"الشقاقي".. يستبق "الجزيرة" بعقدين في كشف المستور::
كتب : ثابت العمور
شرعت قناة الجزيرة في نشر مجموعة وثائق "سرية" تعدت 1600وثيقة هي مضامين بعض ما كان يدور في كواليس المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، ومنذ أن شرعت الجزيرة في عملية النشر التي يبدو أنها أعدت لها جيدا، قامت الدنيا الفلسطينية بمختلف مشاربها ولم تقعد بعد، أنا شخصيا لم أفاجئ بكل ما قيل وما نشر وهو لهذه اللحظة قطرة من بحر التنازلات الفلسطينية، ولست بصدد البحث أو التعرض لمدى مصداقية هذه الوثائق من عدمها، ولن أتعرض لدلالاتها وتداعياتها والحسابات والظروف التي تنشر بها، ولن أعقب على أي قول أو فعل قد قيل مع أو ضد نشر الوثائق؛ لأن إنشاء السلطة الفلسطينية وقيام أي مظهر من مظاهر الحكم الذاتي الفلسطيني تحت حراب الاحتلال يعني بأن هذه الوثائق وأخواتها التي قد تظهر، هما السبب الرئيس والوحيد لوجود أي صورة من صور السلطة، وهي الوظيفة الوحيدة التي من أجلها قبل الكيان الصهيوني والمجتمع الغربي قيام مجموعة من الشعب الفلسطيني بالشروع في البيع والتفريط، ودون مقدمات بقاء السلطة مرهون بمصداقية ما ورد في الوثائق.
هذا الكلام وهذه النتائج لم تولد لدى كثيرين جراء شروع الجزيرة في كشف المستور، بل هي معلومة ومفهومة ومحفوظة ومنقوشة قبل عقدين من الزمن، وقد شرع الشهيد الشقاقي -رحمه الله- في كشف المستور والتحذير منه ومن تبعاته قبل الجزيرة بعقدين أو أقل بقليل، منذ أن بدا ورم التسوية الخبيث يتمدد في جسد القضية الفلسطينية، ولكن لم يُتلفت إلى الرجل وكلامه وهو الذي كان ولا زال يمتلك ناصية الصواب والحق والجدية والمستقبلية.
بعد شهر من تاريخ اليوم وقبل تسعة عشر عاما، وتحديدا في 25 / 2/ 1992 ، كشف الشقاقي المستور، وأعلن بأنه يعلم كل شاردة وواردة في هذه التنازلات، وقد قال بالحرف الواحد في جريدة العرب: "نحن نعلم ما يدور داخل قاعة المفاوضات، ونعلم قبل ذلك الأساس الذي تم عليه مبدأ الجلوس والتفاوض، ونعلم من تصريح لأبي مازن نفسه أن الفرق بين المشروع الفلسطيني والمشروع الإسرائيلي للحكم الذاتي لا يتجاوز 20 ٪، وأن هذه النسبة يمكن التفاوض حولها وحل إشكاليتها، ونحن ا ّ طلعنا على المشروعين الصهيوني والفلسطيني وكلاهما يج ّ سد الحد الأدنى من طموحات شعبنا، كلاهما يشرع ويقنن للاحتلال".
هذه واحدة من الوثائق التي كان الشقاقي -رحمه الله- قد كشف عنها، ويقول في وثيقة أخرى: "إن تصريحات أعضاء في الوفود تشير إلى المهانة والمذلة التي يتعرض لها المفاوض الفلسطيني أمام المفاوض الصهيوني، إن هناك تفريطا واضحا ليس فقط بكامل حقنا ووطننا بل بمقررات الأمم المتحدة وببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية نفسه"، وهو ما ذهبت إليه الوثائق المسربة وأكدت عليه، ولكن الفارق أن الشقاقي كان يمتلك البصيرة والبعد الموضوعي للأشياء ولم يكن بحاجة لوثائق مسربة أو مهربة، ليقول لنا ما الذي قد يحدث بعد عشرين سنة، كان موضوعيا ومنطقيا وواقعيا. وهو القائل في وثيقة ثالثة -ليست مهربة ولا مسربة بل هي شهادة للتاريخ وللقضية المركزية-: "كل هذه الحلول المقصود منها تكريس الاحتلال الصهيوني وتحقيق الهيمنة الصهيونية أمنيا وسياسيا واقتصاديا على كل المنطقة".
رحمه الله كان يدرك ما يدور وما يحدث ويعلم حجم الجريمة التي تنفذ ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه بأيدي فلسطينية ارتضت الارتماء دينا ومنهجا لها وقبلت الرضوخ للإملاء الصهيوني، وهذا ليس افتراء على المفاوضين الذي قالت عنهم وثائق الجزيرة بأنهم باعوا وهادنوا وقبلوا وفرطوا، ولكن الشقاقي استبق كل هؤلاء وقال: "ما يدور ليس مفاوضات بل هو إملاء لشروط طرف على الطرف الآخر تحت رعاية طرف هو بالكامل في صف عدونا".
المستور الذي كشفه الشقاقي وأعلن عنه لم يكن من أجل خلط الأوراق ولا بعثرة الصف الفلسطيني، ولم يكن ادعاء للمهنية والموضوعية، ولم يتعرض للعورات الفلسطينية ولم يخدش حياء الوحدة الوطنية. فعندما سئل الرجل في ديسمبر العام 1992 لماذا ترفضون المفاوضات؟، أجاب قائلا بثقة المنتصر وصاحب الحق المنتظر: "لأنها لن تعود علينا بأي خير ونفع لشعبنا ولأمتنا، بل ستكرس الاحتلال وتجعله شرعيا وقانونيا دون أن ننال أدنى حد من حقوقنا وستحولنا إلى جسر يمر فوقه الكيان الصهيوني والأمريكي إلى العواصم كافة"، هذه الوثيقة لم تعلن عنها الجزيرة بعد، وربما تشرع في عرضها في الأسابيع القادمة لكن الشقاقي تحدث عنها، تحت عنوان: كيف كانت السلطة الفلسطينية جسرا للعبور؟، بعدما بات بعض العرب وفي أعقاب توقيع اتفاق السلام المشئوم يشرعون ويهرولون للتطبيع، كانوا في كل مناسبة يستدعون ويقولون: "لن نكون ملكيين أكثر من الملك".. بما يعني أنهم لن يكونوا فلسطينيين أكثر من الجماعة المفاوضين والموقعين، وكانت هذه العبارة أول مسمار في جسر التطبيع العربي الصهيوني.
وقد حدث ما حذر الشقاقي منه، وباتت السلطة جسرا وبوابة للتطبيع والتركيع، وباتت اليوم محل اتهام وتفريط وتنازل عن الحقوق الفلسطينية، وبدأ الاحتلال الصهيوني أكثر حرصا على شروطه ومطالبه وأكثر تمسكا بمشروعه الاستيطاني التوسعي على حساب الحقوق الفلسطينية.
قبل أمس فقط، كشفت وثائق الجزيرة عن التفريط في حقوق اللاجئين -الذين هم زاد وزواد القضية الفلسطينية وشعلتها المضيئة التي لن تنطفئ-، ولكن وثائق الشقاقي كشفت عن التفريط قبل ثمانية عشر عاما، عندما قال رحمه الله: "هذه المسيرة السلمية ستسفر عن تشتيت أربعة ملايين فلسطيني هم عدد الفلسطينيين خارج فلسطين، ولا تتسع لهم صيغة مدريد بأي حال وعليهم أن يذوبوا في الصحراء العربية التي تستعصي عليهم"، كان ذلك في 21 / 8/ 1993 .
استمعت لبعض المحللين وقرأت لبعض المفكرين والكتاب الصحافيين، الذين قالوا بأن كشف الجزيرة للمستور سيتسبب في تعميق الأزمة والانقسام الفلسطيني وسيعمق الخلافات، وقد حدث نوع من هذا وذاك، وقرأت في وثائق الشقاقي ما هو أعمق وأبعد وأخطر عن كل ما ذهب إليه القوم الذين استضافتهم الجزيرة، فالرجل وفي عام 1993وصف أوسلو وأخواتها وما تلاها قائلا: "هذا الاتفاق يجعل الشعب الفلسطيني عرضة للاقتتال الداخلي والقمع على يد السلطة الجديدة، التي ستضيف إلى وسائل العدو الصهيوني، الذي سيكون موجودا بصورة أو بأخرى وسائل جديدة للقمع والتعذيب ومنع المجاهدين من الاستمرار في جهادهم ونضالهم لتحرير وطنهم"، الشقاقي هنا يستبق الجزيرة مرة أخرى ويتحدث عن التنسيق الأمني وإحداثياته التي يتوقع أن تفرج الجزيرة قادما عن محتوى وثائقه.
إن ما كشفت عنه الجزيرة لهذه اللحظة هو مجرد رافد من معين الشقاقي الذي لا ينضب، والذي تقول إحدى الوثائق التي كشف عنها قبل عقدين: "إن مستقبل فلسطين أهم مليون مرة من مجلس لا يسمن ولا يغني من جوع".. فهل يقتضي إرضاء الكيان الصهيوني التفريط بفلسطين؟ وهل تقتضي الامتيازات والتسهيلات كل هذا العار؟ هذه مجزرة وحرب ترتكب ضد الشعب الفلسطيني أينما وجد، وهي ترتكب بأي ٍ د فلسطينية مشبوهة الولاء والانتماء.
شرعت قناة الجزيرة في نشر مجموعة وثائق "سرية" تعدت 1600وثيقة هي مضامين بعض ما كان يدور في كواليس المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، ومنذ أن شرعت الجزيرة في عملية النشر التي يبدو أنها أعدت لها جيدا، قامت الدنيا الفلسطينية بمختلف مشاربها ولم تقعد بعد، أنا شخصيا لم أفاجئ بكل ما قيل وما نشر وهو لهذه اللحظة قطرة من بحر التنازلات الفلسطينية، ولست بصدد البحث أو التعرض لمدى مصداقية هذه الوثائق من عدمها، ولن أتعرض لدلالاتها وتداعياتها والحسابات والظروف التي تنشر بها، ولن أعقب على أي قول أو فعل قد قيل مع أو ضد نشر الوثائق؛ لأن إنشاء السلطة الفلسطينية وقيام أي مظهر من مظاهر الحكم الذاتي الفلسطيني تحت حراب الاحتلال يعني بأن هذه الوثائق وأخواتها التي قد تظهر، هما السبب الرئيس والوحيد لوجود أي صورة من صور السلطة، وهي الوظيفة الوحيدة التي من أجلها قبل الكيان الصهيوني والمجتمع الغربي قيام مجموعة من الشعب الفلسطيني بالشروع في البيع والتفريط، ودون مقدمات بقاء السلطة مرهون بمصداقية ما ورد في الوثائق.
هذا الكلام وهذه النتائج لم تولد لدى كثيرين جراء شروع الجزيرة في كشف المستور، بل هي معلومة ومفهومة ومحفوظة ومنقوشة قبل عقدين من الزمن، وقد شرع الشهيد الشقاقي -رحمه الله- في كشف المستور والتحذير منه ومن تبعاته قبل الجزيرة بعقدين أو أقل بقليل، منذ أن بدا ورم التسوية الخبيث يتمدد في جسد القضية الفلسطينية، ولكن لم يُتلفت إلى الرجل وكلامه وهو الذي كان ولا زال يمتلك ناصية الصواب والحق والجدية والمستقبلية.
بعد شهر من تاريخ اليوم وقبل تسعة عشر عاما، وتحديدا في 25 / 2/ 1992 ، كشف الشقاقي المستور، وأعلن بأنه يعلم كل شاردة وواردة في هذه التنازلات، وقد قال بالحرف الواحد في جريدة العرب: "نحن نعلم ما يدور داخل قاعة المفاوضات، ونعلم قبل ذلك الأساس الذي تم عليه مبدأ الجلوس والتفاوض، ونعلم من تصريح لأبي مازن نفسه أن الفرق بين المشروع الفلسطيني والمشروع الإسرائيلي للحكم الذاتي لا يتجاوز 20 ٪، وأن هذه النسبة يمكن التفاوض حولها وحل إشكاليتها، ونحن ا ّ طلعنا على المشروعين الصهيوني والفلسطيني وكلاهما يج ّ سد الحد الأدنى من طموحات شعبنا، كلاهما يشرع ويقنن للاحتلال".
هذه واحدة من الوثائق التي كان الشقاقي -رحمه الله- قد كشف عنها، ويقول في وثيقة أخرى: "إن تصريحات أعضاء في الوفود تشير إلى المهانة والمذلة التي يتعرض لها المفاوض الفلسطيني أمام المفاوض الصهيوني، إن هناك تفريطا واضحا ليس فقط بكامل حقنا ووطننا بل بمقررات الأمم المتحدة وببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية نفسه"، وهو ما ذهبت إليه الوثائق المسربة وأكدت عليه، ولكن الفارق أن الشقاقي كان يمتلك البصيرة والبعد الموضوعي للأشياء ولم يكن بحاجة لوثائق مسربة أو مهربة، ليقول لنا ما الذي قد يحدث بعد عشرين سنة، كان موضوعيا ومنطقيا وواقعيا. وهو القائل في وثيقة ثالثة -ليست مهربة ولا مسربة بل هي شهادة للتاريخ وللقضية المركزية-: "كل هذه الحلول المقصود منها تكريس الاحتلال الصهيوني وتحقيق الهيمنة الصهيونية أمنيا وسياسيا واقتصاديا على كل المنطقة".
رحمه الله كان يدرك ما يدور وما يحدث ويعلم حجم الجريمة التي تنفذ ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه بأيدي فلسطينية ارتضت الارتماء دينا ومنهجا لها وقبلت الرضوخ للإملاء الصهيوني، وهذا ليس افتراء على المفاوضين الذي قالت عنهم وثائق الجزيرة بأنهم باعوا وهادنوا وقبلوا وفرطوا، ولكن الشقاقي استبق كل هؤلاء وقال: "ما يدور ليس مفاوضات بل هو إملاء لشروط طرف على الطرف الآخر تحت رعاية طرف هو بالكامل في صف عدونا".
المستور الذي كشفه الشقاقي وأعلن عنه لم يكن من أجل خلط الأوراق ولا بعثرة الصف الفلسطيني، ولم يكن ادعاء للمهنية والموضوعية، ولم يتعرض للعورات الفلسطينية ولم يخدش حياء الوحدة الوطنية. فعندما سئل الرجل في ديسمبر العام 1992 لماذا ترفضون المفاوضات؟، أجاب قائلا بثقة المنتصر وصاحب الحق المنتظر: "لأنها لن تعود علينا بأي خير ونفع لشعبنا ولأمتنا، بل ستكرس الاحتلال وتجعله شرعيا وقانونيا دون أن ننال أدنى حد من حقوقنا وستحولنا إلى جسر يمر فوقه الكيان الصهيوني والأمريكي إلى العواصم كافة"، هذه الوثيقة لم تعلن عنها الجزيرة بعد، وربما تشرع في عرضها في الأسابيع القادمة لكن الشقاقي تحدث عنها، تحت عنوان: كيف كانت السلطة الفلسطينية جسرا للعبور؟، بعدما بات بعض العرب وفي أعقاب توقيع اتفاق السلام المشئوم يشرعون ويهرولون للتطبيع، كانوا في كل مناسبة يستدعون ويقولون: "لن نكون ملكيين أكثر من الملك".. بما يعني أنهم لن يكونوا فلسطينيين أكثر من الجماعة المفاوضين والموقعين، وكانت هذه العبارة أول مسمار في جسر التطبيع العربي الصهيوني.
وقد حدث ما حذر الشقاقي منه، وباتت السلطة جسرا وبوابة للتطبيع والتركيع، وباتت اليوم محل اتهام وتفريط وتنازل عن الحقوق الفلسطينية، وبدأ الاحتلال الصهيوني أكثر حرصا على شروطه ومطالبه وأكثر تمسكا بمشروعه الاستيطاني التوسعي على حساب الحقوق الفلسطينية.
قبل أمس فقط، كشفت وثائق الجزيرة عن التفريط في حقوق اللاجئين -الذين هم زاد وزواد القضية الفلسطينية وشعلتها المضيئة التي لن تنطفئ-، ولكن وثائق الشقاقي كشفت عن التفريط قبل ثمانية عشر عاما، عندما قال رحمه الله: "هذه المسيرة السلمية ستسفر عن تشتيت أربعة ملايين فلسطيني هم عدد الفلسطينيين خارج فلسطين، ولا تتسع لهم صيغة مدريد بأي حال وعليهم أن يذوبوا في الصحراء العربية التي تستعصي عليهم"، كان ذلك في 21 / 8/ 1993 .
استمعت لبعض المحللين وقرأت لبعض المفكرين والكتاب الصحافيين، الذين قالوا بأن كشف الجزيرة للمستور سيتسبب في تعميق الأزمة والانقسام الفلسطيني وسيعمق الخلافات، وقد حدث نوع من هذا وذاك، وقرأت في وثائق الشقاقي ما هو أعمق وأبعد وأخطر عن كل ما ذهب إليه القوم الذين استضافتهم الجزيرة، فالرجل وفي عام 1993وصف أوسلو وأخواتها وما تلاها قائلا: "هذا الاتفاق يجعل الشعب الفلسطيني عرضة للاقتتال الداخلي والقمع على يد السلطة الجديدة، التي ستضيف إلى وسائل العدو الصهيوني، الذي سيكون موجودا بصورة أو بأخرى وسائل جديدة للقمع والتعذيب ومنع المجاهدين من الاستمرار في جهادهم ونضالهم لتحرير وطنهم"، الشقاقي هنا يستبق الجزيرة مرة أخرى ويتحدث عن التنسيق الأمني وإحداثياته التي يتوقع أن تفرج الجزيرة قادما عن محتوى وثائقه.
إن ما كشفت عنه الجزيرة لهذه اللحظة هو مجرد رافد من معين الشقاقي الذي لا ينضب، والذي تقول إحدى الوثائق التي كشف عنها قبل عقدين: "إن مستقبل فلسطين أهم مليون مرة من مجلس لا يسمن ولا يغني من جوع".. فهل يقتضي إرضاء الكيان الصهيوني التفريط بفلسطين؟ وهل تقتضي الامتيازات والتسهيلات كل هذا العار؟ هذه مجزرة وحرب ترتكب ضد الشعب الفلسطيني أينما وجد، وهي ترتكب بأي ٍ د فلسطينية مشبوهة الولاء والانتماء.
تعليق