جريمة قتل بامتياز
د. أكرم حجازي
20/4/2011
في 14 أبريل/ نيسان سنة 2011 اختطف الناشط الحقوقي والصحفي الإيطالي فيتوريو أريغوني، في قطاع غزة، من قبل مجموعة أطلقت على نفسها « سرية الصحابي محمد بن مسلمة»، في محاولة للضغط على حكومة « حماس » للإفراج عن معتقلين سلفيين من بينهم هشام السعيدني أمير « جماعة التوحيد والجهاد» الذي اعتقل في مارس/ آذار 2011. ولم يمض وقت طويل على إعلان الجماعة عن عملية الخطف عبر شريط فيديو قصير، حتى عاجلتنا الأنباء، في اليوم التالي، بخبر مقتل المختطف.
قطعا، ما من أحد إلا وساءه الخبر، خاصة وأن الضحية متعاطف مع الشعب الفلسطيني أشد التعاطف. ولو استندنا إلى فقه المصالح والمفاسد فليس ثمة مصلحة بقتله بقدر ما تبدو المفسدة أعظم. أما من ناحية شرعية فالرأي في هذا الأمر متروك لأصحاب العلم الشرعي، مع أنني شخصيا لا أرى مبررا شرعيا مقنعا يبيح قتل هذا الرجل الذي تعرض لمظلمة واضحة.
لكن تعامل « حماس » والغالبية الساحقة ممن يدور في فلكها أظهر أحقادا لا تتوقف على مجمل التيار السلفي في غزة وفي غير غزة. وبدا ذلك واضحا جليا في حملات التحريض والكراهية والتحقير والبغض الذي لا مبرر له مطلقا لو أن « حماس » تعاملت، كحكومة مسؤولة، بحكمة أو بمشروعية مع الحدث. هذا مع العلم أن كافة الجماعات السلفية، الجهادية والدعوية، نفت صلتها بالحادث، ورفضت مدخلاته ومخرجاته ومبرراته وتبرأت منه. بل أنها اعتبرت الضحية معاهدا مستأمنا منذ اليوم الأول لاختطافه وقبل قتله.
مع قليل من الوقت بدا أيضا أن الحادث تم بمبادرة فردية من شخص أو بضعة أشخاص تأولوا الأمر دون أن يتلقوا أي دعم شرعي من أية جماعة سلفية. ولعل بيان « جماعة التوحيد والجهاد» كان الأكثر صراحة في التعامل مع أسباب الحدث لما أشار إلى:
« أن ما حدث هو نتاجٌ طبيعي للسياسة القمعية التي تنتهجها حماس وحكومتها ضد السّلفيين, ولطالما حذّرنا وحذّر غيرُنا حكومة حماس من التمادي في الغي والظلم ضد التيار السلفي إرضاء للمجتمع الدولي, فقد بلغ بحماس التكبر أن ترفض حتى الاستماع لمطالبنا، حيث حملت الأيام السابقة رسالة عقل وحكمة وجهها مشايخنا في الخارج لقيادة حماس في الداخل، وحين عُرضت القضية على المدعو (سيد أبو مسامح) عضو مجلسهم التشريعي؛ رفض مجرد استلام الرسالة، فأي تكبِّر هذا يا حماس؟»،
كان من المفترض التعامل مع الحدث بحدوده الشرعية والمنطقية وليس بحدوده العاطفية والعصبية. وبعيدا عن الموقف الشرعي من عدم جواز قتل المسلم بالكافر، إلا أن « حماس » دأبت كالعادة على حل المشاكل بإراقة المزيد من الدماء. وهكذا فعلت حين قتلت اثنين من المشتبه بهم. بل أنها، كالعادة أيضا، شرعت في حملة كذب مماثلة لحملات سابقة في جرائم ذهب ضحيتها العشرات دون أن يسفكوا دم أحد من الناس. فـ « حماس » تعلم علم اليقين أن حفظة القرآن قد يتأولوا خطأ لكنهم لا يمكن أن ينتحروا!!! أو يقتلوا بعضهم للإفلات من عقاب حماس.
سلسلة من المجازر ارتكبتها « حماس » بحق السلفيين وغير السلفيين، أتبعتها بجبال من الأكاذيب والمزاعم الفجة التي سبق لنا وأثبتنا تهافتها بالأدلة القاطعة. وكنا نظن أن مجزرة مسجد ابن تيمية ستكون آخر المجازر بعد أن أيقن العالم مدى فداحتها، لكن العربدة أبت أن تفارق قادة « حماس » وسياساتهم.
إذا كان فيتوريو أريغوني قد قتل ظلما بغير وجه حق؛ فبأي حق قتل محمد البريزات وبلال العمري؟ ما من حق يذكر في هذا الشأن إلا الرواية الكاذبة التي تسوقها « حماس » كما سوقت ما هو أشد فظاعة منها. فقد كان بإمكانها أن تصبر في كل مرة على متهم إلى أن تستنزف قواه بحيث يمكن اعتقاله والتحقيق معه لو كانت حريصة على حقن الدماء أو كشف الحقائق بكل نزاهة وحيادية ومسؤولية أخلاقية وشرعية. وعلينا أن نرحب بأي حكم شرعي أو قضائي ما لم يخالف الشرع. لكنها، كالعادة وكالعادة وكالعادة فقط، تفضل القتل، وكأن « حماس » لا تتعافى عقلا أو عاطفة إلا بالانتقام وسفك الدماء .. نقاهة لها نكهتها وعلامتها التجارية المميزة.
لو أن حاكما قدم رجلا ما قتل عددا من الناس بغير حق إلى المحاكمة ... وفي المحكمة انقض عليه أحد الحضور، قبل صدور الحكم الشرعي بجنايته وقتله، لاعتبر القاتل، شرعيا وأخلاقيا، قاتلا بامتياز. فكيف بمن استمرأ القتل والانتقام بلا أية محاكمات لعشرات المسلمين؟ لماذا لم نسمع أو نشاهد في يوم ما حكما قضائيا أو شرعيا من قبل حكومة « حماس » بحق متهم؟ لماذا لا يمكن لنا أن نسمع إلا عن القتل؟ وعن الكذب؟ ولماذا تنتهي مداهمات « حماس » لخصومها دائما بالقتل وسفك الدماء؟
أسئلة بالغة الخطورة إذا ما تم وضعها في سياق بيان جماعة التوحيد والجهاد التي يبدو أنها، كغيرها، فاض بها الكأس، فأكدت: « ... مرةً أخرى أن حالة الصبر والحكمة التي تنتهجها الجماعات السلفية ليست نهاية المطاف، و العضَّ على الجراح لن يكون بلا نهاية». فالصمم مع تجذر المظالم والغطرسة والاستعلاء مسالك وعرة لعلاقات متوترة تنذر جميعها بانفجارات لا تحمد عقباها.
المعنى أن الأخطاء، وحتى المظالم، تقع بين الحين والحين. ويمكن تحملها والتعامل معها. لكن أن تغدو سياسة ممنهجة فإن كل ما سينجر عنها لا يمكن تصنيفه إلا بحكم الجرائم المرتكبة عن سبق إصرار وترصد، وليس خطأ ولا تأولا. وإذا كان قتلة الصحفي الإيطالي متأولون خطأ فإن « حماس » لم تكن كذلك في قتلها المشتبه بهم. وهذا يعني أن قتلها لـ: محمد البريزات وبلال العمري هي جريمة قتل بامتياز .. جريمة قد لا تكفي لشفاء الغليل أو الظفر برضى آل أريغوني!!! لكن من يحاسب « حماس »؟ ومن يشفي غليل أم بلال؟
د. أكرم حجازي
20/4/2011
في 14 أبريل/ نيسان سنة 2011 اختطف الناشط الحقوقي والصحفي الإيطالي فيتوريو أريغوني، في قطاع غزة، من قبل مجموعة أطلقت على نفسها « سرية الصحابي محمد بن مسلمة»، في محاولة للضغط على حكومة « حماس » للإفراج عن معتقلين سلفيين من بينهم هشام السعيدني أمير « جماعة التوحيد والجهاد» الذي اعتقل في مارس/ آذار 2011. ولم يمض وقت طويل على إعلان الجماعة عن عملية الخطف عبر شريط فيديو قصير، حتى عاجلتنا الأنباء، في اليوم التالي، بخبر مقتل المختطف.
قطعا، ما من أحد إلا وساءه الخبر، خاصة وأن الضحية متعاطف مع الشعب الفلسطيني أشد التعاطف. ولو استندنا إلى فقه المصالح والمفاسد فليس ثمة مصلحة بقتله بقدر ما تبدو المفسدة أعظم. أما من ناحية شرعية فالرأي في هذا الأمر متروك لأصحاب العلم الشرعي، مع أنني شخصيا لا أرى مبررا شرعيا مقنعا يبيح قتل هذا الرجل الذي تعرض لمظلمة واضحة.
لكن تعامل « حماس » والغالبية الساحقة ممن يدور في فلكها أظهر أحقادا لا تتوقف على مجمل التيار السلفي في غزة وفي غير غزة. وبدا ذلك واضحا جليا في حملات التحريض والكراهية والتحقير والبغض الذي لا مبرر له مطلقا لو أن « حماس » تعاملت، كحكومة مسؤولة، بحكمة أو بمشروعية مع الحدث. هذا مع العلم أن كافة الجماعات السلفية، الجهادية والدعوية، نفت صلتها بالحادث، ورفضت مدخلاته ومخرجاته ومبرراته وتبرأت منه. بل أنها اعتبرت الضحية معاهدا مستأمنا منذ اليوم الأول لاختطافه وقبل قتله.
مع قليل من الوقت بدا أيضا أن الحادث تم بمبادرة فردية من شخص أو بضعة أشخاص تأولوا الأمر دون أن يتلقوا أي دعم شرعي من أية جماعة سلفية. ولعل بيان « جماعة التوحيد والجهاد» كان الأكثر صراحة في التعامل مع أسباب الحدث لما أشار إلى:
« أن ما حدث هو نتاجٌ طبيعي للسياسة القمعية التي تنتهجها حماس وحكومتها ضد السّلفيين, ولطالما حذّرنا وحذّر غيرُنا حكومة حماس من التمادي في الغي والظلم ضد التيار السلفي إرضاء للمجتمع الدولي, فقد بلغ بحماس التكبر أن ترفض حتى الاستماع لمطالبنا، حيث حملت الأيام السابقة رسالة عقل وحكمة وجهها مشايخنا في الخارج لقيادة حماس في الداخل، وحين عُرضت القضية على المدعو (سيد أبو مسامح) عضو مجلسهم التشريعي؛ رفض مجرد استلام الرسالة، فأي تكبِّر هذا يا حماس؟»،
كان من المفترض التعامل مع الحدث بحدوده الشرعية والمنطقية وليس بحدوده العاطفية والعصبية. وبعيدا عن الموقف الشرعي من عدم جواز قتل المسلم بالكافر، إلا أن « حماس » دأبت كالعادة على حل المشاكل بإراقة المزيد من الدماء. وهكذا فعلت حين قتلت اثنين من المشتبه بهم. بل أنها، كالعادة أيضا، شرعت في حملة كذب مماثلة لحملات سابقة في جرائم ذهب ضحيتها العشرات دون أن يسفكوا دم أحد من الناس. فـ « حماس » تعلم علم اليقين أن حفظة القرآن قد يتأولوا خطأ لكنهم لا يمكن أن ينتحروا!!! أو يقتلوا بعضهم للإفلات من عقاب حماس.
سلسلة من المجازر ارتكبتها « حماس » بحق السلفيين وغير السلفيين، أتبعتها بجبال من الأكاذيب والمزاعم الفجة التي سبق لنا وأثبتنا تهافتها بالأدلة القاطعة. وكنا نظن أن مجزرة مسجد ابن تيمية ستكون آخر المجازر بعد أن أيقن العالم مدى فداحتها، لكن العربدة أبت أن تفارق قادة « حماس » وسياساتهم.
إذا كان فيتوريو أريغوني قد قتل ظلما بغير وجه حق؛ فبأي حق قتل محمد البريزات وبلال العمري؟ ما من حق يذكر في هذا الشأن إلا الرواية الكاذبة التي تسوقها « حماس » كما سوقت ما هو أشد فظاعة منها. فقد كان بإمكانها أن تصبر في كل مرة على متهم إلى أن تستنزف قواه بحيث يمكن اعتقاله والتحقيق معه لو كانت حريصة على حقن الدماء أو كشف الحقائق بكل نزاهة وحيادية ومسؤولية أخلاقية وشرعية. وعلينا أن نرحب بأي حكم شرعي أو قضائي ما لم يخالف الشرع. لكنها، كالعادة وكالعادة وكالعادة فقط، تفضل القتل، وكأن « حماس » لا تتعافى عقلا أو عاطفة إلا بالانتقام وسفك الدماء .. نقاهة لها نكهتها وعلامتها التجارية المميزة.
لو أن حاكما قدم رجلا ما قتل عددا من الناس بغير حق إلى المحاكمة ... وفي المحكمة انقض عليه أحد الحضور، قبل صدور الحكم الشرعي بجنايته وقتله، لاعتبر القاتل، شرعيا وأخلاقيا، قاتلا بامتياز. فكيف بمن استمرأ القتل والانتقام بلا أية محاكمات لعشرات المسلمين؟ لماذا لم نسمع أو نشاهد في يوم ما حكما قضائيا أو شرعيا من قبل حكومة « حماس » بحق متهم؟ لماذا لا يمكن لنا أن نسمع إلا عن القتل؟ وعن الكذب؟ ولماذا تنتهي مداهمات « حماس » لخصومها دائما بالقتل وسفك الدماء؟
أسئلة بالغة الخطورة إذا ما تم وضعها في سياق بيان جماعة التوحيد والجهاد التي يبدو أنها، كغيرها، فاض بها الكأس، فأكدت: « ... مرةً أخرى أن حالة الصبر والحكمة التي تنتهجها الجماعات السلفية ليست نهاية المطاف، و العضَّ على الجراح لن يكون بلا نهاية». فالصمم مع تجذر المظالم والغطرسة والاستعلاء مسالك وعرة لعلاقات متوترة تنذر جميعها بانفجارات لا تحمد عقباها.
المعنى أن الأخطاء، وحتى المظالم، تقع بين الحين والحين. ويمكن تحملها والتعامل معها. لكن أن تغدو سياسة ممنهجة فإن كل ما سينجر عنها لا يمكن تصنيفه إلا بحكم الجرائم المرتكبة عن سبق إصرار وترصد، وليس خطأ ولا تأولا. وإذا كان قتلة الصحفي الإيطالي متأولون خطأ فإن « حماس » لم تكن كذلك في قتلها المشتبه بهم. وهذا يعني أن قتلها لـ: محمد البريزات وبلال العمري هي جريمة قتل بامتياز .. جريمة قد لا تكفي لشفاء الغليل أو الظفر برضى آل أريغوني!!! لكن من يحاسب « حماس »؟ ومن يشفي غليل أم بلال؟
تعليق