جنين :
مصنع الشهداء .. و المدينة التي استطاعت على الكسر شوكة الاحتلال إنهه.............................................. ..
جنين..............
رغم أن مدينة جنين و مخيّمها لا تعتبر من المدن الكبرى من حيث عدد السكان و المساحة على صعيد فلسطين إلا أن وقع اسمها على مسامع أي متابعٍ في جميع أنحاء العالم أصبح رديفاً للمقاومة و الاستبسال ، و مع أن ما كان من مدينة و مخيم جنين من استبسال و صلابة في المقاومة أمام أكبر قوة عسكرية في المنطقة ، بالصمود لمدة تجاوزت الأسبوعين مع إيقاع عددٍ كبير من القتلى في الجانب الصهيوني بشكلٍ دعا رئيس هيئة الأركان الصهيوني للإشراف الشخصي على العملية ، و مع كلّ هذا لم تحظَ مدينة جنين بسجلّها الناصع من المقاومة الصلبة من تلك الحادثة فحسب ، فتاريخها حافل بالتضحية و البطولة و الفداء ، شكّل منها نموذجاً يحتذي بالصمود و المقاومة . مصنع الشهداء .. و المدينة التي استطاعت على الكسر شوكة الاحتلال إنهه.............................................. ..
جنين..............
جنين .. الجغرافيا و التاريخ :
تعدّ جنين أول مدينة تنتقل إليها السلطة الفلسطينية في 19 نوفمبر 1995 بعد احتلال دام 28 عاماً منذ أن وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية و الكيان الصهيوني اتفاقاً في سبتمبر 1994 لتوسيع الحكم الذاتي في الضفة الغربية .
و تقع جنين على السفح الشمالي لجبال نابلس المطلة على مرج ابن عامر شمال فلسطين و قد سماها العرب بهذا الاسم لأن كلمة مرج تعني أرضاً واسعة ذات نبات و مرعى للماشية و نسبوه إلى عامر الكلبي جد الصحابي دحيه الكلبي المدفون في إحدى قرى المرج الذي تقدّر مساحته بنحو 360 كيلومتراً مربعاً .
و ترتفع جنين من 125 إلى 250 متر عن سطح البحر و هي تقوم على البقعة التي كانت عليها مدينة (عين جنيم) بمعنى (عين الجناين) و في العهد الروماني كانت في مكانها قرية باسم "جيناي" ، و لما فتحها العرب حرّفوا الاسم فذكرت باسم "جنين" بياء بعد الجيم . و استردّها صلاح الدين الأيوبي من الصليبيين بعد معركة حطين الشهيرة عام 1187 و دخلت ضمن مملكة بيت المقدس و نزل صلاح الدين و بات فيها في الثامن من شوال عام 588 هجرية ثم استأنف مسيرته إلى بيسان و لكن التحرير النهائي لجنين لم يتم إلا عام 1244 على يد الملك الصالح . و كانت في عهد المماليك مركز بريد بين غزة و دمشق و فيها برج للحمام الزاجل الذي يحمل الرسائل بين مصر و الشام كما كانت محطة تحلّ فيها الهجن التي تحمل الثلج من دمشق إلى القاهرة في أيام الحر .
و خلال الحرب العالمية الأولى اتخذ الجيش الألماني المقيم في فلسطين من جنين مركزاً لسلاح طيرانه فأقام فيها مطاراً ضخماً لكن الجيش البريطاني دخل المدينة عام 1918 و عقد فيها الجنرال النبي قائد الحملة البريطانية مؤتمراً عاماً لقادة جيوشه في فلسطين ، بعد ذلك تحوّلت منطقة جنين إلى موقع للثوار و شهدت ميلاد أول ثورة مسلحة منظّمة ضد الوجود البريطاني عام 1935 بزعامة الشيخ عز الدين القسام كما كانت جنين آخر موقع انسحب منه القائد فوزي القاوقجي مع قواته بعد إيقاف الثورة و اختيرت جنين مقراً لمحطة الشرق الأدنى التي أنشأها الإنجليز عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية ثم انتقلت بعد ذلك إلى يافا و القدس ثم قبرص .
لا تعدّ جنين من المدن الكبرى الفلسطينية إذ لا يزيد عدد سكانها الآن مع القرى المجاورة عن مائة ألف نسمة لكن شهرتها نبعت من موقعها الاستراتيجي في شمال فلسطين و بمحاذاة سهل مرج بني عامر و لذلك يمتاز موقعها بأنه أحد مداخل المرج الجنوبية المؤدّية إلى جبال نابلس . و تعتبر جنين حلقة وصل بين طرق المواصلات القادمة من نابلس ، العفولة و بيسان ، و نقطة مواصلات الطرق المتجهة إلى حيفا ، الناصرة ، نابلس ، و القدس . و تقع إلى الشمال من مدينة نابلس ، و تبعد عنها 41 كم ، و ترتفع 250 م عن سطح البحر .
و من حيث عدد الفلسطينيين الذين عاشوا في مدينة جنين فقد وصل عددهم في عام 1922 إلى 2637 نسمة ، و في عام 1945 إلى 3990 نسمة ، و في عام 1961 إلى 14402 نسمة ، و في عام 1967 إلى 13365 نسمة بمن فيهم سكان مخيم جنين ، و عام 1987 إلى 17534 نسمة ، و في عام 1996 – و وفقاً للإحصاء الفلسطيني - بلغوا 23802 نسمة .. أما عدد سكان مخيم جنين فقد بلغوا 9062 نسمة .
و بعد احتلال القوات الصهيونية لمدينة جنين عام 1967 اقتطعت السلطات الصهيونية مائة ألف دونم من أراضي جنين لبناء المستوطنات كان من ضمنها تسع عشرة قرية عربية لم يتبقَّ منها الآن سوى ثلاث عشرة قرية بعد أن دمّرت القرى الستة الأخرى و أقيمت إحدى و عشرون مستوطنة ما تزال إلى الآن في منطقة جنين
في حديث الصهاينة : جنين مدينة القنابل البشرية :
إن ما يبديه رجال جنين من بطولة و استبسال في مواجهة الدبابات و الطائرات الصهيونية ، ليس بجديد على جنين و أبنائها ، فقبل ما يقرب من 67 عاماً وقف المجاهد البطل عز الدين القسام في نفس الموقف ، و واجه هو و عددٌ قليل من رفاقه عشرات من جنود الاحتلال البريطاني ، و فضّل الاستشهاد على أن يستسلم للبريطانيين ، و بعد عشرات السنين أعاد أبناء القسام في حماس و فتح و الجهاد و جميع التنظيمات المجاهدة من فصائل المقاومة كتابة الملحمة من جديد .
فالاستشهاد يون هم أكثر أسلحة المقاومة فعالية في تحقيق توازن الردع مع القوات الصهيونية و التي أعادت المقاومة استخدامها على يد المهندس القسّامي يحيى عياش بعد تصنيعه لمواد شديدة الانفجار من خليط من مواد أولية زراعية و مواد أخرى ، و قد برعت جنين في استخدام هذا السلاح و بدأ أبناؤها يتسابقون للخروج إلى المناطق المحتلة عام 1948 متزنّرين أحزمتهم الناسفة ، بعد أن شكّلت مدينة جنين على الدوام عمقاً مميزاً للمقاومة في مجال تنفيذ هذه العمليات التي زادت على خمسين عملية أوقعت ما يزيد عن 117 قتيلاً صهيونياً و جُرح أكثر من خمسمائة آخرين على مدار انتفاضة الأقصى ، انطلقت من المدينة ، مستغلة موقعها الملاصق للمناطق المحتلة عام 1948 فحدودها الثلاث عدا الجنوبية تطل على الخط الأخضر مما يُسهّل على المقاومين اختراقه في أي لحظة مهما كانت الاحتياطات الأمنية . و سواء كان الاستشهادي من أبناء جنين أو من خارجها فإنه يتلقّى المساعدات اللوجستية اللازمة لتنفيذ العملية بإيصال الاستشهادي لقبلته من قبل سكان جنين الذين خبُر الكثيرون منهم شوارع تلك المناطق المحتلة عن ظهر قلب . كما كان لطبيعة مدينة جنين السكانية أيضاً دور مميز في إطالة عصا المقاومة في ضرب عمق الكيان الصهيوني ، فالكثير من العائلات في القرى المحتلة عام 48 في المناطق الحدودية تجمعها علاقات القرابة أو النسب مع القرى في الطرف الآخر من الخط الأخضر . و يضاف إلى ما ذكر أن الكثير من الشبان الفلسطينيين قد تزوّجوا في فترات سابقة – و ما زالوا بحكم القرابة - من الفتيات الفلسطينيات داخل الأراضي المحتلة عام 48 ، مما منح الكثير منهم فرصة حمل الهوية (الإسرائيلية) التي تسهّل لحاملها التنقل في المناطق المحتلة ، سواء تلك المحتلة عام 67 أو المحتلة عام 48 . كما كانت المناطق المحتلة عام 48 تعتبر أيضاً بالنسبة لأكثر من سبعين بالمائة من الشبان الفلسطينيين قبيل الانتفاضة سوقاً للعمل ، مما زاد من خبرة المقاومة التي يعتبر الشباب عصبها في تلك المناطق و التعرّف على أماكن الازدحام فيها . فمن جنين خرج ما يربو على الستين من خيرة شباب فلسطين لتنفيذ عمليات استشهادية أبرزها "بنيا مينا" و "الخضيرة الأولى" و "الخضيرة الثانية" ، و "سابرو" و "نهاريا" ، فاستحقت المدينة - بامتياز - أن يطلق عليها عاصمة الاستشهاديين و "مصنع الشهداء" ، و وصفها السفاح موفاز بأنها "مدينة القنابل البشرية" ، كما أن مخيم جنين يعدّ النقطة الرئيسية لتجمّع المطاردين من رجال المقاومة من جانب قوات الاحتلال الصهيوني سواء من حماس أو الجهاد أو كتائب شهداء الأقصى .
شوكة في حلق الغاصبين.............
إن ما يبديه رجال جنين من بطولة و استبسال في مواجهة الدبابات و الطائرات الصهيونية ، ليس بجديد على جنين و أبنائها ، فقبل ما يقرب من 67 عاماً وقف المجاهد البطل عز الدين القسَّام في نفس الموقف ، و واجه هو و عددٌ قليل من رفاقه عشرات من جنود الاحتلال البريطاني ، و فضّل الاستشهاد على أن يستسلم للبريطانيين ، وبعد عشرات السنين أعاد أبناء القسَّام في حماس وغيرها من فصائل المقاومة كتابة الملحمة من جديد ، وبرغم أن النهاية لن تختلف كثيراً عما حدث للسقام و رفاقه ، إلا أنها ستمثّل وحياً منتظراً لمقاومين جدد يحملون راية المقاومة مرة أخرى ، و ما دامت الراية مرفوعة ، فالنصر آتٍ لا محالة و إن لم يدركه البصر .
و رغم كثرة الضربات التي تلقّتها المقاومة في جنين و استشهاد أكثر من 300 مواطن على مدار انتفاضة الأقصى إلا أنها ظلّت عصية على الكسر ، لعدة أسباب ، فالتلاحم بين رجال مختلف الفصائل الإسلامية و الوطنية علامة مميزة لجنين ، حيث وصل التنسيق لدرجة تشكيل غرفة عمليات مشتركة و تشكيل مجموعات قتالية مشتركة و كان ذلك إبّان اجتياح مخيم جنين في نيسان من العام الماضي ، كما نفّذت فصائل المقاومة في جنين عمليات مشتركة ، أبرزها عملية مستوطنة "الجلمة" التي نفّذها مقاتلان من كتائب القسام و سرايا القدس ، كما أن طبيعة جنين الجغرافية الجبلية المأهولة بالسكان و الواقعة على مشارف سهل مرج ابن عامر الزراعي شكّل درعاً إضافياً للمقاومة ، فسهل مرج ابن عامر المنبسط القليل التضاريس يعتبر ممر الدبابات الصهيونية نحو التوغل في المدينة مما يسهّل مراقبتها قبل وصولها إلى المدينة التي خبر المجاهدون طرقها و لم يعتد عليها المحتل ، حيث وفّرت لهم أماكن الاختباء الآمن بحيث تكون تحرّكات الصهاينة مكشوفة للمجاهدين مع عدم انقلاب الصورة بتسهيل تحركات القوات الصهيونية . أما اتساع محافظة جنين فكان له دور آخر في تشكيل درعٍ واقٍ للمجاهدين الذين استغلوا كثرة عدد القرى التابعة لمدينة جنين و تقاربها في تسهيل تحركاتهم و تنقلاتهم ، لذلك اعتبرت محافظة جنين من أكثر المحافظات ملائمة للاختباء لكلّ من يرغب في الاختفاء عن أعين الاحتلال الذي ما فتئ بملاحقة المجاهدين و تصفيتهم لكسر المقاومة و ابتلاع أراضينا ابتلاعاً سائغاً ، فقد استخدمها الشهيدان القائدان يحيى عياش و محمود أبو هنود و العشرات من القادة العسكريين الفلسطينيين و المطاردين من قبل القوات الصهيونية لذات الهدف و لفترات طويلة و لنفس الأسباب حيث ارتقى من على أراضي المدينة العديد من الشهداء من خارجها مثل الشيخ عز الدين القسام التي أصبحت مقاومة المدينة تستلهم قوتها من مقاومته الباسلة للقوات الإنجليزية إلى أن لقيَ ربه في أحراش يعبد شهيداً عام 1936 .
مخيم جنين و أسطورة الصمود :
وقد زاد مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين من جذوة المقاومة ، يقيناً منهم بأن المقاومة هي الطريق الوحيد الذي سيعيد أهله إلى أراضيهم و مسقط رؤوسهم ، فكلّ سكانه الأربعة عشر ألفاً قد رحِّلوا من أراضيهم عام 1948 بعد أن احتلتها العصابات الصهيونية ، و لا يزال سكان المخيم يحلمون بكلّ يقين إلى يوم عودتهم رغم ضبابية الوضع السياسي الذي لا يعولون عليه شيئاً . و ينحدر معظم سكان مخيم جنين من قرى جنين المحتلة عام 1948 ، و منها زرعين و نورس و صندلة و مقيبلة و المزار و قرى أخرى تابعة لمدينة حيفا ، و ليس الصمود الكبير الذي أبداه معظم سكانه و المقاومة إلا أكبر دليل على صلابتهم في الدفاع عن حقوقهم رغم ارتقاء أكثر من سبعين شهيداً في عملية اقتحام المخيم معظمهم من أهالي مخيم جنين و هدم أكثر من مائتي منزل على رؤوس ساكنيها و اعتقال المئات منهم . حيث حشد الاحتلال 400 دبابة و ناقلة جنود و عدة آلاف من الجنود ، بل تم استدعاء نحو 20 ألفاً من جنود الاحتياط الصهيوني ، إلا أن الجيش الصهيوني فوجئ بالمقاومة الشرسة التي أبداها سكان جنين . و يبدو أن رجال المقاومة استعدوا جيداً لمواجهة دبابات الاحتلال ، و تكبّدت قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 28 قتيلاً حسب اعترافهم ، إلا أن المجاهدين أكّدوا أن عدد ما قتلوا من الصهاينة يقارب الثمانين بإجماع مختلف مقاتلي الفصائل ، و لذلك قرّر رئيس الأركان الصهيوني شاوؤل موفاز عزل العقيد يوئيل ستريك قائد اللواء العسكري المكلّف باقتحام مخيم جنين و عين نائبه المقدّم ديدي يديدا بدلاً منه ، و مع توالي الفشل و ارتفاع حجم الخسائر ، قرّر موفاز عزل القائد الجديد ، و أعلن عن توليه - بنفسه - قيادة عملية الاقتحام ، و بسبب القتال الشرس و وقوع عددٍ كبير من الإصابات في مخيم جنين للاجئين قرّر الجيش الصهيوني القيام بهدم المنازل التي يدور فيها قتال ضارٍ ، دون "تطهيرها" بواسطة اقتحام الجنود لها . ليقتل ما يقارب الـ 67 فلسطينياً و يهدم حوالي 200 منزل و تشريد أصحابها الذين تجاوزوا 5000 نسمة .
تعليق