لسنا كفار قريش.. ولستم أصحاب النبى
بقلم فاروق جويدة
كان الخروج المفاجئ للتيارات الإسلامية بعد ثورة 25 يناير فى الشارع المصرى بهذه الكثافة وهذا الإلحاح الإعلامى المنظم ظاهرة تحتاج إلى وقفة صادقة خلال أسبوعين فقط وليس أكثر، كان الوجود الإسلامى فى الإعلام المصرى حدثا فريدا غير مسبوق انطلقت جماعة الإخوان المسلمين تستعرض قدراتها وتحدياتها فى الاستفتاء على الدستور ثم كان الإفراج عن عبود الزمر وطارق الزمر. وهذه الزفة الإعلامية التى واكبت خروجهما من السجن..كانت مظاهرة الجماعة الإسلامية تطالب بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن من سجون أمريكا ثم كان الحشد الإعلامى الرهيب لجماعة السلفيين وخطب رموزها واستيلاء دعاتها على مساجد الاسكندرية وطرد أئمة وزارة الأوقاف، ثم كانت ندوات الدعاة الشباب على الشاشات وفى الجامعات.. حشد دينى واكبته تصريحات وأقوال جانبتها الحكمة والصواب فى حالات كثيرة مثل غزوة الصناديق والدولة الدينية إذا خرج الحاكم على الملة وقتل الحاكم وتطبيق الشريعة بالقوة وهذا الاندفاع الغريب نحو الأضواء من كل التيارات الإسلامية.
من منطلق التقدير والحرص على صورة هذه التيارات تبدو أمامى بعض الملاحظات:
***9679;أن هذا الاندفاع الكمى والنوعى من التيارات الإسلامية فى الشارع المصرى قد خلق حالة من الخوف والفزع لدى المواطنين خاصة أنه لم يكن حشدا دينيا يهدف إلى الدعوة بل كان حشدا سياسيا وإن ارتدى عباءة الإسلام.. شعر الكثير من المصريين أننا أمام فتح مصر فى الألفية الثالثة ونسى القادمون أن المصريين ليسوا كفار قريش وأن القادمين ليسوا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وإذا كنا قد كرهنا فى النظام السابق لغة التعالى والاستخفاف بالشعب فقد شعرنا بهذا الأسلوب وبلغة التعالى نفسها فى هؤلاء القادمين لتطبيق الشريعة وتناسوا قول الخالق سبحانه وتعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن».. فلم يكن فى الطرح قدر من الحكمة ولم يكن فى الجدل ما هو حسن.. كانت أحاديث الخارجين من السجون تعيد للأذهان قصص القتل والردع والعنف وهى أشياء كانت الذاكرة المصرية قد نسيتها منذ تسعينيات القرن الماضى.. ولم يكن غريبا فى هذا السياق أن ينفذ بعض السلفيين حكما يتناقص تماما مع تعاليم الإسلام ويقطعون أذن رجل مسيحى فى قنا فى سلوك همجى متخلف يتعارض تماما مع سماحة الإسلام ورحمته.
لاشك أن كل هذه المؤشرات تركت حالة من الخوف فى كل بيت مصرى المسلمون قبل الأقباط وتركت سؤالا حائرا لماذا كل هذه الحشود وهل تخلصنا من سطوة الاستبداد السياسى لنواجه هذا الخطر القادم الذى يحمل راية دين نؤمن به ونعتز بتعاليمه وسماحته وثوابته.
***9679; وجد المصريون أنفسهم بعد الثورة ومن خلال هذا الحشد أمام أكثر من دين وأكثر من شريعة وأكثر من جماعة.. ظهر الإخوان المسلمون فى صورة لم نعهدها فيهم من قبل خاصة وهم يربطون بين الإسلام والموافقة على التعديلات الدستورية «بنعم» كان خلطا غريبا من الجماعة.. وكانت أحاديث المسئولين فيها عن نتائج الاستفتاء لا تخلو من الزهو والتعالى لتحقيق هذا الإنجاز وهذا يتنافى تماما مع طبيعة الجماعة وما شهدته الثورة من تلاحم حميد بين جموع الشعب باختلاف توجهاته..
وكان رفض مكتب الإرشاد المشاركة فى مؤتمر شباب الإخوان موقفا غير واضح ولا يتناسب مع رحابة فكر وسماحة ثوابت الإخوان دينيا وإنسانيا.. لقد تابعت ما دار من مناقشات بين شباب الإخوان فى مؤتمرهم وكان حوارا ممتعا حول الأحزاب وما حدث بعد ثورة 25 يناير ولمست فيهم روحا شابه متفتحة تدعو للتسامح والحوار وفتح الأبواب لهواء نقى جديد.. كان ينبغى أن يحتضن المسئولون فى الإخوان أحلام شباب واعد وإن كنت أرى أن الفرصة ما زالت قائمة وأن الحوار مع المستقبل ضرورة لا غنى عنها.
كنا قد قرأنا كثيرا عن مراجعات فكر ومواقف ورؤى الجماعات الإسلامية طوال السنوات الماضية حول تطبيق الشريعة وتكفير المجتمع وقضايا مثل القتل والقصاص وأعلنت هذه الجماعات أنها تراجعت عن الكثير من هذه الأفكار ولكن الغريب فى الأمر أن هذه الجماعات أطلت على شاشات الفضائيات وفى الصحف ووسائل الإعلام لتعيد مرة أخرى طرح هذه الأفكار ومنها قتل الحاكم وفرض تطبيق الشريعة ولا شك أن مثل هذا الطرح أفقد هذه الجماعات فى الأسابيع الأخيرة تعاطفا كبيرا فى الشارع المصرى خاصة وأن رموز هذه الجماعات قضوا سنوات طويلة فى السجون ومع ثورة 25 يناير والمناخ الجديد الذى يحلم به المصريون كان ينبغى أن يتسم موقف هذه الجماعات بقدر من التوازن والحكمة.. أن الحديث مرة أخرى عن العنف وتطبيق الشريعة والحوار مع الآخر والموقف من شركاء الوطن والجزية وتوزيع المناصب لغير المسلمين.. هذه القضايا تحتاج إلى أصوات عاقلة وأفكار تدرك خطورة اللحظة التى يعيشها المصريون الآن.. نريد طرحا يجمع شتات هذا الوطن ولا يفرق صفوفه.. نريد أفكارا تغرس الأمن والطمأنينة بين الناس أما أساليب التخويف والفزع التى يمارسها البعض فسوف تصل بنا إلى حالة لا نريدها من عدم الاستقرار.
عندما يتحدث بعض رموز هذه الجماعات عن تطبيق الحدود ويمارسها البعض فى رجل مسيحى فى قنا.. وعندما يقف أحد المشايخ الأجلاء ويتحدث عن غزوة الصناديق وكأنه يتحدث عن كفار قريش.. هذه الأساليب سوف تأتى بنتائج سلبية فى رد فعل المواطن المصرى مسلما كان أم مسيحيا الا إذا كانت هذه الجماعات تسعى بالفعل إلى إيجاد حالة من الخوف بين المواطنين.. إن أهم شىء كنا نسعى إليه بعد ثورة 25 يناير هو الاستقرار وتأمين المواطنين واستمرار حالة التواصل والمودة التى سادت حياتنا طوال أيام الثورة لقد ساهم الحشد الإعلامى الذى طارد الناس طوال الأسابيع الأخيرة إلى ردود أفعال متباينة ما بين الخوف والسؤال ومحاولة الفهم ولكن السمة الغالبة كانت استنكار هذا التكثيف الإعلامى الرهيب وما ترتب عليه من سلبيات خاصة فى أقوال ومواقف غير مسئولة صدرت عن بعض رموز هذه التيارات ولا أدرى هل هو خطأ الإعلام أم مسئولية هذه الرموز وسعيها بإلحاح إلى الأضواء حتى ولو كان ذلك سببا فى تقديم صورة غير حميدة عن هذه التيارات.
***9679; إن هذه الحشود التى حملت راية الإسلام من خرجوا من السجون وتم الإفراج عنهم من المعتقلين قد تركوا الكثير من الظلال حول حالات انقسام حادة بين أفكار لا ينبغى أن يكون الاختلاف بينها بهذه الدرجة وبهذه الحدة إلا إذا كانت بالفعل خلافات فى السياسة وليست فى الدين.. ماذا يفعل المواطن المصرى الأمى البسيط الآن أمام أطروحات متناقضة حول قضايا دينه وحياته.. نحن أمام الإخوان المسلمين.. وشباب الإخوان.. وحزب جديد للإخوان الحرية والعدالة.. وحزب الوسط والسلفيين.. والجهاد.. والجماعة الإسلامية.. أين مفاهيم الإسلام الحقيقية فى ذلك كله.. وهل نحن أمام جماعات وتيارات إسلامية تدعو إلى الله أم أمام كوادر وتجمعات سياسية تسعى إلى السلطة.. وكيف نفرق الدين من السياسة ونفصل بينهما.. وإذا أعلن رمز من رموز هذه الجماعات فتوى أو موقفا فهل هو موقف رجل سياسة أم فتوى رجل دين.
إن الأخطر من ذلك كله هو حالة الانقسام بين كل هذه الجماعات خاصة أنه لا يوجد الآن سقف يقف أحد عنده سواء فى معارك السياسة أو الصراعات الدينية.. نحن الآن أمام تداخل شديد فى الأفكار والمواقف بين دعوات سياسية ترتدى ثياب الدين وجماعات دينية تسعى لدور سياسى.. إن المواطن المصرى المأزوم فى حياته ورزقه وتعليم أبنائه ومرض زوجته وفقره وحاجته يقف الآن حائرا بين تيارات ملأت الساحة تتصارع على صوته ما بين الجهاد والإخوان والجماعة الإسلامية وحزب الوسط.. وكلها تحمل شعارات إسلامية لا ينبغى أن تكون هذه التقسيمات الحادة هى آخر المطاف لدين عظيم هو الإسلام ولا ينبغى أن تصل درجة التناقض والخلافات إلى هذه الحدة وهذا الرفض للآخر وإذا كانت هذه التيارات ترفض بعضها البعض فمتى ستقبل الحوار مع الآخر بل متى تقبل هذا الآخر فى دولة قام كل تراثها الفكرى والدينى والسياسى على التعددية والحوار ما بين مسلميها وأقباطها ومثقفيها وعلمائها ونخبتها الفكرية والدينية.
إذا كانت ثورة 25 يناير قد فتحت أمامنا أبواب الحرية والحوار والهواء النقى فيجب الا يكون ذلك بداية تقسيمات وصراعات وأهواء ومصالح.. إن هذا الاندفاع الذى شهدته مصر من القوى الإسلامية لا يتناسب مع وقار الأديان وسماحتها.. هل يعقل أن يقوم ائمة السلفية فى الإسكندرية بطرد ائمة الأوقاف من المساجد ويحتلون منابرها.. وهل يعقل أن يقف عالم شهير ويتحدث عن نتائج الاستفتاء على مواد الدستور ويسمى النتائج بغزوة الصناديق وما هذا الرعب الذى جاء فى أحاديث هؤلاء عن العنف وتطبيق الشريعة وقتل الحكام.. إن الأمر يتطلب قدرا من الحكمة واليقظة لأناس يدعون إلى الله ويحملون رسالة دين عظيم قام على التسامح والرحمة وهم يعلمون أن نصف المجتمع من الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون.
ووسط هذا المشهد الغريب يغيب دور الأزهر الشريف بعلمائه ومشايخه ورموزه ونجد الساحة كلها مليئة بأصوات كثيرة والجميع يتحدث باسم الإسلام بينما صاحب الحق الأول والأخير وهو الأزهر الشريف لا يجد أحدا يسمع صوته.. وربما كان هذا هو السبب فى دعوة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر لتعديل قانون الأزهر ومطالبته العلماء والدعاة والائمة أن يتصدوا المشهد لتوضيح الوجه الحقيقى للإسلام بعيدا عن المبالغات ورفض الآخر.
لا يعقل أن تتصدر المشهد كل هذه التقسيمات والخلافات فى الرؤى والمواقف وهذه الحشود الغريبة بين التيارات الدينية المتعارضة بينما الأزهر الشريف معقل الإسلام وحصنه الحصين غائب تماما ولا يجد من يسمعه.. أين علماء الأزهر على شاشات التليفزيون والصحافة والإعلام إذا كان ذلك تقصيرا وإهمالا من الإعلام فهو جريمة وإذا كان رفضا من العلماء فهو إخلال بالمسئولية.
إن أخطر ما واجهته مصر بعد الثورة هو هذه التقسيمات الغريبة بين من قالوا لا ومن قالوا نعم حول مواد الدستور تم كانت الخلافات بين من قالوا نعم من التيارات الدينية التى تحمل راية الإسلام.
بقيت بعد ذلك ملاحظة أخيرة تتعلق بما يرتديه علماؤنا من الأزياء وأنا أتصور أن الزى الأزهرى العريق يجب أن يكون وساما مصريا لكل من حمل راية الإسلام وجعل من نفسه داعيا.. هذا الزى الوقور يحتل مكانة خاصة فى كل دول العالم وللأسف الشديد هناك ملابس غريبة على أذواق المصريين يرتديها علماؤنا من الشيوخ والشباب ولكن زى الأزهر له بريق خاص.
أما شبابنا من الدعاة على الفضائيات فهم فى حاجة إلى أزياء أكثر وقارا.. نريد وسطية الأزهر فى فكرة وسماحته وفى حجته ووقاره وفى ملابس الائمة والدعاة.
وقبل هذا كله لا نريد هذا الانقسام بين علمائنا ومشايخنا الأجلاء.. ونريد خطابا دينيا متجانسا لا يختلف حول الثوابت ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
كان الخروج المفاجئ للتيارات الإسلامية بعد ثورة 25 يناير فى الشارع المصرى بهذه الكثافة وهذا الإلحاح الإعلامى المنظم ظاهرة تحتاج إلى وقفة صادقة خلال أسبوعين فقط وليس أكثر، كان الوجود الإسلامى فى الإعلام المصرى حدثا فريدا غير مسبوق انطلقت جماعة الإخوان المسلمين تستعرض قدراتها وتحدياتها فى الاستفتاء على الدستور ثم كان الإفراج عن عبود الزمر وطارق الزمر. وهذه الزفة الإعلامية التى واكبت خروجهما من السجن..كانت مظاهرة الجماعة الإسلامية تطالب بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن من سجون أمريكا ثم كان الحشد الإعلامى الرهيب لجماعة السلفيين وخطب رموزها واستيلاء دعاتها على مساجد الاسكندرية وطرد أئمة وزارة الأوقاف، ثم كانت ندوات الدعاة الشباب على الشاشات وفى الجامعات.. حشد دينى واكبته تصريحات وأقوال جانبتها الحكمة والصواب فى حالات كثيرة مثل غزوة الصناديق والدولة الدينية إذا خرج الحاكم على الملة وقتل الحاكم وتطبيق الشريعة بالقوة وهذا الاندفاع الغريب نحو الأضواء من كل التيارات الإسلامية.
من منطلق التقدير والحرص على صورة هذه التيارات تبدو أمامى بعض الملاحظات:
***9679;أن هذا الاندفاع الكمى والنوعى من التيارات الإسلامية فى الشارع المصرى قد خلق حالة من الخوف والفزع لدى المواطنين خاصة أنه لم يكن حشدا دينيا يهدف إلى الدعوة بل كان حشدا سياسيا وإن ارتدى عباءة الإسلام.. شعر الكثير من المصريين أننا أمام فتح مصر فى الألفية الثالثة ونسى القادمون أن المصريين ليسوا كفار قريش وأن القادمين ليسوا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وإذا كنا قد كرهنا فى النظام السابق لغة التعالى والاستخفاف بالشعب فقد شعرنا بهذا الأسلوب وبلغة التعالى نفسها فى هؤلاء القادمين لتطبيق الشريعة وتناسوا قول الخالق سبحانه وتعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن».. فلم يكن فى الطرح قدر من الحكمة ولم يكن فى الجدل ما هو حسن.. كانت أحاديث الخارجين من السجون تعيد للأذهان قصص القتل والردع والعنف وهى أشياء كانت الذاكرة المصرية قد نسيتها منذ تسعينيات القرن الماضى.. ولم يكن غريبا فى هذا السياق أن ينفذ بعض السلفيين حكما يتناقص تماما مع تعاليم الإسلام ويقطعون أذن رجل مسيحى فى قنا فى سلوك همجى متخلف يتعارض تماما مع سماحة الإسلام ورحمته.
لاشك أن كل هذه المؤشرات تركت حالة من الخوف فى كل بيت مصرى المسلمون قبل الأقباط وتركت سؤالا حائرا لماذا كل هذه الحشود وهل تخلصنا من سطوة الاستبداد السياسى لنواجه هذا الخطر القادم الذى يحمل راية دين نؤمن به ونعتز بتعاليمه وسماحته وثوابته.
***9679; وجد المصريون أنفسهم بعد الثورة ومن خلال هذا الحشد أمام أكثر من دين وأكثر من شريعة وأكثر من جماعة.. ظهر الإخوان المسلمون فى صورة لم نعهدها فيهم من قبل خاصة وهم يربطون بين الإسلام والموافقة على التعديلات الدستورية «بنعم» كان خلطا غريبا من الجماعة.. وكانت أحاديث المسئولين فيها عن نتائج الاستفتاء لا تخلو من الزهو والتعالى لتحقيق هذا الإنجاز وهذا يتنافى تماما مع طبيعة الجماعة وما شهدته الثورة من تلاحم حميد بين جموع الشعب باختلاف توجهاته..
وكان رفض مكتب الإرشاد المشاركة فى مؤتمر شباب الإخوان موقفا غير واضح ولا يتناسب مع رحابة فكر وسماحة ثوابت الإخوان دينيا وإنسانيا.. لقد تابعت ما دار من مناقشات بين شباب الإخوان فى مؤتمرهم وكان حوارا ممتعا حول الأحزاب وما حدث بعد ثورة 25 يناير ولمست فيهم روحا شابه متفتحة تدعو للتسامح والحوار وفتح الأبواب لهواء نقى جديد.. كان ينبغى أن يحتضن المسئولون فى الإخوان أحلام شباب واعد وإن كنت أرى أن الفرصة ما زالت قائمة وأن الحوار مع المستقبل ضرورة لا غنى عنها.
كنا قد قرأنا كثيرا عن مراجعات فكر ومواقف ورؤى الجماعات الإسلامية طوال السنوات الماضية حول تطبيق الشريعة وتكفير المجتمع وقضايا مثل القتل والقصاص وأعلنت هذه الجماعات أنها تراجعت عن الكثير من هذه الأفكار ولكن الغريب فى الأمر أن هذه الجماعات أطلت على شاشات الفضائيات وفى الصحف ووسائل الإعلام لتعيد مرة أخرى طرح هذه الأفكار ومنها قتل الحاكم وفرض تطبيق الشريعة ولا شك أن مثل هذا الطرح أفقد هذه الجماعات فى الأسابيع الأخيرة تعاطفا كبيرا فى الشارع المصرى خاصة وأن رموز هذه الجماعات قضوا سنوات طويلة فى السجون ومع ثورة 25 يناير والمناخ الجديد الذى يحلم به المصريون كان ينبغى أن يتسم موقف هذه الجماعات بقدر من التوازن والحكمة.. أن الحديث مرة أخرى عن العنف وتطبيق الشريعة والحوار مع الآخر والموقف من شركاء الوطن والجزية وتوزيع المناصب لغير المسلمين.. هذه القضايا تحتاج إلى أصوات عاقلة وأفكار تدرك خطورة اللحظة التى يعيشها المصريون الآن.. نريد طرحا يجمع شتات هذا الوطن ولا يفرق صفوفه.. نريد أفكارا تغرس الأمن والطمأنينة بين الناس أما أساليب التخويف والفزع التى يمارسها البعض فسوف تصل بنا إلى حالة لا نريدها من عدم الاستقرار.
عندما يتحدث بعض رموز هذه الجماعات عن تطبيق الحدود ويمارسها البعض فى رجل مسيحى فى قنا.. وعندما يقف أحد المشايخ الأجلاء ويتحدث عن غزوة الصناديق وكأنه يتحدث عن كفار قريش.. هذه الأساليب سوف تأتى بنتائج سلبية فى رد فعل المواطن المصرى مسلما كان أم مسيحيا الا إذا كانت هذه الجماعات تسعى بالفعل إلى إيجاد حالة من الخوف بين المواطنين.. إن أهم شىء كنا نسعى إليه بعد ثورة 25 يناير هو الاستقرار وتأمين المواطنين واستمرار حالة التواصل والمودة التى سادت حياتنا طوال أيام الثورة لقد ساهم الحشد الإعلامى الذى طارد الناس طوال الأسابيع الأخيرة إلى ردود أفعال متباينة ما بين الخوف والسؤال ومحاولة الفهم ولكن السمة الغالبة كانت استنكار هذا التكثيف الإعلامى الرهيب وما ترتب عليه من سلبيات خاصة فى أقوال ومواقف غير مسئولة صدرت عن بعض رموز هذه التيارات ولا أدرى هل هو خطأ الإعلام أم مسئولية هذه الرموز وسعيها بإلحاح إلى الأضواء حتى ولو كان ذلك سببا فى تقديم صورة غير حميدة عن هذه التيارات.
***9679; إن هذه الحشود التى حملت راية الإسلام من خرجوا من السجون وتم الإفراج عنهم من المعتقلين قد تركوا الكثير من الظلال حول حالات انقسام حادة بين أفكار لا ينبغى أن يكون الاختلاف بينها بهذه الدرجة وبهذه الحدة إلا إذا كانت بالفعل خلافات فى السياسة وليست فى الدين.. ماذا يفعل المواطن المصرى الأمى البسيط الآن أمام أطروحات متناقضة حول قضايا دينه وحياته.. نحن أمام الإخوان المسلمين.. وشباب الإخوان.. وحزب جديد للإخوان الحرية والعدالة.. وحزب الوسط والسلفيين.. والجهاد.. والجماعة الإسلامية.. أين مفاهيم الإسلام الحقيقية فى ذلك كله.. وهل نحن أمام جماعات وتيارات إسلامية تدعو إلى الله أم أمام كوادر وتجمعات سياسية تسعى إلى السلطة.. وكيف نفرق الدين من السياسة ونفصل بينهما.. وإذا أعلن رمز من رموز هذه الجماعات فتوى أو موقفا فهل هو موقف رجل سياسة أم فتوى رجل دين.
إن الأخطر من ذلك كله هو حالة الانقسام بين كل هذه الجماعات خاصة أنه لا يوجد الآن سقف يقف أحد عنده سواء فى معارك السياسة أو الصراعات الدينية.. نحن الآن أمام تداخل شديد فى الأفكار والمواقف بين دعوات سياسية ترتدى ثياب الدين وجماعات دينية تسعى لدور سياسى.. إن المواطن المصرى المأزوم فى حياته ورزقه وتعليم أبنائه ومرض زوجته وفقره وحاجته يقف الآن حائرا بين تيارات ملأت الساحة تتصارع على صوته ما بين الجهاد والإخوان والجماعة الإسلامية وحزب الوسط.. وكلها تحمل شعارات إسلامية لا ينبغى أن تكون هذه التقسيمات الحادة هى آخر المطاف لدين عظيم هو الإسلام ولا ينبغى أن تصل درجة التناقض والخلافات إلى هذه الحدة وهذا الرفض للآخر وإذا كانت هذه التيارات ترفض بعضها البعض فمتى ستقبل الحوار مع الآخر بل متى تقبل هذا الآخر فى دولة قام كل تراثها الفكرى والدينى والسياسى على التعددية والحوار ما بين مسلميها وأقباطها ومثقفيها وعلمائها ونخبتها الفكرية والدينية.
إذا كانت ثورة 25 يناير قد فتحت أمامنا أبواب الحرية والحوار والهواء النقى فيجب الا يكون ذلك بداية تقسيمات وصراعات وأهواء ومصالح.. إن هذا الاندفاع الذى شهدته مصر من القوى الإسلامية لا يتناسب مع وقار الأديان وسماحتها.. هل يعقل أن يقوم ائمة السلفية فى الإسكندرية بطرد ائمة الأوقاف من المساجد ويحتلون منابرها.. وهل يعقل أن يقف عالم شهير ويتحدث عن نتائج الاستفتاء على مواد الدستور ويسمى النتائج بغزوة الصناديق وما هذا الرعب الذى جاء فى أحاديث هؤلاء عن العنف وتطبيق الشريعة وقتل الحكام.. إن الأمر يتطلب قدرا من الحكمة واليقظة لأناس يدعون إلى الله ويحملون رسالة دين عظيم قام على التسامح والرحمة وهم يعلمون أن نصف المجتمع من الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون.
ووسط هذا المشهد الغريب يغيب دور الأزهر الشريف بعلمائه ومشايخه ورموزه ونجد الساحة كلها مليئة بأصوات كثيرة والجميع يتحدث باسم الإسلام بينما صاحب الحق الأول والأخير وهو الأزهر الشريف لا يجد أحدا يسمع صوته.. وربما كان هذا هو السبب فى دعوة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر لتعديل قانون الأزهر ومطالبته العلماء والدعاة والائمة أن يتصدوا المشهد لتوضيح الوجه الحقيقى للإسلام بعيدا عن المبالغات ورفض الآخر.
لا يعقل أن تتصدر المشهد كل هذه التقسيمات والخلافات فى الرؤى والمواقف وهذه الحشود الغريبة بين التيارات الدينية المتعارضة بينما الأزهر الشريف معقل الإسلام وحصنه الحصين غائب تماما ولا يجد من يسمعه.. أين علماء الأزهر على شاشات التليفزيون والصحافة والإعلام إذا كان ذلك تقصيرا وإهمالا من الإعلام فهو جريمة وإذا كان رفضا من العلماء فهو إخلال بالمسئولية.
إن أخطر ما واجهته مصر بعد الثورة هو هذه التقسيمات الغريبة بين من قالوا لا ومن قالوا نعم حول مواد الدستور تم كانت الخلافات بين من قالوا نعم من التيارات الدينية التى تحمل راية الإسلام.
بقيت بعد ذلك ملاحظة أخيرة تتعلق بما يرتديه علماؤنا من الأزياء وأنا أتصور أن الزى الأزهرى العريق يجب أن يكون وساما مصريا لكل من حمل راية الإسلام وجعل من نفسه داعيا.. هذا الزى الوقور يحتل مكانة خاصة فى كل دول العالم وللأسف الشديد هناك ملابس غريبة على أذواق المصريين يرتديها علماؤنا من الشيوخ والشباب ولكن زى الأزهر له بريق خاص.
أما شبابنا من الدعاة على الفضائيات فهم فى حاجة إلى أزياء أكثر وقارا.. نريد وسطية الأزهر فى فكرة وسماحته وفى حجته ووقاره وفى ملابس الائمة والدعاة.
وقبل هذا كله لا نريد هذا الانقسام بين علمائنا ومشايخنا الأجلاء.. ونريد خطابا دينيا متجانسا لا يختلف حول الثوابت ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
تعليق