفكر والممارسة السياسية الفلسطينية منذ تاريخ النكبة: اتجاه يميل نحو التجريبية المفرطة واتجاه آخر يميل إلى العدمية المطلقة).

                          وصورة النكبة في وعي الأجيال الفلسطينية ما بعد وقوعها، غامضة وتجريدية وفلسطين بعيدة مبهمة، بينما النكبة في وعي معاصريها جرح ينزف حتى الموت وتجربة معاشة حد الألم "لحظة خاطفة مليئة بالعنف والرعب والخديعة والتواطؤ" وفلسطين لا تحمل مضامين سياسية أو تجريدات نظرية، بل هي شجرة برتقال، وحفلة سمر وحبة رمل أو سنبلة قمح أو هي تفاصيل حياة عادية لأناس عاديين جداً. هذا الانشطار حول الرواية التاريخية وحول معنى النكبة وتخيل فلسطين أورث المسألة الوطنية بعضاً من تعقيداتها كلما طال أمد حلها أكثر.

                          (6)
                          رغم كل شيء، فالنكبة ليست من فعل الطبيعة، بقدر ما كانت حدثاً أنتجته عوامل وتضافرت على خلقه حيثيات وإرادات. ومن بين كل العوامل، يسقط البعض مسؤولية الفلسطيني عما آل إليه وضعه، ومن بين كل الأخطاء التي ارتكبها الفلسطيني، رهانه الذي لم يكن في محله وتصديقه للشعارات الطنانة، يقول شفيق الحوت "لكن يافا، شأن كل مدن فلسطين وقراها، وقعت في خطيئة تصديق الإعلام الرسمي العربي والفلسطيني، فبالغت بآمالها المعلقة على القادمين من خارج فلسطين".

                          ارتبطت النكبة في وعي معظم معاصريها بنقص السلاح في أيديهم، وبفساده في أيدي الجيوش العربية، وبكثرته في أيدي العصابات الصهيونية. حتى بات لدينا ولع بالسلاح لا تبرره مقتضيات التعامل مع الواقع ولا مأثورات الأجداد ممتشقي السيوف والخناجر كدليل على الأنفة والكبرياء والرجولة، إنها موازنة نفسية في المقام الأول.

                          الاغتصاب وقع في غياب السلاح، والانتقام لا يتحقق إلا بوجوده، معادلة برغم صحتها النظرية المجردة غير أنها في السياق الفلسطيني أورثتنا المحن وضياع الفرص وتمكين العدو. يقول حسن خضر أن الفلاح الفلسطيني لم يكن يأبه بالسلاح، وليس في مجازات فحولة الفلاحين ما يرفع السلاح فوق المحاريث، أو فنون توليد الماشية. وأن ما دفعهم إلى بيع ذهب النساء، وجمع الأموال لشرائه لم يكن سوى خوف ينهض من قاع قلوبهم، ورجفة تسري من بدن الأرض إلى أبدانهم.

                          (7)
                          أجاد الإسرائيليون لعب دور الضحية وتفننوا في إعادة إنتاج مأساتهم واستخدموها أداة فعالة في إثبات شرعية ليست لهم، بينما يخجل الفلسطيني من صورة الضحية، فيصرخ شاعرهم محمود درويش "لتذهب تلك الصورة إلى الجحيم".

                          النتيجة كانت التباس المواقع في ذهنية الرأي العام العالمي: ضحية في وسائل الإعلام والدعاية تمارس في الواقع أبشع جرائم العصر "ضحية مدججة بالسلاح النووي"، وصورة "إرهابي" مقنع، أو فدائي ملفع بكوفية تظهر غضب العينين يتعرض لمذبحة تلو الأخرى، فيريح ضمير العالم من وجعه ويكتفي بالبطانيات والمعلبات لتنظيف الضمير الموجوع. ثم أمعنا –بقصد وبدون قصد- في تشويه الصورة، بمساعدة وسائل إعلام خبيثة، فتارة نظهر كمتشردين باحثين عن لقمة خبز أو فرصة عمل أو كباكين على أطلال بيوت مهدمة، وتارة أخرى نصدر إلى شاشات التلفزة ما يعين العالم على إسدال الستارة على جريمة القرن العشرين.

                          في النكبة ووقعِها في الذاكرة وقراءتها الانفعالية ما يفسر هذا الالتباس: فالضحية التي تتعرض للاغتصاب تخجل من عارها، وقد أطلقنا تعبير الاغتصاب على حدث سياسي مخطط جداً وهادف جداً فحُلنا بذلك بينه وبين قدرتنا على مجابهته بفعالية. وعوضاً عن ذلك، اجتاحتنا رغبة الانتقام ورد الاعتبار فبالغنا بالقوة التي نملكها ولم نحسن توظيفها فما أسرع ما توالت الخيبات. وإذا كان لنا أن نعيد النكبة إلى شرطها السياسي التاريخي، فإن علينا أن نكف عن عقلية الضحية التي تطارد جلادها لا لكي تحاكمه وتقتص منه بل لتنافسه على مكانته.

                          (8)
                          استخلص قسطنطين زريق بُعيد النكبة مباشرة بعض وجوهها: من ذلك الانتكاس المعنوي، التهرب من مجابهة الخطر، الشك بالنفس والقادة وفي استحقاقنا لمسمى أمة/شعب، الاستهتار بقوة العدو (لا أحد يصدق أننا انتصرنا على العدوان وليس على إسرائيل) والانخداع بقوتنا (عنجهية الخطبة، استيهام القوة، ..)، وأخيراً فشلنا في فهم الواقع (وفهمنا لطبيعة عدونا ولطبيعة الصراع معه،..).

                          واقترح زريق ثلاثة ديناميات لحفز العمل على تجاوز آثار النكبة: تقوية إحساسنا بالخطر الداهم والمحدق وعدم الاستهتار به، وتعزيز المشاركة الشعبية (تجاوز فكرة البطل الفرد)، وأخيراً إعمال العقلانية الثورية وتحديداً في إمكانية وضرورة التضحية ببعض المصالح لدرء الخطر الأكبر في التعامل مع الواقع العالمي بعد فهمه "فالعقل في حقيقة الواقع, فاعل ثوري, بل لعله أعظم الفواعل الثورية في الحياة الإنسانية وفي تاريخ الشعوب. إنه يثور على الخطأ والضلال وعلى الخداع والانخداع, فلا يرتضيهما ولا يهدأ ويستقر إلا إذا أصاب الحقيقة ونعم بها".

                          وبيّن زريق أن الانقسام من بين أكثر الأشياء التي تضعف الروح النضالية، وخصوصاً في غياب مصارحة الذات والجرأة في نقدها. بدوره أكد ياسين الحافظ على ما ذهب إليه زريق في أن الافتقار إلى الوعي المطابق للواقع وللكون (أي العقل الثوري) هو من بين الأسباب الفعلية للنكبة وعدم القدرة على تجاوز أثارها. ومع تعدد رهاناتهم وتخبط مرجعياتهم الأيديولوجية مال الفلسطينيون دوماً إلى الحلول الجذرية تارة والحلول التجريبية تارة أخرى متجاوزين في غالب الأحيان الحلول الواقعية.

                          (9)
                          نعيش، ومنذ عام 48 ما يشبه النكبة المستمرة، باعتبار أن جوهر النكبة هو اغتصاب الأرض، وتقويض المجتمع، والحيلولة دون قيام كيانية سياسية. ومنذ ذلك التاريخ، لم نصل إلى ما يشبه الاعتراف الواعي بأننا نتحمل قسطاً من مسؤولية ما حدث لنا وتحديداً في حقلي السياسة والثقافة، ونصر على استخدام تعبير النكبة بما تحمله من دلالات قدرية وجبرية. ولو كنا فعلنا مرة لما كررنا ذات الأخطاء.

                          إلى ذلك، ورغم وعينا بحالة التضاد والصراع بين مشروعنا والمشروع الصهيوني، نصر على ألا نتعلم من أعدائنا ونوقف فعلنا وسلوكنا حصراً على ردات الفعل الميكانيكية. تُرجم وعد بلفور البريطاني إلى نكبة أولى للفلسطينيين، بينما نشهد هذه الأيام ترجمة وعد بوش الأميركي فيما يشبه نكبة ثانية (أي إنجاز أهداف المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني بلغة شارون: ضم وتهويد أجزاء واسعة من الضفة الغربية ومن ضمنها القدس والفوز باعتراف العالم ودعمه)، ولا يحرك الفلسطيني ساكناً في مواجهة هذا الأمر سوى الإمعان في انقسامه واستهتاره بساحة الرأي العام العالمي، وباستيهام القوة وعدم القدرة على فهم ما يجري حقاً. ولازال سلوكنا يتسم بردات الفعل الموسمية وذات الطابع الاحتفالي أو الاحتجاج التظاهري.

                          (10)
                          أتيحت للفلسطينيين ثلاثة فرص لبناء مجتمع جديد، لعبت الحركة الصهيونية الدور الأبرز في تفويتها والقضاء المبرم على إمكانية تطورها، بالإضافة إلى عوامل أخرى، من بينها سلوك الفلسطينيين أنفسهم:

                          الفرصة الأولى: الانتقال السريع من مجتمع فلاحي بسيط إلى مجتمع حديث يشهد نمواً في توسيع المدن، وظهور مؤسسات التعليم والصحافة والأنشطة الثقافية وظهور طبقة عمالية وشريحة من الفلاحين وانبثاق أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات. حدث ذلك في الفترة ما بين الحربين العالميتين. أجهض قيام إسرائيل هذه الفرصة بالاقتلاع والتشريد: قطع الطريق على نمو المجتمع الفلسطيني وتواصله كمجتمع مدني موحد، كما يقول عزمي بشارة، تحكمه علاقات التبادل الاقتصادي والثقافي بين أجزائه المختلفة وتبرز تطلعاته السياسية الخاصة به، تدمير المدينة الفلسطينية/حامل مشروع الحداثة، دخول الجماعات الفلسطينية بعد النكبة في فضاءات حقول سياسية مختلفة تجمعها رؤية تتراوح بين النظرة الحذرة تجاه تعبيرات الهوية والكيانية الفلسطينية إلى الرؤية العدوانية تجاه هذه التعبيرات. في جميع هذه الحقول، كما يؤكد جميل هلال، جرى إنعاش وتقوية العشائرية والزعامات التقليدية والانتماءات المحلية، أي انتهاج سياسة تستهدف تقطيع الهوية الفلسطينية.

                          الفرصة الثانية: في أعقاب حرب حزيران حدث اللقاء التاريخي بين الفلسطينيين على أرض فلسطين الانتدابية، أو ما يسميه البعض بالتوحيد القسري. وإذا كانت نتائج الحرب شكلت نهاية محزنة للمد القومي الجارف، فإنها فتحت أفقاً جديداً للفلسطينيين. فقد أعاد الفلسطينيون تنظيم أنفسهم كمجتمع، فتواصلوا فيما بينهم وأبدعوا تعبيرات جديدة للوطنية الفلسطينية. تعرضت هذه الفرصة للإجهاض ليس فقط على يد إسرائيل وإنما بمساهمة واضحة من الفلسطينيين: فعدا عن الاستيطان/نهب الأراضي وتقطيعها وتقييد حرية توسع الفلسطينيين وترسيخ وضعية الإلحاق والتبعية للاقتصاد الفلسطيني الهش والضعيف، جرى توليد نخب وشرائح منتفعة من بقاء الاحتلال وقطع الطريق على نمو مجتمع فلسطيني وانتهاج سياسة الفصل والتقييد المقنن (بدءاً من تصاريح الممغنط وانتهاء بقيام كيان سياسي منقوص السيادة ومتحكم في مداخله ومخارجه وحركته الداخلية)

                          الفرصة الثالثة: شكل قيام السلطة الفلسطينية على جزء من إقليمها فرصة جديدة، حتى وإن كانت مقلصة ومحدودة، لإعادة ترميم وبناء ملامح مجتمع فلسطيني وكيانية سياسية تحظى بعناية المجتمع الدولي ودعمه على طريق تكريسها كمشروع دولاني. أسهم هذه المرة الفلسطينيون بدور أكبر في إجهاض هذه الفرصة، بينما كان العامل الإسرائيلي حاضراً ومحرضاً ومحركا. ((إذا كانت الفرصة الأولى أجهضت بالترانسفير القسري، والفرصة الثانية بالترانسفير الرمزي، فإن هذه الفرصة تجهض الآن بالترانسفير الطوعي أي بتحريك محرضات التقويض الذاتي): إفشال السلطة الفلسطينية كمشروع دولاني (تحويلها إلى سلطة اعتمادية ودائمة)، تقطيع أواصر وروابط الفلسطينيين بالفصل والعزل وتقييد الحركة والتحكم فيها، تشغيل ديناميات التفكك الاجتماعي والانهيار الاقتصادي، خلق وقائع مادية على الأرض تحول دون قيام كيانية سياسية متواصلة.

                          في الختام، نقول أن الفلسطيني واجه نكبته الأولى بكثير من البسالة والتضحية، كما واجهها بإنعاش ذاكرته وإبقاءها حية على الدوام، وإذا كان ارتكب الكثير من الأخطاء، غير أن فشله في إزالة أثار النكبة لا يعود إلى هذه الأخطاء وحدها بالتأكيد. لا تحتاج عملية إعادة بناء الوعي الوطني إلى تجاوز حالة الانقسام الراهنة فحسب، فذلك شرط ضروري لكنه غير كاف، وإنما إلى إتباع نهج مختلف في الفكر والممارسة السياسية: انتهاج خط العقلانية الثورية بدون تجريبية مفرطة أو عدمية مطلقة، واستناداً إلى هذا المنهج يجب محاكمة سلوكنا في المفاوضات كما في المقاومة كما في إدارة الشأن اليومي وبناء العلاقات الخارجية. إن أفضل ما يمكن أن يقوم به الفلسطيني في ذكرى نكبته الثانية والستين يتمثل في إعادة صياغة روايته وتعديل سلوكه على النحو الذي يمكنه من الدفاع عن قضيته في عالم شديد التعقيد لا يأبه للدموع كثيراً كما لا تخيفه الخطب الرنانة الجوفاء.


                          - عضو المكتب السياسي – حزب الشعب الفلسطيني
                          غزة مايو 2010

                          تعليق


                          • #14
                            رد: هنا صفحة فعاليات النكبة 63 .. الرجاء من الجميع المشاركة ..

                            شكرا وبارك الله فيك ... بعطيييييييييييك العافية على مجهودك .

                            تعليق

                            يعمل...
                            X