فتحى الشقاقى رمز الجهاد والوحدة، في الذكرى الثانية عشر لإستشهاده
بقلم: د.رفعت سيد أحمد
فى مثل هذه الأيام من العام 1995 وتحديداً فى يوم الخميس الموافق 26/10/1995 استشهد المجاهد الكبير الدكتور/ فتحى الشقاقى مؤسس حركة الجهاد الإسلامى فى فلسطين, وكان لاستشهاده كما كانت قضية حياته ردورد فعل كبرى, أضاقت للنضال الفلسطينى أبعاداً وقيماً جديدة, نحاول هنا أن نقدم بعضها من معرفة وصداقة ورابط شخصية لكاتب هذه مع الشهيد المعلم د. فتحى الشقاقى علها تفيد فى واقعنا الفلسطينى والعربى المؤلم الذى يموج بالفتن والصراعات والهزائم.
ولنبدأ من البداية, حيث كان التعرف الشخصى بالشهيد المعلم الدكتور/ فتحى الشقاقى يعود الى أواخر السبعينيات من القرن الماضى عندما كان يدرس الطب فى جامعة الزقازيق بمصر وبدأ يظهر كمفكر وقائد وسط الحركة الاسلامية المصرية و الفلسطينية, وكان التعرف به أكثر عندما بدأ يكتب سلسلة من المقالات والدراسات المهمة بمجلة (المختار الاسلامى) وهى مجلة اسلامية مستقلة واسعة الانتشار أسسها ولايزال يديرها الشيخ (حسين عاشور) الاخوانى المستنير الواعى, والذى فتح صفحاتها أمام هذا الجيل الثورى من الشباب الفلسطينى المسلم والذين أعطوا لهذه المجلة مذاقا ثوريا اسلاميا خاصا ومختلفا عما كانت صحف ومجلات الإسلاميين تطرحه حينذاك, ونتذكر اليوم من بين هؤلاء الشباب بالإضافة للشهيد الشقاقى تتذكر د. بشير موسى نافع و د. رمضان عبد الله شلح الأمين الحالى لحركة الجهاد فى أجواء هذه الفترة ومع أوائل الثمانينات تعرفنا بالشهيد وبأفكاره الفذة التى استطاع من خلالها تجميع الشباب الفلسطينى ــ وبعض المصريين ــ ليدشنوا البداية الحقيقية عام (1979) لحركة الجهاد الاسلامى التى انتقلت بعد ذلك من مدينة الزقازيق فى مصر الى قطاع غزة فى فلسطين لتكون أول حركة تؤسس للجهاد الاسلامى المسلح سابقا فى ذلك الحركات الاسلامية الفلسطينسة الآخرى.
* * * * * * *
*نتذكر اليوم وبعد هذه السنين ان السبب الرئيسى الذى أسس لعلاقات الأخوة والصداقة مع الشهيد الدكتور/ فتحى الشقاقى.
هو أننا وجدنا فى (الشقاقى) نموذجا فذا للمجاهد الصلب فى مواقفه تجاه قضايا أمته وفى مقدمتها القضية الفلسطينية التى كان هو صاحب نظرية أنها (القضية المركزية للأمة الاسلامية), وكان الى جانب ايمانه وصلابته. متواضعا سمحا, مبتسما, توفيقيا, بين كافة التيارات والقوى والأفكار الوطنية والعربية والاسلامية, كان قبلة المجاهدين وملتقى المناضلين, لذلك لم يكن غريبا أن تستمر الصداقه معه رغم تباعد المسافات والأزمان حيث كانت اللقاءات عزيزة خلال الثمانينات, وان زادت بعد ذلك فى التسعينيات.
وبعد استشهاد الشقاقى ومن قبله السيد عباس الموسوى الأمين العام السابق لحزب الله قمت بالتأريخ الوثائقى لهما بالإضافة للسيد حسن نصر الله الأمين العام الحالى لحزب الله لماذا؟
الاجابة وببساطة أنه وفضلاً عن العلاقة الشخصية تربكنا بهم فإن الاهتمام ينبع من كون هؤلاء كانوا ولايزالون شموعاً للثورة وللجهاد ينبغى أن تقتدى بها أمتنا العربية والاسلامية.
* * * * * * *
وبعودة الى الشقاقى فى الذكرى الثانية عشر لاستشهاده سنكتشف اليوم مجدداً أن غيابه خسارة, ولكن غيابه أيضا عبر الاستشهاد كان حافزا لمزيد من المقاومة والجهاد ومن توالد أجيال من الاستشهاديين من أبناء (حركة الجهاد) التى أضحت الأن وتحت قيادة الدكتور/ رمضان شلح, رقما رئيسيا فى معادلة الصراع مع العدو الصهيونى بل لا أبالغ إذ قلت أنها الرقم الأهم فى هذه المعادلة اذا ما فهمت على أنها معادلة تقوم على المقاومة المسلحة وليس المفاوضات ولعبة الحكم والديمقراطية بكل الغامها وفسادها وافسادها. ان دماء الشقاقى كانت الراية التى زرعت الجهاد مجددا فى أرض فلسطين. وبقدر خسارة الأمة له كزعيم وقائد اسلامى فذ بقدر ماكان استشهاده مفيدا للأمة ودافعا لاستمرار مقاومتها وجهادها.
ولكن ماذا عن المحطات الرئيسية فى حياة الشقاقى, انها ولاشك محطات عديدة ولكن ان أردنا تلخيصا سريعا لهذه المحطات فاننا نلخصها فى ثلاث محطات: الأولى: المرحلة الفلسطينية وهى تمتد منذ ميلاده عام1951 وحتى 1974 وحين ذهب الى مصر لدراسة الطب. وهذه المرحلة أوالمحطة هى التى تأثر فيها الشقاقى بهزيمة 1967 ومن قبلها بمحنة الاخوان المسلمين فى مصر وكانت مرحلة بحث عن الطريق الاسلامى المستقل و المقاوم للمشروع الصهيونى. المرحلة أو المحطة الثانية هى مرحلة مصر والتى فيها تبلورت اللبنات الأولى لحركة الجهاد ولخيار المقاومة وفيها تأسست الحركة وانطلقت. وهى تمتد حتى العام 1981 وفى اثنائها وقع حدثان أثرا فى الشقاقى تأثيرا كبيرا الأول هو انطلاق الثورة الاسلامية فى إيران (1978) والثانى زيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد ثم إغتيال السادات على أيدى الجماعات الجهادية الاسلامية فى مصر (1981). هذان الحدثان أثر فى رؤية ومواقف الشقاقى ودفعاه أكثر ناحية خيار الجهاد المسلح لتحرير فلسطين أما المحطة الثالثة: فهى محطة فلسطين والتى حمل فيها الشقاقى بذرة الجهاد التى أنبتها فى جامعة الزقازيق فى مصر (60 شابا فلسيطينا مجاهدا كانواهم نواة هذه البذرة التأسيسية) فقام بزراعتها فى قلب التربة الفلسطينية فى غزة فأثمرت وأنبتت حراكا جهاديا كبيرا كان أبرز ثماره الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) والتى قال عنها جنرالات العدو ومفكريها يومها لقد (دحرجت حركة الجهاد الاسلامى بقيادة الشقاقى حجر الانتفاضة الفلسطينية من فوق صدر الشعب الفلسطينى: هذا بنص كلماتهم). أما المحطة الرابعة والأخيرة فهى محطة الغربة والتى تنقل فيها الشقاقى بين بيروت ودمشق الى أن استقر فى منزله المتواضع فى حى اليرموك بدمشق والذى منه أدار وعن بعد كافة أمور حركته المجاهدة بعد نفيه من قبل العدو الصهيونى عام 1988, وهذه الفترة (فترة الغربة) انتهت باستشهاده وهو فى طريق العودة من طرابلس الغرب الى دمشق مارا بجزيرة مالطة, فقتله الموساد فى تمام الساعة الواحدة ظهرا يوم الخميس الموافق 26/10/1995 .
* * * * * * *
وبعودة العلاقات الشقاقى العربية والاسلامية نجده رغم حياته القصيرة (43عاماً) اقام علاقات متميزة مع القادة السياسين فى كل من لبنان وسوريا و ليبيا و الجزائر وإيران والأخيرة نسج الشقاقى معها علاقات ندية قوية ولكن من منظور المصلحة الوطنية الفلسطينية فلقد
أحب الشقاقى الثورة الإيرانية وامامها المجاهد, لأنها كانت ثورة ضد حاكم مستبد عميل للولايات المتحدة الأمريكية (شاه إيران) وكانت ثورة مساندة منذ لحظتها الأولى للقضية الفلسطينسة وداعمة لنضال أبناء فلسطين من أجل تحريرها, وكانت ثورة تترفع عن التجاوزات المذهبية الضيقة (وبخاصة فتنة السنة والشيعة التى يخلقها دائما الاستعمار) لكل هذا أحب الشقاقى الثورة وإمامها ودافع عنها وكتب مؤلفا هاما عن قائدها الامام الخمينى, رغم انتماء الشقاقى للمذهب السنى الذى يعد هو من أبرز مفكريه ومجاهديه.
* * * * * * *
* اليوم ونحن نحيى ذكرى استشهاد الشقاقى الثانية عشر, وكان كاتب هذه السطور أخر من التقاه ورافقه اسبوعاً كاملاً قبل استشهاده, فى مدينة طرابلس الغرب نتذكر أن الشقاقى كان يؤمن بما نسميه فقه الأولويات والذى فى مقدمته مقاتلة العدو الصهيونى, أولا بالسلاح وثانيا بالكلمة والفكرة, وحول هذه الأولوية تدور باقى القضايا, والتى لا ينبغى أبدا ــ وفقا للشقاقى ــ أن نقفز عليها أو نطوقها أو نشوهها كما هو حاصل اليوم فى فلسطين باسم السلطة والديمقراطية وكراسى الحكم فى وطن لا يزال محتلا.
لقد أعطى الشقاقى ــ ومن بعده الدكتور رمضان شلح ــ لحركة الجهاد سمة متميزة فى ساحة النضال الفلسطينى سمة نستطيع أن نحددها فى معادلة بسيطة ومباشرة وهى أن حركة الجهاد الاسلامى الفلسطينى هى (حركة مقاومة مسلحة لها إهتمامات وأدوار سياسية واجتماعية) أما الحركات الاسلامية الفلسطينية الآخرى فهى (حركات سياسية بالأساس لها بعض الأدوار المسلحة) ونحسب أن هذه المعادلة كافية لتفسير ما يجرى اليوم فى فلسطين, كافية اذا ما قارنا تلك الحركات الاسلامية الفلسطينية بأداء ووعى حركة الجهاد الاسلامى منذ أسسها (الشقاقى), ونماها وأنضجها رمضان شلح,نتذكر أيضاً اليوم رؤية الشقاقى فى التجميعية لاصحاب الأفكار والأيديولوجيات المختلفة سواء كانوا علمانيين أو قوميين لقد كان يختلف مع هذه الحركات والأيديولوجيات على المستوى النظرى, ولكنه عند الممارسة الواقعية على الأرض كان يرحب بأى لقاء مشترك يؤدى الى فعل وأداء ونضال يتجه ناحية فلسطين, كان يمد يده لكل هذه القوى, اذا ما وجد فيها نوايا صادقة لتحرير فلسطين ورفض الاستسلام, وأنا شاهد عيان على حجم المحبة والاحترام الذى كانت تكنه هذه الحركات وقياداتها للشهيد الدكتور فتحى الشقاقى, وكيف كانوا يعتبرونه ( القاسم المشترك) المقبول بينهم جميعا, فى كافة الفعاليات والمؤتمرات, لقد كان الشقاقى قيمة توحيدية كبرى فى مسار النضال الفلسطينى وكان مثالا للمثقف المنفتح على الأفكار والحركات المخالفة له فى الأيدولوجيات, طالما أنها لا تفرط فى ثوابت القضية وفى مصالح الأمة, وكان له أصدقاء ومحبين كبار من بين أبناء هذه الحركات, لقد كان الشقاقى يخالف وينقد الأطروحة الماركسية, ومع ذلك كان يرحب بالحوار مع الماركسين ونفس الأمر مع القوميين والليبراليين, وكانوا جميعا يخرجون من الحوار معه بتقدير خاص له ولوعيه واخلاصه, وأتذكرهنا أنه بعد مناظرة حامية بين المفكر القومى اليسارى السورى د. طيب تزينى مع الشهيد فتحى الشقاقى عقدت فى مخيم اليرموك أوائل التسعينات من القرن الماضى, أن (تزينى) خرج من المناظرة مندهشا ومعجبا بهذا (الجهاده الحركى) كيف يمتلك كل هذه الحجج الفكرية العميقة التى يرفض بها كثير من الأفكار العلمانية, ساعتها كتب الدكتور/ طيب تزينى مقالا شهيرا يصف به (الشقاقى) وعنونه بعنوان بليغ يقول فيه (المفكر مناضلا والمناضل مفكرا)
* * * * * * *
* على أية حال .. وفى الذكرى الثانية عشر لاستشهاد مؤسس حركة الجهاد الاسلامى فى فلسطين الصديق الشهيد الدكتور/ فتحى الشقاقى نقول أن أفكاره والقيم التى أرساها لا تزال, فاعلة ومؤثرة, خاصة قيمة (المقاومة والجهاد), صحيح يقوم أبناء حركته ورفاقه الكبار بحمل مشاعلها, لكن الأمر الأن يحتاج الى كافة القوى المناضلة داخل فلسطين وخارجها يحتاج منها أن تشارك فى حمل ذات المشاعل وأن تعيد بعث هذه القيم والأفكار وأن تتمسك بها, خاصة بعد أن ثبت بالدليل القاطع افلاس خيار التسوية أو الحكم والسلطة تحت حراب المحتل, لقد علمنا (الشقاقى), وعلمتنا فلسفة استشهاده وهو فى الغربة ــ كما الحسين عليه السلام ــ أنه لاخيار, لتحرير فلسطين, سوى بالجهاد, والمقاومة, وماعداهما, باطل وزائل. رحم الله شهيدنا رحمة الله واسعة والحقنا به فى العليين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ولنبدأ من البداية, حيث كان التعرف الشخصى بالشهيد المعلم الدكتور/ فتحى الشقاقى يعود الى أواخر السبعينيات من القرن الماضى عندما كان يدرس الطب فى جامعة الزقازيق بمصر وبدأ يظهر كمفكر وقائد وسط الحركة الاسلامية المصرية و الفلسطينية, وكان التعرف به أكثر عندما بدأ يكتب سلسلة من المقالات والدراسات المهمة بمجلة (المختار الاسلامى) وهى مجلة اسلامية مستقلة واسعة الانتشار أسسها ولايزال يديرها الشيخ (حسين عاشور) الاخوانى المستنير الواعى, والذى فتح صفحاتها أمام هذا الجيل الثورى من الشباب الفلسطينى المسلم والذين أعطوا لهذه المجلة مذاقا ثوريا اسلاميا خاصا ومختلفا عما كانت صحف ومجلات الإسلاميين تطرحه حينذاك, ونتذكر اليوم من بين هؤلاء الشباب بالإضافة للشهيد الشقاقى تتذكر د. بشير موسى نافع و د. رمضان عبد الله شلح الأمين الحالى لحركة الجهاد فى أجواء هذه الفترة ومع أوائل الثمانينات تعرفنا بالشهيد وبأفكاره الفذة التى استطاع من خلالها تجميع الشباب الفلسطينى ــ وبعض المصريين ــ ليدشنوا البداية الحقيقية عام (1979) لحركة الجهاد الاسلامى التى انتقلت بعد ذلك من مدينة الزقازيق فى مصر الى قطاع غزة فى فلسطين لتكون أول حركة تؤسس للجهاد الاسلامى المسلح سابقا فى ذلك الحركات الاسلامية الفلسطينسة الآخرى.
* * * * * * *
*نتذكر اليوم وبعد هذه السنين ان السبب الرئيسى الذى أسس لعلاقات الأخوة والصداقة مع الشهيد الدكتور/ فتحى الشقاقى.
هو أننا وجدنا فى (الشقاقى) نموذجا فذا للمجاهد الصلب فى مواقفه تجاه قضايا أمته وفى مقدمتها القضية الفلسطينية التى كان هو صاحب نظرية أنها (القضية المركزية للأمة الاسلامية), وكان الى جانب ايمانه وصلابته. متواضعا سمحا, مبتسما, توفيقيا, بين كافة التيارات والقوى والأفكار الوطنية والعربية والاسلامية, كان قبلة المجاهدين وملتقى المناضلين, لذلك لم يكن غريبا أن تستمر الصداقه معه رغم تباعد المسافات والأزمان حيث كانت اللقاءات عزيزة خلال الثمانينات, وان زادت بعد ذلك فى التسعينيات.
وبعد استشهاد الشقاقى ومن قبله السيد عباس الموسوى الأمين العام السابق لحزب الله قمت بالتأريخ الوثائقى لهما بالإضافة للسيد حسن نصر الله الأمين العام الحالى لحزب الله لماذا؟
الاجابة وببساطة أنه وفضلاً عن العلاقة الشخصية تربكنا بهم فإن الاهتمام ينبع من كون هؤلاء كانوا ولايزالون شموعاً للثورة وللجهاد ينبغى أن تقتدى بها أمتنا العربية والاسلامية.
* * * * * * *
وبعودة الى الشقاقى فى الذكرى الثانية عشر لاستشهاده سنكتشف اليوم مجدداً أن غيابه خسارة, ولكن غيابه أيضا عبر الاستشهاد كان حافزا لمزيد من المقاومة والجهاد ومن توالد أجيال من الاستشهاديين من أبناء (حركة الجهاد) التى أضحت الأن وتحت قيادة الدكتور/ رمضان شلح, رقما رئيسيا فى معادلة الصراع مع العدو الصهيونى بل لا أبالغ إذ قلت أنها الرقم الأهم فى هذه المعادلة اذا ما فهمت على أنها معادلة تقوم على المقاومة المسلحة وليس المفاوضات ولعبة الحكم والديمقراطية بكل الغامها وفسادها وافسادها. ان دماء الشقاقى كانت الراية التى زرعت الجهاد مجددا فى أرض فلسطين. وبقدر خسارة الأمة له كزعيم وقائد اسلامى فذ بقدر ماكان استشهاده مفيدا للأمة ودافعا لاستمرار مقاومتها وجهادها.
ولكن ماذا عن المحطات الرئيسية فى حياة الشقاقى, انها ولاشك محطات عديدة ولكن ان أردنا تلخيصا سريعا لهذه المحطات فاننا نلخصها فى ثلاث محطات: الأولى: المرحلة الفلسطينية وهى تمتد منذ ميلاده عام1951 وحتى 1974 وحين ذهب الى مصر لدراسة الطب. وهذه المرحلة أوالمحطة هى التى تأثر فيها الشقاقى بهزيمة 1967 ومن قبلها بمحنة الاخوان المسلمين فى مصر وكانت مرحلة بحث عن الطريق الاسلامى المستقل و المقاوم للمشروع الصهيونى. المرحلة أو المحطة الثانية هى مرحلة مصر والتى فيها تبلورت اللبنات الأولى لحركة الجهاد ولخيار المقاومة وفيها تأسست الحركة وانطلقت. وهى تمتد حتى العام 1981 وفى اثنائها وقع حدثان أثرا فى الشقاقى تأثيرا كبيرا الأول هو انطلاق الثورة الاسلامية فى إيران (1978) والثانى زيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد ثم إغتيال السادات على أيدى الجماعات الجهادية الاسلامية فى مصر (1981). هذان الحدثان أثر فى رؤية ومواقف الشقاقى ودفعاه أكثر ناحية خيار الجهاد المسلح لتحرير فلسطين أما المحطة الثالثة: فهى محطة فلسطين والتى حمل فيها الشقاقى بذرة الجهاد التى أنبتها فى جامعة الزقازيق فى مصر (60 شابا فلسيطينا مجاهدا كانواهم نواة هذه البذرة التأسيسية) فقام بزراعتها فى قلب التربة الفلسطينية فى غزة فأثمرت وأنبتت حراكا جهاديا كبيرا كان أبرز ثماره الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) والتى قال عنها جنرالات العدو ومفكريها يومها لقد (دحرجت حركة الجهاد الاسلامى بقيادة الشقاقى حجر الانتفاضة الفلسطينية من فوق صدر الشعب الفلسطينى: هذا بنص كلماتهم). أما المحطة الرابعة والأخيرة فهى محطة الغربة والتى تنقل فيها الشقاقى بين بيروت ودمشق الى أن استقر فى منزله المتواضع فى حى اليرموك بدمشق والذى منه أدار وعن بعد كافة أمور حركته المجاهدة بعد نفيه من قبل العدو الصهيونى عام 1988, وهذه الفترة (فترة الغربة) انتهت باستشهاده وهو فى طريق العودة من طرابلس الغرب الى دمشق مارا بجزيرة مالطة, فقتله الموساد فى تمام الساعة الواحدة ظهرا يوم الخميس الموافق 26/10/1995 .
* * * * * * *
وبعودة العلاقات الشقاقى العربية والاسلامية نجده رغم حياته القصيرة (43عاماً) اقام علاقات متميزة مع القادة السياسين فى كل من لبنان وسوريا و ليبيا و الجزائر وإيران والأخيرة نسج الشقاقى معها علاقات ندية قوية ولكن من منظور المصلحة الوطنية الفلسطينية فلقد
أحب الشقاقى الثورة الإيرانية وامامها المجاهد, لأنها كانت ثورة ضد حاكم مستبد عميل للولايات المتحدة الأمريكية (شاه إيران) وكانت ثورة مساندة منذ لحظتها الأولى للقضية الفلسطينسة وداعمة لنضال أبناء فلسطين من أجل تحريرها, وكانت ثورة تترفع عن التجاوزات المذهبية الضيقة (وبخاصة فتنة السنة والشيعة التى يخلقها دائما الاستعمار) لكل هذا أحب الشقاقى الثورة وإمامها ودافع عنها وكتب مؤلفا هاما عن قائدها الامام الخمينى, رغم انتماء الشقاقى للمذهب السنى الذى يعد هو من أبرز مفكريه ومجاهديه.
* * * * * * *
* اليوم ونحن نحيى ذكرى استشهاد الشقاقى الثانية عشر, وكان كاتب هذه السطور أخر من التقاه ورافقه اسبوعاً كاملاً قبل استشهاده, فى مدينة طرابلس الغرب نتذكر أن الشقاقى كان يؤمن بما نسميه فقه الأولويات والذى فى مقدمته مقاتلة العدو الصهيونى, أولا بالسلاح وثانيا بالكلمة والفكرة, وحول هذه الأولوية تدور باقى القضايا, والتى لا ينبغى أبدا ــ وفقا للشقاقى ــ أن نقفز عليها أو نطوقها أو نشوهها كما هو حاصل اليوم فى فلسطين باسم السلطة والديمقراطية وكراسى الحكم فى وطن لا يزال محتلا.
لقد أعطى الشقاقى ــ ومن بعده الدكتور رمضان شلح ــ لحركة الجهاد سمة متميزة فى ساحة النضال الفلسطينى سمة نستطيع أن نحددها فى معادلة بسيطة ومباشرة وهى أن حركة الجهاد الاسلامى الفلسطينى هى (حركة مقاومة مسلحة لها إهتمامات وأدوار سياسية واجتماعية) أما الحركات الاسلامية الفلسطينية الآخرى فهى (حركات سياسية بالأساس لها بعض الأدوار المسلحة) ونحسب أن هذه المعادلة كافية لتفسير ما يجرى اليوم فى فلسطين, كافية اذا ما قارنا تلك الحركات الاسلامية الفلسطينية بأداء ووعى حركة الجهاد الاسلامى منذ أسسها (الشقاقى), ونماها وأنضجها رمضان شلح,نتذكر أيضاً اليوم رؤية الشقاقى فى التجميعية لاصحاب الأفكار والأيديولوجيات المختلفة سواء كانوا علمانيين أو قوميين لقد كان يختلف مع هذه الحركات والأيديولوجيات على المستوى النظرى, ولكنه عند الممارسة الواقعية على الأرض كان يرحب بأى لقاء مشترك يؤدى الى فعل وأداء ونضال يتجه ناحية فلسطين, كان يمد يده لكل هذه القوى, اذا ما وجد فيها نوايا صادقة لتحرير فلسطين ورفض الاستسلام, وأنا شاهد عيان على حجم المحبة والاحترام الذى كانت تكنه هذه الحركات وقياداتها للشهيد الدكتور فتحى الشقاقى, وكيف كانوا يعتبرونه ( القاسم المشترك) المقبول بينهم جميعا, فى كافة الفعاليات والمؤتمرات, لقد كان الشقاقى قيمة توحيدية كبرى فى مسار النضال الفلسطينى وكان مثالا للمثقف المنفتح على الأفكار والحركات المخالفة له فى الأيدولوجيات, طالما أنها لا تفرط فى ثوابت القضية وفى مصالح الأمة, وكان له أصدقاء ومحبين كبار من بين أبناء هذه الحركات, لقد كان الشقاقى يخالف وينقد الأطروحة الماركسية, ومع ذلك كان يرحب بالحوار مع الماركسين ونفس الأمر مع القوميين والليبراليين, وكانوا جميعا يخرجون من الحوار معه بتقدير خاص له ولوعيه واخلاصه, وأتذكرهنا أنه بعد مناظرة حامية بين المفكر القومى اليسارى السورى د. طيب تزينى مع الشهيد فتحى الشقاقى عقدت فى مخيم اليرموك أوائل التسعينات من القرن الماضى, أن (تزينى) خرج من المناظرة مندهشا ومعجبا بهذا (الجهاده الحركى) كيف يمتلك كل هذه الحجج الفكرية العميقة التى يرفض بها كثير من الأفكار العلمانية, ساعتها كتب الدكتور/ طيب تزينى مقالا شهيرا يصف به (الشقاقى) وعنونه بعنوان بليغ يقول فيه (المفكر مناضلا والمناضل مفكرا)
* * * * * * *
* على أية حال .. وفى الذكرى الثانية عشر لاستشهاد مؤسس حركة الجهاد الاسلامى فى فلسطين الصديق الشهيد الدكتور/ فتحى الشقاقى نقول أن أفكاره والقيم التى أرساها لا تزال, فاعلة ومؤثرة, خاصة قيمة (المقاومة والجهاد), صحيح يقوم أبناء حركته ورفاقه الكبار بحمل مشاعلها, لكن الأمر الأن يحتاج الى كافة القوى المناضلة داخل فلسطين وخارجها يحتاج منها أن تشارك فى حمل ذات المشاعل وأن تعيد بعث هذه القيم والأفكار وأن تتمسك بها, خاصة بعد أن ثبت بالدليل القاطع افلاس خيار التسوية أو الحكم والسلطة تحت حراب المحتل, لقد علمنا (الشقاقى), وعلمتنا فلسفة استشهاده وهو فى الغربة ــ كما الحسين عليه السلام ــ أنه لاخيار, لتحرير فلسطين, سوى بالجهاد, والمقاومة, وماعداهما, باطل وزائل. رحم الله شهيدنا رحمة الله واسعة والحقنا به فى العليين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعليق