اخبار فلسطين-غزة
الاحتيال".. ظاهرة ظلت حتى وقت قريب "غريبة" على المجتمع الفلسطيني المحافظ، إلا أنها أخذت منحنى تصاعديا في الآونة الأخيرة، ووجد فيها البعض طريقة جني سريعة للأموال.. وبين أوراق المحاكم بغزة كثير من قضايا النصب والاحتيال التي ينظر فيها القانون إلى جانب قضايا السرقة وتعاطي الممنوعات وغيرها من الأمور.. "الاستقلال" تتبعت تفاصيل عمليات احتيال معقدة على صورة "تجارة وهمية" كانت تديرها امرأة من خان يونس سقط في وحلها كثير من الضحايا وكشفت تفاصيلها لتخرج بهذا التقرير.
الأستاذ "نصر" 43 عامًا من سكان محافظة خان يونس، متزوج ولديه ستة أطفال.. يروي قصة وقوعه ضحية لعملية تجارة "وهمية"، قائلا: "رغم حذري الشديد وسماعي المسبق بعديد من قصص الاحتيال، لكنه غُرر بي في تجارة وهمية أتت على كل ما أملك من مدخرات أفنيت سنين عمري في جمعها، والبالغة نحو (25) ألف دينار أردني، بعدما وضعتها تحت تصرف ابن شقيقي (أ) الذي كان بمثابة الوسيط في تجارة الطرود الغذائية التي تديرها (س)".
ويضيف: "في بداية الأمر كانت التجارة تسير بانتظام لا يدعو للريبة أو الخوف، لاسيما أن القائمين عليها أشخاص يتمتعون بسمعة طيبة ومحل ائتمان، ولم يسبق أن صدر عنهم ما يثير القلق والارتياب، وانتظم حصولي على الأرباح لمدة عام بدون أي مشكلات".
وأوضح "نصر" –فضّل عدم ذكر اسم عائلته- أن قصة اكتشافه لحقيقة الأمر بدأت بعد عام عندما بدأ القائمون على تلك التجارة بالتذبذب في دفع الأرباح في الوقت المحدد، متذرعين بحجز الجهة المانحة لـ"الكابونات" بعد اكتشافها لحالات سرقة كبيرة في مخازنها قبل توزيعها للمواطنين.
وتابع حديثه قائلاً: "منذ تلك اللحظة ساورني الشك وبدأت مع عدد من المشتركين في تلك التجارة بالبحث والتنقيب، لنكتشف الطامة الكبرى!!.. أموالنا لم تستثمر في أي تجارة كانت، وما كنا نحصل عليه من أرباح هي من رؤوس أموالنا التي كانت لدى "المتورط" في عملية النصب".
أما المواطن "أ،خ" 30عاما -أحد "الوسطاء" الذين عملوا على جمع الأموال من المواطنين للمشاركة في تلك "التجارة الوهمية"- فقال بدوره: "إن "بداية تعرفي على المدعوة "س" كانت عبر شقيقها الذي تربطني به علاقة زمالة دراسية توطدت بعد تخرجنا"، مؤكدا أنه بعد إلحاح صديقه استثمر في بداية الأمر مبلغا بسيطا من المال أدرّ عليه أرباحا "معقولة"؛ الأمر الذي دفعه إلى توسيع دائرة المستفيدين والمشاركين من أقاربه وأصهاره وزملائه فيما بعد.
وأوضح "أ" أن التعامل مع "س" لم يثر شكوك أيّ من الوسطاء، حيث كان يتم وفق مستندات وأوراق رسمية في جزء من المبلغ وليس المبلغ الإجمالي ككل، إضافة إلى أن الأخيرة لم يبدُ عليها أي تجاوزات أو تصرفات مثيرة في توزيع الأرباح بصورة شهرية ومنتظمة طوال فترة التعامل معها لعام كامل.
وتابع قائلاً: "الثقة التي شعرت بها خلال تعاملي مع (س) وانتظام الأرباح التي كنت أوزعها وفق جدول زمني على المستثمرين كافة، جعلتني أغض الطرف عن تسجيل الأموال التي كنت أودعها دوريا في أوراق رسمية والاكتفاء بتسجيلها على أوراق وسجلات خاصة بطبيعة العمل دون سند رسمي"، مقدرا قيمة المبلغ الإجمالي الذي أودعه في التجارة "الوهمية" بنحو (816200) شيكل، مشيرا إلى أنه طرق كل الأبواب قبل التوجه للجهات المتخصصة للضغط على ذوي المدّعَى عليها "س" لسداد مستحقاته، أسوة بالوسطاء الآخرين الذين عولجت قضاياهم المالية بعيدا عن المحاكم.
ومن جانبه، حمل الخبير الاقتصادي د. معين رجب الأشخاص الذين يبحثون عن الربح السريع ومن يروجون لأعمال غير حقيقية يكون الهدف منها خداع الناس البسطاء لسلبهم أموالهم المسؤولية المباشرة عن تفشي ظاهرة "الاحتيال"، مشددا على أهمية استثمار المواطنين لأموالهم ومدخراتهم في مؤسسات رسمية ومرخصة وفقا للأنظمة والقوانين المعمول بها.
كما حمّل رئيس محكمة بداية خان يونس القاضي زياد ثابت المواطنين ضحايا عمليات "الاحتيال" المسئولية المباشرة عما حل بهم؛ نظرا لعدم تحريهم أو سؤالهم عن الأشخاص الذين يضعون أموالهم ومدخراتهم لديهم.
وقال ثابت لـ"الاستقلال": "للأسف.. قليل من المواطنين الذين يشتكون إلى الشق الجزائي لينال الشخص المحتال عقوبة السجن والغرامة.. فمعظم الشكاوى توجه إلى الشق المدني الذي بدوره يقوم بتقسيط المبلغ وفق قدرة الشخص المهتم بالنصب"، مؤكدا على حاجة المجتمع الماسة إلى حملات توعية واسعة للحيلولة دون تفاقم هذه الظاهرة في ظل الحصار الخانق.
ومن جهته، قال رئيس نيابة خان يونس الكلية بالتكليف إياد مسمح بأنه وبعد الإطلاع على جميع حيثيات القضية -قضية التجارة الوهمية- تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أنها قضية احتيال، وأوضح أن القضية عرضت مؤخرا على ديوان النائب العام للتدقيق، ووقع الاتهام على ثلاثة أشخاص، "اثنان منهم فروا خارج البلاد". موضحًا أن عقوبة المتهم بقضية احتيال لا تقل عن عامين ولا تزيد عن خمس سنوات مع الغرامة.
وأضاف: "عقوبة السجن لا تلغي حق أصحاب الأموال في استرداد أموالهم، بل تلزم المتهم بدفع المبلغ كاملا، إما عبر دائرة التنفيذ خلال فترة سجنه، أو بعد خروجه عبر حصول صاحب الحق على حكم من المحكمة الجزائية، ثم يتوجه به إلى المحكمة المدنية التي تطالب المتهم بإعادة جميع المستحقات لأصحابها".
جدير بالذكر أن عديدا من حوادث الاحتيال شهدها قطاع غزة في السنوات القليلة الماضية، ومن أبرزها ما بات يعرف بقضيتي "الكردي" والروبي" في تجارة الأنفاق، والتي راح ضحيتهما آلاف المواطنين وتقدر خسائرهم بملايين الدولارات، ولم تتمكن الحكومة في غزة إلا إرجاع ما قيمته (16.5%) فقط من قيمة رؤوس أموال المستثمرين قبل أكثر من عام ونصف عام، فيما لا زالت الوعود بدفع أموال أخرى حبرا على ورق رغم تصريحات كثير من المسؤولين عن ذلك الملف التي تتحدث عن قرب إنهاء القضية منذ عدة أشهر.
الاحتيال".. ظاهرة ظلت حتى وقت قريب "غريبة" على المجتمع الفلسطيني المحافظ، إلا أنها أخذت منحنى تصاعديا في الآونة الأخيرة، ووجد فيها البعض طريقة جني سريعة للأموال.. وبين أوراق المحاكم بغزة كثير من قضايا النصب والاحتيال التي ينظر فيها القانون إلى جانب قضايا السرقة وتعاطي الممنوعات وغيرها من الأمور.. "الاستقلال" تتبعت تفاصيل عمليات احتيال معقدة على صورة "تجارة وهمية" كانت تديرها امرأة من خان يونس سقط في وحلها كثير من الضحايا وكشفت تفاصيلها لتخرج بهذا التقرير.
"أتت على كل شيء"..
الأستاذ "نصر" 43 عامًا من سكان محافظة خان يونس، متزوج ولديه ستة أطفال.. يروي قصة وقوعه ضحية لعملية تجارة "وهمية"، قائلا: "رغم حذري الشديد وسماعي المسبق بعديد من قصص الاحتيال، لكنه غُرر بي في تجارة وهمية أتت على كل ما أملك من مدخرات أفنيت سنين عمري في جمعها، والبالغة نحو (25) ألف دينار أردني، بعدما وضعتها تحت تصرف ابن شقيقي (أ) الذي كان بمثابة الوسيط في تجارة الطرود الغذائية التي تديرها (س)".
ويضيف: "في بداية الأمر كانت التجارة تسير بانتظام لا يدعو للريبة أو الخوف، لاسيما أن القائمين عليها أشخاص يتمتعون بسمعة طيبة ومحل ائتمان، ولم يسبق أن صدر عنهم ما يثير القلق والارتياب، وانتظم حصولي على الأرباح لمدة عام بدون أي مشكلات".
وأوضح "نصر" –فضّل عدم ذكر اسم عائلته- أن قصة اكتشافه لحقيقة الأمر بدأت بعد عام عندما بدأ القائمون على تلك التجارة بالتذبذب في دفع الأرباح في الوقت المحدد، متذرعين بحجز الجهة المانحة لـ"الكابونات" بعد اكتشافها لحالات سرقة كبيرة في مخازنها قبل توزيعها للمواطنين.
وتابع حديثه قائلاً: "منذ تلك اللحظة ساورني الشك وبدأت مع عدد من المشتركين في تلك التجارة بالبحث والتنقيب، لنكتشف الطامة الكبرى!!.. أموالنا لم تستثمر في أي تجارة كانت، وما كنا نحصل عليه من أرباح هي من رؤوس أموالنا التي كانت لدى "المتورط" في عملية النصب".
لم يثر شكوكنا
أما المواطن "أ،خ" 30عاما -أحد "الوسطاء" الذين عملوا على جمع الأموال من المواطنين للمشاركة في تلك "التجارة الوهمية"- فقال بدوره: "إن "بداية تعرفي على المدعوة "س" كانت عبر شقيقها الذي تربطني به علاقة زمالة دراسية توطدت بعد تخرجنا"، مؤكدا أنه بعد إلحاح صديقه استثمر في بداية الأمر مبلغا بسيطا من المال أدرّ عليه أرباحا "معقولة"؛ الأمر الذي دفعه إلى توسيع دائرة المستفيدين والمشاركين من أقاربه وأصهاره وزملائه فيما بعد.
وأوضح "أ" أن التعامل مع "س" لم يثر شكوك أيّ من الوسطاء، حيث كان يتم وفق مستندات وأوراق رسمية في جزء من المبلغ وليس المبلغ الإجمالي ككل، إضافة إلى أن الأخيرة لم يبدُ عليها أي تجاوزات أو تصرفات مثيرة في توزيع الأرباح بصورة شهرية ومنتظمة طوال فترة التعامل معها لعام كامل.
وتابع قائلاً: "الثقة التي شعرت بها خلال تعاملي مع (س) وانتظام الأرباح التي كنت أوزعها وفق جدول زمني على المستثمرين كافة، جعلتني أغض الطرف عن تسجيل الأموال التي كنت أودعها دوريا في أوراق رسمية والاكتفاء بتسجيلها على أوراق وسجلات خاصة بطبيعة العمل دون سند رسمي"، مقدرا قيمة المبلغ الإجمالي الذي أودعه في التجارة "الوهمية" بنحو (816200) شيكل، مشيرا إلى أنه طرق كل الأبواب قبل التوجه للجهات المتخصصة للضغط على ذوي المدّعَى عليها "س" لسداد مستحقاته، أسوة بالوسطاء الآخرين الذين عولجت قضاياهم المالية بعيدا عن المحاكم.
الضحايا مسؤولون !!
ومن جانبه، حمل الخبير الاقتصادي د. معين رجب الأشخاص الذين يبحثون عن الربح السريع ومن يروجون لأعمال غير حقيقية يكون الهدف منها خداع الناس البسطاء لسلبهم أموالهم المسؤولية المباشرة عن تفشي ظاهرة "الاحتيال"، مشددا على أهمية استثمار المواطنين لأموالهم ومدخراتهم في مؤسسات رسمية ومرخصة وفقا للأنظمة والقوانين المعمول بها.
كما حمّل رئيس محكمة بداية خان يونس القاضي زياد ثابت المواطنين ضحايا عمليات "الاحتيال" المسئولية المباشرة عما حل بهم؛ نظرا لعدم تحريهم أو سؤالهم عن الأشخاص الذين يضعون أموالهم ومدخراتهم لديهم.
وقال ثابت لـ"الاستقلال": "للأسف.. قليل من المواطنين الذين يشتكون إلى الشق الجزائي لينال الشخص المحتال عقوبة السجن والغرامة.. فمعظم الشكاوى توجه إلى الشق المدني الذي بدوره يقوم بتقسيط المبلغ وفق قدرة الشخص المهتم بالنصب"، مؤكدا على حاجة المجتمع الماسة إلى حملات توعية واسعة للحيلولة دون تفاقم هذه الظاهرة في ظل الحصار الخانق.
السجن لا يلغي الدفع
ومن جهته، قال رئيس نيابة خان يونس الكلية بالتكليف إياد مسمح بأنه وبعد الإطلاع على جميع حيثيات القضية -قضية التجارة الوهمية- تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أنها قضية احتيال، وأوضح أن القضية عرضت مؤخرا على ديوان النائب العام للتدقيق، ووقع الاتهام على ثلاثة أشخاص، "اثنان منهم فروا خارج البلاد". موضحًا أن عقوبة المتهم بقضية احتيال لا تقل عن عامين ولا تزيد عن خمس سنوات مع الغرامة.
وأضاف: "عقوبة السجن لا تلغي حق أصحاب الأموال في استرداد أموالهم، بل تلزم المتهم بدفع المبلغ كاملا، إما عبر دائرة التنفيذ خلال فترة سجنه، أو بعد خروجه عبر حصول صاحب الحق على حكم من المحكمة الجزائية، ثم يتوجه به إلى المحكمة المدنية التي تطالب المتهم بإعادة جميع المستحقات لأصحابها".
جدير بالذكر أن عديدا من حوادث الاحتيال شهدها قطاع غزة في السنوات القليلة الماضية، ومن أبرزها ما بات يعرف بقضيتي "الكردي" والروبي" في تجارة الأنفاق، والتي راح ضحيتهما آلاف المواطنين وتقدر خسائرهم بملايين الدولارات، ولم تتمكن الحكومة في غزة إلا إرجاع ما قيمته (16.5%) فقط من قيمة رؤوس أموال المستثمرين قبل أكثر من عام ونصف عام، فيما لا زالت الوعود بدفع أموال أخرى حبرا على ورق رغم تصريحات كثير من المسؤولين عن ذلك الملف التي تتحدث عن قرب إنهاء القضية منذ عدة أشهر.
تعليق