"الفرصة الثمينة" لإجهاض الثورة
بخبرة تفاوضية ومخابراتية فائقة ألقى "عمر سليمان" بسنارته – المتشوقة لصيد يمنح شرعية لنظام يتهاوى – تجاه جماعة الإخوان المسلمين بعدما تأكد أنها أصبحت المحرك الأساسي لاعتصامات التحرير ومايتفرع عنها سواء في محافظات مصر الأخرى أو في أنحاء متفرقة من المنطقة العربية ودول العالم ...
حرصت جماعة الإخوان منذ البداية على إضفاء الطابع الوطني على تظاهرات 25 يناير فخرج ناشطوها في إطار من الجماعة الوطنية التي أجمعت على طلب واحد هو اجتثاث نظام حكم حسني مبارك من الأرض المصرية ، وقد نجحت الجماعة في ذلك ربما للمرة الأولى خلال مااصُطلح على تسميته بمرحلة التكوين الثاني لها ، حيث تمكنت من إيصال رسائل إطمئنان لكافة القوى السياسية – بما في ذلك نشطاء الأقباط – دفعتهم إلى المشاركة بزخم كبير حتى ظهر المشهد المصري أمام العالم كله متوحداً ومتجانساً بصورة أعادت إلى الأذهان مشهد ثورة 1919 حين اصطفت القوى الوطنية كلها إزاء مطلب واحد متخلية عن الذاتية والتشرذم ومحاولات إمساك العصا من المنتصف .
لكن عمر سليمان رجل المخابرات القوي والمتمكن من أدواته والخبير في الوقت ذاته بخبايا جماعة الإخوان وتطلعاتها ونقاط ضعفها ألقى بسنارة صيده في الوقت المناسب تماماً ، حيث لزم الصمت منذ تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية وقبع في الظل ينتظر كعادته الفرصة المواتية التي احتاجت إلى خطوات تمهيدية ثلاث :
أولها : إلقاء مبارك خطابه العاطفي مساء الثلاثاء ومانتج عن ذلك من تراجع بعض طوائف من المعتصمين الذين شعروا بالتعاطف مع لغة الخطاب وبأنه يكفيهم ماحققوه من دفع الرئيس إلى التعهد بعدم خوض انتخابات الرئاسة القادمة .
ثانيها : قيام مجموعات بلطجية الحزب الوطني باعتداء سافر على من تبقى من المعتصمين صبيحة يوم الخطاب وصلت إلى حد اقتحام ميدان التحرير بالجمال والخيول وإطلاق قنابل المولوتوف والرصاص الحي على الشباب العزل المعتصمين في الميدان فقتلت البعض وأصابت المئات بإصابات بالغة .
ثالثها : اضطرار جماعة الإخوان إلى الظهور على السطح وإبراز وجودهم الفعلي داخل الحدث وذلك بترتيب وصول إمدادات من أتباعهم من مختلف المحافظات لتقوية موقف المعتصمين الذين واجهوا الاعتداء الإجرامي بشجاعة مما أنجح عملية إعادة حشد النشطاء من مختلف القوى في "جمعة الرحيل" ، لكنه نجح في الوقت ذاته في تسليط الضوء على الدور الحقيقي والمحوري للإخوان في ثورة 25 يناير .
المتابع لتلك الخطوات المتلاحقة سوف يدرك أن إجهاض الثورة بات متوقفاً فقط على فض الاعتصام قبل تحقق الشرط الأساسي الذي قامت من أجله وأجمعت عليه القوى المشاركة فيها وألحت عليه وصدعت به جهاراً أمام العالم بل وتلقت دعماً له من قبل عديد من القوى العالمية الرئيسة وهو – في الحد الأدنى – تخلي حسني مبارك عن الرئاسة فوراً ودون انتظار لنهاية فترة ولايته ، ومادام الأمر كذلك فإن استدراج جماعة الإخوان إلى فض الاعتصام الذي أصبحت تدير زمامه قبل تحقق ذلك الشرط هو المدخل البديهي للإجهاز على الثورة ..
ومن ثم فقد لجأ المخابراتي العتيد إلى الضرب على الوتر الحساس للجماعة التي عانت طويلاً من وصمها بالمحظورة والمنحلة وماشابه ذلك من أوصاف ، فبدأت وسائل الإعلام الحكومية تطلق عليها علانية اسمها العريق "الإخوان المسلمون" .. هكذا ! ثم لوح سليمان في حواره للتليفزيون المصري بما وصفه بـ "الفرصة الثمينة" التي ينبغي على الإخوان اغتنامها قبل أن تضيع منهم بلا رجعة !
وابتلع الإخوان – كعادتهم – طُعم النظام فبدأت أوداج بعضهم تنتفخ وأخذوا يتباهون باعتراف النظام بشرعيتهم الشعبية متناسين أنهم خرجوا وحرضوا الناس على الخروج لإسقاط الشرعية عن هذا النظام وأن حديثهم المتكرر عن سقوط شرعية النظام منذ يوم 25 يناير الماضي يتناقض تماماً مع شعورهم بالزهو إذ يجود عليهم هذا النظام فاقد الشرعية باعتراف – مؤقت بالطبع – بشرعيتهم كما يتناقض مع موافقتهم على التحاور معه حتى لو برروا ذلك بمحاولة التحقق من جدية الحوار لأن السمكة إذا التقطت الطُعم وسقطت في يد صيادها فلن ينفعها بعدئذ أن تعلم إن كان ذلك الصياد الماهر جاداً أم هازلاً أم كاذباً إذ عليها منذ اللحظة أن تتهيأ للشواء ولاشئ غير ذلك .
لقد نجح عمر سليمان في استدراج "جماعة الإخوان" إلى حوار شجعها عليه ودفعها إليه "جماعة واشنطن" ، وغداً سينجح في فض الاعتصام ، وبعد غد سيعود كل شئ إلى مساره القديم فالنظام المستبد مازال متجذراً في حياتنا ومازالت ألاعيبه كما هي لاتتغير ، ومازالت جماعة الإخوان تكرر أخطاءها ولاتتعلم من دروسها ولاتقاوم التلويح بصفقات أُهدرت في سبيلها دماء الأبرياء وأحلام المخلصين الأنقياء .
المصريون د. نهى الزيني
تعليق